الدارالبيضاء، آنفا قديما، في عمق ما كان يعرف بمنطقة تامسنا والتي كان مجالها الحيوي يمتد من أبي رقراق إلى تانسيفت، تشكل حاليا القلب النابض للمغرب، وتحد جغرافيا بهضبة زعير شمالا، وهضبة ابن سليمان شرقا، وبالشاوية جنوبا، في حين يطل الجزء الشمالي الغربي منها على المحيط الأطلسي. والجهة عموما عبارة عن سهل منفتح على أغنى الأراضي الفلاحية تحتل الدار البيضاء موقعا مركزيا في النسيج الاقتصادي الوطني، بحكم ما تمثله من تمركز لوحدات الإنتاج (55(%، وما تستهلكه من طاقة كهربائية (35%(، وما توفره من ضريبة على القيمة المضافة (50(%، بالإضافة إلى مساهمتها في الناتج الداخلي الخام (25 %(، وفي الوعاء الضريبي الوطني (أكثر من 60 %(. وتستحوذ على 49.6% من أنشطة التجارة والخدمات، وعلى 40.5% من النشاط الصناعي؛ فهي بحق العاصمة الاقتصادية للبلاد. وهي فوق ذلك أول سوق مالي للمغرب، حيث تنتشر فيها 30% من الشبكة البنكية، وتتركز فيها إداراتها المركزية، وإدارات مؤسسات التأمينات، وبورصة القيم .كما تتم في ميناء الدار البيضاء وحده حوالي 60 % من المبادلات التجارية؛ أي أكثر من 20 مليون طن من السلع و500.000 حاوية تمثل 54% من القدرة الاستيعابية لموانئ المغرب، وهو الأول على الصعيد الوطني، والرابع على الصعيد الإفريقي، خيث يعج بكل أنواع السفن من ناقلات للنفط وسفن سياحية... بالإضافة إلى ذلك يعتبر مطار محمد الخامس الأول على الصعيد الوطني، والأول على صعيد المغرب العربي بطاقة تناهز 16.4 مليون راكب، وتؤم إليه أكثر من 45 شركة طيران تربطه بأكثر من 90 جهة من جهات العالم، وقد شهد المطار تمرير أكثر من 6.2 مليون راكب عام 2008، وتوجد به محطتان للشحن بقدرة استيعابية تصل إلى أكثر من 150.000 طن. تمثل القطاعات الاجتماعية ? الانتاجية- حجما قياسيا يؤثر بشكل مباشر على العلاقة بين الإدارة الجهوية و الإدارة المركزية؛ فمثلا يبلغ عدد المتمدرسين في الجهة أكثر من 20% من المجمل الوطني, ونجد نفس الوضع بالنسبة للقطاعات الأخرى كالصحة والرياضة وغيرها توجه استشرافي محفز إن الحجم السكاني لمدينة الدار البيضاء ضخم وكثافته عالية، إذ يمثل خمس ساكنة المغرب، وتصل بعض التقديرات بهذا العدد إلى حوالي 6 ملايين نسمة؛ علاوة على ذلك، فالمدينة محج لكل الأطر المهتمة بالصناعة الدقيقة والتكنولوجية الحديثة، ومقصد لأغلبية المؤسسات الناشئة؛ هذا مع توسع الأنشطة الخدماتية وتطورها في القطاع الخاص بشكل يضاهي أعلى مستويات الجودة والاندماج التكنولوجي في العالم. وتتمتع المدينة بفئة عمرية شابة، حيث أن 38% من سكانها أقل من 18 سنة، و76.5% من السكان تتراوح أعمارهم بين 15 و59 سنة، وتبقى 16.5% هي الفئة العمرية التي تتجاوز 60 سنة. وهي تشغل حاليا 39% من الساكنة الناشطة في المغرب، 60% منها في المجال الصناعي وحده. تعتبر المدينة أيضا أكبر ورش استدلالي لإنجاح الديمقراطية المحلية وتنفيذ اللامركزية وبناء الدولة الحديثة، بحكم زخم إمكانياتها وتاريخها النضالي الطويل، وثقلها السياسي؛ فقد كانت معقل المقاومة وجيش التحرير، ومهد الحركة الاتحادية، ومنشأ الحركة العمالية، ومعقل المعارضة المناهضة للقمع والمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية؛ وما انتفاضات 1965 و1981...إلا دليل على ذلك. ونذكر في سياق علاقة المدينة بالمعارضة، تلك التجارب الرائدة التي خاضها الاتحاد الاشتراكي في مجال تدبير الشأن المحلي بالدار البيضاء، والتي تركت بصمات جديرة بالاعتبار، استفادت منها واقتدت بها جل المجالس الأخرى. فرغم التضييق الممنهج، وشح الإمكانيات المتاحة للمنتخبين الاتحاديين، وعرقلة مقترحاتهم، فقد برهنوا عن كفاءة عالية في الدفاع عن مصالح المدينة، بتحسين الخدمات، وتحصين المالية العمومية، والحفاظ على الممتلكات، بالإضافة إلى ذلك القيام بمبادرات جريئة كانت نبراسا للمسؤولين الجماعيين، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: - تجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في تدبير المجلس البلدي للدار البيضاء في بداية الستينات من القرن الماضي، و التي بلغ سقف تدخل المجلس المشار إليه في تدبير الشأن العام حد الإسهام المباشر في المجال التربوي، عبر إنشاء مؤسستين تعليميتين: ثانوية عبد الكريم لحلو التي كانت مخصصة للذكور، و المعهد البلدي للبنات. - تجربة مجلس عين الذئاب في العقد السابع من نفس القرن التي قادها حزبنا بتحالف مع حزب التقدم والاشتراكية، والتي تميزت بالمعارك القوية التي خاضها منتخبو هذا المجلس دفاعا عن الممتلكات العامة للمدينة ضد لوبيات العقار المدعومة من طرف الإدارة، كما تميزت بالمبادرة الرائدة في استحداث نظام للتسليم الفوري للوثائق الإدارية لطالبيها. - تجربة مجلس المعاريف في الثمانينات التي تميزت بدورها الرائد في مجال إحداث المركبات الثقافية، شكلت نموذجا اقتدت به جل المجالس بعد ذلك على الصعيد الوطني؛ وبانفتاحه على الجامعة وعقد شراكة بينهما في المجال الثقافي والفني. مثل هذه التجارب، وغيرها في مختلف مناطق المغرب، فضلا عن كونها تقدم البرهان العملي على صدق التزامات حزبنا إزاء الجماهير الشعبية، فإنها تشكل بالنسبة لنا تراثا يلزمنا استحضاره في تجاربنا المستقبلية لأجل الاستفادة مما حققناه من تراكم في مجال التدبير الجماعي. واقع المدينة ومظاهر الأزمة بالرغم من القوة الاقتصادية التي تمثلها الدار البيضاء وبنيتها البشرية الواعدة فإنها تعرف مجموعة من الاختلالات التي أثرت على تطورها وحدت من نموها؛ إذ في خضم تحولات هيكلية: مجتمعية وعمرانية...، وفي ظل سياسة ارتجالية، عرفت البيضاء «الأسطورية» تجاذبات متعددة، ومتناقضة؛ بين القوة والضعف، وبين التقدم والتراجع. إن التزايد السريع للساكنة، وتدفق الهجرة القروية على المدينة، لم يولدا فقط ظواهر مثل البطالة، والسكن العشوائي، والاختناق الطرقي، وبدوية المدينة...، ولكن شوها أيضا صورة مدينة جميلة كان قد خلدها- فيلم Casablanca العالمي، وجسدت واقعها البئيس الحالي أفلام مثل: بالبيضاء الملائكة لا تحلق، علي زوا، كازا نيكرا، و خيل الله ? وهي أفلام تحمل رؤيا كلها حسرة وتشاؤما. فالاقتصاد الجهوي - رافعة أي مشروع تنموي - أدى الثمن غاليا لهذا التزايد ولهذا الواقع، إذ أصبح الاقتصاد غير المهيكل يتخذ صورا شتى: صناعة تقليدية بدائية، تجارة في الشارع، تشغيل خارج قوانين الشغل، تشغيل بالبيوت ونقل سري؛ ناهيك عن تجارة المخدرات، بل أن المدينة تعرف أيضا تواجد قطاع مالي غير مهيكل ! ومقابل ذلك كله، نجد فقرا مستشريا، وتدبيرا عاجزا عن ضبط نزوح قروي جارف، وغيابا لرؤية واضحة، وحكامة ناجعة لتدبيراشكالية توسع المدينة وتحديد مجالها العمراني . ونجمل أبرز الاختلالات ومظاهر الأزمة التي تعاني منها جهة الدارالبيضاء الكبرى في العناصر التالية: - سكن غير لائق يسجل في المدينة عجز وسؤ تدبير القطاع العمراني، فربع سكان المدينة يقطنون في سكن غير لائق: o 82000 عائلة تقطن دور الصفيح أي %11 من ساكنة المدينة؛ o 72000 عائلة تعيش في سكن قديم مهدد بالسقوط؛ o 58000 عائلة تعيش في بنايات غير قانونية؛ o عجز مقدر بثلاثين ألف مسكن سنويا في أفق 2030 ؛ ناهيك عن الامتدادات العمرانية العشوائية، وحتى المشاريع ذا ت المنحى الاجتماعي نجدها تسعى لإنعاش اقتصاد الريع والمضاربة، زد على ذلك عدم تطبيق دفتر التحملات وخرق القوانين التي تحدد المجال العمراني ونوع السكن والتجهيزات المرتبطة بها. - وضع صحي كارثي وضعية الدار البيضاء الصحية كارثية مقارنة مع مدينة مغربية كالرباط، ومغاربية كتونس ، وعالمية كبرشلونة. فنسبة الأسرة الاستشفائية لكل 10000 مواطن تغطي بالكاد 15,6% بالبيضاء، بينما تصل هاته النسبة 17,9 % في الرباط، وفي تونس %38 أما برشلونة فتوفر 55% لكل 10000 فرد. أما بالنسبة للأطباء فالمقارنة أكثر صدامية، فالبيضاء لا توفر إلا 3,9 طبيبا لكل 10000 مواطن، بينما توفر الرباط 7,3 طبيبا، وتونس 17,1 وبرشلونة 37. - ضعف العناية بالبعد الثقافي إن غياب التنمية الثقافية في السياسات الحكومية، وفي التدبير الجماعي؛ أدى إلى: اندثار بعض المعالم التاريخية للمدينة، والمآثر العمرانية، بل عدم تحديد المتبقية منها للحفاظ عليها، ؛ إغلاق جل قاعات العروض السنمائية ، اهتراء البنيات السوسيوثقافية وسؤ تدبيرها ، ضعف الانشطة الثقافية والمسرحية ، قلة المكتبات العمومية وضعف تجهيزاتها ، انعدام الفضاءات الإبداعية والأندية الموسيقية ، غياب ملاعب الأطفال، والمهراجانات الكبرى( السينما ? المسرح ? الموسيقى)؛ بالإضافة إلى ضعف التأطير كما وكيفا. كل هذا يؤكد غياب استراتيجية وطنية وجهوية على قاعدة رؤية موحدة لأدوار ووظائف وأهداف المؤسسات السوسيوثقافية والقيم التي تشتغل عليها، وكذا تشتيت التصورات بين القطاعات المتدخلة، وتعدد المخاطبين والخدمات، في غياب المردودية والنتائج. - ضعف الحيز الأخضر والتلوث البيئي إن غياب الفضاءات الخضراء جعل الإنسان البيضاوي يعيش في أقل من متر مربع من المساحة الخضراء في حين نجد المنظمة العالمية للصحة تحدد نسبة 10 أمتار مربع للفرد الواحد كحد أدنى؛ وتولد عن ذلك ارتفاع معدل C02 مما يسبب في التلوث الخطير الذي تعرفه المدينة هذا التلوث مرتبط أيضا بشيخوخة أسطول السيارات حيث نجد أكثر من 75 % منها تجاوزت عشر سنوات، بالإضافة إلى تواجد العديد من الصناعات الملوثة داخل المدينة، والاستهلاك الكبير للبلاستيك، أي أكثر من 400000 طن في السنة. - تراجع جاذبية المدينة للاستثمار حسب دراسة علمية مقارنتية Benchmark فمناخ الأعمال بالدار البيضاء في وضعية سيئة مقارنة مع 8 جهات أخرى من المغرب، هاته المقارنة تمت على أساس خمس معايير: 1) خلق المؤسسات، 2) سهولة المعاملات التجارية، 3) سهولة استخراج رخصة البناء، 4) تحويل الملكية، 5) تطبيق التعاقدات. انطلاقا من هذه المعايير من المنتظر أن تفقد المدينة مكانتها الريادية في استقطاب رؤوس الأموال والاستثمار الداخلي والخارجي، عكس ما يروج له. إن سياسة المناطق الصناعية قد تآكلت وأعطت بالخصوص مجموعات صناعية من القطاع المهيكل تتخد لنفسها نمط الترحيل من مكان إلى آخر أسلوبا للخلاص من الإكراهات المختلفة ؛ إن الصناعة في جهة البيضاء تعرف وضعا غير مستقر ، حيث الإغلاقات والتسريحات والنزاعات التي تفضي إلى تشريد المئات من العمال ، مما يؤزم قطاع التشغيل ويزيد من بطالة العاملين والخريجين من المعاهد والكليات. هذه بعض النماذج التي تبرز عمق الإختلالات التي تعيشها البيضاء، ناهيك ما يلمسه المواطن بشكل صارخ من اكرهات خلال حياته اليومية، و ما يعانيه من مشاكل لتدبير حياته وقضاء حوائجه، في مجال: النقل والتنقل، التمدرس، الوثائق الإدارية، الخدمات البلدية،.... الإكراهات وعوائق التطور إن الوضع الراهن المتجسد في المظاهر السالفة الذكر، هو نتاج لسياسة البعد الأمني الذي شكل لعقود مضت الأولوية لدى الإدارة الترابية التي كانت تسيطر على كل مناحي الحياة بالجهة، الأمر الذي شكل قطيعة مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعين وذوي الاختصاص لتأهيل المدينة، وبالتالي همش دور الأعضاء المنتخبين وحجم من اختصاصات المجالس، وقلل من إمكانيات تدخلها . لقد عرفت هاته الجهة بسبب التسلط على مؤهلاتها وثروتها تحكم سياسات غايتها تدجين وإخضاع مكوناتها وتوجيه قدراتها وطاقاتها نحو أهداف تعاكس مصالح المدينة، ونشأ مع ذلك تدمير القيم وتفشي الفساد والإفساد الإداري والسياسي تراخت معه روح المواطنة والتضامن. إن منطق المركزية المفرطة والتقطيع السياسوي الذي كان يسعى دوما لإنتاج النخب التابعة والمترهلة في أغلب الأحيان وإبعاد النخب المواطنة التواقة للمشاركة في الشأن العام وبناء النسيج الديمقراطي، جعل سكان المدينة يبتعدون عن المشاركة ويعزفون عن العمل السياسي بل المشاركة في الاستحقاقات المطروحة. إن قانون أبريل 1997 الخاص بالجهة ودستور 96 الذي نص على إنشائها وعدم تفعيل الدستور الذي أتى بعده، لم يخلق الشروط الضرورية لترسيخ ثقافة اللامركزية وتوسيع آفاقها؛ مما جعل التدبير الجهوي مجرد خطاب استهلاكي لا يرقى إلى إرادة سياسية حقيقية تربط بين الاختيارات والإجراءات العملية للتنفيذ. ويتجلى ذلك بوضوح في القضايا التالية: - ضعف صلاحيات رئيس مجلس الجهة وأعضائه التي تبقى شكلية أمام صلاحية الوالي الآمر بالصرف، وهذا يطرح في حد ذاته حدود سلطة المنتخب وسلطة المعين؛ مما يقوي معه الاتجاه المركزي. - هيمنة الإدارة المركزية على الإدارة المحلية، ويتمثل ذلك بشكل واضح في العلاقة بين الإدارة الترابية والجهة، وفي العلاقة بين الوزارات الوصية والقطاعات التابعة لها الموجودة بالمدينة. - تشكيل مجلس الجهة وطريقة انتخابه، وتركيز الصلاحيات لمجلس المدينة وتهميش مجالس المقاطعات بالإضافة لما تقدم تعاني الجهة الحاضرة من عوائق كثيرة تضعف من قوتها وتأثيرها: - بلقنة المشهد السياسي بحيث أصبحت المجالس المنتخبة عبارة عن فسيفساء لا تربط بين أعضائها أية رابطة معرفية أو ثقافية أو تجربة أو رؤية...، مما جعل جلسات المجالس فلكلورية أو صدامية بعيدة عن مناقشة القضايا المطروحة، ومصالح المدينة المنتظرة. - عدم توفر الجهة على موارد مؤسساتية، كإدارة لنظام جبائي خاص بها، وصناديق خاصة لتمويل مشاريع التجهيزات الكبرى... - ضعف استعمال المؤهلات البشرية القادرة على المبادرة والتوجيه والتنفيذ، وغياب تحديد المسؤوليات وانعدام المراقبة والمحاسبة والتحفيز. - الكثافة القوية لسكان المدينة وضيق المجال المرتبط بالجهة، مما يعرقل مخططها التنموي، هذا مع التسيب المالي الذي يؤثر على مستحقاتها، مع عدم تحديد عقارها وممتلكاتها. - مجمل المشاريع التي تم إقرارها خلال العقود المنصرمة كانت تتسم من جهة بالارتجال وعدم وضوح الرؤيا لمستقبل المدينة، و تفتقر من جهة أخرى لتصور عام يخطط للعمل التنموي للمدينة ومجالها على المدى المتوسط والبعيد. - غياب دراسات الجدوى لجل المشاريع، وانعدام المقاربة بين الإمكانات التمويلية والمستلزمات التقنية والأهداف المتوخاة من المشروع ذاته، أدت في كثير من الأحيان إلى إعادة النظر فيه أو التخلي عنه. ولازالت بعض أطلال المشاريع شاهدة على هدر المال العام وتبذير إمكانيات المدينة. - تكاثر مجموعات الضغط الموجهة لمسار المدينة تبعا لمصالحها الخاصة ولو على حساب مصالح المدينة،كما يتجلى ذلك في العقار والنقل والمقاهي... لتجاوز هذه العوائق والإكراهات لابد من وضع ميثاق وطني حول الدارالبيضاء يروم وضع خطة للإنقاذ، ويهيئ لاستراتيحية تحول المدينة لقطب اقتصادي ومالي عالمي إنقاذ جهة الدارالبيضاء ممكن عبر التأهيل الشامل والمستدام منذ عقود راكمت الدارالبيضاء الكبرى نواقص كثيرة في مجالات حيوية عديدة تحد من مردوديتها الاقتصادية ومن فعالية أدائها الحضري والاجتماعي كأكبر تجمع بشري وحضري على الصعيد الوطني وكقاطرة للاقتصاد المغربي، مما يجعلها اليوم مدينة كبرى متأزمة تواجه انتظارات متعددة ومتجددة لساكنتها وتحديات جسيمة لإصلاح أوضاعها واسترجاع مكانتها وطنيا ودوليا. لذلك، فالرهان الأساسي في هذه الجهة، ليس رهانا محليا أو جهويا ولكنه رهان وطني، وكسب تأهيل المغرب وتقوية بنياته الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة تحديات العولمة والانفتاح الاقتصادي تمر عبر تأهيل الدارالبيضاء ومحيطها تأهيلا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مستداما. ولبلوغ هذا الهدف، تحتاج جهة الدارالبيضاء إلى مشروع تنموي إرادي ومضبوط يعكس رؤيا استراتيجية متشاور حولها، مستحضرة الثقل الاجتماعي والتاريخي والثقافي لهذه المدينة المناضلة والرهان الكبير الذي تمثله بالنسبة لتطور بلادنا في كل المجالات. واستنادا إلى التحولات العميقة التي سجلها المجال والمجتمع بالجهة خلال العقد الأخير والقضايا الشائكة التي تطرحها تنميتها وإدارة شؤونها، أصبح ملحا بلورة مخطط استراتيجي واقعي للارتقاء بحاضرة البلاد يأخذ في الاعتبار من جهة، الحاجيات المستعجلة للفئات الواسعة من الساكنة والمستلزمة أجوبة مناسبة وعاجلة، ومن جهة أخرى القضايا الاستراتيجية والإشكاليات الهيكلية التي تتطلب معالجة عميقة من خلال مشروع مستقبلي على المدى المتوسط والبعيد للنمو المستدام محصن بالآليات والوسائل الضرورية للتنفيذ. المسألة الاجتماعية وتحسين الخدمات العمومية تشكل المسألة الاجتماعية وضرورة تحسين الخدمات العمومية بالنسبة لكل ساكنة الجهة أولوية قصوى في المشروع وقضية مستعجلة يجب أن تحظى بالاهتمام في معالجة أعطاب الدارالبيضاء الكبرى. في هذا الإطار يتعين بلورة سياسة عمومية للمدينة الكبرى إرادية مدمجة وتشاركية تهدف إلى تقليص عوامل الإقصاء الاجتماعي والتهميش الحضري من خلال توفير الخدمات العمومية وبالخصوص في الأحياء والمناطق التي تشهد ضغطا اجتماعيا حادا. تتميز الدارالبيضاء الكبرى بكثافة عالية لساكنتها وبامتداد عمراني غير متحكم فيه في الضواحي التي أضحت مجالات للتوسع والمضاربات. وقد سجلت هذه المجالات أعلى نسب النمو الديموغرافي (%15+) خلال الإحصاء الأخير، وشكلت فضاءات لإعادة إيواء قاطني الصفيح أو الأحياء المهددة بالانهيار ومناطق لاستقبال مشاريع السكن الاجتماعي الكثيف خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة السكن غير القانوني. غير أن هذا الامتداد العمراني لم يواكبه توفير الشبكات الحضرية الضرورية (التطهير والكهرباء والماء والطرق) والمرافق العمومية الأساسية القريبة من الساكنة كالمؤسسات التعليمية والمراكز الصحية والبنيات الرياضية ومراكز التكوين والتشغيل، ناهيك عن وسائل النقل والتنقل والأمن العمومي. فعلى مستوى التعليم مثلا يتراوح عدد التلاميذ في الأقسام الابتدائية العمومية ما بين 25 في المدينة الأم و75 في الجماعات الضاحوية. وتتطلب تغطية الحاجيات في مجال التطهير والماء والكهرباء والإنارة العمومية في أفق 2030 حوالي 30 مليار درهم من الاستثمار. وعلى الرغم من المجهودات المبذولة، يبقى قطاع السكن وبالخصوص الاجتماعي وضرورة تحسين ظروف العيش بالجهة إحدى أبرز الإنتظارات الاجتماعية لفئة واسعة من السكان، فبالإضافة إلى العجز في السكن، هناك أكثر من ربع ساكنة الجهة يعيشون في سكن غير لائق. (أحياء الصفيح، بنايات مهددة بالانهيار، أحياء هامشية ضعيفة التجهيز...) فمعالجة إشكالية السكن وبالخصوص الموجه للفئات ذات الدخل المحدود تبقى رهينة بنهج سياسة جديدة للتدخل بالمدينة هدفها الإدماج الحقيقي لكل السكان ومعتمدة على التقائية فعلية للسياسات العمومية وتوفير آليات حكامة ناجعة بالجهة. وتعاني نسبة كبيرة من شباب المدينة الكبرى من البطالة، وهي إشكالية أصبحت ملازمة لجهة الدارالبيضاء، بالرغم من المؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها، بحيث تتجاوز اليوم نسبة البطالة وسط الساكنة 22 % فالدارالبيضاء الكبرى تحتاج اليوم إلى مشروع اقتصادي طموح، ومندمج، ومخطط تدبير ناجع لجلب وتثبيت الاستثمارات من أجل خلق الثروة وفرص العمل بشكل مستدام. فالعاصمة الاقتصادية للبلاد تسجل تراجعا متواليا في ثقلها الصناعي وتعرف إغلاق مئات المعامل وتسريح آلاف العمال. في هذا الإطار، يجب العمل بشكل استعجالي على تحسين مناخ الأعمال والتحكم في توطين وإعادة توطين وحدات الإنتاج للحد من مظاهر استعمال العقار وبالخصوص الصناعي في المضاربات والتسريح التعسفي لليد العاملة. كل هذه الإشكاليات وغيرها، تتطلب وضع مشروع المدينة / الجهة ، مواطنة ومتضامنة تتمتع بخدمات عمومية كافية ومن مستوى عال من أجل إدماج حقيقي لكل ساكنتها دون تمييز. رؤية بعيدة المدى للنهوض بالمدينة الكبرى غير أن ربح رهان التأهيل المستدام لهذه الجهة التي تختزل جميع إشكاليات التنمية ببلادنا، بإمكاناتها الواعدة وبإكراهاتها ونواقصها المتعددة وبرمزيتها التاريخية والثقافية كمختبر لإنجاح الديموقراطية المحلية والتدبير الناجع، يفرض اليوم بناء مشروع شامل مؤطر برؤيا بعيدة المدى، محددة الآليات والوسائل الضرورية لتحقيق النمو المندمج والمستدام. فبدون الخوض في القضايا القطاعية التي تستوجب تحضير وثائق تفصيلية حولها، يستند بناء المشروع التنموي للنهوض بحاضرة البلاد إلى أربعة محاور رئيسية تختزل الأسباب الهيكلية لتعثرها وتراجع فاعليتها: - مخطط استراتيجي من أجل تأهيل مستدام؛ - سياسة تعميرية عادلة مدمجة للساكنة؛ - الدارالبيضاء الكبرى ومسألة الجهوية؛ - مسألة الحكامة الترابية وضرورات القطيعة مع أساليب التدبير غير المنتجة. هناك اليوم حاجة ماسة لإعادة الاعتبار للتخطيط الاستراتيجي كإطار لبناء المشروع التنموي المستدام لجهة الدارالبيضاء. منذ عشر سنوات (2004) حققت بلادنا خطوات كبرى في مجال التخطيط الترابي كان للحزب الدور الرائد في إنجازها، وأصبحت تتوفر على أدوات استراتيجية لتأطير المجال الوطني كالميثاق الوطني لإعداد التراب والمخطط الوطني لإعداد التراب، وقد أفردت هذه الوثائق لجهة الدارالبيضاء مكانة خاصة بحيث أوصت بإنجاز مخطط استراتيجي خاص لهذه الجهة الميتروبولية نظرا لأهميتها وثقلها وطنيا ودوليا. غير أن الممارسة أبانت أن هذه المكتسبات لم تستثمر بما هو مطلوب وجل محتوياتها ومقترحاتها وتوصياتها لم تعرف بداية التفعيل، بل إن توجهات هذه المخططات الاستراتيجية قد تم التخلي عنها لصالح التخطيط القطاعي. إن غياب المخطط الاستراتيجي المتعاقد حوله بجهة الدارالبيضاء الكبرى أفقد التدخلات العمومية القوة والنجاعة والفعالية لإرساء تنمية مستدامة وشكل إحدى عقبات التدبير المعقلن لقضايا الجهة. وقد انعكس هذا الغياب على السياسة التعميرية المعتمدة بالجهة، والتي اعتمدت بالأساس في توجيه التوسع الحضري على الفرص العقارية المتاحة والاستثناءات دون رؤيا استشرافية للمستقبل ودون سياسة عقارية جريئة وعادلة. ونتج عن ذلك توسع عمراني جد مكلف ماديا واجتماعيا وهدر للموارد الطبيعية والعقارية وتهميش لفئات واسعة من الساكنة. أصبح واقع التعمير بالجهة يفرض اعتماد استراتيجية جديدة للتنمية الحضرية من خلال وضع المخططات الجماعية للتنمية التي تضع المنتخبين في قلب منظومة التنمية الترابية وتبني مقاربة جريئة للمسألة العقارية وتمويل التعمير وإرساء آليات فعالة للتعاقد والتشارك لتحديد المسؤوليات وتنفيذ البرامج وضمان الالتقائية الفعلية. ومن الإشكاليات الكبرى المطروحة اليوم على الجهة وترهن مستقبلها مسألة تهيئة المجال الجهوي على المدى المتوسط والبعيد. لقد أصبح مستعجلا بالنسبة لهذه الجهة وضع الاستراتيجية المحلية والجهوية للتنمية بارتباط مع مشروع الجهوية الموسعة المقترح، ذلك أن التراب الجهوي للجهة أصبح غير قادر على مواكبة دينامية التطور السريع للمدينة الكبرى اقتصاديا وعمرانيا، وبالتالي مطروح اليوم مراجعة جدرية للإطار الجهوي الحالي في اتجاه مشروع أوسع يأخذ بعين الاعتبار الجهة الميتروبولية الأولى في البلاد من الجديدة إلى القنيطرة، ودراسة جدوى وإمكانية اعتماد المشروع المقترح من طرف اللجنة الملكية للجهوية والمتضمن لجهة موسعة تشمل أقاليم الجديدة وسطات وبنسليمان وجهة الدارالبيضاء الكبرى حاليا. فاعتماد التخطيط الاستراتيجي في إطار مشروع جهوي ناجع واضح الأهداف أضحى مطلبا ملحا لتحقيق الفعالية الاقتصادية وتثبيت الممارسة الديموقراطية بالجهة، فكل القضايا التنموية مرتبطة ومتداخلة فيما بينها. غير أن بلورة المشروع التنموي وتنفيذ محتوياته يبقى رهين بتحسين الحكامة ومناخ تدبير الشأن العام بهذه الجهة. فموضوع الحكامة بالدار البيضاء الكبرى يكتسي أهمية بالغة بالنظر لارتباط تعثر تنمية حاضرة البلاد بضعف آليات الحكامة وسوء التدبير وما يترتب عنه من هدر لفرص الارتقاء الاجتماعي والمجالي والعمراني والثقافي. إن نظام الحكامة بالجهة يتطلب اليوم مراجعة جذرية تحدث القطيعة مع أساليب أبانت عن محدوديتها وفشلها في تمكين المدينة من قيادة ديموقراطية وقوية مشرِكة لكل الطاقات والفعاليات في بناء وإرساء أسس النماء المستدام. لقد أصبح ملحا التوجه في الدارالبيضاء الكبرى نحو نظام ناجح للتدبير في الميدان التنموي من خلال إرساء حكامة تشاركية تمكن من الانخراط الواسع والمسؤول لكل المتدخلين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، والاعتماد على التعاقد في إطار›› عقود ? برامج ‹› للتنمية المجالية على المدى المتوسط والبعيد. ومن الدعامات الأساسية لإنجاح هذا التعاقد وترسيخ قواعد الحكامة المرغوبة: - ضرورة التدعيم الفعلي للاتمركز الإداري المواكب للامركزية من خلال : - بلورة ميثاق اللاتمركز؛ - تقوية السلطات التقريرية للممثلين الجهويين للوزارات، وتجميع المصالح الوزارية اللاممركزة في إطار أقطاب للكفاءات؛ - وضع الآليات الضرورية لتحقيق جهوية ميزانية الدولة؛ - بناء إدارة جهوية فعالة مكونة من كفاءات عالية وذات اختصاصات واضحة. - على مستوى التدبير الجماعي - وضع هيكلة إدارية ملائمة للمدينة الكبرى؛ - اختيار النخب المؤهلة لتدبير المجالس المنتخبة؛ - وضع نظام للإدارة الجماعية ودعم مؤسسة الرئاسة بالأطر الكفأة لتحسين أداء الجماعات ومواكبة؛ عمليات التعاقد مع الشركاء وخلق مراكز لتكوين المنتخبين؛ - اعتماد التخطيط الإستراتيجي