الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنفى السري لأمير الريف

إذا كان الباحثون والصحفيون من حقب ودول مختلفة قد تناولوا شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي والملاحم البطولة لحرب الريف (1926/1921)، فإن حياة الرجل، بعيداً عن المعارك والعمل السياسي، لاتزال مهمشة في مجملها. وبفضل العمل الذي أنجزه جرمان عياش، أمكن معرفة عبد الكريم ما قبل 1921 جزئياً. فقد تم تمحيص تاريخ حرب الريف بأبعادها ورهاناتها. ومنفى عبد الكريم في القاهرة معروف، لكن لاتزال أشياء كثيرة لم تنجز ولم تكتشف. ولكن ماذا نعرف عن حياة أمير الحرب ما بين استسلامه للفرنسيين سنة 1926 ويوم قرر سنة 1947 الهرب الى بورسعيد؟
في الحقيقة، لا نعرف أشياء كثيرة. ومع ذلك، وطيلة 21 سنة التي قضاها مع مجموعة من الأقارب والعائلة في جزيرة »لارينيون« البعيدة في المحيط الهادي، كانت لعبد الكريم حياة. وخلال هذا المنفى، وهو من أطول المنافي، الذي فرضته فرنسا على خصم مهزوم، ظل عبد الكريم بعيداً عن الأضواء يشتغل في الأرض ويرعى عائلته. أنجب أولاداً انضافوا إلى أولاده الأوائل واعتنى بتربيتهم ومستقبلهم، وبالأخص، لم يتوقف أبداً عن المطالبة بإنهاء هذا الإبعاد الذي كان يؤثر كثيراً على معنوياته ومعنويات أقاربه، لأنه يمكن للشخص أن يكون شخصية تاريخية كبيرة، لكنه في النهاية يبقى إنساناً.
بدأ التاريخ الآخر لعبد الكريم يوم 25 ماي 1926 قرب تارغيست، عندما وقع بين جيشين، طلب الأمير »الأمان« من الفرنسيين وحصل عليه، ضداً في الاسلاميين الذين كانوا يريدون تصفيته بسبب الخسائر الكبرى التي ألحقها بجيشهم. تم نقله إلى تازة ثم إلى فاس، حيث تم عزله عن عائلته، تم نقله يوم 28 غشت 1926 على متن باخرة »»عبدة«« التي كانت راسية بميناء الدار البيضاء لتبحر نحو ميناء مارسيليا، لم ير بعدها بلده.
آنذاك لم يكن السلطان مولاي يوسف يريده في المغرب، وطلب أن يتم إبعاده إلى السينغال. لكن الفرنسيين الذين لم يكونوا يريدون إقامته في فرنسا كذلك، حتى لا يثيروا غضب حلفائهم الإسبانيين. قرروا في النهاية ترحيله إلى جزيرة »لارينيون«، بعدما فكروا في ترحيله إلى مدغشقر...
قبل أن يغادر المغرب، سيعيش عبد الكريم حدثاً سيئاً آخر، تمثل في مصادرة أملاكه بظهير شريف مؤرخ في فاتح غشت 1926 سيتم تتميمه بعد بضعة اشهر بظهير ثان مؤرخ في 9 أكتوبر, انها الضريبة العادية التي يؤديها المنهزمون.
في مارسيليا تم نقله على متن الباخرة «الاميرال بييير» التي أبحرت يوم 2 شتنبر في اتجاه جزيرة لارينيون. ويوم 10 شتنبر عبر قناة السويس. وكتبت السفارة الفرنسية في القاهرة برقية تقول «لم يقع أي حادث ولا أي مظاهرات «مجرد توجس بعيد. بعد 21 سنة وهنا بالضبط في بورسعيد سيهرب عبد الكريم من الفرنسيين وخلال الرحلة,رسم قائد السفينة رودي ج صورة لهذا الثلاثي الذي حكم الريف خلال الحرب, حيث يصف عبد الكريم كرجل لطيف يتمتع بحس دقيق للملاحظة. على عكس شقيقه محمد، الوحيد من بين المنفيين الذي يلبس على الطريقة الاوربية ويتحدث بالفرنسية, الذي تصوره كرجل متعة تلاحقه تأثيرات النزوات الخارجية ,أما عبد السلام عم عبد الكريم، الذي كان حريصا على عدم الاحتكاك بالروميين ,فيلاحظ قائد السفينة التأثير الكبير الذي كان له على ابن اخيه.
