1- قدم أومبيرتو إيكو، منذ سنوات خلت، وصفة سميائية طريفة في محاربة العنصرية والتعصب. يجب، في تصوره، تعليمُ الطفل أن ما يتداوله من تسميات لأشياءِ العالم وكائناته ليس سوى كلمات يستعمل غيرَها آخرون لتعيين العوالمِ ذاتِها (إيكو). حينها سيُدرك أن الحقيقة ليست في لغته وحدها، بل منتشرة في كل اللغات. ذلك أن التسميات ليست امتلاكا فعليا لشيء، وإنما هي بديل رمزي عنه، وأن اختلافَها ليس دليلا على تفاوت في قيمة ما نقوم بتعيينه، وإنما إحالة على تعدد في الرؤى وأشكال الحكم والتقدير لا غير. وهي صيغة أخرى للقول، إن العالم الذي يقع تحت سلطتنا حقا هو الكلمات وحدها، أما الموجودات فقابلة للتحَلُّل والضياع والنسيان. فما "يقلق الإنسان، في نهاية الأمر، هو التصورات التي يملكها عن الأشياء، لا الأشياءِ ذاتها" (كاسيرير). تُخفي هذه الوصفة، بصيغتها التبسيطية الظاهرة، تصورا شاملا للطريقة التي نتداول من خلالها الوجود الإنساني. فنحن لا نستلهم من ماديات الكون ومظاهره سوى الواجهات التي تغطيها المعاني، فهي وحدها ما يستوطن الذاكرة، أما ما يتبقى بعد ذلك فتتكفل به الطبيعة وتعيد إنتاجه ضمن دورتها اللامتناهية. واستنادا إلى هذه الذاكرة تتناسل دلالات جديدة لا يربطها في غالب الأحيان أيُّ رابط بما نسميه العالم "الواقعي"، قد يتعلق الأمر برموز صريحة استودعها الإنسان قيما وأحكاما، أو هو لاشعور عميق تَشَكل في غفلة من الإنسان نفسِه فاستنسخ منه كتلا انفعالية استبطنتها الأساطير والطقوس والرغبات الغامضة.