ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التخييلُ الأوتوبيوغرافيّ واختبارُ الغيرية
قصص لطيفة لبصير أنموذجًا
نشر في العلم يوم 12 - 04 - 2013

« مقلقة هي الغرابة في دواخلنا: إننا غرباء عن أنفسنا إننا منقسمون»
(Julia Kristiva, Etrangers à nous ? meme, 1988,p268)
انفتاح التخييل الأوتوبيوغرافي
على الغيرية المقلقة
هل التخييل الأوتوبيوغرافي هو رهان الكتابة القصصية الجديد؟ هل يحضر العنصر الأتوبيوغرافي في القصص المعاصرة بالمعنى نفسه الذي كان يحضر به في كتاباتٍ سابقة؟ كيف يحضر هذا العنصر في النصوص القصصية المعاصرة؟
أفترض أن التخييل الأتوبيوغرافي يشتغل في نصوص قصصية معاصرة بشكل يفتح أفقًا ثرًّا وخصبًاً أمام السرد والكتابة، خاصة في النصوص التي تنطلق من أن الهوية لا يمكن أن تتشكل إلا في علاقة بالغيرية.
ونرى هذا الأفق أكثر تمثيلا وتجسيدا في نصوص لطيفة لبصير، خاصة وأنها، في نظرنا، لا تكتفي بربط الهوية بالغيرية، بل إنها فوق ذلك تصور ما في كلّ هويةٍ من غيريةٍ غريبةٍ مقلقة. وذلك ما نراه يميز مجموعتها القصصية الأخيرة التي أصدرتها سنة 2012 تحت عنوان: «عناق»، وهي مجموعة تتألف من ثماني عشرة قصة، كلها محكية بضمير المتكلم ( يحيل أحيانا على شخصية المرأة وأحيانا أخرى على شخصية الرجل)، أي أننا أمام محكيات أوتوبيوغرافية تخييلية، ونعني بذلك أننا أمام محكيات تركز على الحياة الفردية الخاصة، لكن الأنا هنا لا تحيل إلا على هوية الراوية / الراوي في عمل إبداعي تخييلي(1).
وقد يكون العنوان، عناق، كافيا من أجل أن نفترض أن الأنا في هذه المحكيات لا تتحدث عن نفسها إلا في إطار هذه العلاقة الحميمية التي تنشئها مع ذاتٍ أخرى. لكن بعد قراءة قصص المجموعة، سنكتشف كم كان العنوان ماكرًا: « عناق « لبصير له معنى آخر، معنى غريب ومقلق، يدعونا إلى شيء هو أعمق من المعنى الرومانسي للعناق، وهو أبعد من المعنى البورنوغرافي للعلاقة بالآخر، ذلك لأن الآخر في قصص المجموعة يحضر أكثر بمعنى الغياب والفقدان، ما يجعلنا نزعم أن الكتابة عند لطيفة لبصير تخطو خطوات جريئة نحو مناطق خبيئة كتومة سرية هي وحدها التي تكشف أن الذاتية لا تتحدد إلا من خلال الغيرية، باعتبار أن الأنا هي آخر(2) ، وأن غياب الغيرية قد يؤدي إلى اضطرابٍ في الهوية، وإلى نشوء مناطق ظليلة معتمة تفضح ما في دواخلنا من غرابة مقلقة، بالمعنى الذي يقصده فرويد في نص نشره سنة 1919.
وانطلاقا من هذه الافتراضات والأسئلة الأولية، يمكن أن نزعم أن المحكي الأوتوبيوغرافي التخييلي في هذه القصص لا يرمي إلى بناء تلك الصورة الموحدة المطابقة المنسجمة للأنا كما في الأوتوبيوغرافيات التقليدية، بل على العكس تماما، فنحن أمام محكي يحاول تصوير ما في الأنا من انقسام وازدواج، وما في الهوية من غيرية سرّيةٍ غامضةٍ مقلقةٍ.
اختبار الغيرية هو منذ الطفولة غريب مقلق
من منظور التحليل النفسي، يمكن أن نفترض أن اختبار الغيرية الأول يجري في بيت العائلة، مع الأبوين، فأنا الطفل(ة) الصغير(ة) تحاول في البداية أن تتقمص صورة الأب أو الأم، ويلعب هذا التماهي دورًا كبيرًا في نمو ذاتية الطفل؛ كما يجري خارج البيت مع الأقران والأصدقاء من الأطفال.
للطفولة حضور كبير في قصص لبصير، ولهذا السبب بالضبط: ما في العلاقة بالآخر من غرابة مقلقة يعود الى مرحلة الطفولة. وهناك إشارة دالة في أن تبتدىء المجموعة القصصية بقصة « الدعسوقة « التي تعود بنا إلى هذا الاختبار الأول للغيرية، مركزة على ما فيه من غرابة مقلقة.
في عالم عائلي بالخصائص التي سنذكرها حالا، لا يمكن لاختبار الغيرية الأول والأساس إلا أن يكون غريبا ومقلقا: هو عالمٌ عائليّ بنظامٍ أبويّ صارم، وبرتابة قاتلة، وبأبٍ لا يحضر إلا في المساء، ليقضيه في قراءة الجرائد، يلعن ويسبّ ويقذف بأقسى اتهاماته في الهواء مخلفا زمجرة، وبأمّ تقضي كلّ وقتها في طرز المناديل، وبطفلةٍ تشعر بالغربة في بيتها العائلي كما وسط أصدقائها من الأطفال، بكل هذه العناصر، وبغيرها، كان لابد من أن تبحث أنا الطفلة عن هوية جديدة، وأن تحاول الانتساب إلى عالم عائلي جديد: ذهبت إلى الغابة المجاورة للبيت، وجمعت أعدادًا من حشرة الدعسوقة، وأحضرت حشرات أخرى من مختلف الألوان، فصار لها أصدقاء جدد بألوان صفراء وحمراء وبرتقالية تنزوي وتركن إليهم في تلك الساعات الرتيبة التي تمر بطيئة في المساء، وبالضبط عندما يحلّ الأب بالبيت.
ولم تكتف الطفلة بتأسيس عالم عائلي جديد، بل إنها شرعت هي الطفلة في التشبّه بالدعسوقة، وتقمّص هويتها، وهذا في الواقع أول اختبار غيرية تعيشه طفلة لم تجد في الأمّ كما في الأب النموذج الذي يمكن للطفل أن يحاكيه ويقلده: بعد أيامٍ، ارتدت الطفلة بدلة برتقالية ذات نقط سود، فصار أصدقاؤها الجدد من الحشرات يقتربون منها أكثر فأكثر بعد أن بدأت تشبههم في اللباس والطقوس، وصار أصدقاؤها من الأطفال ينادونها: كوكسينيل.
واختبار الغيرية هذا الغريب المقلق لم يكن ليمرّ من دون أن يتدخل الأب، وبعنف، لإحراق الأصدقاء الجدد، وفصل الطفلة عن عالمها العائلي الجديد: كيف لابنة أكبر أعيان القرية أن تربي حشراتٍ سخيفة؟ يتساءل الأب في استنكار. لكن ماذا عن طفلة لم يساعدها عالمها العائلي الأصلي على إجراء اختبار الغيرية بطريقة طبيعية، ولم يسمح لها الأب ببناء عالم عائلي وجديد وباختبار نوع آخر من الغيرية، وإن كان غريبا مقلقا؟ أمام حكم الأب، لم يكن أمام الطفلة إلا أن ترسم، أن ترسم أشكالا عديدة لأصدقائها من الحشرات، لعالمها العائلي الجديد؛ فالفشل، على مستوى الواقع، في بناء عائلة جديدة، وصداقة مناسبة، وغيرية ملائمة، لن يمنع أبدًا من بنائها على مستوى الرسم والتخييل. فالفنون جميعها تساعدنا على اختبار الغيرية التي نراها أكثر قربا وحميمية منا، وإن كانت مستحيلة على مستوى الواقع.
بالفنون يمكن أن نستعيد غيريتنا المفقودة، وأن نحاول إحياءها، تماما كما يفعل ذلك الفنان في قصة « عيون دمعة»: في لوحات فنية عديدةٍ، أعاد الفنان عاليته(عالية اسم حبيبته التي ماتت) إلى الحياة، وهو بذلك يحقق ذلك العناق اللانهائي الذي عبّر عنه بهذه الكلمات: « أنا أمرّ من لوحة الى أخرى، وكنت في كل مرة أراها هنا وهي تعود الى الحياة ... وكنت في كل مرة أشعر بأنني نقلت ما حلمت به فقط وأنني أعانقها بلا نهاية .»(ص 21).
اللقاء بالجنس الآخر تجربة غريبة مقلقة
في صور عديدة منثورة في العديد من قصص المجموعة، يتجسد اللقاء بالآخر في صور غريبة مقلقة:
-الطفلة / الدعسوقة، عندما كبرت، وأصبحت امرأة متزوجة، وجدت نفسها في عالم عائلي أشبه ما يكون بعالم أبويها، في رتابته وجموده وعنفه: هناك أكثر من علامة على أن الزوج مثل الأب، يحب صيد الحيوانات الجميلة، والزوج وأصدقاؤه مثل أولئك أطفال الصغر الأشقياء، يحبون اصطياد الحيوانات ورميها في الخلاء، كأنما الغاية هي قتلها لا غير. ومثل الأم، كان الزوج هادئا جدا، وطقوسه هادئة لا انفعال فيها، وكان رتيبا ومملا يحب أن يتحف زوجته بحكاياته المتكررة في كل مساءاته الباردة. أما الزوجة، التي ظلت الدعسوقة حيّة في أعماقها، فقد كانت عكسه تماما، إذ كانت تحب الصخب والصراخ، وكانت تتمنى لو بقيت معها حشراتها الجميلة لتزرع الحيوية والجمال في حياتها الباردة الرتيبة. ومرة أخرى، لم يكن من حظ الطفلة / الدعسوقة، وقد أصبحت امرأة متزوجة أن تنجح في اختبار آخر أساسي للغيرية: الزواج، وإذا كانت ، وهي طفلة، قد حاولت القيام بتجربة مغايرة خارج عالمها العائلي الأصلي، متشبهة بالدعسوقة منتسبة إلى عالم الحشرات، وهو ما تصدى له الأب بعنف، فإنها، وهي متزوجة، قد قامت بتجربة أخرى، ممنوعة ومحرمة اجتماعيا، لكنَّ لها مذاقًا غريبًا بقي حضوره قويا في أعماق النفس: على عكس الزوج، كان ذلك الخادم صاحب الذراعين القويين والعينين الساحرتين يبدو أقرب إلى الروح، بالرغم من البعد الاجتماعي الذي بينهما. وكانت اللحظة الوحيدة التي شعرت فيها المرأة بكينونتها هي لحظة ذلك العناق الغريب، لحظة ضمها الخادم بساعديه القويتين حتى ذابت بين أحضانه، إنها لحظة انفعال خاص لم تتكرر. من حياة الطفولة إلى حياة الزواج، من عالم الأبوين إلى عشّ الزوجية، وحده ذلك العناق الغريب بين السيدة وخادمها كان يمثل « اللحظة الوحيدة التي شعرت فيها تقول الساردة بأنني أوجد على وجه هذه الأرض الصغيرة» (ص 12)، فقد كان العناق لدقائق فقط، « لكنها لن تغيب إلى الأبد «(ص 13). من الطفولة إلى الزواج مدة زمنية طويلة، لكنها وحدها تلك الدقائق القليلة، لحظة ذلك العناق الغريب، تستحق الحضور والبقاء.
