«رشيد رقم 45» قضى 7 أشهر معصوب العينين وتعرض للتعذيب في معتقل درب مولاي الشريف, وعندما حل موعد أولى جلسات محاكمته، استعاد "»رشيد"« هويته. إسمها فاطنة البيه. جريمتها؟ كانت تناضل من أجل الديمقراطية خلال عشرية سنوات 1970 الرهيبة. وهي اليوم كما بالأمس ماتزال تناضل ضد الظلم والتعسف. التعذيب كان يفترض أن يجبرها على تغيير شخصيتها، لكن دون جدوى بالنسبة لجلاديها الذين تصفهم »"بكبار الخاسرين",« ورغم إصرار الجلادين لم تشك فاطنة البيه أبدا في قوتها, وبالخصوص في وضعيتها كأنثى رغم أن إمكانية الاستسلام أمام الألم والاقتناع بأنها ليست سوى مجرد شيء ما إسمه »رشيد« قد تصل حد إنكار وجودها. إمكانية كانت تبدو سهلة. المعركة الأولى لفاطنة كانت هي معركة الحفاظ على شخصها وأنوتثها التي حاول الجلادون عبثا سرقتها منها، في مآسي سنوات الرصاص لم تكن فاطنة البيه المرأة المناضلة الوحيدة التي تعرضت للتعذيب على يد نظام مهووس، نظام صنع دون أن يدري، رموزا ظلت إلى الأبد محفورة في التاريخ، وهذه حال سعيدة المنبهي التي توفيت في زنزانتها في نونبر 1978، كان آخر فعل نضالي لها وصمة في جبين النظام. واحتجاجا على التعذيب، توفيت سعيدة المبنهي بعد إضراب عن الطعام، إضراب كشف للعالم إنه بإمكان امرأة مناضلة أن تصل إلى أبعد حدود الموت من أجل الدفاع عن قضية, إنها سابقة في المغرب. وهناك نوع آخر من المغربيات، غير معروفات، عشن مآسي الزنازن الحسنية، غير متعلمات في الغالب, يؤدين الثمن مكان آخرين: أزواج أو إخوة تجرأوا على المطالبة بالحرية، إنهن شهيدات قضية يجسدنها في بعض الأحيان، مرغمات، نساء يحملن شجاعة وعزة لم يكن يتوقعها الجلادون، نساء يقفن في مواجهة رجال خسروا هذه المرة معركة الجنس. أول قضية تعذيب في حق امرأة أثارت جدلا تعود إلى نهاية 1910، الباتول بنعيسى, زوجة الباشا السابق لمدينة فاس، الحاج بنعيسى بن حمو، تعرضت لقساوة السلطان مولاي حفيظ، وبعد صراع دموي مع أخيه والذي قاده إلى العرش، بدأ السلطان مولاي حفيظ يصفي حساباته مع الموالين للسلطان مولاي عبد العزيز, السلطان الجديد كان متعطشا لاستعادة ثروات الباشا السابق، فاعتقل عائلة باشا فاس، وركز بطشه بشكل خاص ضد الزوجة للا الباتول التي كان يتهمها بأنها كانت تعرف المخبأ المفترض للغنيمة. وبينما تعرضت لشتى أنواع التعذيب داخل دار المخزن، كشف الصحفي البريطاني الشهير والترهاريس للعالم قسوة مولاي حفيظ الذي كان يشرف شخصيا على حصص التعذيب وبضغط من فرنسا، وبعد عدة محاولات يائسة لإعطاء مظهر انساني للالة الباتول المنهارة، وافق المخزن بالسماح لأطباء فرنسيين بالكشف عن جسد المعذبة. وكان الحكم واضحاً ,وسمح للغربيين بإضفاء الشرعية على التدخل في المغرب الذي يعتبرون أنه ينتمي إلى عهود أخرى. في النهاية تم الإفراج عن لالة الباتول, لكنها ظلت علامة على أنوثة تحت رحمة سلطة رجال متعطشين للسلطة والمال. حقيقة تأكدت خلال القرن 20 الرهيب. بعد السنوات الحالكة التي تعرضت خلالها