بعد استنفاد صبرهم أمام دوامة الوعود والتسويفات ، وعدم الاستجابة إلى مطالبهم، اضطر متقاعدو القوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية بخنيفرة، وأرامل المتوفين منهم ، وذوو حقوقهم، إلى النزول إلى الشارع مرة أخرى في سبيل إثارة انتباه الجهات المسؤولة، على الصعيدين الإقليمي والوطني، لصوتهم، وذلك في مسيرة انطلقت من ساحة 20 غشت وسط المدينة إلى عمالة إقليمخنيفرة حيث صدحت حناجرهم بسلسلة من الهتافات والشعارت التي نددوا من خلالها بأوضاعهم الاجتماعية المتردية وأحوالهم الصحية المعيشية الصادمة التي يتخبطون فيها خلف سياسة التهميش والتجاهل الممنهجة من طرف سلطات مراكز القرار والأطراف المعنية بملفاتهم. وعلى طول مسلك مسيرتهم الاحتجاجية، لم يتوقف المعنيون بالامر عن ترديد صرخاتهم حول ما يعانونه تحت رحمة الفقر والحرمان والهشاشة الاجتماعية نتيجة هزالة ما يتقاضونه نهاية كل شهر من معاشات وأجور ، وبينما استعرض المحتجون أوضاعهم بالمقارنة مع متقاعدي قطاعات متعددة أخرى، أكدوا أن ما يتقاضونه من دريهمات، كما تمت الإشارة إليه في مرة سابقة، لا يكفي لتكاليف العيش، بالأحرى مصاريف الدواء والكراء واللباس والأبناء وفاتورات الماء والكهرباء، في ظروف قاسية عنوانها ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، ولا غرابة مطلقا في لجوء أغلب المتقاعدين وأراملهم إلى البحث عن حرف أخرى في سبيل مواجهة غلاء القوت اليومي، وآخرون لا يجدون خيارا آخر غير العيش بنظام السلف و"الكريدي" لغاية التحايل على مظاهر الأزمة. وفي بيان لهم، حصلت "الاتحاد الاشتراكي" على نسخة منه، استعرضوا ضمنه مرارة وضعيتهم المؤلمة التي "تنكرت" لما أفنوا فيه زهرة أعمارهم دفاعا عن حوزة الوطن وحماية أمنه وسلامته وكرامته، ومن بينهم الآن شيوخ لم يعد بمقدورهم القيام بأبسط الأعمال، ومنهم من بترت قدماه وهو محمول على كرسيه المتحرك بعد قضائه لأزيد من 30 سنة في الخدمة، وجلهم شاركوا في شتى العمليات التي شهدتها الصحراء المغربية، وكانوا بالأمس القريب القوة التي يستعان بها في كل الخدمات والطوارئ ليجدوا أنفسهم اليوم مجرد كائنات لا أهمية لها رغم النداءات والشكاوى، يضيفون في بيانهم. المحتجون طالبوا بتعديل القانون المنظم للمعاشات (رقم 013/71) و(011/71)، والذي مرت عليه أزيد من أربعين سنة دون تحريكه بجعله يتماشى والمتغيرات المعيشية والمتطلبات اليومية، إذ كيف يعقل، يقول المحتجون، أن تتراوح رواتبهم ما بين 500 درهم و800 درهم إلى 1000 درهم في أفضل الحالات، وأرامل المتوفين منهم تتراوح معاشاتهن بين 95 درهما و135 درهما، في ظروف تلتهب فيها المواد الأساسية وترتفع تكاليف الحياة، ولعل الأرقام المشار إليها يصعب التعليق عليها دون إحساس عميق بالحسرة والألم، حيث لم يفت المحتجين المطالبة، على الأقل، بالإبقاء على المعاش كاملا لفائدة ذوي الحقوق بعد وفاة المعني بالأمر، ولو أنها معاشات لا يتقبلها المنطق وجامدة منذ السبعينيات، على حد لسان المحتجين. وصلة بالموضوع، شدد المحتجون على ضرورة تحسين وضعيتهم المعاشية والمعيشية، والتفكير الجدي في إصلاح يتناسب والظروف الاجتماعية لهم، ووضع سلم متحرك للمعاشات بما يتماشى وغلاء المعيشة والخدمات العلاجية، مع احتواء مظاهر الحيف التي تتخبط فيها فئتهم، والذين أحيلوا على التقاعد منذ 1975 ولم تتحسن أحوالهم أو تتحرك أجورهم أسوة بزملائهم ممن مازالوا في العمل أو الخدمة، ولم يفتهم بالتالي مطالبة إدارة الأملاك المخزنية بتسليم المساكن التي يقطن فيها بعضهم بالنظر لمعاشاتهم الهزيلة. ومن بين مطالبهم الأخرى، مطالبتهم بتمتيع جميع متقاعدي القوات المساعدة بالتغطية الصحية ومعالجتهم بالمستشفيات العسكرية كباقي متقاعدي القوات المسلحة الملكية، وكذا تصفية ملفات المرض بالطرق المناسبة من طرف التعاضدية التي ينتمون إليها، مع تحسين ظروف استقبالهم في المستشفيات، فيما أكدوا على ضرورة إعادة النظر في عملية اقتطاع فاتورة الدواء من طرف الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، علاوة على إمكانية تسهيل واجبات تذاكر النقل وتخفيض ثمن النقل البري والجوي، وإحداث تعويضات عن بطاقة الصفة، والرفع من معاشات الزمانة واستفادة أبناء المتقاعدين من المنح الجامعية والأحياء الجامعية ومساعدة العاطلين منهم على توفير الشغل، كما لم يفت متقاعدي الجيش منهم المطالبة بإنصاف الجنود الذين تم حذفهم من أسلاك الجندية لأسباب تأديبية. وفي ذات السياق، أصر المحتجون على إشراكهم في الحوار الاجتماعي من أجل سماع صوتهم والدفاع عن حقوقهم المشروعة لعدم وجود من يمثلهم بالمؤسسات المنتخبة على خلفية عدم السماح لهم بالانخراط في أية نقابة أو تنظيم سياسي، وشددوا، كما كل مرة، على ضرورة الاعتراف بجمعيتهم من أجل مناقشة مختلف المشاكل والقضايا التي يعانون منها، ولم يختموا مسيرتهم الغاضبة دون التهديد بالاستمرار في معاركهم الاحتجاجية السلمية، والرفع من سقفها حتى تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة.