نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول راودته عن نفسها ودخلها مرغما في عشقها حين لم تكن الأفلام وحدها جميلة، بل كانت حياة بأكملها جميلة...دائما كان يكره الجلسات الصاخبة الصماء المتحجّرة، ودوما كان يطوف حول القلعة السينمائية بحيوطها الزجاجية في هذا العالم الفاتن. إنه هو، مصطفى ستيتو، أو السّي مصطفى كما يحلو لنا جميعا تسميته، مصطفى الأناقة واللباقة والرشاقة...مصطفى البشاشة الخالدة، مصطفى المزيج من الميولات الفنية والروحية. أسلوب القناعات والإقناع، وأمامه كل شيء يهون، هكذا همّة الرجال تكون. إنه مدرسة متنقلة بين السينما والقانون، بين الذاتية والموضوعية، بين الهزل والجد، بين الغضب الضحك والضحك الغاضب، تخشاه الملفات دون أن يخشاها، واللغة المرحة هاهنا. تعاقب على مكتبه الكثيرون من كل صوب: الإنتاج والإخراج وأهل التمثيل، تردّد على زاويته التقنيون والنقاد وأهل الصحافة والإعلام...بين كل ملف وملف هناك ملف...حجّ طيلة مساره المتميز إلى اللقاءات والمهرجانات والملتقيات من كل فج عميق، وأدرك بأن الحقائق ليست أوهاما، وبأن النتائج المتوخاة ليست أحلاما ونعم المصير. عاش وعايش الصعود والهبوط...المد والجزر...هدوء البحار والأمواج العاتية، وأحبّ الطبيعة بجميع فصولها، وصاح أمام الجميع: فلنبتسم، يكفي التجهم في السما. إن أجمل مهنة في العالم هي أن تحب المهنة التي تمارسها...هذا هو الشعار علاوة على الطموح والإرادة والتفاؤل والعمل الدؤوب. مصطفى من طينة الرجال الكبار، الذين ترتاح لمواعيدهم، الانضباط وحب المسؤولية يا سادة. والفن كالحب، الحدس وحده يكفي. وإن قالوا سيغادر مكان السينما، فستبقى السينما في الروح والعقل والوجدان..و»الولف صعيب...الولف صعيب.» فلقد عاش شيئا من الدهر منها وإليها، يعرف كل الشاذة والفاذة، يقرأ بين سطورها ويتنفس أهواءها، وسبّاحا ماهرا كان في مياهها...سّي مصطفى يكره الاصطياد في المياه العكرة، بل يجلس فوق الشواطئ للتأمل في صفائها. يا له من رجل بسيط...يا له من رجل خدوم اجتماعي بطبعه وطبيعته، رجل الحوار بامتياز يستمع أكثر مما يقول، والقول هو ما قالته الأعمال. وكفى من الدخول والخروج في الكلام الذي لا جدوى منه. يختلف المخرجون فيما بينهم إلى درجة الخصام، الذي يفسد للود قضية، يتعارك الممثلون مع أصحاب الإخراج والإنتاج، يتضارب التقنيون أحيانا فيما بينهم، وهلم خصاما وصراعا بل نزاعا...لكن الكل يتصل بالرجل، فهو المروءة والطمأنينة والمصداقية لعلكم تتجاهلون. أحقا سترحل الشمس هذا المساء؟ ستشرق غدا أو بعد غد، فالغربال لا يخفيها وأنتم تعلمون. حبُّ مصطفى ستيتو واحترامه هو القاسم المشترك بين الأصدقاء والأعداء في مجال السينما وحقل «السوليما»، فهو لا يضيع وسط الأغوال، بل يقدّر لرجله قبل الخطو موضعها إلى أن وصلت السينما ببلدنا هذا التتويج ولو كره الكارهون...فشكرا السي مصطفى على كل ما قدّمته بالتضحية ونكران الذات. فالتاريخ وحده سيكون شاهدا يا رجل، سيكون شاهدا بأن الرجل المناسب كان في المكان المناسب، وألف تحية وتحية ملؤها حب السينما وحب الحياة...