فاطنة البيه للتعذيب والحرمان. جاءت ساعة هجومها المضاد، انطلقت المناضلة في بحث لفهم مصير معتقلات أخريات. توجهت إلى الأطلس المتوسط، حيث التقت »الأطلسيات« (عنوان كتابها الذي صدر سنة 2006 عن دار النشر فنيك). تتحدث فاطنة عن حالة تجسد التعسف والظلم الذي تعرضت له هؤلاء النساء, »مجرد أن تكون زوجة ناشط سياسي يعتبر عملا نضالياً في حد ذاته. إحداهن كانت حامل عندما جاءت الشرطة تبحث عن زوجها الهارب. وبعد أن ساعدت هذه المرأة زوجها على الهرب من المنزل عبر السقف، تم اقتياد هذه الزوجة إلى مخفر الشرطة، وبدون سبب، تم اعتقالها لفترة طويلة إلى أن ظهر حملها. فهم رجال الشرطة أن الزوج كان يزورها باستمرار. وعندما أخبرتهم عكس ذلك، فإنها كانت تكذب. وقد أدت الثمن«. مثل أخريات عديدات، وجدت هذه الزوجة نفسها وحيدة عندما غادرت السجن. زوج في المنفى، بنى حياة جديدة في مكان آخر، وطفل غير معترف به سمي »ولد الحبس« ,هؤلاء النساء غير المعروفات يتحملن كل ذلك، ولا ينسين أنهن أمهات. وكيف لا نتحدث أيضاً عن ذاكرة فاطمة أوفقير التي تعرضت مع أبنائها لانتقام الحسن الثاني، وقضت حوالي 20 سنة في أماكن اعتقال سرية رهيبة. هل تعذيب امرأة أمر سهل مثل تعذيب الرجل؟ الجواب معقد. لكن فاطنة البيه قضت ما يكفي من الوقت لدراسة حالة "»التعذيب بالمؤنث«"، وتجربتها الشخصية كما تجارب نساء أخريات ضحايا عنف نظام استبدادي، تسمح بالإحاطة بالظاهرة بشكل أفضل. وحده بعد المسافة يسمح بالتحليل الجدي. فاطنة لديها اليوم قناعات راسخة: »تعذيب امرأة لا يشبه في مقاربته تعذيب رجل. الرجل الذي يعذب امرأة يجد صعوبة أكبر في تقبل أن تجرؤ المرأة على التمرد، لا يمكنها أن تتمرد فقط سياسياً، بل كذلك تجاه المجتمع. ويجدون صعوبة أكبر في تقبل المعارضة. إنه مؤشر آخر يؤكد، فيما يبدو، أن الجلادين يؤاخذون أكثر المرأة فقط لأنها في نظرهم لا مكان لها في مجال ذكوري. ورغم ذلك، فهذه الرغبة الزائدة في معاقبة المناضلات تصطدم مع ضعف استطاعت فاطمة البيه فضحه: »الجلادون يطلقون علينا اسماً ذكورياً. ومع فاطمة المرنيسي، حاولنا تحليل هذه الظاهرة وخلصنا إلى أن خلفيتهم دفاعية تقريباً: وسمينا هذه الحالة "»الجلاد المهزوم«"، وكون الجلادين يعصبون أعيننا يعني أنهم لا يستطيعون مواجهة نظراتنا. والعصابة على العينين هي بمثابة حاجز أسود يسمح لهم بإنكار جزئنا الأنثوي«، وهذا الشكل من الانزعاج يبقى مع ذلك مدفوناً في لاوعي من يشرفون على التعذيب، الذين يفضلون تفادي التفكير بأن ضحيتهم تشبه أمهم أو أختهم ,وإعطاء اسم ذكوري للضحية ربما يشكل دفاعاً آخر يمنع إنسانيتهم المدفونة. وتعذيب النساء يمكن أن يندرج كذلك في إطار حرب الأجناس التي قسمت البشرية عبر الزمن. مواجهة مرتبطة بالموقع التراتبي داخل المجتمع. وتعتقد فاطنة أن »الرجل غريزياً كائن يبحث عن السلطة والهيمنة. وهذه العناصر تظهر بشكل مثير، عندما يتعلق الأمر بالتعذيب«. وفي النهاية هي قوة تكشف في الواقع عن ضعف. عن مجلة «زمان»