إن البحث في مسألة الترجمة السياسية وإيديولوجية المترجم وما تفترضه من ارتباطات بالسلطة والرقابة المؤسساتية لم تنل حقها من الدراسات الترجمية والتي تراوحت في غالبيتها بين فهمين أو مفهومين كلاسيكيين: مفهوم الأمانة/ مفهوم الخيانة. وأظن شخصيا أن الترجمة السياسية تمثل موضوعا خصبا جديرا بالدراسة والبحث المعمقين, سواء من قبل المترجمين أو دارسي علم الترجمة أو حتى أساتذة الترجمة على حد سواء. فعلى كل مهتم بالترجمة أن يعترف، بعد تكوينه فكرة واضحة عن الترجمة في أبعادها الدلالية، بأن ميدان اشتغاله مرتبط أساسا بضوابط وممارسات سياسية وإيديولوجية تمثل فيما تمثله أداة رقابة اجتماعية. إلا أن الدراسات الحديثة بدأت مؤخرا في الاتجاه منحى تبني مذاهب سياسية: مذاهب تربط الممارسة الترجمية بإيديولوجية المترجم ومواقفه السياسية وقواعد/نظم/قوانين مجتمعه، والثقافة السائدة به من جهة أخرى. وهو ما يشكل نقدا «لقدسية مفهوم الأمانة في الترجمة» والعودة الى كتابات بعض الفلاسفة، -كمشيل فوكو- الذين ربطوا الترجمة، والإنتاجات الأدبية، بالخطاب السياسي السائد بمجتمع ما. هذه المذاهب تعتبر أن الترجمة باعتبارها إعادة إنتاج خطاب ما أو تأويل له يمكنها أن تشكل في كثير من الأحوال تزييفا للواقع خدمة لمصالح خطاب سياسي وإيديولوجي معين. تأخذ الترجمة بشكل عام والترجمة السياسية على وجه الخصوص أبعادا اجتماعية وثقافية وإيديولوجية تجعل من الصعب الأخذ بعين الاعتبار مفهومي «الأمانة» و»المطابقة». لأنها تشكل في عمقها ممارسة اجتماعية. فدراسة حقيقة النص المترجم لا تعني بالضرورة إبراز جوهره بل تقديمه كممارسة اجتماعية وسياسية، أي إظهار العلاقة الكامنة بين النص وإيديولوجية المترجم والقواعد السائدة بالمجتمع المستقبل للترجمة والسياق المجتمعي المجبر، لأن المترجم يخضع أساسا إلى الثقافة المترجم إليها: حيث غالبا ما يجد نفسه مقيدا في تأويله للنص الأصلي بمتطلبات الثقافة والأفكار السياسية والمذاهب الإيديولوجية الناظمة لخيوط المجتمع المستهدف من فعل الترجمة. إن الترجمة السياسية كباقي الإنتاجات الفكرية ليست بريئة البتة. فالمترجم ككائن اجتماعي وكفاعل في المجتمع غالبا ما يغلف ترجمته بإيديولوجيته وبمعتقداته السياسية بشكل مقصود أو عن غير قصد. من هنا اتخذت الدراسات الحديثة في علم الترجمة من ثقافة المجتمع المترجم إليه ومن إيديولوجية المترجم مجالا خصبا لاشتغالها. هذه المجتمعات لها قواعد/نظم/قوانين تحكمها/تتحكم فيها. ومن هنا، ليس كل ما يترجم هو مقبول بل كل ما يحترم أو يخضع لهذه الضوابط والقواعد الإيديولوجية والسياسية السائدة. لأن الكلمات ليست بريئة دائما: إنها غلاف لموقف يكون واضحا أحيانا ومقنعا أحيانا أخرى، فما بالنا بالخطاب السياسي ومن تم بالترجمة السياسية. * باحث في علم الترجمة والعلاقات الدولية