على متن هذه الباخرة الكبيرة كان المنفيون حوالي الثلاثين .عبد الكريم (45 سنة) وزوجتيه وأبنائه الخمسة أكبرهم اسمه محمد مثل ابيه (31 ) سنة الذي اصطحب معه زوجتيه وابنائه الثلاثة. والعم عبد السلام ( 46 سنة)ا لذي كان رفقة زوجته واربعة أبناء من ضمنهم أصغرهم الذي سيصبح فيما بعد دكتور عمر الخطابي ,الذي ولد على متن الباخرة الاميرال بيير في عرض شواطئ كينيا. وكان من بينهم ابن عم عبد الكريم. الوفي امغارين زيان الذي ترك زوجتيه وابنيه الاثنين في فاس. بعد عبد الكريم كان أمغار الرجل الثاني الذي يبحث عنه الاسبانيون. فقد كان هو المسؤول عن المعتقلات الرهيبة,التي كان يتواجد بها السجناء والعسكريون الاسبان والتي تعرضوا فيها لكل اشكال التجاوزات. ثم كان على متن الباخرة 8 من خدام البيت من ضمنهم 6 نساء من بينهن اثنتان من أقارب عائلة الخطابي ورجلان هما حسن بن الحاج محمد وهو من بني توزيس, اختار عن طواعية مصاحبة المنفيين، وسيرتكب فيما بعد حوادث متكررة ستؤدي الى عزله عن الجماعة الريفية المنفية. والمنفية الثلاثين كانت امرأة شخصية كتومة ومتوارية عن الانظار ,انها والدة عبد الكريم واسمها فطوش بنت احمد كان عمرها 65 سنة واختارت ان تقاسم ابناءها مصيرهم الحزين.
يوم 10 أكتوبر وصل عبد الكريم وحاشيته إلى منفاهم ,كانوا يحملون معهم 2500 كلغ من الامتعة من ضمنها اسرة واغطية وزرابي وصوف, هيأت لهم السلطات الفرنسية بالجزيرة قصر مورانج، وهي اقامة عادية لكنها كانت محاطة بأراضي فلاحية (7 هكتارات) كانت تلائم تماما رغبة الزعيم الريفي في ممارسة الفلاحة, والاثاث الذي وضع في الاقامة تم على عجل وأخذ من مستشفى محلي وسجن سان دوني. وخلال أول لقاء مع المنفيين، طلب حاكم الجزيرة من عبد الكريم تفادي الجالية المسلمة في الجزيرة ,أغلبهم من الهنود، مخافة ان تتخذه هذه الجالية زعيما طبيعيا لها. اعطى الامير وعدا بذلك بالمقابل، طلب عبد الكريم من المسؤول الفرنسي ان يكون الطبيب المكلف بالجالية المغربية امرأة، ليس لان عبد الكريم كان ليبراليا قبل الاوان ولكن فقط لانه ليس مقبولا ان يعالج رجلا النساء.
وبعد رحيل الرقيب سانيس, الضابط المترجم الذي رافقه من المغرب، ربط عبد الكريم صداقة مع الضابط فيرين قائد كتيبة الدرك بسان دوني. وكانت هذه الكتيبة مكلفة في الحقيقة بمراقبة الجالية الريفية. وكان قائدها كذلك مكلفا بمهمة ضابط الاتصال بين حاكم الجزيرة والمنفيين. كان فيرين يزور عبد الكريم يوميا، وكان يدون هذه اللقاءات بدقة في تقاريره. ويستفاد من هذه التقارير ان الزعيم الريفي يكن كرها شديدا للاسبانيين ولايخفي ارتباطه بفرنسا ورغبته القوية في العودة الى المغرب. او الى اي بلد اسلامي اخر. وطيلة مهمته ظل فيرين يشير في تقاريره الى رؤسائه أن الجالية المغربية تتعامل بكرامة مثالية،وإحساس بالاحباط ازاء الغربة والانشغالات العديدة التي تواجهها.
ومنذ الاسابيع الاولى ظهرت حقيقة فرضت نفسها، قصر مورانج بناء قديم السقف متهالك ويتهدده السقوط على رؤوس ساكنيه, وبالاخص غياب المراحيض يجبر المنفيين على قضاء حاجاتهم في حقل الموز. كما ان الحشرات وما تنقله من امراض تحاصر المنفيين، وقد عانوا كثيرا من ويلات الحمى. وقد توفيت احدي الخادمات وتدعى رحمة
جراء اصابتها بهذه الحمى الاستوائية وهو ما اثر كثيرا على نفسية الريفيين. ثم هناك المشاكل المادية والمنحة التي خصصتها فرنسا (وهي في الحقيقة من ميزانية الاقامة العامة بالرباط) والتي تقدر بحوالي 100 الف فرنك سنويا، غير كافية، وحتى حاكم الجزيرة اشتكى من قيمتها لدى رؤسائه. ومن المستحيل اعالة 30شخصا بهذه المنحة الهزيلة ,لا سيما وان المعيشة اغلى مرتين مما هي عليه في باريس، وكان على عبد الكريم ان يؤدي من مدخراته ال 20 ألف فرنك السنوية التي يكلفها كراء إقامته المهترئة ومصاريفالطبيب، وهي المدخرات التي جلبها معه من المغرب والمقدرة ب 300 الف فرنك. والتي كان من المفروض الا يستعملها الا في حالة الضرورة القصوى. لكن كل التظلمات التي كانت تصل الى المغرب كان يتم تجاهلها. وقد رد المقيم العام تيودور ستيغ مرة ومرتين على باريس ان «عبد الكريم تمرد على السلطان «وبالتالي فان المنحة المخصصة له يجب ان تسمح له بدون شكل بالعيش بكرامة ولكن ببساطة دون الخروج عن الإبعاد الذي يستحقه» ياله من حقد لدى الفرنسيين!
وبالرغم من عدة رسائل تذكيرية من طرف حاكم الجزيرة بكون السلطان السابق مولاي عبد الحفيظ وبعض الأمراء الأناميين (فيتناميين)كانوا يعاملون أفضل من الزعيم الريفي، لكن الاقامة العامة كانت صارمة ولم تبد أي ليونة، وكان المقيم العام ستيغ يرفض زيادة فلس واحد لفائدة »»الروغي««.
وكان لابد من انتظار رحيل المقيم العام تيودور ستيغ في بداية 1929 لكي تتحرك فرنسا أخيرا، وبين عشية وضحاها بدأت تقارير حاكم الجزيرة تلقى صدى في باريس, وتم اعلان قصر مورانج »»غير لائق«« ويوم 15 غشت 1929 سمحت الرباط بشراء المبنى المسمى «كاستيل فلوري»الواقع في شودرون على بعد 3 كلم عن سان دوني. وقد قام الضابط الدركي فيرين بالتفاوض مع مالك المبني, وفي تقريره لم يخف فيرين ارتياحه لكونه قدم خدمة لعبد الكريم وعائلته. «ومبنى كاستيل فلوري عبارة عن اقامة كبيرة ومريحة تتوفر على 18 غرفة وعدة اقامات ملحقة وأراضي فلاحية يمكن أن توفر في أحسن الأحوال حوالي 30 ألف فرنك سنويا» يكتب فيرين ,عملية شراء هذا المبنى جعلت وضعية عبد الكريم المادية تتحسن, لم يعد فقط مجبرا على أداء كراء اقامته التي أصبحت في ملكية الحكومة التشريقية، بل أصبح بإمكانه تدبير واستعمال عائدات ملكيته كما يريد.
وقد أشارت جميع تقارير فيرين ثم النقيب بيريو الذي خلفه في المنصب إلى ذلك، وقد أثار الريفيون إعجاب السلطات المحلية التي نوهت بتصرفهم ولباقتهم وتكتمهم، الجميع كان يخضع للسلطة المعنوية لعبد الكريم الذي يبقى القائد بالمعنى الكامل للكلمة، الثلاثي الذي قاد الحرب أصبح الآن يهتم بأقاربه وحاجياتهم، عبد الكريم هو القائد ومحمد بحكم معرفته باللغة الفرنسية مكلف بالترجمة والعلاقة مع السلطان وأخيرا عبد السلام الذي كان مكلفا بالشؤون المالية خلال الحرب، أصبح مكلفا بتدبير وتسيير شؤون الجالية، كل واحد في مكانه باستثناء واحد: حسن بن الحاج محمد.
