تتعدد مصطلحات التلازم بين «ترجمة» و»ثقافة»، ويمكن أن نميز أربعة مصطلحات رئيسة: ترجمة الثقافة /ثقافة الترجمة/ الترجمة الثقافية/ الثقافة الترجمية؛ ومن الصعوبات المألوفة في دراسات الترجمة هي تلك الإشكالية القائمة بين المقاربات التاريخية والسنكرونية لتحليل وتوصيف ثقافة الترجمة، إذ يمكن أن نقدم ثقافة الترجمة بوصفها مجموع الأنواع المختلفة من النصوص المترجمة. ويمكن أن توصف بأنها الهرمية المنتظمة للأنواع المختلفة من الترجمات ذاتها؛ تفترض المقاربة الأولى عددا من اللغات لغرض التوصيف والتحليل في حين تفترض المقاربة الثانية لغة واحدة. ترجمة الثقافة مصطلح يختص بالموضوع، وهو ممارسة نقل النصوص الثقافية من اللغة الأصلية المنتجة لهذه النصوص، إلى لغات أخرى مستقبلة ومتفاعلة معها؛ أما ثقافة الترجمة فتختص بالموضوع كذلك وهو النظر في الترجمة من جوانبها الثقافية أي الخصائص الثقافية الكلية للترجمة؛ أما ما يختص بالمنهج فهما المصطلحان الآخران - الترجمة الثقافية وهو ممارسة الترجمة باتباع منهج يستمد مبادئه من التقريرات والمقولات الثقافية - والثقافة الترجمية هي النظر في القضايا الثقافية، باتباع طرق تستمد أصولها من التجارب العملية والرؤى النظرية للترجمة. من خلال هذه المنظورات تظهر الترجمة آليات مهمة لأداء الثقافة: إن التأويل السيميائي للترجمة ابتدءا من ياكوبسن وانتهاء بأمبرتو ايكو في مؤلفه -تجارب في الترجمة-، قد أكد على أهمية فهم الثقافة، ونتيجة لذلك يمكن توصيف مدرك الثقافة على انه صيرورة الترجمة الكلية؛ والمساهمة القيمة الأخرى لنظرية الترجمة قدمها باختين في مؤلفه الذي ظهر باسم فولوشينوف (الماركسية وفلسفة اللغة)، مما قاد إلى مجاورة مدركات مثل الحوارية والاستقلالية الهجنة وتعدد الأصوات والترجمة. تعد القابلية الترجمية لثقافة ما، معيارا مهما من معايير خصوصية الثقافة وتفردها، طالما أن الثقافة لا يمكن أن تشهد تجديدا إلا من خلال استيعابها لنصوص جديدة؛ لقد أصبح الحد الفاصل بين دراسات الترجمة والدراسات الثقافية، أقل وضوحا بعد توسع ابدال ما بعد الكولينيالية ليشمل دراسات الترجمة وفي نفس الوقت انبثق تكامل ملحوظ بينهما. لقد تنامى وتعمق فهم القيمة الثقافية للنص المترجم وخصوصا فيما يخص اهمية الترجمات لهوية الثقافة المتلقية. في كتابه -فضائح الترجمة- أطلق فينوتي مصطلح -سلطة تشكيل الهوية- على قدرة التراجم في المشاركة في ضمان تماسك وانسجام الثقافة، وكذلك تنشيط المقاومة الثقافية أو صيرورات تجدد الثقافة. وبالمقابل بدأت الدراسات الثقافية بتقييم مفهوم الهوية من خلال الثقافة وبسبب فعالية موضوع العولمة والتعارض بين العولمي والمحلي، فقد توصلنا إلى فهم أن المجتمع الذي يأمل في تفعيل خصوصيته لا يمكن أن يغفل النظر في الهوية الثقافية. وأطلق على فهم الحاجة الكبرى للهوية الثقافية لاستيعاب التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية مصطلح- الانعطافة الثقافية-: يقول سيغرز إن هذه الانعطافة تعني أن التطورات السياسية والاجتماعية المعاصرة وكذلك التطورات الاقتصادية والتكنولوجية العولمية أو المحلية، لايمكن فهمها إلا من خلال مفهوم الهوية الثقافية. تواجه الدراسات الثقافية إشكاليات، على مستوى السرد ومستوى الميتاسرد؛ على مستوى الميتاسرد تحاول دراسات الترجمة توفير حلول لنفس الاشكاليات. لقد بذلت جهود حثيثة في دراسات الترجمة لتنظيم الميتالغة الخاصة مع ظهور صعوبات في الفهم في التحدارات البحثية المختلفة لدراسة الترجمة وظهرت دعوات الى كتابة دراسات الترجمة بلغة قابلة للفهم والاستيعاب، وفي المقابل كانت هناك محاولات لخلق قابلية ترجمة ممنهجة يمكن من خلالها مقارنة نظريات الترجمة المختلفة، أو البحث في إمكانيات تداخل الحقول. وعلى مستوى السرد، هناك إشكالية الطبيعة الثانوية للترجمة. إن الصعوبات التي تظهر في كتابة تأريخ للترجمة تبين أن التحرك عبر الحقب والكتاب المترجمين والأعمال المترجمة أو المترجمين، لا يضمن توصيفا فيما يتعلق بالمحتوى ؛ لذلك فان ثقافة الترجمة لحقبة معينة يمكن النظر إليها بوصفها عددا معينا من النصوص المترجمة او بوصفها هرمية من أنواع الترجمة. نتحدث في الحالة الأولى عن الاختيار والسياسات الثقافية والمخزون الثقافي واشتغال النصوص المترجمة في ثقافة جديدة، ويمكن أن نستعمل لغات مختلفة للتوصيف. وفي الحالة الثانية نتحدث عن الترجمات نفسها وطرق الترجمة وأعمال المترجمين، وهنا نحتاج إلى مصطلحات مقارنة للإشارة إلى أنواع الترجمة ومن ثم هنالك حاجة لميتالغة موحدة.