مع بداية فصل الربيع يبدأ فرسان سربات التبوريدة في الاستعداد للمواسم والمهرجانات في جهات المملكة. والاستعداد هو شراء الخيول، والسروج والبنادق والأزياء. وهو أمر مكلف جدا من الناحية المالية. ومنذ الشروع في تنظيم مهرجان الجديدة للفروسية التقليدية، بدأت الاستعدادات تأخذ منحى آخر: الاستعداد للمباريات الجهوية، حيث يتم فيها اختيار سربتين من كل جهة للتنافس في إقصائيات «دار السلام»، حيث تفوز سربة واحدة عن كل جهة لتذهب للتنافس من جديد في مدينة الجديدة في شهر أكتوبر من كل سنة. ليس لهذا المسار الطويل كلفة مالية فقط، بل كلفة نفسية. فمن يركب الفرس يركب المخاطر. فالفرس هو محك الشجاعة والمهارة، لنذكر هذه الحكمة التي قالها اجدادنا:» العود ومولاه قبرهم محفور». منذ أسابيع قليلة نظمت في مختلف جهات المملكة إقصائيات دار السلام، وقد أثارت النتائج مختلف السربات والقبائل في مختلف أنحاء المغرب، إذ نكاد نقول إن السربات التي كانت تمثل تلك الجهات منذ سنوات بعيدة هي نفسها التي تمثلها اليوم، لنذكر أمثلة بعض الجهات التي قيل إن إقصائياتها لم تعرف أدنى درجة من النزاهة، وقد كان الأمر بالفعل موضع احتجاج سربات كثيرة. ففي جهة الشاوية ورديغة فازت سربة «العربي بنخدّة» المعروف بالعربي البرهمي، نسبة إلى قبيلة أولاد إبراهيم، إقليمخريبكة، وسربة «الكرد الزواوي» المنتمية إلى قبائل السماعلة، ناحية وادي زم. العربي بنخدة فارس قوي، ماهر ويمكل خيولا من النوع الممتاز، بنية ولونا، وقد مثل الجهة عدة مرات في دار السلام وفي الجديدة. والكرد الزواوي فارس لا يقل مهارة وتنظيما وموهبة عن بنخدة، وهو الآخر مثل الجهة عدة سنين في مهرجان دار السلام. لكن الاستياء وصل إلى نفوس سربات أخرى قدمت عروضا شيقة من حيث التنظيم وقوة الخيول وتدريبها، وهي سربات شابة كان على لجان التحكيم أن تعطيها فرصة لخوض تجربة إقصائيات دار السلام، عوض تكرار نفس السربات والأسماء، كما يحدث في مشهدنا السياسي والرياضي والفني والثقافي. ومن جهة زمور زعير رشّحت لجان التحكيم سربة «الجيلالي الركيك» و»سربة الرفاعي»، فيما أقصيت سربة»هشام النسمة»، التي ذاع صيتها في قبائل زعير وزمور، وسربة»جواد هارود»، وهي سربة فتية لكنها تضم فرسانا أفذاذا. الأمر الذي أثار غضب واحتجاج «سربة النسمة هشام» الذي لم يتقبّل النتيجة. وغضبه مفهوم لا غابر عليه: فإذا كانت سربة «الجيلالي الركيك» قد حققت نتائج هامة بناء على مجهود جماعي انخرط فيه كل فرسانه، فإن سربة «الرفاعي» فتية وليس لها وجود بين قبائل الوداية وزعير إلا بضع سنوات. أما حجة دفاع الرفاعي فهي الآتية: أنا حقّا لا أمتلك رصيدا طويلا من السنوات في ممارسة هذه الرياضة/الفن، ولكنني رفقة فرساني قمت بمجهود كبير، وصرفت المال الكثير على الخيل والسروج والزيّ. «صرفت مالا كثيرا» هذه هي العبارة الملغومة التي تُتهم بها لجان التحكيم. فقناعة جل السربات هي أن الفائزين قلما يفوزون «بالمهارة في اللعب»، بل المال هو سيد كل شيئ. ماذا؟ هل سيدخل المال أيضا إلى هذه الرياضة النبيلة والجميلة والطاهرة؟ هذا سؤال موجّه إلى لجان التحكيم، وإلى «المقدمين» الذين يرشون اللجان. على الجميع ألا ينسى هذا الدعاء الجميل الذي كان يقوله أجدادنا لكل فارس» الله إركبك ركوب العز ونزلك نزول الطاعة».