« عقوبة الإعدام لا تصلح من حال من تنفذ عليه ، ولا تعيد تكيفه مع المجتمع ، ولا تحقق بأي شكل من الأشكال غاية الردع والإصلاح ، المتوخى من أية عقوبة ، وتشكل انتهاكا صارخا لأهم الحقوق الانسانية ، التي تعارفت عليها البشرية ، وهي الحق في الحياة ، الذي يعد الأساس لتمتع الإنسان بباقي الحقوق ، التي منحه إياها القانون ، وبالتالي فان انتزاع هذا الحق يمنع الإنسان من التمتع بأي من الحقوق الأخرى ، وإذن فعقوبة الإعدام تشكل انتهاكا لكافة حقوق الإنسان « بهذه الوضوح ، وهذه القناعة ، خاطب الزنايدي مصطفى عضو المكتب التنفيذي للائتلاف الدولي لمناهضة عقوبة الإعدام ، المنظمات الحقوقية والجمعيات التربوية والفعاليات النقابية والجامعية ، المجتمعة في اليوم التحسيسي الذي نظمته التنسيقية المحلية لإلغاء عقوبة الإعدام يوم الأحد 4 أبريل 2014 بفندق ايبيس بمكناس تحت شعار : « من أجل منظومة جنائية خالية من عقوبة الإعدام « ويهدف هذا اليوم التحسيسي كما جاء على لسان عبد السلام الشفشاوني الى أن يضع بين يدي مؤسسات المجتمع المدني ، والنشطاء العاملين في مجال مناهضة عقوبة الإعدام ، جملة من المعلومات والحقائق حول هذه العقوبة ، و تمكينهم من أدوات المنطق الحجاجي ، الواجب استخدامها في المرافعات الداعية الى مناهضة عقوبة الإعدام ، كما وضع الإطارات المجتمعة في السياق التاريخي والحقوقي ، الذي أدى الى إعادة فتح باب النقاش حول مشروعية الإعدام كعقوبة جنائية . وقد ركز مصطفى الزنايدي في مداخلته التي اختار لها عنوان : « مناهضة عقوبة الإعدام بين مؤيد ومعارض « على أن لعقوبة الإعدام مؤيدين ، لايخرجون في مرافعتهم في الدفاع على الابقاء على هذه العقوبة ، عن التحجج بالخصوصية الدينية ، كما هو الحال بالنسبة للدين الإسلامي ، أو التحجج بأن تطبيق عقوبة الإعدام يحقق مبدأ إنصاف الضحايا وحمايتهم ، ليخلص الى أن امتطاء الخطاب الديني ، ماهو في الحقيقة إلا مبرر لتصفية الحساب مع المعارضين ، وإشباع النزوات العنصرية والتمييزية المقيتة ، ففي المغرب مثلا يضيف الأخ الزنايدي تم تنفيذ 51 عقوبة إعدام في حق المعارضين السياسيين ، من أصل 54 حكما بالإعدام الذي نفذ من الاستقلال الى اليوم ، ولا أقصد هنا يقول الأخ الزنايدي تلك الإعدامات التي نفذت خارج الضوابط القضائية في إطار البطش الذي عرفته سنوات الرصاص ، كما أن الحالات التي ينفذ فيها حكم الإعدام ، بدول الخليج تبقى مقصورة على الأفارقة السود ، أو ذوي الأصول الآسيوية . أما المعارضون لإلغاء عقوبة الإعدام ، فهم يصدرون يقول الأخ الزنايدي عن قناعة حماية الحق في الحياة بوصفه حقا أصيلا لكل البشر . أي أن مرجعيتهم هي حماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا . وعدد الأخ الزنايدي مجموعة من الحجج والدوافع التي تبرر الدعوة الى مناهضة عقوبة الإعدام . أو العمل على وقف تنفيذها في أفق الإلغاء الشامل لها كلية ، منها : أن عقوبة الإعدام ليس لها مفعول ردعي ، ولا تحد من الجريمة ، ففي الدول التي ألغت عقوبة الإعدام ، تقلص حجم الجريمة فيها بشكل ملحوظ ، بينما لم تنخفض أرقام الجريمة في الدول التي أبقت على عقوبة الإعدام ، إن لم تكن تزايدت . أنه ليس هناك تفاضل في العقوبات ، أي أنه ليست هناك عقوبة أكثر ردعية من عقوبة أخرى ، فقد تكون العقوبة خفيفة وغير قاسية كالعقوبات البديلة مثلا ، ويكون لها مفعول قوي على مستوى الردع والإصلاح وإعادة الإدماج . أن عقوبة الإعدام ليست أمثولة في مجال الردع ومحاربة الجريمة ، فالمحاربة مفهوم شامل ، يتداخل فيه الحقوقي بالقانوني ، والسياسي بالاقتصادي ، والنفسي بالاجتماعي .. أنه في حال الخطا القضائي ، وتنفيذ عقوبة الإعدام ، يستحيل التراجع عن الحكم وجبر ضرر الضحية ، فستة أشخاص بالولايات الأمريكيةالمتحدة ، وشخصان بالإمارات العربية، ظهرت براءتهم بعد تنفيذ حكم الإعدام فيهم . أن عقوبة الاعدام ذات طابع انتقامي وسياسي وعنصري . فهي لا تنفذ في الغالب الأعم إلا على المختلفين دينيا أو عرقيا أو المعارضين سياسيا . أما الورشة الثانية والتي أطرها الإطار الحقوقي عضو الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الاعدام ، الأخ عبد الله مسداد فقد اختار لها كعنوان . « الإطار الوطني والدولي لإلغاء عقوبة الاعدام « ، وفيها عمل على التمييز بين الحقوق التي لها صفة الإلزام كالاتفاقيات والعهود ، وبين الحقوق التي لا تكتسي صفة الالزام كالمبادئ والقواعد والإعلانات ، ولكنها مع ذلك تكتسي صبغة أخلاقية وسياسية يمكن أن ترقى بها الى مرتبة الإلزامية .