لوضع مخططات التنمية الجماعية؛ - تقييم ومراجعة نظام وحدة المدينة من أجل تدبير ناجع للحاضرة الكبرى؛ - وضع نظام للرصد والتتبع والتقييم لتطور الجهة. إن الدارالبيضاء، مدينة الحداثة، شكلت دوما وستبقى كذلك قلعة للطموح والصمود والإبداع والعطاء، لصالح ساكنتها أولا ولصالح الوطن أخيرا. الإكراهات وعوائق التطور إن الوضع الراهن المتجسد في المظاهر السالفة الذكر، هو نتاج لسياسة البعد الأمني الذي شكل لعقود مضت الأولوية لدى الإدارة الترابية التي كانت تسيطر على كل مناحي الحياة بالجهة، الأمر الذي شكل قطيعة مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعين وذوي الاختصاص لتأهيل المدينة، وبالتالي همش دور الأعضاء المنتخبين وحجم من اختصاصات المجالس، وقلل من إمكانيات تدخلها . لقد عرفت هاته الجهة بسبب التسلط على مؤهلاتها وثروتها تحكم سياسات غايتها تدجين وإخضاع مكوناتها وتوجيه قدراتها وطاقاتها نحو أهداف تعاكس مصالح المدينة، ونشأ مع ذلك تدمير القيم وتفشي الفساد والإفساد الإداري والسياسي تراخت معه روح المواطنة والتضامن. إن منطق المركزية المفرطة والتقطيع السياسوي الذي كان يسعى دوما لإنتاج النخب التابعة والمترهلة في أغلب الأحيان وإبعاد النخب المواطنة التواقة للمشاركة في الشأن العام وبناء النسيج الديمقراطي، جعل سكان المدينة يبتعدون عن المشاركة ويعزفون عن العمل السياسي بل المشاركة في الاستحقاقات المطروحة. إن قانون أبريل 1997 الخاص بالجهة ودستور 96 الذي نص على إنشائها وعدم تفعيل الدستور الذي أتى بعده، لم يخلق الشروط الضرورية لترسيخ ثقافة اللامركزية وتوسيع آفاقها؛ مما جعل التدبير الجهوي مجرد خطاب استهلاكي لا يرقى إلى إرادة سياسية حقيقية تربط بين الاختيارات والإجراءات العملية للتنفيذ. ويتجلى ذلك بوضوح في القضايا التالية: - ضعف صلاحيات رئيس مجلس الجهة وأعضائه التي تبقى شكلية أمام صلاحية الوالي الآمر بالصرف، وهذا يطرح في حد ذاته حدود سلطة المنتخب وسلطة المعين؛ مما يقوي معه الاتجاه المركزي. - هيمنة الإدارة المركزية على الإدارة المحلية، ويتمثل ذلك بشكل واضح في العلاقة بين الإدارة الترابية والجهة، وفي العلاقة بين الوزارات الوصية والقطاعات التابعة لها الموجودة بالمدينة. - تشكيل مجلس الجهة وطريقة انتخابه، وتركيز الصلاحيات لمجلس المدينة وتهميش مجالس المقاطعات بالإضافة لما تقدم تعاني الجهة الحاضرة من عوائق كثيرة تضعف من قوتها وتأثيرها: - بلقنة المشهد السياسي بحيث أصبحت المجالس المنتخبة عبارة عن فسيفساء لا تربط بين أعضائها أية رابطة معرفية أو ثقافية أو تجربة أو رؤية...، مما جعل جلسات المجالس فلكلورية أو صدامية بعيدة عن مناقشة القضايا المطروحة، ومصالح المدينة المنتظرة. - عدم توفر الجهة على موارد مؤسساتية، كإدارة لنظام جبائي خاص بها، وصناديق خاصة لتمويل مشاريع التجهيزات الكبرى... - ضعف استعمال المؤهلات البشرية القادرة على المبادرة والتوجيه والتنفيذ، وغياب تحديد المسؤوليات وانعدام المراقبة والمحاسبة والتحفيز. - الكثافة القوية لسكان المدينة وضيق المجال المرتبط بالجهة، مما يعرقل مخططها التنموي، هذا مع التسيب المالي الذي يؤثر على مستحقاتها، مع عدم تحديد عقارها وممتلكاتها. - مجمل المشاريع التي تم إقرارها خلال العقود المنصرمة كانت تتسم من جهة بالارتجال وعدم وضوح الرؤيا لمستقبل المدينة، و تفتقر من جهة أخرى لتصور عام يخطط للعمل التنموي للمدينة ومجالها على المدى المتوسط والبعيد. - غياب دراسات الجدوى لجل المشاريع، وانعدام المقاربة بين الإمكانات التمويلية والمستلزمات التقنية والأهداف المتوخاة من المشروع ذاته، أدت في كثير من الأحيان إلى إعادة النظر فيه أو التخلي عنه. ولازالت بعض أطلال المشاريع شاهدة على هدر المال العام وتبذير إمكانيات المدينة. - تكاثر مجموعات الضغط الموجهة لمسار المدينة تبعا لمصالحها الخاصة ولو على حساب مصالح المدينة،كما يتجلى ذلك في العقار والنقل والمقاهي... لتجاوز هذه العوائق والإكراهات لابد من وضع ميثاق وطني حول الدارالبيضاء يروم وضع خطة للإنقاذ، ويهيئ لاستراتيحية تحول المدينة لقطب اقتصادي ومالي عالمي إنقاذ جهة الدارالبيضاء ممكن عبر التأهيل الشامل والمستدام منذ عقود راكمت الدارالبيضاء الكبرى نواقص كثيرة في مجالات حيوية عديدة تحد من مردوديتها الاقتصادية ومن فعالية أدائها الحضري والاجتماعي كأكبر تجمع بشري وحضري على الصعيد الوطني وكقاطرة للاقتصاد المغربي، مما يجعلها اليوم مدينة كبرى متأزمة تواجه انتظارات متعددة ومتجددة لساكنتها وتحديات جسيمة لإصلاح أوضاعها واسترجاع مكانتها وطنيا ودوليا. لذلك، فالرهان الأساسي في هذه الجهة، ليس رهانا محليا أو جهويا ولكنه رهان وطني، وكسب تأهيل المغرب وتقوية بنياته الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة تحديات العولمة والانفتاح الاقتصادي تمر عبر تأهيل الدارالبيضاء ومحيطها تأهيلا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مستداما. ولبلوغ هذا الهدف، تحتاج جهة الدارالبيضاء إلى مشروع تنموي إرادي ومضبوط يعكس رؤيا استراتيجية متشاور حولها، مستحضرة الثقل الاجتماعي والتاريخي والثقافي لهذه المدينة المناضلة والرهان الكبير الذي تمثله بالنسبة لتطور بلادنا في كل المجالات. واستنادا إلى التحولات العميقة التي سجلها المجال والمجتمع بالجهة خلال العقد الأخير والقضايا الشائكة التي تطرحها تنميتها وإدارة شؤونها، أصبح ملحا بلورة مخطط استراتيجي واقعي للارتقاء بحاضرة البلاد يأخذ في الاعتبار من جهة، الحاجيات المستعجلة للفئات الواسعة من الساكنة والمستلزمة أجوبة مناسبة وعاجلة، ومن جهة أخرى القضايا الاستراتيجية والإشكاليات الهيكلية التي تتطلب معالجة عميقة من خلال مشروع مستقبلي على المدى المتوسط والبعيد للنمو المستدام محصن بالآليات والوسائل الضرورية للتنفيذ. المسألة الاجتماعية وتحسين الخدمات العمومية تشكل المسألة الاجتماعية وضرورة تحسين الخدمات العمومية بالنسبة لكل ساكنة الجهة أولوية قصوى في المشروع وقضية مستعجلة يجب أن تحظى بالاهتمام في معالجة أعطاب الدارالبيضاء الكبرى. في هذا الإطار يتعين بلورة سياسة عمومية للمدينة الكبرى إرادية مدمجة وتشاركية تهدف إلى تقليص عوامل الإقصاء الاجتماعي والتهميش الحضري من خلال توفير الخدمات العمومية وبالخصوص في الأحياء والمناطق التي تشهد ضغطا اجتماعيا حادا. تتميز الدارالبيضاء الكبرى بكثافة عالية لساكنتها وبامتداد عمراني غير متحكم فيه في الضواحي التي أضحت مجالات للتوسع والمضاربات. وقد سجلت هذه المجالات أعلى نسب النمو الديموغرافي (%15+) خلال الإحصاء الأخير، وشكلت فضاءات لإعادة إيواء قاطني الصفيح أو الأحياء المهددة بالانهيار ومناطق لاستقبال مشاريع السكن الاجتماعي الكثيف خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة السكن غير القانوني. غير أن هذا الامتداد العمراني لم يواكبه توفير الشبكات الحضرية الضرورية (التطهير والكهرباء والماء والطرق) والمرافق العمومية الأساسية القريبة من الساكنة كالمؤسسات التعليمية والمراكز الصحية والبنيات الرياضية ومراكز التكوين والتشغيل، ناهيك عن وسائل النقل والتنقل والأمن العمومي. فعلى مستوى التعليم مثلا يتراوح عدد التلاميذ في الأقسام الابتدائية العمومية ما بين 25 في المدينة الأم و75 في الجماعات الضاحوية. وتتطلب تغطية الحاجيات في مجال التطهير والماء والكهرباء والإنارة العمومية في أفق 2030 حوالي 30 مليار درهم من الاستثمار. وعلى الرغم من المجهودات المبذولة، يبقى قطاع السكن وبالخصوص الاجتماعي وضرورة تحسين ظروف العيش بالجهة إحدى أبرز الإنتظارات الاجتماعية لفئة واسعة من السكان، فبالإضافة إلى العجز في السكن، هناك أكثر من ربع ساكنة الجهة يعيشون في سكن غير لائق. (أحياء الصفيح، بنايات مهددة بالانهيار، أحياء هامشية ضعيفة التجهيز...) فمعالجة إشكالية السكن وبالخصوص الموجه للفئات ذات الدخل المحدود تبقى رهينة بنهج سياسة جديدة للتدخل بالمدينة هدفها الإدماج الحقيقي لكل السكان ومعتمدة على التقائية فعلية للسياسات العمومية وتوفير آليات حكامة ناجعة بالجهة. وتعاني نسبة كبيرة من شباب المدينة الكبرى من البطالة، وهي إشكالية أصبحت ملازمة لجهة الدارالبيضاء، بالرغم من المؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها، بحيث تتجاوز اليوم نسبة البطالة وسط الساكنة 22 % فالدارالبيضاء الكبرى تحتاج اليوم إلى مشروع اقتصادي طموح، ومندمج، ومخطط تدبير ناجع لجلب وتثبيت الاستثمارات من أجل خلق الثروة وفرص العمل بشكل مستدام. فالعاصمة الاقتصادية للبلاد تسجل تراجعا متواليا في ثقلها الصناعي وتعرف إغلاق مئات المعامل وتسريح آلاف العمال. في هذا الإطار، يجب العمل بشكل استعجالي على تحسين مناخ الأعمال والتحكم في توطين وإعادة توطين وحدات الإنتاج للحد من مظاهر استعمال العقار وبالخصوص الصناعي في المضاربات والتسريح التعسفي لليد العاملة. كل هذه الإشكاليات وغيرها، تتطلب وضع مشروع المدينة / الجهة ، مواطنة ومتضامنة تتمتع بخدمات عمومية كافية ومن مستوى عال من أجل إدماج حقيقي لكل ساكنتها دون تمييز. رؤية بعيدة المدى للنهوض بالمدينة الكبرى غير أن ربح رهان التأهيل المستدام لهذه الجهة التي تختزل جميع إشكاليات التنمية ببلادنا، بإمكاناتها الواعدة وبإكراهاتها ونواقصها المتعددة وبرمزيتها التاريخية والثقافية كمختبر لإنجاح الديموقراطية المحلية والتدبير الناجع، يفرض اليوم بناء مشروع شامل مؤطر برؤيا بعيدة المدى، محددة الآليات والوسائل الضرورية لتحقيق النمو المندمج والمستدام. فبدون الخوض في القضايا القطاعية التي تستوجب تحضير وثائق تفصيلية حولها، يستند بناء المشروع التنموي للنهوض بحاضرة البلاد إلى أربعة محاور رئيسية تختزل الأسباب الهيكلية لتعثرها وتراجع فاعليتها: - مخطط استراتيجي من أجل تأهيل مستدام؛ - سياسة تعميرية عادلة مدمجة للساكنة؛ - الدارالبيضاء الكبرى ومسألة الجهوية؛ - مسألة الحكامة الترابية وضرورات القطيعة مع أساليب