عن مسار كتابة الرحلة نحو انتزاع الاعتراف بها كجنس أدبي، وعن تداخل الواقعي بالمتخيل في النص الرحلي، تمحورت جلسة حوارية جمعت، مساء الأربعاء بالدارالبيضاء، الأديبين المغربيين أحمد المديني وشعيب حليفي. في هذه الجلسة التي احتضنها فضاء المعرض الدولي للكتاب والنشر، اتفق المديني، الروائي والناقد الذي أصدر عدة نصوص في أدب الرحلة، وحليفي، الروائي والجامعي المتخصص في هذا الصنف الأدبي، على أن كتابة الرحلات تمتح من مادة واقعية تتصل بالانتقال من مكان إلى آخر، لكنها تفسح المجال أمام آفاق التخييل الأدبي، دون أن ينال ذلك من مصداقيتها الفنية. وأوضح شعيب حليفي أن الرحلة وطدت انتماءها إلى حظيرة الأدب، بعد أن كانت موزعة بين الجغرافيا والتاريخ والاجتماع، واستقر الحديث، في إطارها، عن حضور التخييل كقيمة أساسية للنص الأدبي. لم تعد الرحلة إذن نصا وصفيا جامدا، يقول حليفي، بل تدخل الروائي ليعدل هوية الرحلة ويصهرها في لغة الحكي، لغة الرواية. المسألة مسألة جرعات متجاورة من الواقعي والمتخيل، وانتقاء لما يكمن أن يكون مادة مكتوبة، وخبرة في تحويل المشاهدة إلى نص أدبي مكتوب، ومسافة زمنية وذهنية لإنجاح عملية التحويل الكيميائي لدهشة المكان إلى أدب رحلة، حسب حليفي، صاحب كتاب «الأيام..أسفار لا تخشى الخيال»، الصادر عن منشورات القلم المغربي. ويعتقد حليفي أن تحولا جوهريا طرأ على أسلوب كتابة أدب الرحلة مع تصدي الأدباء لهذا النوع من الكتابة، في اتجاه إسباغ طابع أدبي محض على النص الرحلي الذي لم ينتم إلى الأدب إلا في أواخر القرن 19م بأوروبا. وهو يلاحظ أن جنس الرحلة ظل مهمشا، ولذلك اختار التخصص في دراسته، ضمن سعيه إلى طريقة جديدة لتفكيك النص. أما أحمد المديني ، الذي صدر له مؤخرا كتاب «نصيبي من باريس»، فقد استعاد قصة علاقته بالمكان والسفر، حيث كان في رحلة دائمة منذ طفولته، منتقلا من برشيد إلى الدارالبيضاء، ثم إلى فاس، فعائدا إلى البيضاء، قبل أن يشد الرحال إلى عاصمة الأنوار باريس. ومن باريس، يبرز المديني أن آفاق العالم انفتحت له، حين انطلق في رحلات شملت منتصف الثمانينيات أمريكا اللاتينية (كولومبيا، المكسيك، فنزويلا...) التي عاد إليها في رحلة جديدة وثقها في كتاب عام 2012 بعنوان «الرحلة البهية إلى بلدان أمريكا اللاتينية». ودعا المديني إلى الاهتمام المعمق بالتراث المغربي في كتابة أدب الرحلة، وهو تراث رائد وكوني الإشعاع، مبني على المفارقة بين ما يوجد في بلد المنشإ وبلد الاستقبال. ويذهب صاحب مجموعة «العنف في الدماغ» بعيدا في تثمين قيمة الكتابة التي تغتني بالحذف والبلاغة والانزياحات المختلفة، ليقول «لقد صرت أعتقد أن الرحلات التي لم تكتب، لم تحدث قط»، ليقدم بعد ذلك نظرة عن بعض رحلاته، ومن بينها رحلته إلى الحج، التي التقط فيها مشاهدات عينية ومكابدات روحية مثيرة، تحت عنوان «رحلة إلى بلاد الله».