كان يتذكر جيدا يوم قَدِم من إحدى مدن جنوب المغرب إلى مدينة في شرقه. لقد مرت أكثر من خمس سنوات على استقراره بهذه المدينة التي أصبحت تربطه بها أواصر شديدة. كان هذا البقال البسيط قد استطاع بحنكته أن ينسج علاقات مجتمعية جيدة مع كل زبنائه بل إن الجميع كان يعلم أنه تزوج وينتظر مولوده الجديد. كان يكِدُّ من أجل تطوير تجارته من بقال صغير إلى دكان كبير يجد فيه سكان المنطقة كل ما يرغبون فيه من مواد غذائية. رتب سلعته كعادته في كل صباح وبينما كان يتناول إفطاره، قدم عنده شاب في حالة غير طبيعية طلب منه أن يسلمه نصف لتر من الحليب مجانا إلا أن البقال رفض فما كان من الشاب إلا أن أخرج مديته التي اعتاد أن يتسلح بها كل يوم وهاجم بقالة التاجر الذي لم يجد بدا من حمل عصا قصد الدفاع عن نفسه وطرد المعتدي ، إلا أنه وجه له ضربات قاتلة حيث خرَّ على التو جثة دون حراك.وفر هاربا من هول ما اقترفت يداه فمن يكون هذا الشاب الذي هاجم هذا البقال الهادئ ؟ لم يكن سوى ذاك الشاب الذي اعتاد بيع الخضر والذي يمتاز بهدوء الطبع، وقليل الحديث، معروف بحسن السلوك واجتناب المشاكل. لقد كان من الشباب الذي يمكن تصنيفه ضمن خانة الفقراء لقد كان يحلم بالهجرة الى الفردوس الأوروبي مثله مثل باقي أقرانه كان شابا طموحا لكن اسودت عيناه ولم يبق له أمل في الهجرة خاصة وأنه فشل فيها عدة مرات فتعاطى لأنواع كثيرة من المخدرات كان آخرها حبوب الهلوسة استيقظ ، كعادته باكرا ولما بحث عما يسد به رمقه لم يجد من شيء فتوجه الى بقالة الحي طالبا نصف لتر من الحليب بشكل مجاني إلا أن صاحبها أمتنع و استمر في ترتيب أموره فما كان من الشاب البئيس إلا أنه كسر واجهة المحل التجارية وشرع في تكسير كل ما يجد أمامه فيما أصبح البقال يرى أن مستقبله قد بدا في الانهيار فحمل عصا وبدأ يدافع بها عن نفسه وعن محله التجاري وهو مازاد من عدوانية الزبون الذي استل سكينا كانت تلازمه وفي لحظة استقر في أبط البقال ليطعنه بعد ذلك عدة مرات فخر جثة هامدة... تمكنت عناصر الامن من اعتقاله في نفس يوم ارتكابه الجريمة ولم يجد بدا من الاعتراف بما ارتكبت يداه فتم تقديمه أمام أنظار المدعي العام الذي تابعه من أجل القتل العمد واستهلاك المخدرات وهي ذات التهمة التي تابعه من أجلها قاضي التحقيق وأحاله على المحكمة حيث حاول الدفاع عن نفسه أمامها إلا أن الهيئة كان لها رأي آخر حيث أدين من أجل ذلك بالسجن المؤبد مع تعويض مالي لذوي حقوق الضحية.