فمنذ الوصول إلى الجزائر? أظهر هذا الشخص المشاغب وغير المؤدب والذي لم يكن سجين حرب خلافا للاخوة الخطابي ,سلوكات كانت مصدر عدة مشاكل .وفي عدة مرات طالب كتابيا بإعادته الى المغرب أو إلى الجزائر, وكان يشتكي تارة من المناخ وتارة أخرى من سوء معاملته من طرف أفراد المجموعة الآخرين، وبعدما تعبت سلطات الجزيرة من تصرفاته , ساندت السلطات وعبدالكريم دائما طلباته بالرحيل لكل دون جدوى ,رفض الاسبان دائما طلباته، وقد حاول عبد الكريم ترويض هذا المرافق المزعج بتزويجه لخادمة مغربية لكن دون فائدة، كان بديئا, مسرفا ودائم الاستدانة باسم الجالية، وكان عبد الكريم مضطرا، بعد نصائح من فيرين، بنشر اعلانات في الجرائد المحلية يحذر فيها تجار الجزيرة.
مرت السنوات وظل عبد الكريم كما هو، كريما وشامخا لا يعيش إلا من مع ومن أجل أقاربه, وبالرغم من تدينه القوي لم يكن يتردد إلا نادرا على مساجد الجزيرة، وبفضل فيرين استطاع دراسة لغة وتاريخ المنتصرين عليه ,ولكنه كان دائما يفضل المرور عبر أخيه فيما يخص حواراته ومع مرور الوقت، ربط صداقات مع فرنسيين في الجزيرة كانوا يزورونه بين الفينة والأخرى وكان لبقا وكريما معهم، ماعدا ذلك كان يرفض أن يصبح »الحيوان العجيب« حسب تعبيره ويتحاشى دائما الفضوليين، ولكن همه الدائم ظل هو تحريره ,كان يرغب في الاستقرار بالمغرب الفرنسي أو في فرنسا.
كان طلبه الأول في هذا الصدد سنة 1932 وبعد سنتين وبعدما لم ير استجابة في الأفق كتب إلى غاستون دوميرغ رئيس مجلس الوزراء لتذكيره بطلبه، لكن الاسبانيين كانوا يتابعون الموضوع .ويوم 10 غشت 1934 كتبت صحيفة «»هيرالدو دو مادريد»« رغم أنها صحيفة جمهورية ويسارية تنتقد »»عبد الكريم يطلب العودة إلى المغرب، لكن اسبانيا لن تكون غائبة ساعة القرار, عبد الكريم سجين لدى فرنسا، هذا صحيح، لكنه أجبر على هذا الاستسلام بعمل عسكري مشترك فرنسي اسباني، وقبل اتخاذ القرار لابد من سماع صوتنا... ظل الفرنسيون بذريعة هذه المخاوف، يراوغون الموضوع. في سنة 1937 وباسم »السياسة التقليدية لفرنسا (...) سياسة الكرم تجاه خصومها عندما يكونون فعلا قد انضموا إلى قضيتها«, صادق أعضاء لجنة الجزائر والمستعمرات ودول الحماية بالجمعية الوطنية، أغلبية 10 أصوات مقابل صوتين، توصية تطالب بتغيير مقر اقامة الزعيمالريفي الجبرية، لكن نائب كاتب الدولة المكلف بالحمايات في المغرب العربي، بيير فيينو، رغم أنه اشتراكي ليبرالي فيما يخص القضايا المغاربية رفض معتبرا أن الافراج عن عبد الكريم أمرا سابقا لأوانه.
وعشية الحرب العالمية الثانية كتب وزير المستعمرات جورج مانديل إلى نظيره في الشؤون الخارجية »»يبدو أن عبد الكريم وشقيقه يساندان قضيتنا والمبادرة التي ستتم لفائدتهم ستزيد من احساسهم بالثقة في روح العدالة والانسانية لدى الحكومة الفرنسية، لكن المقيم العام الجنرال شارل نوغيسو اعتبر أنه في وضعية مخاطر الحرب العالمية» عودة هذا الشخص إلى فرنسا أو إلى المغرب ستفسر في الظروف الحالية من طرف بعض القوى كأنها تهديد كامن»
وخلال الحرب? وبالرغم من مساندته لفرنسا المحاربة، ظلت »قضية عبد الكريم» منسية. في سنة 1944، لم تنجح تدخلات الجنرال جورج كاترو مندوب الحكومة في الشؤون الإسلامية لفائدته. نفس الشيء بالنسبة لوزير المستعمرات الذي اعتبر أن الشيخ الريفي الذي كان عمره آنذاك 64 سنة، أصبح »حكيما« وأنه أعطى ما يكفي من الضمانات عن حسن نواياه تجاه فرنسا لكي يصبح إجراء العفو لفائدته ممكنا. لكن الإقامة العامة ووزارة الخارجية رفضا.