لينتقل بعدها الى التذكير بأن الحق في الحياة هو أول صك دولي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وأن فلسفة الحقوق في المنتظم الدولي تجمع على أن الحق في الحياة ، هو حق رئيس كما ينص على ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص ونضال الحركة الحقوقية في المغرب كما في العالم ، اتجه ويتجه نحو الحث على التصديق على هذا البروتوكول ، بالنسبة للدول التي لم تصدق بعد، نظرا لتنصيصه صراحة على إلغاء عقوبة الاعدام ، ولكونه أيضا لا يجيز التحفظ إلا في حالات الحرب ، إذ من النادر إدخال تحفظات على الأحكام المتعلقة بعقوبة الاعدام في المعاهدات الدولية .. وقد كانت لجنة حقوق الإنسان ، قد دعت الدول الأعضاء الى سحب التحفظات الجديدة ، حيث إن المادة 6 من العهد الدولي الخاص ، تجسد القواعد الدنيا لحماية الحق في الحياة... وأن أي تحفظ على إلغاء العقوبة ، يتنافى مع غرض العهد الدولي ومقصده . كما اشار الأخ عبد الله مسداد الى قرار لجنة حقوق الإنسان ، في قرارها 59/2005 المعنون ب» مسألة عقوبة الاعدام « ، الذي ينص بالحرف على أن لكل شخص الحق في الحياة ، و أن إلغاء عقوبة الاعدام ، ضروري لحماية هذا الحق .. كما أدانت اللجنة في ذات القرار تطبيق عقوبات الاعدام على أساس تشريعات ، أو سياسات ، أو ممارسات تمييزية .. أما على المستوى الوطني فيرى الأخ عبد الله مسداد أن إلغاء عقوبة الاعدام، تجد لها مرتكزا في الدستور المغربي ، انطلاقا من الديباجة التي تنص على « احترام المغرب لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا « .. وتشير المادة 20 أيضا ، الى الحق في الحياة وحمايته من طرف القانون ، كما ينص الفصل 22 على تجريم التعذيب واعتباره ماسا بالسلامة الجسدية .. وبما أن الحق في الحياة هو حق كوني ، وأن عقوبة الاعدام لا تحمي هذا الحق ، وأنها عقوبة وحشية تعرض المنفذة عليه لتعذيب جسدي ونفسي فظيعين .. فالمنطق يقتضي أن يصدق المغرب على إلغاء عقوبة الاعدام ، بدون أدنى تردد أو تحفظ خاصة وأنه عمليا قد أوقف تطبيقها منذ سنة 1993 . وعن المعيقات ، يقول الأخ عبد الله مسداد ، بأن ما يمنحه الدستور في هذا المجال ، لا يلبث أن يزول تحت طائلة ما أحاط به هذا المنح من قيود .. فالعبارة المسكوكة التي تذيل بها النصوص المتعلقة بحماية الحق في الحياة وهي « .. في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها « تكفي لإفراغ محتوى الحماية من مضمونها ، فيظل العمل بها من تركها ، خاضعا لموازين القوى .. أما في منظومة القانون الجنائي المغربي ، فقد أثار الأخ عبد الله الانتباه الى أن هناك 283حالة يقابلها في القانون الجنائي المغربي أحكام بالإعدام ، وفي منظومة العدل العسكري 66 حالة ، مضافا إليهما قانون الإرهاب ، مما يجعل المواطن المغربي أما ترسانة من فصول ومواد الأحكام بالإعدام تعد بالمآت وليس العشرات ، وهذا ما يستوجب تقوية سرعة الحركة الحقوقية للنضال من أجل مناهضة هذه العقوبة الوحشية والدموية . وقد ركز المتدخلون في مداخلاتهم إن في الورشة الأولى أو الثانية على : ضرورة الجعل من مناهضة عقوبة الاعدام شأن مجتمعي تشارك فيه الأسرة والمدرسة والجامعة والأحزاب والنقابات والإعلام .. والمنتخبون الانفتاح على رجال الدين المتنورين لإبراز ما أحاط الإسلام بتنفيذ عقوبة الاعدام ، من محاذير تقترب بها الى الإلغاء منها الى التطبيق . وتجدر الإشارة الى أن هذا اليوم التحسيسي قد انطلق ببث شريط وثائقي عن المؤتمر الدولي الرابع لمناهضة عقوبة الإعدام المنظم الذي نظم بجنيف . كما تخلله رسم بياني يبين تصاعد انتماء الدول إلى مبدأ الإلغاء بشكل مطرد ، مما ينبئ بأن عقوبة الإعدام ، لامحالة في طريقها إلى مغادرة المنظومات الجنائية في العالم.