هل الجزائر مضطرة إلى القبول برئيس مريض؟ يقال إن صحة عبدالعزيز بوتفليقة تسمح له بممارسة وظيفته. وهو ما يمكن أن يشكل دليلا على أن الأمور ليست على ما يرام. ولكن لمَ كل هذا الإحراج؟ فوظيفة رئيس جمهورية في بلد من العالم الثالث ليست عادية، ثم هل الحياة السياسية خاوية في الجزائر إلى درجة العجز عن العثور على بديل مناسب؟ لا يريد أحد في مؤسسة الحكم أن يعترف أن الرجل ذا التاريخ الوطني والقومي وحتى العالمي الناصع، لم يعد بسبب صحته صالحا للحكم وعليه أن يذهب ليرتاح في البيت، بعد أن قضى حياته كلها في خدمة الشعب والوطن. سيقال همسا »ليس لدى المؤسسة العسكرية بديل جاهز«. إنها مشكلة بلد محكوم من قبل الأشباح التي يصر الكثيرون على النظر إليها من جهة كونها أشباحا مجردة، رغم أن أصحابها معروفون. وإذا ما كانت الجزائر محظوظة في أنها ظلت في منأى عن رياح التغيير التي حملها معه ربيع العرب الذي أطاح بعدد من الأنظمة السياسية العربية ونشر الفوضى في بلدان عديدة، فإنها كانت محظوظة أيضا بالموقف الشعبي المناوئ للجماعات الإسلاموية، بعد سنوات الجمر الحمراء التي مرت بها. كان من الممكن أن تكون نتائج ربيعها مختلفة تماما عما كانت عليه في البلدان العربية الأخرى. ولكن الجمود كان أبرز ملامح الحياة السياسية في بلد المليون شهيد، الذي تسلسل على حكمه ضباط قدموا من جبهة التحرير العتيدة التي صارت بعد الاستقلال حزبا. من المتوقع أن يفوز الرئيس بوتفليقة بولاية رابعة. لا لأنها رغبة الجيش فحسب، بل وأيضا لأن للرجل شعبيته الكاسحة. ولكن الأمور لا تقاس بهذه الطريقة دائما. فليس لدى بوتفليقة ما يقدمه من حلول لمشكلات الجزائر المتفاقمة. فالجزائر بلد ثري واقتصاده قوي، ومع ذلك فإن مشكلات شعبه الاقتصادية تتسع مع الوقت. هناك أيضا الحريات الناقصة. وهناك معارضة سياسية في الداخل والخارج لا ترى مستقبلا زاهرا لبلد، يخضع لحكم جهة سياسية واحدة منذ أكثر من نصف قرن. معارضة لديها برامجها المستلهمة من فشل الحكم في إدارة شؤون البلاد. هناك مسافة شاسعة بين ما يفكر فيه أهل الحكم من الطامحين إلى ولاية رابعة للرئيس بوتفليقة، وبين ما يفكر فيه المعارضون الذين يسعون إلى التغيير. ففي الوقت الذي يركز فيه مناصرو الولاية الرابعة على أهلية الرئيس للحكم من الناحية الصحية، يركز معارضو تلك الولاية على أن الرئيس كان قد حكم أكثر مما يجب، وآن له أن يتنحى جانبا، بغض النظر عن وضعه الصحي الذي هو بالتأكيد لا يرتقي إلى المستوى الذي يؤهله للإمساك بكل الملفات الشائكة والمعقدة. كان بوتفليقة سياسيا من الطراز الرفيع منذ شبابه، غير أن ذلك لا يمنع من القول إنه صار بحكم السن رجل تاريخ. ومن المؤكد أن تجربته السياسية بسبب ثقافته واضطلاعه منذ أن كان شابا بالكثير من المهمات الدولية الشائكة ممثلا لبلاده في النزاعات الدولية هي أكثر نضوجا من تجارب سواه من الرؤساء العرب الذين لم يتخلوا عن كراسيهم إلا عن طريق العنف. لذلك كان متوقعا من بوتفليقة أن يكسر حدود المعادلة التقليدية، ويذهب إلى التقاعد، بدلا من أن يكون رئيسا إلى الأبد، أي إلى الموت. أكان ذلك الخيار صعبا عليه، في ظل ما يشاع عن مؤسسة الحكم في الجزائر من أقاويل تجعلها رهينة لقرار المؤسسة العسكرية؟ هناك قرائن كثيرة تدفع الجزائريين إلى التكهن بما لا يعرفه سواهم. وهو ما سيصنع من الولاية الرابعة عنوانا لأزمة سيواجه المجتمع المدني الجزائري تعقيداتها، متمنيا ألاّ يكون العنف عنوانا لها. ولأن الجزائريين يمتلكون مناعة قوية ضد العنف، فقد كانوا يأملون أن لا تجرى انتخابات 2014 بالطريقة التي ستجعلهم في حيرة من أمرهم.