القدر والرجال تكالبوا على عبد الكريم، مع نهاية الحرب العالمية خضع الأمير مرة أخرى لضغوط ذات طبيعة عائلية، لم يعد باستطاعة أبنائه التقدم في دراستهم بعد مرورهم من ثانوية لارينيون، لم تكن هناك جامعة وكان لابد أن يرحلوا، نتائجهم الدراسية كانت ضعيفة باستثناء ادريس الذي كان لامعا وكان يريد أن يصبح مهندسا. وقد أشارت السلطات الفرنسية إلى ابنه الآخر عبد السلام الى كونه »»المتمرد» «في العائلة وهو المؤهل لمهنة السلاح. لاحظ الفرنسيون أنهم يتكلمون جميعا اللغة الريفية. أما بالنسبة للبنات، عدم امكانية زواجهن في عين المكان كان يؤسف كثيرا الأب. اقترحت باريس على أبناء الخطابي ا لذين كانوا جميعا يحملون الجنسية الفرنسية مواصلة دراساتهم في فرنسا. لكن عبدا لكريم رفض, إذا كان لابد من الرحيل، يجب أن ترحل كل العائلة.
بعد 20 سنة من نفيهم، اعتقد الريفيون في الجزيرة أن العالم نسيهم تماما، وفجأة بدأ الجميع يتذكر عزلتهم الخانقة. يوم 1 يونيه 1946، أشار برنامج لإذاعة BBC البريطانية أن رسالة موقعه من طرف عدة قادة عرب، أرسلت الى عبد الرحمان عزام ,الأمين العام لجامعة الدول العربية تطالب بالإفراج عن عبد الكريم. كما وجه التونسي حبيب بورقيبة، والجزائري الشاذلي المكي والمغربي أحمد بن المليح طلبا في هذا الاتجاه, وهو ما دفع عزام الى الحديث علنا وبحسرة عن هذا ا»لمنفى اللاإنساني» الطويل» وفي السياق أعلن لبنان استعداده لاستقبال المقاتل الشيخ , جاهلت باريس الموضوع حى نجحت رسالة مطولة من المقيم العام الفرنسي إيرك لابون الى وزير الخارجية جورج بيدو في يونيه 1946، في حسم القرار النهائي. لم تعد فرنسا متخوفة من رد فعل اسبانيا لأن العلاقات مع اسبانيا فرانكو كانت جد متدهورة. هكذا في فبراير 1947 اتخذت الحكومة الفرنسية قرار الإفراج عن عبد الكريم وعائلته وسمحت لهم بالإقامة بفرنسا في »الكوت دازور« ,يوم 10 أبريل سمح حاكم جزيرة لارينيون باخراج ونقل رفات والدة عبد الكريم التي توفيت سنة 1938 حتى يتم دفنها من جديد في آسفي ,حيث يوجد قبر إحدى أخوات الأمير. كان ذلك إشارة بالرحيل.
وفي اليوم الذي ركب عبد الكريم وعائلته، التي أصبحت 40 فردا، على متن الباخرة التي ستبحر بهم الى مارسيليا، تمت دعوة صهريه وزير الخارجية السابق في جمهورية الريف، محمد أزرقان الذي كان مقيما في سطات ومحمد بوجيبار الذي كان ميقيما في ا لجديدة وكذلك عبد الكريم بن زيان شقيق أمغار بن زيان، تمت دعوتهم للتوجه إلى فرنسا لاستقبال عبد الكريم, أثناء ذلك أرسلت الإقامة العامة ليون غابرييللي المراقب المدني الشرفي، ليبحث عن إقامة مريحه للأمير عبد الكريم وعائلته في منطقة »ألفار Var«، وقد تم من قبل نقل مدخرات عبد الكريم الى إحدى وكالات البنك الوطني للقرض والصناعة BNCI، بمارسيليا.
كان كل شيء جاهز لاستقبال ا لمحارب الشيخ باستثناء أن عبد الكريم لم يكن الأمير عبد القادر، ولم يكن ينوي البقاء كل حياته خاضعا للفرنسيين. يوم 31 ماي، وخلال توقف الباخرة »»كاتومبا« «في بورسعيد، قرر الزعيم الريفي بمساعدة مكتب المغرب العربي لدى الجامعة العربية الانعتاق من سجن سجانيه واستئناف المعركة بطريقة أخرى.
بتصرف عن مجلة زمان عدد
أبريل 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.