- في قصة السيدة (ج . ك )، نجد موظفا صغيرًا مهملا في إحدى الادارات البئيسة، يتقن فن العشق والهوى، ويعيش على حساب النساء، والسيدة (ج.ك) إحدى السيدات اللواتي يدفعن له أكثر من أجل أن يشبع رغباتهن الجنسية. ومشكلته أو مأساته أنه ممزق بين امرأتين، بين عالمين: عالم الحبّ مع هدى، وعالم الجنس مع (ج.ك). كان يتخيل حبيبته هدى، ويراها بفستانها الليلكي، ويراقب تفاصيل جسدها ويسبح فيه، فيستيقظ على الثنايا الرخوة للسيدة (ج. ك). وبالرغم من أنه يضاجع هذه السيدة منذ شهور، فهو لم يكن يعرف من هي ولا ما كان اسمها، وهكذا كان الأمر دائما مع سيدات أخريات، فالمطلوب منه أن يعمل ويلبي رغباتهنَّ ليتلقى أجرًا. منذ شهور وهو مع السيدة (ج.ك)، وهو يقبّلها بعنفٍ، كلما تراءت له هدى في منامتها الحمراء . إنه منذ شهور، وهو يفكر في أمره: كيف يضاجع امرأة وهو يفكر في امرأة أخرى، كيف يعشق هدى ويعمل بهدوء في الأيام القادمة؟ كيف يعيش هذا الازدواج الغريب المقلق في اختبار العلاقة بالجنس الآخر؟.
- في قصة: نأنأة، حكاية امرأة اختارت دخول تجربة معقدة: عشقت جان الفنان الرسام، واختارت أن تعيش معه في بادية فرنسية نائية، وهو غارق دوما مع لوحاته في غرفته. هي الآن في غرفتها مع ابنتها، تتأمل ابنتها حينا، وتغنّي لها حينا، وتدخن سيجارتها المحشوة بالحشيش، وتتساءل: لماذا تعاشر جان في بيته النائي؟ أهي رغبة في التوحد؟ أهو حب في اعتزال العالم؟ هل يمكن أن نكون سعداء ونحن نغادر هذا العالم؟ وأمام هذه الأسئلة، لم تجد غير الكتابة لتقول كيف يتحول القلب إلى قبر للذين أحببناهم، وهي الآن ترى كل الكائنات التي دفنتها بداخلها: شرفتها، كلبها الصغير، أبوها الأنيق، أمها الباردة، الجارة المكتنزة الفضولية، صوت جهاز الراديو العتيق، ...، متسائلة: « ترى هل أستطيع أن أعيد إحياء هذه الكائنات بداخلي؟»(ص 78)، وهو سؤال يمكن أن نترجمه إلى أسئلةٍ أخرى: ما مصير الذات إذا كان الآخر بدواخلها ميّتًا؟ هل يمكن للذات أن تبقى حيّةً من دون غيرية؟.
-في قصة »الشقة 24«، نحن أمام امرأة انتقلت منذ شهور إلى الشقة رقم 23، لا تعرف من الذي يقطن في الشقة المجاورة، وخمّنت أن يكون رجلا عازبًا، وهذا ما كانت تتمناه فعلا على حدّ تعبيرها، وفرحت لمّا لم تجد ممسحة الأرجل ممدودة أمام تلك الشقة، فغالبا ما تكون الممسحة لمسة أنثوية. فاشترت أصص النباتات، ووضعتها أمام الشقة، وانتظرت أن يعمد صاحب الشقة المجاورة إلى أن يضع هو الآخر أصصا، لكنه لم يفعل، وخافت أن يكون الجار شخصا لا يحبّ النباتات، لكنها بدأت تسمع موسيقى كلاسيكية تنبعث من الشقة، وهي تعشق الموسيقى نفسها، وهذا ما زاد من اطمئنانها ورغبتها في التعرف إلى هذا الجار. ولكن حدث شيء