فرحت لعدم حصول الدكتور أسامة الغزالى حرب على منصب وزير الثقافة لأنه كان سيدخل وسط دائرة من المعارك الصغيرة والصخب الثقافى وليس إلى دائرة الثقافة الحقيقية، ولأن أسامة الغزالى حرب يستحق منصبا أفضل من هذا، ولأن المناصب فى هذه الفترة الانتقالية الحرجة هى حرق للشخصيات العامة المحترمة مثل أسامة الغزالى، وأخيرا لأن المناصب نفسها فقدت معناها بعد ثورة 25 يناير وأصبحت عبئا حقيقيا على من يتولاها فى ظل تراكم المشاكل وتجرؤ العامة على كل من فى منصب، خاصة وأن مرسي نزل بالمناصب إلى الهاوية عندما عين كل من هب ودب مستشارا أو مساعدا له، كما عين إرهابيين ومجرمين فى مناصب وزارية. على أن ما أزعجنى وأثار تعجبى حقا هو أعتراض بعض المثقفين على أسامة الغزالي بزعم أنه لا ينتمى إلى دائرة المثقفين!!، ولا أعرف على أي تعريف للمثقف يستند هؤلاء؟ ولا أى معنى للثقافة يقصدون؟ وإذا كان أسامة الغزالي بعلمه وخبرته وعمله الثقافس السياسس الاجتماعى الممتد وأدبه وكياسته وتواضعه واحترامه للجميع لا يعتبر مثقفا، فمن إذن فى مصر يعتبر مثقفا؟، وهل إلى هذا الحد تنتشر الأحقاد والنميمة داخل دائرة المثقفين فى مصر؟ بل إننى أتجرأ وأقول ما هو المنتج الثقافي الذى يفتخر به المثقفون المصريون؟ انظروا إلى الكتابات الكثيرة فى الصحف والمجلات المتعددة، وأتمنى أن يشير أحد على موضوع ويقول لي هذا يستحق القراءة بجد؟ كم موضوع فعلا يمكن قراءته فى الصحف والمجلات المصرية؟ أتمنى أن يشير لي شخص على كتاب صدر فى مصر فى السنوات الخمس الماضية يستحق أن يحتفظ به الإنسان فى مكتبته ويفخر بذلك؟ أو كتاب تناول قضية مطروحة وقدمها بشكل علمي مهني مستفيض يستفيد منه الإنسان؟ أو رسالة دكتوارة أو ماجستير فى العلوم الاجتماعية نوقشت فى السنوات الأخيرة تستحق الاطلاع عليها؟ أو حتى رواية ترتقى لما كتبه رواد الرواية المصرية الاوائل؟ إن ما يدعو للخجل أن ينتظر معظم المثقفين المصريين لشخص ما عمره 94 عاما لكى ينظر لهم للماضى وللحاضر وللمستقبل ويعتبرونه الأستاذ رغم مسئوليته المباشرة وغير المباشرة عن كوارث جمة فى السياسة والصحافة والثقافة. ألا يدل ذلك على حالة إفلاس جماعس فى مصر؟ هل هذا الهراء الذي يكتب فى الصحف يمكن تسميته منتجا ثقافيا؟ هل الانحدار المغزى فى لغة الحوار ومضمون البرامج الحوارية يعتبر ثقافة؟ هل التسريبات الشخصية التى هلل لها الكثيرون تعبر عن انحطاط اخلاقى ومهني وموت دولة القانون أم تعبر عن أنتعاش ثقافي؟ هل الأخطاء بالجملة التى تقال كل يوم فى البرامج الحوارية تعبر عن ثقافة؟ هل الهرتلة التى تصدر عن من يدعون أنهم خبراء مدنيين أو عسكريين تعبر عن أى ثقافة؟ ألا تعبر المسلسلات المصرية المملة المكررة على مدى ستة عقود بنفس الأفكار تقريبا عن ركود ثقافى وانفصال عن العالم المعاصر؟ ماذا تقدم الثقافة المصرية للعالم؟ هل يطالع العالم شيئا من هذا الإنتاج الثقافي المصري الهزيل؟ ألا يقرأ العالم تراثنا الفرعوني فى حين يتجاهلون تماما إنتاجنا المعاصر؟ على أي شئ يدل هذا؟ ألا يوضح ذلك أننا نكرة فى المعادلة الثقافية العالمية كما فى كل شئ؟ ألا يدل تصديق الكثيرين للسيد عبد العاطى الذى أدعى أنه حل معظم الأمراض المستعصية بسلك ذو إيريال على أن الناس غارقة فى الجهل؟ بماذا تسمى الصحف والبرامج والمحاورين الذين ناقشوا هذا الاختراع العجيب وهزوا رؤوسهم بالموافقة والإعجاب؟ هل هؤلاء ينتمون إلى عالم الثقافة والمثقفين فى حين أن أسامة الغزالى حرب خارج هذا العالم؟ تخيلوا لو اختار رئيس الوزراء مذيعا من هؤلاء وزيرا للثقافة هل كان سيعترض من يسمون أنفسهم مثقفين؟ أو لو اختار واحد من أرجوزات الصحافة الذين يرقصون شمالا ويمينا مع الأجهزة الأمنية، هل كان أحد سينبس ببنت شفة؟ فى تقديرى لا، ولكنهم اعترضوا على أسامة الغزالي حرب الذى اشتبك مع الثقافة الحقيقية وشارك فى مئات المؤتمرات والندوات والحوارات الجادة فى الداخل والخارج، وساهم فى تأسيس جمعيات مرموقة مثل النداء الجديد وكذا حزب سياسي ليبرالي هو حزب الجبهة الديموقراطي، عضو الليبرالية الدولية. أسامة الغزالي هو ليبرالى حقيقى يؤمن بالحق الكامل فى الإبداع والانطلاق والتفرد، فهل هذا الليبرالي لا يصلح وزيرا للثقافة فى حين يصلح لها شخص يحمل على جبهته زبيبة مثلا يتدخل فى كل كبيرة وصغيرة فى الشأن الثقافي؟ هل تشعرون معي أن هناك خللا فى التفكير فى مصر؟ وأن المشكلة فى عقول الناس وفي مقدمتهم من يدعون أنهم مثقفين؟ هل تشعرون معي أن الهوس والتطرف الدينى دمر معظم العقول فى مصر؟ وأن مصر فى أزمة حادة وفى مقدمة هذه الأزمة التفكير الجمعى المصرى؟ هل تشعرون معي أن هذا الخلل فى التفكير المصري عزل المصريون فعليا عن العالم المعاصر واصبحوا يتناقشون مثل اهل الكهف؟ هل تشعرون معي أن النقاش الثقافي والسياسي فى مصر مغرق فى المحلية والسفسطة السلبية غير المنتجة ومنفصل عن معظم أشكال الثقافة والقضايا العالمية؟ هل تشعرون معي أن فوز الإسلاميين وتصويت الكثير من المثقفين لمرسي والذين أطلقوا على أنفسهم عاصري الليمون يدل على خلل واضح فى التفكير؟ هل كانوا يظنون مثلا أن مرسى سيقيم دولة ديموقراطية ليبرالية حرة؟ وهل عندما ثاروا على مرسى فعلوا ذلك لأنه استبعدهم واحتكر وجماعته المناصب أم لأنه فاشئ كان يسعى لتأسيس فاشية دينية؟ قل لي كم مصرى يوافق على فصل الدين عن الدولة أقول لك كم مثقف فى مصر؟ قل لي كم مصرى يرفض تطبيق الشريعة لأنها قانون دينى لا يناسب العصر اقول لك كم مثقف فى مصر؟ قل لي كم مثقف يتحدث صراحة وبدون مواربة عن أهمية العلمانية للتقدم أقول لك كم مثقف فى مصر؟ قل لي كم مثقف فى مصر وافق على نقد الإسلام كما يحدث مع جميع الأديان فى الخارج اقول لك كم مثقف فى مصر؟ قل لى كم مثقف وافق على الرسوم الدينماركية لأنها تعكس رؤية من رسمها اقول لك كم مثقف فى مصر؟ هناك عشرات الرسوم التى توجه لكافة رموز الأديان لماذا ينزعج من يسمون بالمثقفين فى مصر ويملأون الصحف بالتراهات فقط عند نقد الإسلام؟ قل لى كم مثقف معترض على حبس العديد من الأقباط بتهم واهية أسمها إزدراء الإسلام أقول لك كم مثقف فى مصر؟، قل لى كم مثقف احتج علنا على إضطهاد الأقباط والشيعة والبهائيين اقول لك كم مثقف فى مصر؟، قل لى كم مثقف يوافق على اصدار قانون يعطى الحق لكل مصرى فى ترك الإسلام إلى أى دين يريده أو إلى الالحاد اقول لك كم مثقف فى مصر؟ هل قرأتم ما كتبه نزار قباني من أن الكتابة الحقيقية ليست فعل امتثال ولا فعل رضوخ ولا فعل تنازل، بل هى اشتباك يومى مع القبح والتخلف.. هي فعل انقضاض على كل بشاعات العالم. لو فعلتم هذا يا معشر مثقفى مصر ما كانت البلد وصلت إلى هذا المستوى من الانهيار الأخلاقى ومن التخلف والقبح فى كل شئ. يا معشر مثقفى ومثقفات مصر ابكوا ونوحوا على أنفسكم وعلى أنفسكن وعلى المستوى الذى وصلتم إليه، ولعل رفض أسامة الغزالى حرب جاء متسقا مع هذا المناخ الثقافي المتردي والردئ.