نظمت مجموعة الأبحاث والدراسات للعلوم الجنائية برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية لجامعة القاضي عياض بمراكش مؤخرا ندوة علمية حول موضوع اصلاح منظومة العدالة، حيث كان لمئات الطلاب والباحثين فرصة التواصل والانفتاح على مشاغل عدد من القضاة والباحثين المهتمين بسؤال استقلال السلطة القضائية في ضوء مشاريع اصلاح منظومة العدالة، وذلك بحضور نادي قضاة المغرب والمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية والجمعية المغربية للقضاة. استهلت أشغال اليوم الدراسي بكلمات افتتاحية أكدت على دور الجامعة في مواكبة النقاش المجتمعي الراهن حول اصلاح منظومة العدالة كمطلب رفعته كل قوى الحية المطالبة بالتغيير وهو النقاش الذي تعزز بظهور جمعيات قضائية جديدة، كما تم التأكيد على اعتبار اللحظة تاريخية لكونها تواكب تنزيل الدستور الجديد في شكل قوانين يفترض أن تكون ضامنة لاستقلال القضاء ومعتمدة لمبدأ التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية. كلمة رئيس نادي قضاة المغرب ياسين مخلي المقدمة ضمن أشغال هذا اللقاء ركزت على الانتقادات التي سجلتها الجمعية لمسودة القوانين المعلن عنها التي جاءت مخيبة للآمال، حيث استعرض الرئيس جملة من الملاحظات التي سجلها نادي قضاة المغرب بخصوص مشاريع القوانين التنظيمية مركزا على تجاهلها لدور الجمعيات العمومية، والرغبة الأكيدة في محاصرة حق القضاة في العمل الجمعوي من خلال فرض شروط غير دستورية من شأنها اغتيال حق القضاة في التعبير، ومحاولة تكرار سلبيات الماضي عن طريق شرعنة انتداب القضاة، وربط ترقيتهم بالتنقيل، والتضخيم من صلاحية المسؤول القضائي على حساب المقاربة التشاركية. المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية كان حاضرا في أشغال هذا اللقاء بكلمة القاضي أنس سعدون الذي قدم قراءة نقدية لمشاريع القوانين التنظيمية في ضوء مطالب القضاة حيث اعتبر احداث منصب القاضي النائب خرقا سافرا لمبدأ ثبات المنصب القضائي، منتقدا محاولات وزارة العدل الهادفة للتضييق على حق القضاة في العمل الجمعوي من خلال وضع شروط غير دستورية وتتنافى مع أفضل التجارب الدولية في هذا الصدد مؤكدا أن الروابط والجمعيات التي يؤسسها القضاة تهدف للدفاع عن استقلال السلطة القضائية لذا من الواجب تشجيعها وتخويلها كل الآليات اللازمة لعملها والاستفادة من اسهاماتها في اصلاح منظومة العدالة، وليس محاولة استئصالها أو تحويلها إلى مجرد جمعيات صامتة، داعيا في هذا الصدد جميع المهتمين بهذا الورش الى الاستفادة من تجارب الماضي من أجل تحقيق اصلاح عميق وشامل للمنظومة القضائية، وعبر أنس سعدون عن القلق الذي يراود القائمين على المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية من استمرار حالات التضييق التي تطال حق القضاة في التعبير والعمل الجمعوي وكذا المس بأبسط حقوق الدفاع على مستوى المساطر المتعلقة بالقضاة المحالين على المجلس الأعلى للقضاء ضمن ما بات يعرف بقضاة الرأي . الدكتور محمد الهيني العضو النشيط في جمعيتي نادي قضاة المغرب وعدالة، وأحد القضاة المتابعين أمام المجلس الأعلى للقضاء بسبب ممارستهم لحقهم في التعبير تناول في كلمة مقدمة لأشغال هذه التظاهرة العلمية موضوع احداث مجلس دولة حيث استهل مداخلته بالتأكيد على أن بناء صرح قضاء إداري فعال ومتخصص في البت في المنازعات الإدارية يبقى أمرا متوقفا على إحداث محكمة إدارية عليا قائمة بذاتها كما بشر بها الدستور الجديد، تعلو الهرم القضاء الإداري، وتسهر على مراقبة تطبيق القانون من طرف المحاكم الدنيا وتوحيد الاجتهاد القضائي، والإسهام في ضمان الأمن القضائي، مستعرضا عددا من مؤيدات إحداث هذه المؤسسة الجديدة من بينها ملاءمة التنظيم القضائي مع الدستور الجديد، واستكمال صرح القضاء الإداري وتكريس ازدواجية كاملة للنظامين القضائي والقانوني، و دعم التخصص واحترافية القضاء الإداري، وأضاف بأن من شأن احداث مجلس دولة أن يسهم في تحقيق استقلالية كاملة لمحكمة النقض عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إذ لا يعقل أن تراقب محكمة النقض نفسها في قرارات رئيسها المعتبر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة ، فتحقيق ضمانة مراقبة مشروعية وملائمة القرارات التأديبية بصفة جدية وناجعة يستلزم إحداث مؤسسة مستقلة لرفع استشعار الحرج عن قضاة النقض وحماية حقوق القضاة في نفس الوقت وبت الطمأنينة والأمان على مصائرهم. الجمعية المغربية للقضاة كانت ممثلة في أشغال هذا اليوم الدراسي من خلال الحضور المتميز للأستاذة رشيدة أحفوض التي أشادت بإسهامات القضاة الشباب في ورش اصلاح القضاء من خلال التجربة الرائدة لنادي قضاة المغرب وكذا المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية معتبرة أن تعدد الجمعيات القضائية يعتبر عامل قوة من أجل الاسهام في اصلاح منظومة العدالة، وأكدت على أن التعديلات التي أجريت على مسودة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية في بعضها لا تتوافق و روح الدستور الجديد ، كما أنها حددت مجموعة من مظاهر القصور على مستوى المشاريع المعلن عنها مؤكدة على ضرورة الحفاظ على شهادة الإجازة كشرط للولوج إلى القضاء من أجل منح الفرصة لباقي المترشحين تطبيقا لمبدأ تكافؤ الفرص، و دعت الى ضرورة مراعاة الظروف الاجتماعية للقضاة عند البت في طلبات انتقالهم، ونبهت الى خطورة الانتداب دون استشارة القضاة على اعتبار أن هذا الأمر فيه ضرب في استقلاليتهم . مذكرة في هذا الصدد بوجود عدد من المحاكم لا تليق بالقضاة ولا بالمتقاضين . الندوة عرفت تقديم عدة مداخلات أخرى حيث ناقش الدكتور عبد الكريم الطالب اشكالية الدفع بعدم دستورية القوانين، وتناول النقيب مصطفى الشوكي أجهزة نقابة المحامين وانتخابها من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة كما ركز المحامي عبد الله لكسير مداخلته حول موضوع دور المحامي في تحقيق العدالة الإجرائية، وقدم الدكتور محمد الغالي مداخلة حول مرتكزات الهندسة الدستورية الجديدة في إصلاح منظومة العدالة، بينما تناولت الدكتورة مجيدي السعدية في مداخلتها على عدالة الأحداث الجانحين. وقد خلص المشاركون في ختام هذا اليوم الدراسي لضرورة احترام التأويل الديمقراطي للدستور الجديد من خلال اصدار قوانين ضامنة لاستقلال السلطة القضائية وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للمسودة المعلن عنها، حيث تم تقديم عدة مقترحات اهمها : - احداث مجلس دولة؛ - دمقرطة طريقة التعيين في مناصب المسؤولية القضائية؛ - الغاء تنقيل القضاة بمناسبة الترقية؛ - حذف أي شروط غير دستورية على حق القضاة في تكوين الجمعيات والروابط؛ - احترام حصانة القضاة من النقل وربط الانتداب بموافقة القضاة؛ - معيرة طريقة عمل مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ - مراجعة شاملة للقوانين الاجرائية والموضوعية بما يضمن الملاءمة مع المعايير الدولية وكذا دستور 2011. اليوم الدراسي عرف أيضا لحظات مؤثرة بتكريم الدكتور محمد الكشبور اعترافا لاسهاماته الجليلة في خدمة البحث العلمي وطنيا ودوليا، وكذا الوقوف وقفة لتكريم الدكتورة رشيدة أحفوض كنموذج متميز للمرأة القاضية، وكذا الوقوف وقفة تعبيرا عن الاعتزاز بتجربة نادي قضاة المغرب ومساهمته في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية.