بين لحظة تتسرب فيها أشعة شمس منبعثة من سماء زرقاء صافية ولحظة يعبر فيها ضوء نجوم متلألئة في سماء ليل أرخى سدوله، يبدأ الدفء يدب تحت قدمي الزائر للرواق المغربي في معرض بينالي البندقية، وهي تلامس حبات رمل تغذيها أشعة الشمس المتراقصة ونور نجوم تحولت إلى ما يشبه الثريا تضيء تنصيبات فنية تبرز العمق الحضاري المغربي للمجال الترابي. إن سينوغرافية الرواق المغربي، التي اعتمدت «الأرضية الرملية»، «السماء بليلها ونهارها» و«التنصيات الهندسية» رأت فيها مارتين أوبري، الكاتبة الأولى للحزب الاشتراكي الفرنسي سابقا وعمدة مدينة ليل في حديث ل«الاتحاد الاشتراكي»، عبارة عن «سفر لتعميق التفكير» بمعية فريق من المهندسين المعماريين الشباب من بينهم جزء كبير من النساء «بحثا عن جواب لسؤال «كيف يمكن إعمار مجال قاحل غير قابل للسكن؟» . سؤال، تضيف مارتين أوبري، التي حضرت الجمعة افتتاح الرواق المغربي رفقة وزير السكنى وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله وسفير المغرب بإيطاليا حسن أبو أيوب والمندوب العلمي للرواق طارق ولعلو، فسح المجال من خلال عمل مشترك ضم معماريين من المغرب، فرنسا، وايطاليا، للمخيلة كما يظهر بشكل جلي من خلال الابداعات الهندسية المقدمة لإيجاد أجوبة إبداعية حول «الاعمار المستدام» «والعيش المشترك بين ثنايا الصحراء كمجال قاحل غير قابل للإعمار». إن سينوغرافية الرواق المغربي، في معرض بينالي البندقية للهندسة المعمارية، المستوحاة من الصحراء المغربية والتي أبدعها الفريق المغربي، الذي يتكون من ستة فرق وطنية ودولية من المهندسين المعماريين، معتمدا على «الأرض» من خلال تغطية مائتي متر مربع من الرواق المغربي برمال الصحراء، ثم «السماء»، كفضاء مفتوح عبر نصب شاشة عملاقة تمتد على طول 120 مترا مربعا تمكن الزائر للرواق من السفر في أعماق ليل الفيافي الهادئ الذي يعرض في شبه ظل كل مشروع بشكل منفرد، والنهار الذي يصف بوضوح المشاريع الهندسية المعروضة، ثم «التنصيبات المعمارية» التي أبرزت نتاج التفكير حول كيفية إدراج حلول على مستوى المعمار والبنيات التحتية، تتلاءم مع المجال الصحراوي، تمكنت من جذب انتباه حشد كبير من الزوار الذين أبدوا إعجابهم بجمالية الرواق المغربي الذي اعتبرت أنه رواق جميل، بل من أجمل أروقة معرض «بينالي البندقية» للهندسة المعمارية، مشيرة إلى أن مشاركة المغرب في هذه التظاهرة الثقافية العالمية سابقة، ونجاحها لعب فيه كل من حسن أبو أيوب و طارق ولعلو دورا كبيرا. وقال وزير السكنى وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله، إن مشاركة المغرب بالرواق المغربي، مكسب كبير وترجمة لتنوع المغرب الثقافي والحضاري، ورسالة من المغرب للعالم أن المغرب بلد متنوع موحد بين مختلف أجزاء ترابه، مؤكدا أنها مشاركة نتاج للابداع والعبقرية المغربية تقطع مع الترويج التقليدي لصورة المغرب. من جهته، أكد حسن أبو أيوب، سفير المغرب في روما ، أن المشاركة المغربية ترفع تحديا كبيرا من خلال سؤال «كيف يمكن إعمار مجال قاحل غير قابل للسكن؟» في التفاتة «قوية وعميقة» للصحراء المغربية، التي ترمز إليها رمال مدينة العيون، ومشروع السكن ببوكراع، والخيمة التي نصبت في حديقة الأرسنال التي يقام عليها البينالي. وأكد حسن ابو أيوب، في حديث ل«الاتحاد الاشتراكي» أن مسألة الصحراء المغربية، النزاع المفتعل، أمر قد انتهى وحسم، والرواق المغربي في معرض بينالي البندقية للهندسة المعمارية يحمل رسالة قوية كون المغرب يفكر جليا في تنمية مستدامة في مناطقه الصحراوية، يتوخى التفكير في انجاز مشاريع إعمار مبنية على أسس جديدة ومتجددة للتنمية البشرية تأخذ بعين الاعتبار كل الاشكالات المتعلقة بالعنصرين المجالي والبشري، كالطاقة والماء والعيش المشترك. وأوضح أن الهدف الأساسي من تنظيم الرواق يتمثل في إبراز التقاليد المغربية كأرض للاستقبال وتعزيز موقعه كمختبر حقيقي للمشروع الحديث، مؤكدا أن هذا الرواق يعكس العبقرية المغربية ويعبر بذكاء عن مشروع جلالة الملك. «إنها الحركية المغربية «لاموڤيدا ماروكين» و«مغرب الملك محمد السادس»». من جانبه، قال طارق ولعلو، المندوب العلمي للرواق المغربي، إن تنظيم الرواق المغربي يعد مغامرة رائعة، ويشكل نجاحا في حد ذاته، وكشف أن هذا الرواق يتوخى إبراز تقاليد المغرب كأرض للاستقبال وتعزيز وضعه ك«مختبر حقيقي للمشروع المعماري الحديث»، كما يبرز مسارا تاريخيا لمغامرة السكن الحضري مع تفكير معاصر في الصحراء. ومن جانبه أشار إلياسا منتصر، عن المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين إلى التجربة الهندسية المغربية المتنوعة والغنية وعطائها على مدى أزيد من قرن، مشيرا الى البحث الحداثي و الابداعي المعماري المغربي الذي مكن من خلق اشكال معمارية فريدة على مستوى البناء والمواد والمعمار، مساهما بذلك بشكل ملموس في تاريخ الهندسة المعمارية. وجرى حفل افتتاح الرواق بالخصوص ، بحضور رئيس المجلس الجماعي لمدينة الرباط فتح الله ولعلو، ورئيس بينالي البندقية باولو باراتا، وبرلمانيين إيطاليين، وممثلين عن السلك الدبلوماسي المعتمد بإيطاليا، وممثلين عن الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بالمغرب، وشخصيات أخرى من عالم الفن والثقافة. وتنظم المشاركة المغربية في بينالي البندقية بدعم من سفارة المغرب في روما، وبشراكة مع وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، ووزارة السكنى وسياسة المدينة، والمجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين.