قضايا أساسية وانشغالات قوية تستأثر باهتمام المغاربة وتؤرقهم من قبيل التدبير الحكومي وأداء المعارضة وتفعيل بنود الدستور وملفات التقاعد وصندوق المقاصة والزيادات في الأسعار، وإلى جانب هذا المشترك الوطني، حديث أهالي الدارالبيضاء هذه الأيام يتمحور حول تفشي السرقات واتساع رقعة الاعتداءات والجرائم، حيث يفرض الموضوع نفسه بالمقاهي وأماكن التجمعات في المنازل وفضاءات العمل واللقاءات العائلية، يدور الكلام حول الجرائم المقترفة بالأحياء و الشوارع والأسواق ومحطات الطاكسيات والحافلات والقطارات والطرامواي ومختلف المرافق والمحور عمليات المجرمين بشتى تلاوينهم من لصوص محترفين ظرفاء، ممن ينفذون عملياتهم بمهنية وتقنيات عالية، إذ يطير اللص بالمسروق بدون إداية ولا شبهة ولا آثار للعدوان، ولا يفيق الضحية إلا وقد وصل المسروق لأسواق عشوائية تستقبل هذه البضاعة. وصنف ثان من اللصوص المجرمين، يمارسون العنف على ضحاياهم، باستعمال السكاكين والخناجر وشفرات الحلاقة والسواطير والسيوف وغير ذلك. ونسمع الجديد كل يوم، من سرقات الجيوب والمحافظ واختطاف السلاسل الذهبية من الأعناق، والهواتف النقالة، وخصوصاً ما شاع ذكره وغلى ثمنه أيفون... سامسونغ.. وغيره، وحواسيب يدوية PC وماليطات وحقائب نقوذ ووثائق وحلي. ويتناقل الناس أخبار سرقات للسيارات والدراجات النارية والعادية، وعمليات سطو باستعمال دراجات نارية ، يتم إطلاق العنان لسرعتها وتكييفها مع متطلبات السرقات، من خفة زائدة وسرعة فائقة. عيون المجرمين تمسح الشوارع والطوارات في انتظار اللحظة المناسبة، حين العثور على الهدف المتمثل في مواطن (ة) في حالة سهو أو استغراق يستعمل هاتفه، فتنقض الأيادي الآثمنة على التلفون أو السلسلة، وبسرعة البرق يلتحق المختطف بشريكه سائق الدراجة، ويطيران بتهور مجنون قد يعرض حياتهم لخطر شبه مؤكد. كما يستعمل البعض كلاب البيتبول والسطاف، لترويع المواطنين وتهديدهم وسرقة ممتلكاتهم، وهناك من ينتقي ضحاياه من هواة الرياضة الذين يزاولون أنشطتهم بالأماكن المناسبة غابة بوسكورة مثلا، حيث يتعرض البعض لاعتداءات، كالتجريد من البذلة الرياضية والحذاء الرياضي. وقد أصبح مألوفاً في غمضة عين، يتم السطو على دراجة نارية لم يوضع لها قفل، وأحياناً يهشم القفل وتسرق الدراجة، أو ترفع بقفلها أو أقفالها وتودع داخل هوندا أو سوزوكي أو على ظهر طريبورتور، وكلها حالات غدت مألوفة لدى ساكنة تتغذى صباح مساء على أخبار هذه السرقات. ووصل الأمر لمستوى تنفيذ عمليات منظمة بإحكام، لا يقف إجرامها عند حدود سرقة ما بداخل السيارات، من خلال تحطيم زجاج نوافذ العربات المركونة بمختلف الحواري والأزقة ليلا ونهاراً، إذ استهدفت نوعيات معينة مطلوبة في الأسواق، سواء كقطع غيار أو هيكل أو برمتها، مثل المرسديس والكات كات، والب إم، وغيرها من الماركات الرفيعة التي غدت هدفاً يتصيده لصوص محترفون، يضعون الخطط لرصد وتتبع الهدف، إلى حين اللحظة المناسبة للسطو على السيارة بتوقيف صاحبها أو صاحبتها غالباً وإنزاله طوعاً أو عنفاً وفق الحالة ونهب السيارة. كما وصلتنا أخبار عن سرقات قامت بها عصابات أوقفت حافلات وأوطوبيسات وتم إخلاء جيوب الركاب، كما احتل مجرمون بالبيضاء مقهى وسلبوا روادها ما بحوزتهم من نقوذ وهواتف وساعات وخواتم. وتناقل المواطنون خبر سطو منظم استهدف مسافرين على متن أحد القطارات. وغرائب تحكى هنا وهناك، تروى على لسان ضحايا وأصبحت مادة ذات أولوية تحتل الصدارة على صفحات الجرائد والمجلات المكتوبة والإلكترونية، وتفصيل نستعرض بعض حالاتها للتوضيح والإفادة، كاستهداف سائقي السيارات بالقرب من الإشارات الضوئية لتنظيم المرور، عند اصطفاف مستعملي الطريق في انتظار انطلاق الضوء الأخضر، حين يفتعل السارق نزاعاً مع سائق مستهدف، يتم استفزازه بالسب والشتم، وغالباً ما ينتفض السائق ويفتح باب سيارته لمواجهة المعتدي، عندئذ يظهر على المسرح مجرم ثان لينفذ عملية السرقة، حين يفتح الباب الجانبي على يمين السائق، ويستحوذ على ما يجده في متناوله.. هاتف، حقيبة يدوية، حاسوب، وكل ما خف وزنه وغلى ثمنه. وعمليات أخرى يكون الضحايا غالباً من حين يأتي المجرم بفأر (»طوبه«) موضوعة داخل كيس، ويرمي بها داخل العربة عبر النافذة المفتوحة، ليبدأ مسلسل الرعب بخروج السائقة مذعورة لائذة بالفرار، وتترك الجمل بما حمل لسارق قد يكتفي بالمحتويات، وقد يستولي على السيارة بأوراقها وحمولتها. وقد تحولت بعض أساليب النهب لنكت متداولة، من مثل استعمال »لقاط أو بانس« من قبل المجرم بشد أذن السائق داخل سيارته ومطالبته بالهاتف أو المحفظة وغير ذلك من الموجودات. أما أخبار اقتناص مستعملي شبابيك سحب النقوذ، وتجريدهم من أموالهم، فقد شاعت بما فيه الكفاية، إذ يهدد اللصوص الضحايا بالسكاكين والسيوف التي تفنن"حدادون" عن جهل في صنعها والمجرمون في إخفائها داخل الأكمام وعلى الظهر تحت الملابس، وسمعت أن هناك من يستل خنجراً يكون مدفوناً داخل "»كوميرة«"، يستعملها لتنفيذ سرقاته واعتداءاته. وتروى في هذا السياق، سرقات محبوكة، تنفذها عصابات تترصد عاملات المعامل والشركات بالسطو على أجورهن يوم "»الخلصة«" الأسبوعي أو الشهري، ولنا ان تصور حجم المعاناة في مثل هذه الحالات. ولا ننسى الجرم المركب الذي يقترف، بتسخير الأطفال المهمشين يتامى ومتخلى عنهم لتنفيذ شتى أنواع السرقات، والانتباه الى أن السرقة غدت بالمؤنث أيضاً وفق إفادات بعض الصحف مؤخراً. والمؤكد أن ما استعرضناه منقولا عن مصادر موثوق بها وضحايا وقعوا في مطبات يلتقي وما تعرضه وتعج به صفحات الجرائد والمجلات من غرائب ومغربات تثير فضولنا جميعاً، وتؤرقنا بمآسيها وفواجعها، وتؤكد حقيقة أن السرقة والإجرام بالبيضاء بلغ مستوى من الحدة لم يعد مستساغاً اعتباره أفعالا عرضية، ولا تشكل خطورة تهدد أمن وسلامة الساكنة، حيث نرى أن الفعل الاجرامي قد انتقل نوعياً إلى مستوى سلوك خطير ومفزع، يعيش الجميع تحت هاجسه وسطوته، ويطبق على الحياة العامة للأفراد والعائلات، ولعل وصول بعض المجرمين لتنفيذ سرقات واعتداءات طالت مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين ووزراء حتى تأكيد إضافي لاستفحال الظاهرة واشتداد حدتها، بما يعكس عمق معاناة المواطنين من هذه الآفة الرهيبة بمدينة غول بحجم الدارالبيضاء. كما أن ظاهرة السطو والاعتداءات امتدت ذيولها لبعض الأوساط التعليمية والتكوينية، حيث سجلت أعمال عنف واعتداءات وسرقات من ورائها تلاميذ ومكونون، تعكس إلى أي مدى آلت إليها الأوضاع. وقفتنا اليوم عند الظاهرة مبعثها دواع عديدة، ليس أقلها أن هذا السلوك الإجرامي أصبح فعلا يومياً ضرره قد يكون ضياع هاتف أو مبلغ مالي أو سلسلة نفيسة، وقد يكون الثمن إزهاق روح بشرية، مثل حالة الدكتور الذي اغتاله مجرم بطعنة خنجر، حين قاوم سرقة هاتفه قبل بضع سنوات. كما لا ينسينا العمليات الكبرى للأيادي القذرة التي لا ترى إلا »الضربات السمينة« التي أورثت بلادنا أثقالا مازلنا نرزح تحت نير ثقلها، وأن التركيز على الدارالبيضاء لا يغيب تنامي الظاهرة بحواضر تضخمت في السنين الأخيرة، مراكش، سلا، فاس، مكناس، القنيطرة وغيرها، كما تطورت السرقات بالبوادي واتسعت رقعتها، وانتقلت من سرقة فراخ دجاج أو بيبي، أو نعجة أو عجل، إلى سطو عصابات" ا»لفراقشية"«، مختصين في سرقة قطعان الخرفان والأبقار والنعاج. وماذا بعد هذا المسح السريع لظاهرة لا نعزلها عن شروطها المادية العميقة، من فقر مدقع وفوارق طبقية فاحشة وتهميش فاضح وبطالة متصاعدة، فضلا عن العوامل القوية المتسببة فيها والمشجعة عليها من حشيش وحبوب مهلوسة ودوليو وسيليسيون وجانكا ومخدرات صلبة. هي وقفة يتجاوز القصد منها إثارة الانتباه والتحسيس، إلى دق ناقوس خطر حقيقي يتهدد مجتمعنا الذي أغرقته قيم المجتمع الاستهلاكي، والفردانية بما تعنيه من تطلع للكسب والربح السريع والوصول بأي ثمن، وفي ذلك، تناقض مع مختلف استراتيجياتنا في النمو الاقتصادي والإقلاع المجتمعي. فمثلا كيف السبيل لتطوير تنافسية سياحتنا، وتحقيق أهدافها في غياب أمن وسلامة وطمأنينة المواطنين والسياح الزائرين على حد سواء. في هذا الإطار، ندعو لنقاش وحوار يشخص بالدقة المطلوبة والمسؤولية الكاملة هذه المتغيرات، ويقترح الحلول الناجعة للتخلص من سوآتها ومضاعفاتها. مع قهوة الصباح، فتحت المذياع على صوت خالد نزار ومحمد عاطر يناقشان من خلال برنامج إذاعي موضوع الجرائم والاعتداءات واستعمال الخناجر والسيوف، وتهديد أمن وسلامة المواطنين، وبعفوية قيل كلام كثير يتطلب التدقيق والتعميق قبل تعميمه عبر الأثير، حتى لا يكون التسطيح والتبسيط ترياقاً لأمراض عضال تنخر جسم المجتمع. وحتى لا يقول نزار بانفعال: أنا مع المخزن القديم لمواجهة هذه الظاهرة، ويتمسك عاطر بموقف الانتصار للمخزن الجديد، حسب تعبيره، لنقول ونؤكد: إن سياسة عمومية تحكمها إرادة قوية وحدها قادرة على تقريبنا من الأسباب والمسببات أو ما نسميه أعراضاً، وتسمح لنا بتوفير الآليات والأدوات المدعومة بالقوانين والتشريعات لمواجهة الظاهرة بكل أبعادها وامتداداتها.