يعنى كتاب »الديمقراطية المنقوصة..في ممكنات الخروج من التسلطية وعوائقه«، لمؤلفه الدكتور محمد نورالدين أفاية، ببحث كيفية الخروج من الاستبداد والانخراط في معمعة الديمقرطية. المؤلف تساؤلا مفاده: إلى أي حد يمكن إعادة تأسيس السياسة على أنقاض اللاسياسة وتقاليد الإذعان والإذلال؟ يشير أفاية إلى دور ثورات الربيع العربي ومساهمتها في خلخلة مجموعة هائلة من الأحكام، بما فيها تلك التي اعتاد العالم إلصاقها بالعربي، إذ لم يعد هذا الأخير يختزل في صورة »المهاجر الفقير« الإرهابي، وتصوير المرأة في حركات التغيير في مصر وتونس، أولا، ثم بشكل مختلف. وذلك بينما تنضح بإعجاب استثنائي بقدرة العرب على صنع »التاريخ« وعلى إدارة »ثورات« مدنية سلمية لإنهاء عقود، بل قرون ، من الاستبداد والتسلطية، وهذا، حسب المؤلف، ما ظهر على الأقل في الشهور الأولى من انتفاضتي تونس ومصر. ويرى أفاية أن التنوع الثقافي يمكن أن يكون عامل تفجير للسلم المدني إذا لم يعالج في إطار ديمقراطي حقيقي يقر بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، كما ان العمل التحرري الطويل للفرد - وهو ما بشرت به الحداثة عمل مكلف جدا. ويلفت المؤلف إلى أن الانتقال الديمقراطي ليست عملية بسيطة..إنها صيرورة مركبة ومتشابكة. فهي تفترض التحول من حال غير ديمقراطية أو ما قبل ديمقراطية، إلى حال ديمقراطية ضمن مسار تتفاعل فيه كل المكونات الأساسية للجماعة الوطنية، اعتمادا على قيادات تمتلك ما يلزم من الكفاءة والنزاهة، لتعبئة ما هو مشترك بين الاتجاهات والتيارات والحساسيات والقوى كافة، فبلورة مرجعية ديمقراطية جامعة. ويؤكد المؤلف انه لا مندوحة من نحت أساليب جديدة لفض النزاعات التي يولدها التحرر من الاستبداد، وهي سيرورة تتطلب إنضاجا ونفسا طويلا، لأن الديمقراطية كلفة لا بد من دفعها، فإما الانخراط في مجهود جماعي توافقي لبناء مجال سياسي عصري، وإما التحايل على هذه التطلعات الجماعية الكبيرة، أو الالتفاف على أهداف أصحابها، بفرض صيغ جديدة لاستبداد مقنع أو مكشوف. ويركز أفاية، على أن الحديث عن استنبات ثقافة ديموقراطية وإقرار مبادئ حقوق الإنسان، إنما يتساوق مع ضرورة وضع أطر مناسبة لتدبر النقاش السياسي والثقافي، حول قواعد العيش المشترك وقيم المجتمع الديمقراطي، يشارك فيه جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لإعادة بناء مجال سياسي، قادر على إنتاج التوافق الضروري لإنجاح العملية الانتقالية.