في الماضي، وصلت قضايا صحف إلى المحكمة العليا (التي تفسر الدستور)، مثل قضية «نيويورك تايمز» ضد الرئيس نيكسون عام 1973 حول «بنتاغون بيبرز» (أوراق البنتاغون). هذا هو التقرير السري الذي كتبه البنتاغون نفسه وتوقع فيه الهزيمة في حرب فيتنام. كان سربه دانيال السبيرغ، مستشار مدني في البنتاغون. وحكمت المحكمة لصالح الصحيفة بأن من حقها نشر الأوراق، وخسر الرئيس نيكسون الذي كان يريد منعها. لكن، لم تصل إلى المحكمة العليا قضية صحافي. حتى رفع، في السنة الماضية، جيمس ريزين، صحافي في صحيفة «نيويورك تايمز» نفسها، قضية ضد الرئيس باراك أوباما لمنع سجنه لأنه رفض كشف مصدر خبر عن عمليات تجسس ضد إيران، كان الصحافي نشرها في صحيفة «نيويورك تايمز». عن طريق محامين تصرف عليهم الصحيفة، طلب ريزين من المحكمة الإجابة عن السؤال الآتي: «هل يتمتع الصحافي بالتعديل الأول في الدستور (الذي يضمن حرية الصحافة) عندما تستدعيه محكمة جنائية لكشف هوية مصدر خاص لخبر معين؟». لن تنظر المحكمة العليا في الطلب قريبا. وكان الصحافي خسر استئنافات في محاكم أقل. لكن، يستمر النقاش حول هذا الموضوع. في الأسبوع الماضي، عقدت جمعية «جورج بولك» (جمعية صحافية تقدم جوائز سنوية لأحسن الأعمال الصحافية) مؤتمرا عن الموضوع، تحت عنوان: «مصادر وأسرار». من بين الذين تحدثوا ريزين نفسه. ومما قال: »أود أن أعلن هنا أن إدارة الرئيس باراك أوباما هي أكبر عدو لحرية الصحافة خلال جيل كامل، على الأقل«. غير أنه انتقد، أيضا، الصحافيين. قال إنهم «خنوعون» (مثل الخراف، يتراجعون وهم صامتون). لا يبدو أن هناك صحافيا يؤيد إجباره على كشف مصدر خبر. لكن، هذا «تقليد» صحافي، وليس قانونا. وريزين، نفسه، فرق بين القوانين والأعراف. وقال: «يوجد قبول عام عند نشر خبر عن الأمن الوطني» ألا ينشر الصحافي مصدر الخبر. لكن، لم يجب ريزين عن سؤالين عن هذا «التقليد»: أولا: ماذا لو لم تقبله الحكومة؟ ثانيا: ما رأي القضاء فيه؟ لهذا، وصل الموضوع إلى المحكمة العليا. ولهذا، سيكون قرار المحكمة مهما جدا في موضوع حرية الصحافة في ربما أكثر بلاد العالم التي تحمي حرية الصحافة. لكن تحدي ريزين للحكومة (السلطة الثانية)، وتأييد السيناتور جك شومر له (السلطة الأولى)، ولجوءه إلى القضاء (السلطة الثالثة) لا يعفي زملاءه الصحافيين (السلطة الرابعة). وفي السنة الماضية، في خطاب أمام حفل تخريج طلاب كلية الصحافة في جامعة كاليفورنيا (في بيركلي)، خاطب ريزين الصحافيين، الجدد والقدامى، وقال: «أمامكم خياران: هل تحاربون في سبيل حرية الصحافة؟ أو هل تستسلمون؟» وفي مؤتمر الأسبوع الماضي لجمعية »جورج بولك«، قال جفري توبين، زميل ريزين في صحيفة »نيويورك تايمز«، ومعلق في تلفزيون «سي إن إن»: «أود أن أنقل لكم خبرا حزينا. لا يوجد في الدستور الأميركي ما يحمي الصحافي من كشف مصدر أخباره». بهذا، سبق توبين قرار المحكمة العليا، لكن، ربما تقرر المحكمة عكس ذلك. ولم يعجب رأي توبين صحافيين في المؤتمر. منهم آدام ليبتاك، محرر الشؤون القضائية في صحيفة «نيويورك تايمز»، الذي قال: «لو لم أكن مخبرا محايدا يجب ألا أتحدث عن رأيي، لقلت الآتي: (محاكمة ريزين فضيحة قانونية، وسياسية، وأخلاقية، ووطنية)». وعن الموضوع نفسه، كتب أندرو بيوجون، خبير في مركز «بوينتر» الصحافي بسنت بيترزبيرغ (ولاية فلوريدا): «لسنوات كثيرة، تعودنا حماية مصادر أخبارنا. لكن، هل يوفر قانون من الكونغرس هذه الحماية؟ وهل يؤكد القضاء أن قانون الحماية جزء من حرية الرأي يحميه الدستور؟». قبل ثلاث سنوات، بدأت المشكلة عندما استعملت إدارة الرئيس أوباما وسائل مراقبة إلكترونية لكشف مصدر خبر تجسس الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) على إيران، كجزء من عمليات تجسس أميركية إسرائيلية على برنامج إيران النووي. ووصل تحقيق الشرطة إلى جفري ستيرلنغ، الذي تقاعد من العمل في «سي آي إيه». واتهم بأنه هو الذي سرب الخبر إلى ريزين، الذي نشر الخبر في «نيويورك تايمز». وقدم ستيرلنغ إلى المحاكمة بتهمة كشف أسرار حكومية «تؤذي الأمن الوطني الأميركي». وكان لا بد أن يشهد روزين. لكنه رفض. ولم يكن سرا أن الرئيس أوباما (وعلاقته مع الصحافيين متوترة، بصورة عامة، منذ أن كان سيناتورا) قرر وقف كشف الأسرار التي تؤذي حكومته (وسمعته). ولم يكن سرا أن للموضوع صلة بتفاصيل الحرب السرية التي تشنها طائرات «دورن» (من دون طيار) في باكستان، وأفغانستان، والصومال، واليمن، باسم »الحرب ضد الإرهاب«. يبقى طرف آخر في هذا النزاع بين السلطة الثانية والرابعة (وفي انتظار رأي السلطة الثالثة): السلطة الأولى الكونغرس «الممثل المنتخب للشعب الأميركي». هذه الإضافة الأخيرة مهمة لأنها ترد على مسؤولين في إدارة الرئيس أوباما، خاصة وزير العدل إريك هولدر، الذي هو الآخر، لا يرتاح الصحافيون له، ولا يرتاح هو للصحافيين. (ربما لا غرابة: هو صديق حميم لأوباما، وأسود مثله). يوجه هولدر حملة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) ضد أي موظف في أي وزارة وإدارة حكومية يسرب أسرارا (ضارة) إلى صحافيين. ومرة، قال بان عن الصحافيين: »ليسوا ممثلين للشعب الأميركي«. بالنسبة للكونغرس، يقود السيناتور جك شومار (ديمقراطي من ولاية نيويورك) حملة لإصدار قانون «بريس شيلد« (درع الصحافة) لتأكيد حرية الصحافيين، ولضمان حمايتهم مصادرهم. لكن، يظل مشروع القانون يسير في بطء، وذلك بسبب معارضة جمهوريين. ومعارضة ديمقراطيين، أيضا (الذين يؤيدون أوباما ووزير العدل في الحملة ضد تسريب أسرار الحكومة). ومن المفارقات أن هناك جمهوريين يعطفون على »درع الصحافة«، نكاية في أوباما. وعن هذا كتب خبير مركز «بوينتار»: «يؤيد أوباما كشف الأسرار التي تحسن سمعته، ويعارض كشف الأسرار التي تؤذي سمعته».