قضيت اليوم وقتا رائعا مع كتاب « محكيات نسائية بطعم النارنج للمبدعة والباحثة لطيفة لبصير، نص يستعصي تصنيفه رغم أنه يمكن أن يكون قريبا من القصة القصيرة أو تحويله إلى روايات أو أفلام سينمائية لسهولة تقطيعه وتواتر الصور والمشاهد فيه. القاسم المشترك بين 18 حكاية تشكل متن الكتاب هو أن الكاتبة تصير صوت من لاوصت لهن صوت نساء واقعيات لاصوت لهن، حكايات نساء التقتهنّ لطيفة في زمان ومكان ما واختزنت حكاياهن, قصص تحبل بصراعات نفسية بألم وبفرح كبير وبإمكانية دائمة للخلاص والخلاص في قصص «النارنج « هو العمل وإمكانية تحقيق ذات نسائية مستقلة كيفما كان العمل يدويا مثل الخياطة او دراسيا وجامعيا، الخلاص ممكن ولا يمكن التعويل على الجمال والرجل كعكاز لعبور الحياة, نساء لطيفة لبصير ضاجات بالرغبات، تواقات لحياة أفضل، متهيجات المشاعر من خلال الحب والدراسة والإنجاب والعمل والنجاح الحياة لا تنتهي عند الم فقد موت أو انسحاب الزوج والحبيب بل انها تستمر. تمثل الزمن في المجموعة ليس تقليديا دائريا « يدور حول دورة الحيض والانتظار الأنثوي» بل هو زمن حداثي خطي ترتسم معالمه في تاريخانية الشخصيات وانخراطها في الزمن الحاضر وتحملها مسؤولية اختياراتها مهما كانت. نساء «النارنج « لايلتفتن إلى الوراء ولايقبعن في مكانهنّ ولايقبعن في مكانهن في انتظار دورة القمر بل يمضين قدما في المستقبل واعيات بحاضرهنّ وباختياراتهن رغم الألم والفراق وانتحار الأبناء في بعض الأحيان واغتصاب الأب وتوقيف دور الأمومة هناك دائما أمل يرتسم وهناك دائما سعادة أخرى ممكنة محكيات نص جميل وعميق أكيد سيغني الأدب المغربي ويسهم في تطوير تقنيات الحكي والتقاط الواقع بقلم امرأة حساسة تمتلك وعيا فنيا ثاقبا يجعلها تحول حكايات صالونات الحلاقة والحكايات التي تحكي في الأزقة إلى نسق فني أنيق تزيده اللغة السلسة والسهلة الممتنعة ألقا وعمقا. تصب المحكيات في صلب تمثلي لهوية الكاتب بالمفهوم الأمريكي سطوري تيلينغ أو الحكواتي، فالعالم حكاية مهما قال دعاة التجريب والتخريب. تحية لصاحبة المحكيات.