نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالحسيمة،أخيرا، بتعاون مع المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الانسان، وجمعية المحامين الشباب، وبحضور الجمعية المغربية للقضاة ندوة علمية حول «استقلال السلطة القضائية بالمغرب بين المكتسبات الدستورية ومشاريع القوانين التنظيمية»، بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالحسيمة . وتأتي هذه الندوة التي حضرها عدد من القضاة والمحامين وفعاليات حقوقية وجمعوية، تزامنا مع النقاش العمومي المفتوح حول ورش إصلاح القضاء الذي أخذ «منعطفا جديدا بعد الاعلان عن مسودة مشاريع قوانين السلطة القضائية، وما واكبها من احتجاجات للقضاة»، كان من أبرز فصولها الوقفة التي «شارك فيها حوالي 1500 »قاض ينتمون لنادي القضاة للمطالبة بنصوص قوانين ضامنة لاستقلال القضاء. افتتاح أشغال الندوة انطلق بكلمات للمنظمين حيث أكد رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالحسيمة «شريف الغيام» أن «احتجاجات القضاة المعبر عنها مؤخرا لا يعني غلقهم لأبواب الحوار مع كل الجهات المسؤولة من أجل تفعيل المقتضيات الدستورية في شكل قوانين ضامنة لاستقلال السلطة القضائية»، حيث يبقى نادي القضاة «منفتحا على الجمعيات المهنية الأخرى، وكل الفعاليات المهتمة بإصلاح منظومة العدالة باعتبارهم شريكا في الاصلاح المنشود«. وكان «ياسين مخلي» رئيس نادي قضاة المغرب، أكد في كلمة لأشغال الندوة أن هناك «صعوبات تعرفها الجهود الهادفة إلى تنزيل الوثيقة الدستورية، مردها رغبة السلطة التنفيذية في إبقاء التحكم وآليات التدخل في استقلال السلطة القضائية والقضاة». واعتبر «مخلي» أن «المتتبع للآليات التي تم اعتمادها من طرف وزارة العدل والحريات خلال إطلاقها للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة يتبين بجلاء عدم اعتماد التشاركية بالشكل المطلوب، وهو ما أثر على جودة الندوات الجهوية والخلاصات المنبثقة عنها». وأضاف رئيس النادي إنه «بعد إعلان وزارة العدل عن مسودتي مشروعي القانونين التنظيمين، ومناقشتهما داخل نادي قضاة المغرب، تم تسجيل العديد من التراجعات الخطيرة»، وهو ما «أجمعت عليه كل الجمعيات المهنية القضائية من خلال بيانها المؤرخ في 1 نونبر 2013»، مبديا «أسفه لتزامن ورش إصلاح القضاء مع وجود تراجعات في ممارسة الحريات الأساسية للقضاة، وتنزيل الضمانات الدستورية الممنوحة لهم». الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان «محمد الصبار» في مداخلة له حول «استقلال القضاء بين المعايير الدولية والوثيقة الدستورية»، تطرق ل «الخلاصات الأولية حول أحد الخيارات المنهجية الأساسية التي اعتمدها المجلس الوطني لحقوق الانسان في مسار إعداده لمذكراته بخصوص قوانين السلطة القضائية»، ويتعلق ب «تعبئة مرجعيات القانون الدولي لحقوق الانسان بمعناها الشامل الذي يحيل على الاتفاقيات الدولية ومختلف عناصرها التفسيرية». وقد استعرض الصبار «عددا من المداخل التأويلية المتكاملة التي تم اعتمادها بدءا بالمدخل الحرفي الذي يتجلى في الصياغة الواضحة للضمانات المتعلقة بالمسار المهني للقضاة، والمدخل الغائي حيث يمكن على سبيل المثال البرهنة على أن تحقيق الغاية من التنصيص الدستوري على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة يستلزم أجرأة خاصة عبر القوانين التنظيمية، إلى جانب المدخل النسقي المرتبط بتنزيل المتن الدستوري في علاقته بالمهمة الدستورية للقاضي المحددة في الفصل 117 من الدستور على ضوء مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، دون اغفال المدخل القيمي ودوره في تحديد أولي لعناصر الاخلاقيات المهنية للقضاة سواء منها ذات الطابع المعياري أو التي يمكن تضمينها في مدونة الأخلاقيات». رشيدة أحفوض رئيسة الجمعية المغربية للقضاة، استهلت مداخلتها بسؤال: حول «ما إذا كانت مشاريع قوانين السلطة القضائية تشكل مدخلا لإصلاح منظومة العدالة.. ؟»