الحوارمع القاص المغربي أحمد بوزفور يشعرك كما لو أنك داخل مختبر سردي قصصي خاص يضع ضمن أولوياته وانشغالاته اليومية الإرتقاء بهذا الفن شكلا ومضمون في الواقع كما في الحلم ، مما جعل من بوزفورأحد الأصوات المائزة والحاضرة في المشهد القصصى الراهن والمدافعة عنه بشغف جيني راسخ حتى أنه بات لايترجل عن صهوته للاحتفاء بالقصة وقتما دعته لذلك في المدن كما في القرى النائية .. سؤال يفرض نفسه بإلحاح في بداية هذا الحوار كيف جاء الأستاذ أحمد بوزفور إلى الإبداع القصصي وهل تتذكرون بعض نصوص البدايات ؟ لا أتذكر البدايات بالضبط... حتى ليُخيل لي أنني بدأت أكتب منذ وُلدت، ويخيل لي أحيانا أنني لم أبدأ الكتابة بعد. وفي كل الأحوال، فلست بدعا من كثير من زملائي الكتاب.. لابد أنني قرأت نصوصا أعجبتني إلى حد أن فكرتُ في كتابة نصوص جميلة مثلها. يلتقي جل القصاصين في المغرب في كونهم انطلقوا شعراء ، هل القاص أحمد بوزفور إنطلق هوأيضا من التجربة الشعرية ؟ نعم بدأت من الشعر قراءة ومحاولة كتابة. وما أزال في هذه البداية حتى الآن... أقرأ الشعر باستمرار، وأحاول كتابته فلا أنجح، فأهاجر إلى القصة. يبدو لي أنني مجرد شاعر فاشل ( حرق ) إلى القصة. من هم الكتاب العرب والغربيين الذين قد تكون إستأنست بتجاربهم القصصية أوالروائية ؟ لكل كاتب قرأتُه أثر في نفسي وأثر على كتابتي. وإذا نسيتُ فلن أنسى أنطون تشيخوف وإرنست هيمنجواي وكافكا وبورخيس ويوسف إدريس وزفزاف أنتم من جيل الكتاب السبعينيين ، هل فعلا جيل السبعينات هوالمؤسس الحقيقي للتجربة القصصية في المغرب الراهن ؟ كلا طبعا جيل السبعينيات جيل متأخر . وليس مؤسسا. ربما أسس للتجريب في القصة وليس لتجربة القصة جنسا أدبيا هل قصة «يسألونك عن القتل» هوأول نص قصصي خرجت به إلى العلن ونشرته على صفحة جريدة مغربية ؟ نعم . نص ( يسألونك عن القتل ) هو أول نص نشرتُه, حدثنا عن تجربة نشرأولى مجموعاتك القصصية (النظرفي الوجه العزيز) سنة 1983، كيف دخلت إلى هذه المغامرة في زمن كان النشرالورقي فيه حلم أحلام كل الكتاب وكم كانت تكلفته المالية آنذاك ؟ جيعود الفضل في جمع نصوص ( النظر في الوجه العزيز ) وطبعها وتصحيحها ونشرها إلى الصديق العزيز الأستاذ مصطفى المسناوي. ولولا ثقته وجهده وصبره لما نشرت هذه المجموعة أصلا. مما لاشك فيه أن تجربتكم قد حققت فرادتها مقارنة مع التجارب المجايلة لها باحتفائها أولا بجمالية الصورة القصصية وتشكيلها ثم بإيقاعها القصصي المتميز والخاص ، كيف إستطاع القاص أحمد بوزفور تشييد مختبره القصصي الخاص والمتميز؟ يعجبني هذا التعبير ( مختبر قصصي ). كأنني فعلا أعمل في مختبر. العيّنات هي الواقع والنصوص. والتجربة هي المزج والتحليل والذوق والتحضير. والنتيجة هي القصة. كيف استطعت تشييد مختبري القصصي؟ ليس الأمر صعبا. يستطيع أي كاتب أن يبني مختبره. المهم هو ما ينتجه المختبر وليس المختبر ذاته. وأنا عادة أول المنتقدين لما ينتجه مختبري، ولذلك أعيد التفكير، وأغير أدواتي بعد كل تجربة. يتردد في الأوساط الثقافية أن القاص أحمد بوزفوركاتب مغربي متمرد سواء على مستوى الشأن الثقافي العام رفضك لجائزة المغرب للكتاب سنة 2002 أوحتى على مستوى الإبداع القصصي بمقالكم الأخير(القصة القصيرة من التجريب إلى التخريب) هل أنت فعلا كاتب متمرد ؟ جكاتب متمرد؟ كلا أنا لا أسعى للتمرد، أوبكلمة أدق، لإعلان التمرد. أنا داخل سوق رأسي غالبا، ولا أتحرك إلا حين أفقد صبري. وواقعنا للأسف يُفقد الإنسان صبره. إنني مواطن قبل أن أكون كاتبا، وأعيش وسط الناس وأذوق ما يذوقون، وأحس بما يذوقون إحساسا مُضاعفا، فلا عجب إذا فقدت صبري وصرخت، وهذا لا يحدث إلا نادرا. لكنني في الكتابة أتمرد باستمرار، وعلى ذاتي وكتاباتي السابقة أساسا. عرف الإبداع القصصي المغربي طفرة مائزة مع إنتشارالويب والسند الشبكي كيف يجد القاص أحمد بوزفورنفسه في هذا السند وما هو تقييمك الخاص للقصة القصيرة (الشبكية) ؟ أكاد أن أكون أميا في كيفيات التعامل مع تقنيات الحاسوب وثقافة الشبكة. لكنني أطلع على ما يجدّ في الفايسبوك، وأعلق أحيانا على تدخلات أصدقائي. وأتابع جديد القصة على بعض المواقع، وأحاول أن أبقى قريبا من إبداعات الشباب وجديد أصواتهم. وأجد أحيانا نصوصا رائعة تفتنني فأجمجمها وأنوه بها. وأجد أحيانا نصوصا رديئة أندهش لجرأة أصحابها وأحسدهم على هذه الجرأة... أنا الجبان في النشر على الشبكة. لكنني مستاء من كم الأخطاء اللغوية والنحوية في ما يُكتب بالعربية، ولا أعرف هل يعود ذلك فقط إلى سرعة الرقن والنشر قبل المراجعة والتصحيح، أو يعود إلى ضعف الرصيد اللغوي لدى بعض الكتاب. تأسست في المغرب العديد من الإطارات الثقافية المهتمة بتطوروحركية الفن القصصي بالمغرب ، كيف تنظرون بعين الأب لهذه الدينامية القصصية الجمعوية؟ نعم تكاثرت الأطر والجمعيات المهتمة بالقصة في بلدنا والحمد لله... لكنهم يهتمون كثيرا بالكُتّاب على حساب الكتابة. آمل أن يزداد اهتمامهم بالكتابة دراسة وتحليلا ونقدا، وبالكُتُب قراءة وتحفيزا على القراءة. الكتّاب كثروا والقراء قلّوا. لم لا نعطي جوائز للقرّاء؟ ماهورأيكم في جنس القصة القصيرة جدا التي صارت مطية للعديد من الأصوات ذات التجربة والتراكم المحدود ؟ ج : الق.ق.ج شكل جديد على القصة المغربية، لكنه ملأ الدنيا وشغل الناس الآن. ويُخيل لي أنه أصعب أشكال القصة لأن النص الناجح في هذا الشكل نادر، وعليك أن تغربل الكثير من التراب لكي تعثر على شذرة ذهب ضائعة وسط أكوامه.وقد سبق لي أن قلت إن الشيوخ هم الذين ينجحون في هذا الشكل أكثر من الشباب، ربما لأن الشيوخ يملكون من التجربة والقراءة والخبرة ما يستطيعون به أن يعبروا عن الكثير بالقليل، وعن سعة الرؤيا بدقة العبارة. لكي تقوم القصة القصيرة جدا، ولأنها قصيرة جدا، فلابد أن يكون لها عمقُ بئرٍ شَطون... أي تجربة كاملة من الحفر العميق في الحياة. لكنني أندهش أحيانا حين أعثر على نص رائع من الق.ق.ج كتبه كاتب شاب. وعادة ما يكون هذا الكاتب عبقريا موهبته أكبر من سنّه. جل كتاب القصة القصيرة الرواد في المغرب تحولوا إلى كتاب روائيين ، ما الذي منع القاص أحمد بوزفورمن دخول مغامرة الكتابة الروائية ؟ ما الذي يمنعني من كتابة الرواية ؟ لا أحد يمنعني ولا شيء. لكنني أحب القصة وأجد في كتابتها متسعا لأحلامي ، وأنا أتساءل لماذا يتضايق الناس من بقائي في القصة؟ هاأنذا أقف جانبا وأتنحى عن طريقكم.. مُرُّوا إلى كتابة الرواية. يتردد كثيرا في الأوساط الثقافية العربية تواري المثقف عن دوره الطليعي في خضم الحراك والإنتفاضات العربية الراهنة ، هل هذا صحيح ؟ كلا لم يتوار المثقف الطليعي الشريف.. وهو موجود دائما في مجتمعنا.. لكن المثقفين الانتهازيين والباحثين عن مرق السلطة يصخبون في الإعلام كثيرا، ويثيرون على السطح الكثير من الغبار فيغطوا به مواقف الشرفاء. إهتزالرأي العام الجامعي والوطني لأحداث العنف التي تدور في الجامعة المغربية أليس غياب أوتغييب دورالمثقف والأديب بالخصوص من بين أسباب تصحرسيكولوجيات الطلبة ونزوعهم نحوتدبير بعض خلافاتهم الإديولوجية والسياسية بالعنف ؟ ازداد العنف في الجامعة لأن الجامعة لم تعد جامعة. حين تراجعت الفلسفة في الجامعة مرغمة، وحين توالت الضربات المغرضة على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وحين تراجع الفكر والنقاش وحرية الرأي وهُمّش الأساتذة المفكرون وبرز الأيديولوجيون ذوو الفكر الأحادي المتهاونون في التدريس والمتساهلون في التنقيط والمشجعون للتذلل والتمسح و( لحس الكابّة ). وحين تراجع اليسار عن القيام بدوره في المجتمع والثقافة وابتكار الحراك، وحين أخذ الوزراء ينتقدون وجود كليات الآداب في بلدنا، ويسخرون من الشعر والفكر ويدعون إلى أن تكون الجامعة كلها مختبرات علوم لإنتاج المواطن التقني... حين حدث كل ذلك أصبحت الجامعة مشتلا لإنتاج العنف والتطرف والفكر الأحادي وإغلاق الأبواب. الجامعة هي نافذتنا على المستقبل، وإدا بقيت مغلقة هكذا فقل على المستقبل السلام. أخيرا هل لنا أن نعرف عنوان آخر قصتك القصيرة التي لم تنشر بعد ؟ كتبت قصة قصيرة جدا بعنوان ( الطاغية ) .. وتتحدث عن طفل صغير وميت يهيمن على السلطة في بيت أبويه.