التدبير غير المنتجة. هناك اليوم حاجة ماسة لإعادة الاعتبار للتخطيط الاستراتيجي كإطار لبناء المشروع التنموي المستدام لجهة الدارالبيضاء. منذ عشر سنوات (2004) حققت بلادنا خطوات كبرى في مجال التخطيط الترابي كان للحزب الدور الرائد في إنجازها، وأصبحت تتوفر على أدوات استراتيجية لتأطير المجال الوطني كالميثاق الوطني لإعداد التراب والمخطط الوطني لإعداد التراب، وقد أفردت هذه الوثائق لجهة الدارالبيضاء مكانة خاصة بحيث أوصت بإنجاز مخطط استراتيجي خاص لهذه الجهة الميتروبولية نظرا لأهميتها وثقلها وطنيا ودوليا. غير أن الممارسة أبانت أن هذه المكتسبات لم تستثمر بما هو مطلوب وجل محتوياتها ومقترحاتها وتوصياتها لم تعرف بداية التفعيل، بل إن توجهات هذه المخططات الاستراتيجية قد تم التخلي عنها لصالح التخطيط القطاعي. إن غياب المخطط الاستراتيجي المتعاقد حوله بجهة الدارالبيضاء الكبرى أفقد التدخلات العمومية القوة والنجاعة والفعالية لإرساء تنمية مستدامة وشكل إحدى عقبات التدبير المعقلن لقضايا الجهة. وقد انعكس هذا الغياب على السياسة التعميرية المعتمدة بالجهة، والتي اعتمدت بالأساس في توجيه التوسع الحضري على الفرص العقارية المتاحة والاستثناءات دون رؤيا استشرافية للمستقبل ودون سياسة عقارية جريئة وعادلة. ونتج عن ذلك توسع عمراني جد مكلف ماديا واجتماعيا وهدر للموارد الطبيعية والعقارية وتهميش لفئات واسعة من الساكنة. أصبح واقع التعمير بالجهة يفرض اعتماد استراتيجية جديدة للتنمية الحضرية من خلال وضع المخططات الجماعية للتنمية التي تضع المنتخبين في قلب منظومة التنمية الترابية وتبني مقاربة جريئة للمسألة العقارية وتمويل التعمير وإرساء آليات فعالة للتعاقد والتشارك لتحديد المسؤوليات وتنفيذ البرامج وضمان الالتقائية الفعلية. ومن الإشكاليات الكبرى المطروحة اليوم على الجهة وترهن مستقبلها مسألة تهيئة المجال الجهوي على المدى المتوسط والبعيد. لقد أصبح مستعجلا بالنسبة لهذه الجهة وضع الاستراتيجية المحلية والجهوية للتنمية بارتباط مع مشروع الجهوية الموسعة المقترح، ذلك أن التراب الجهوي للجهة أصبح غير قادر على مواكبة دينامية التطور السريع للمدينة الكبرى اقتصاديا وعمرانيا، وبالتالي مطروح اليوم مراجعة جدرية للإطار الجهوي الحالي في اتجاه مشروع أوسع يأخذ بعين الاعتبار الجهة الميتروبولية الأولى في البلاد من الجديدة إلى القنيطرة، ودراسة جدوى وإمكانية اعتماد المشروع المقترح من طرف اللجنة الملكية للجهوية والمتضمن لجهة موسعة تشمل أقاليم الجديدة وسطات وبنسليمان وجهة الدارالبيضاء الكبرى حاليا. فاعتماد التخطيط الاستراتيجي في إطار مشروع جهوي ناجع واضح الأهداف أضحى مطلبا ملحا لتحقيق الفعالية الاقتصادية وتثبيت الممارسة الديموقراطية بالجهة، فكل القضايا التنموية مرتبطة ومتداخلة فيما بينها. غير أن بلورة المشروع التنموي وتنفيذ محتوياته يبقى رهين بتحسين الحكامة ومناخ تدبير الشأن العام بهذه الجهة. فموضوع الحكامة بالدار البيضاء الكبرى يكتسي أهمية بالغة بالنظر لارتباط تعثر تنمية حاضرة البلاد بضعف آليات الحكامة وسوء التدبير وما يترتب عنه من هدر لفرص الارتقاء الاجتماعي والمجالي والعمراني والثقافي. إن نظام الحكامة بالجهة يتطلب اليوم مراجعة جذرية تحدث القطيعة مع أساليب أبانت عن محدوديتها وفشلها في تمكين المدينة من قيادة ديموقراطية وقوية مشرِكة لكل الطاقات والفعاليات في بناء وإرساء أسس النماء المستدام. لقد أصبح ملحا التوجه في الدارالبيضاء الكبرى نحو نظام ناجح للتدبير في الميدان التنموي من خلال إرساء حكامة تشاركية تمكن من الانخراط الواسع والمسؤول لكل المتدخلين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، والاعتماد على التعاقد في إطار›› عقود ? برامج ‹› للتنمية المجالية على المدى المتوسط والبعيد. ومن الدعامات الأساسية لإنجاح هذا التعاقد وترسيخ قواعد الحكامة المرغوبة: - ضرورة التدعيم الفعلي للاتمركز الإداري المواكب للامركزية من خلال : - بلورة ميثاق اللاتمركز؛ - تقوية السلطات التقريرية للممثلين الجهويين للوزارات، وتجميع المصالح الوزارية اللاممركزة في إطار أقطاب للكفاءات؛ - وضع الآليات الضرورية لتحقيق جهوية ميزانية الدولة؛ - بناء إدارة جهوية فعالة مكونة من كفاءات عالية وذات اختصاصات واضحة. - على مستوى التدبير الجماعي - وضع هيكلة إدارية ملائمة للمدينة الكبرى؛ - اختيار النخب المؤهلة لتدبير المجالس المنتخبة؛ - وضع نظام للإدارة الجماعية ودعم مؤسسة الرئاسة بالأطر الكفأة لتحسين أداء الجماعات ومواكبة؛ عمليات التعاقد مع الشركاء وخلق مراكز لتكوين المنتخبين؛ - اعتماد التخطيط الإستراتيجي لوضع مخططات التنمية الجماعية؛ - تقييم ومراجعة نظام وحدة المدينة من أجل تدبير ناجع للحاضرة الكبرى؛ - وضع نظام للرصد والتتبع والتقييم لتطور الجهة. إن الدارالبيضاء، مدينة الحداثة، شكلت دوما وستبقى كذلك قلعة للطموح والصمود والإبداع والعطاء، لصالح ساكنتها أولا ولصالح الوطن أخيرا.