، حيث اعتبرت أن المسودتين المعلن عنهما «تضمنتا عددا من المقتضيات الإيجابية إلا أنها لم تسلم من وجود عدد من السلبيات من بينها، اشتراط الماستر لولوج القضاء رغم أن امكانية الحصول على ماستر غير متاحة لجميع الطلبة، والسماح بولوج القضاء بالنسبة لتخصصات بعيدة كل البعد عن التخصصات القانونية والشرعية»، لتضيف أن «هناك نصوصا غير دستورية في المشاريع المعلن عنها أهمها: المقتضيات المتعلقة بتنظيم الجمعيات المهنية للقضاة، والقيود التي تم فرضها من خلال اشتراط تمثيلية معينة وفرض شرط عدم امكانية الانتماء إلى أكثر من جمعية مهنية واحدة». أحفوض سلطت الضوء على عدد من مقترحات الجمعية المغربية للقضاة ومن بينها: إعادة النظر في التكوين بالمعهد العالي للقضاء سواء بالنسبة للمكونين أو مناهج التكوين، مع الاهتمام بالتكوين في مجال الادارة القضائية. إلغاء الدرجة الثالثة وإدماج القضاة الجدد فورا في الدرجة الثانية على غرار قضاة المجالس العليا للحسابات. التنصيص على أن إحالة القضاة على التقاعد أو التمديد لهم ينبغي أن يكون بموافقة القضاة المعنيين بالأمر. إشراك قضاة ممثلين لجميع درجات المحاكم في عملية الإشراف على انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية. تمتيع القضاة بقرينة البراءة على غرار باقي المواطنين .. أحفوض لم تفوت الفرصة للدعوة إلى «لم الشمل بين القضاة لأن موضوع القوانين التنظيمية يبقى جديرا بتوحيد صفوف جميع القضاة من أجل الدفاع عن حقوقهم المهنية وضمانات استقلالهم وبالتالي الدفاع عن حقوق المواطنين»، و«استئناف الحوار من جديد بين وزارة العدل والحريات ونادي القضاة بحضور باقي الجمعيات المهنية القضائية الأخرى». القاضي «أنس سعدون» قدم الكلمة باسم المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، حيث تطرق ل «واقع وآفاق الحراك القضائي بالمغرب في ضوء مشاريع قوانين السلطة القضائية»، مؤكدا على «وجود حراك قضائي واع ومسؤول ومتفاعل على مستوى الساحة القضائية». ومن من بين أهم تجلياته «التعددية التي يعرفها المشهد القضائي فيما يتعلق بالجمعيات المهنية القضائية التي ينبغي أن ينظر إليها كمكسب للقضاة وللمواطنين»، خاصة أنها «تمثل فضاء جديدا للحوار وللنقاش وللعمل من أجل الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، إلى جانب الدور المتنامي للقضاة الشباب كعنصر فاعل في الاصلاح المنشود، لا سيما بعد تعزيز الصفوف القضائية بدخول أفواج جديدة جعلت نسبة الشباب داخل الجسم القضائي تناهز الثلث مما يفرض ضرورة الانصات إلى مطالب هذه الفئة»،. سعدون لم يخف «قلق المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية من وجود تراجعات على مستوى مسودة مشاريع القوانين التنظيمية التي حملت بعض البنود التي تحاول تطويق الحراك القضائي التي تستهدف الأفواج الجديدة من القضاة، كما تستهدف الجمعيات المهنية الحديثة التي تأسست بعد المصادقة على دستور 2011». باقي مداخلات الندوة ركزت كلها على أهمية الاستقلال المنشود للسلطة القضائية باعتبارها رافعة أساسية لكل تقدم .