آخر، لقد بارحت أصص النباتات مكانها المعتاد، وصارت موزعةً بين شقتها وشقة جارها، ما جعلها تغضب كثيرًا. وفي مساء ذلك اليوم، وجدت أن زهرة مدادية اللون قد أضيفت إلى أحد الأصص، وأحدثت وقعًا جماليًا خاصًّا، فحملت الزهرة إلى الداخل، تغمرها الفرحة، فهذا الآخر الذي يجاورها، بوردته الجميلة هاته، يريد أن يقول شيئا، يريد أن يتكلم معها. لكنها ذات مساء، ستكتشف أن لا أحد في الشقة، وأنها فارغة، وأن البواب هو من يضع الورود، وأن الموسيقى تنبعث من شقة ابن الجيران في الطابق العلوي. أغلقت باب شقتها، وهي تقول: « من الصعب فعلا التكهن بما يحدث في الشقة 24»(ص66)، أكانت تقصد الشقة الخارجية المجاورة، أم أنها تقصد شقّة( فراغًا، ثقبًا، شرخًا؟) بدواخل النفس تنتظر من يملأها، تنتظر تجربة مع الآخر، هذا الآخر الذي من دونه لا يمكن للذات أن تنشأ وتحيى؟
- في قصة « عناق «، ومنها عنوان المجموعة، حكاية تكشف لنا أن اختبار الغيرية لا يمكن أن يكون إلا مع جنس آخر مختلف، وكل اختبارٍ مع جنس مطابقٍ مماثل لا يمكن إلا أن يكون غريبًا مقلقًا. ويتعلق الأمر هنا برجلٍ يحكي كيف قرر أن يزور جارته الصحافية التي أثارت فضوله وإعجابه، بقلمها المخيف الذي يكتب عن مواضيع مربكة(الشاذين جنسيا، المثليات)، بفستانها البرتقالي الذي يحمل دوائر بيضا، بأزهارها المتوحشة المتعانقة عناقا غريبا، بمنزلها الغريب الذي يمزج بين الرقة والعنف، بشكلها الجميل العذب الذي جعله يرتشف قهوته ببيتها بلذة غريبة، وهو لا يتمنى إلا شيئا واحدا لا غير: أن يعانقها عناقًا أبديًا. دعاها إلى عشاءٍ في بيته، ووافقت، وخلال ذلك ناقشها في أمر اهتمامها بالشذوذ الجنسي، فدافعت عن الحق في الاختلاف وضرورة الإيمان به، وكان رأيه أن « الطبيعة الرائعة هي عناق رجلٍ وامرأة، وليس عناقًا من الجنس نفسه»(ص28). وبعد رحيلها، بعث إليها رسالة إلكترونية تتضمن قصيدة « عناق « للشاعر ماريو بنيديتّي. وكان ينتظر ردًا يتجاوب مع مشاعره نحوها، لكن الردّ كان عامًّا وباردًا. وبعد أيام، اشترى الجريدة، فوجد موضوعًا عريضًا باسمها يحمل عنوان: عناق. فكانت المفاجأة كبيرة، جارته حملت القصيدة إلى موضوعٍ لا يهمّه: حياة الشواذ الجنسيين. قصد بيتها غاضبًا، وأخبرها بأن تلك القصيدة كانت تعبيرًا عن حبّه لها، ودون أن ينتظر ردّة فعلها، عانقها عناقا قويا، لكن تجاوبها كان باردًا، وصفعتها كانت قوية عندما أخبرته بأن لها صديقة خليلة، وأنها تحبّ معاشرة النساء. « هذه الأنوثة في حاجةٍ إلى رجلٍ يعانقها، وليس إلى امرأة»، ذلك كان كلّ ما قاله صاحبنا، ودّعها وعانقها، ولكنّ العناق هذه المرة كان بطعمٍ مختلفٍ، كان يشعر بأنها تنتمي إلى جنسٍ آخر، وما كان عليه أن يعانقها كأنثى.
اختبار الغيرية بين الرغبة والخوف
أن تصدر الكاتبة مجموعتها الأولى بعنوان: «رغبة فقط»، ومجموعة قصصية أخرى بعنوان: «أخاف من»، أمرٌ لا يخلو من دلالة، في نظرنا. ذلك أن اختبار الغيرية كما تعيشه الأنا يبقى رغبة فقط مادام أن هناك خوفا بنيويا مترسبا في النفس. وتبقى الرغبة مجرد حلم لا يتحقق في الواقع، لأن الخوف هو خوفٌ من الموت بالأخصّ، متجذر في مياه الروح: في قصة الدعسوقة، هناك هذا الأب الذي يحرق الدعسوقة، وهو ما يعني رمزيا إحراق الأب لابنته، مادامت هذه الأخيرة لا ترى نفسها إلا دعسوقة؛ وهناك هؤلاء الأطفال الأشقياء الذين يقتلون حشرة الدعسوقة؛ وهناك هذا الزوج الذي يصطاد الحيوانات البريئة، هو وأصدقاؤه، ويقتلونها لمجرد المتعة. وفي قصة»سأسميك نادين»، نجد هذا الخوف الكبير الذي زرعته الأم في نفس طفلتها بعد أن اتهمتها بقتل صديقتها الطفلة التي كانت تلعب معها وأسقطتها دون قصد منها: « كنت أهرب من صوت أمي، أغرق في اللحاف البني الوثير، وأتحسس الضربات التي أوقعتها أمي على جلدي الصغير، كنت خائفة جدا، وكنت في حاجة إلى أن تضمني أمي في ذلك اليوم، لكنها لم تفعل، كما لم تقم بذلك قطّ. كنت أشعر بأنني بعيدة جدًا في مكان ضيق. وفي الليل، كان يحضر صوت غريب داخل شيء معتم، يردد ما كانت تقوله أمي في النهار وببطء شديد أشبه بأسطوانة مشروخة: قتلتها .. قتلتها .. قتلتها»(ص56). ولم تكن الطفلة تفهم معنى القتل الذي كانت تردده الأم، فشرعت تهيء عرائس غريبة وتضع بداخلها سكينا، ونظفت البيت من كل السكاكين التي تقتل، ومن حين لآخر تتسلل إلى وكرها الصغير، وتستخرج الممنوعات الصغيرة، وتقبّلها، وتحسّ بصلابة الدمى وقوتها وهي تحتوي المادة القاتلة في داخلها. وفوق كل ذلك، فقد قررت أن تغير اسمها، فسمّت نفسها نادين، وتخيلت لوهلة أنّ لها طفلة تناديها باسمها الجديد. وذات صباح، تسللت من البيت، واكتشفت أن تلك الطفلة لم تمت، وأن أمها كانت السبب في إسكانها عوالم مرعبة ومخيفة، فعادت إلى البيت، واحتجت على أمها، وهربت إلى الخارج وهي تصرخ: نادين .. نادين .. نادين: أكانت تنادي الطفلة صديقتها؟ أم كانت تنادي شخصيتها الجديدة، تلك الأنا الأخرى، التي من خلالها يمكن الانفصال عن عالم الأم المخيف المرعب؟ أم أن نادين ليست إلا صرخة أنا ترفض قطع الصلة بآخرها، كما تريد الأم، وتطلب منه أن يناديها، أن يدعوها إلى لقاء اللعب والحياة ؟
في الأحوال كلها، هناك هذا التردد بين الرغبة والخوف في قصص لطيفة لبصير، ونجده في أبهى صوره الرمزية في بداية القصة الأولى من المجموعة، بل في المقطع الأول الذي تفتتح به المجموعة:
« كانت في يدي قصبة طويلة ممتدة، وأنا أغطسها في عمق النهر، سقطت واختفت من أمامي، سحبت قدمي ثم عدت إلى الوراء قليلا وأنا أشعر بخوف شديد ... فالخوف من أن يبتلعني النهر لم يعد يفارقني ... وكنت كلما رأيت النهر في هدوئه التام أتذكر ... بأن النهر يكون أكثر هولا حين يغري بالنوم في أحضانه»(ص7).
هناك الرغبة في التواصل مع النهر( وضع القدمين في النهر، الصيد بقصبة، يغري هو الهادىء بالنوم في أحضانه)، لكن هناك هذا الشعور بخوف شديد من أن يبتلع هذا الآخر ذاتا لم تتعلم من قبل كيف تسبح في مياه الغيرية؟.
يحدث كل شيء في قصص لطيفة لبصير كأن الأنا ، كما يقول بول ريكور، لا تنفذ إلى أعماقها الخاصة إلا عبر الطريق الملكي للمماثلة والمشابهة، فنحن أمام قصص لا تحب الثرثرة، وتميل إلى الترميز والتلميح وحسن الإشارة، و محكياتها الأوتوبيوغرافية ليست تقريرية تحقيقية إلا بقدر ما هي محكيات شعرية رمزية، ذلك لأنه لا يمكن استجلاء صور تلك الأنا الأخرى، آخر الأنا، إلا من خلال التشبيهات والاستعارات والرموز والمرايا والتضعيفات التخييلية. وبما أن اختبار الغيرية في هذه القصص يعني النفاذ إلى هذا الشيء السريّ الحميمي، الغامض الكتوم، الغريب المقلق، فإنه لذلك لا يمكن للأنا أن تُكتب إلا من خلال معجم إيحائي تكثيفي، و لا يمكن للآخر، آخرها، أن يُكتب إلا من خلال الرمز والتشبيه والاستعارة(3).
ويبدو كأن التعبير عن اختبارات الغيرية التي تدخلها الذات لا يمكن أن يتحقق إلا ببناء صور استعارية ومرايا رمزية وتضعيفات تخييلية: الدعسوقة، الأرجوحة، وجه عالية في اللوحة الفنية، نادين، عرائس محشوة بالسكاكين، الشبيهة..؛ وكأنما هناك ذاتية لا يمكن النفاذ إلى مياهها الجوفية إلا بالرموز والتشابيه والاستعارات، كأنما لا يمكن أخذ فكرة عن الأنا أو بناء صورة عنها إلا من خلال تشبيهها بشيء آخر، كأنما الذات لا تتحدد إلا من خلال شيء اخر. وهل يمكن أن نُكوّن صورة عن الأنا في علاقتها بالآخر إذا ما نحن أهملنا رمزية العديد من العناصر في قصص لبصير، وما قد تعنيه هذه العناصر الرموز بالنسبة إلى أنا المحكيّ الأوتوبيوغرافي التخييلي: النهر، الحشرات، النباتات، الأزهار، الأشجار، الألوان، الدعسوقة، الأرجوحة، قرنفلة، القمر، الرسم، الشعر،الرقص، اللعب...،وهل من الممكن أن تقول لطيفة لبصير ما في دواخلنا من غرابة مقلقة، وما في تاريخنا من أزمنة منسية، وما في ذاكرتنا من ظلالٍ وعتماتٍ، وما في هويتنا من هوامش منفلتة هاربة، إلا بمحكيّ شعريّ رمزيّ مفتوحٍ على التأويل، بشلالٍ من الرموز حمّالة المعاني السرّية الخفية التي لا تنضب أبدًا.
خلاصات أولية
وإجمالا، يمكن أن نخلص إلى أن التخييل الأوتوبيوغرافي في قصص لطيفة لبصير يدفعنا إلى أن نعيد النظر في مفهوم الكتابة الأوتوبيوغرافية، وذلك لأسبابٍ يمكن أن نختزلها في العناصر الآتية:
- إذا كان الاسم الشخصي هو الذات الجوهرية في الأتوبيوغرافيا، على حدّ تعبير فيليب لوجون(4) ، فإن الملاحظ في محكيات لبصير الأتوبيوغرافية أن لا إسم للأنا في أغلب القصص، إن لم يكن في مجموعها، والأكثر من ذلك أن هذه الأنا لا تقول اسمها الذي وضعته لها العائلة والمجتمع، بل هي تفضل أن تقول لنا الاسم الشخصي الآخر الذي اختارته هي لنفسها(نادين)، أو الذي فرضته هويتها الجديدة التي اختارتها لنفسها(كوكسينيل)، فنكون أمام أنًا منقسمة بين اسمين شخصيين، ونكون أمام محكي أوتوبيوغرافي يكشف ما في الهوية من انقسام غريبٍ ومقلقٍ(5). واللافت للنظر أيضًا أن الأنا لا اسمَ لها في هذه المحكيات الأوتوبيوغرافية، لكن لآخرها، في بعض الأحيان، اسمٌ(نادين، عالية، هدى، ك.ج ..)، كأنما الأهمّ هو أن يُعرَف الآخر، لوظيفته الجوهرية بالنسبة إلى الأنا؛ لكن هذا الآخر قد يأتي، في أحيان أخرى، من دون اسم، مجهولا وغامضا، لأن فقدان الآخر وغيابه هو أكثر ما تحبّ الأنا أن تقوله من خلال محكيّها الحميميّ.
- للبيت العائلي حضور لافت في قصص لطيفة لبصير، ليس في بعده الاجتماعي فحسب، بل في بعده النفسي بالأساس، مركزة على ما تشعر به الأنا، وهي طفلة، من غربة في فضائها العائلي الأول الذي من المفروض أن يكون مغمورًا بالألفة(انعزال الأنا في غرفة خاصة مع عرائسها أو حشراتها أو رسوماتها ...). والآباء(الأب والأم) ليسوا مرايا صالحة للتقمص والاستيهام (أبٌ إما غائبٌ غير حاضر في البيت، وإما عنيفٌ مخيفٌ عندما يحضر، وإما أب أنيق تنتظره حياة أخرى خارج البيت؛ والأم إما هادئة تصبّ غضبها وقلقها في طرز لانهائي للمناديل، وإما أمّ عنيفة قاسية لا تدرك ما معنى أن تعانق أمّ ابنتها، ووحدها أمّ الأرجوحة، المقرونة باللعب، تبقى حيّة في الروح ...)، وهذا ما يفسر لماذا تسعى الأنا دائما إلى استبدال عائلتها الأصلية بعائلة جديدة تحبّ أن تنتسب إليها، بعيدًا عن تلك العلاقات العائلية المتوترة الغريبة المقلقة.
أن يحضر البيت العائلي، بهذا المعنى النفسي، في قصص لطيفة لبصير معناه أن الكتابة الأوتوبيوغرافية تركز على الاضطراب الذي أصاب، ما يسميه لوران دومانز(6) ، بالوظيفة الأبوية. وهذه الرغبة في التحول، في التغيير، في تقمص هوية جديدة، في الانتساب إلى عائلة جديدة، لا يمكن أن يفسّر إلا بهذا الاضطراب في الوظيفة الأبوية. فالطفل(ة) في قصص لطيفة لبصير، التي تحتفي كثيرًا بالطفولة، يكاد يكون يتيمًا، وقد لا يحظى بعناقّ من الأمّ أو الأب، ومحكيّه كأنّه مكتوبٌ بحبر اليُتم. والحياة النفسية للأنا هي، في هذه القصص، نتاجُ مرحلة الطفولة، لأن فيها تُجري الأنا أولَ وأخطرَ اختبارٍ للغيرية، وإذا لم تجد هذه الأنا في الآباء مرايا مُغرية وجذابة، فإنّ ذلك لن يؤدي إلا إلى اختبار غيريةٍ آخر، وقد لا يخلو من غرابةٍ مقلقةٍ.
- قد تكون العلاقة بالجنس الآخر مركزَ السرد، وقلبَ الكتابة، في قصص لطيفة لبصير، خاصةً وأنها تقولُ غيابَ الآخر وفقدانَه: مساءات الزوج الباردة، عناق الخادم اللذيذ لا يمكن أن يتكرر، لا رجل في الشقة 24، المرأة التي أحبها الراوي مثلية جنسية ... وعناق كلمةٌ مفتاحٌ في مجموع قصص لطيفة لبصير، لأنها الكلمة المفتاح التي ترمز إلى هذا الغائب الأكبر: الآخر، ولأنها ذلك المفتاح الذي من دونه لا يمكن ردم الهوة، ولا يمكن ملءَ الشقة، فلا يمكن للأنا أن تحيى من دون آخر، ولذلك يأتي محكيّها مثقوبًا في مركزه وقلبه: ينقصه ذلك العناق الحميميّ اللذيذ، ويأتي مغمورًا بهذا الاحساس بأن غيريتنا الحميمية هي في طريقها المتدرج المتواصل إلى الضياع، وأن هويتنا تائهةٌ في عوالم قد تكون مخيفةً مرعبةً، غريبةً ومقلقةً.
- تكتب لطيفة لبصير من موقع الرغبة، ورغبة فقط عنوان مجموعتها القصصية الأولى ، ونجد الآخر يفرض نفسه باعتباره موضوع هذه الرغبة، لكنه الموضوع الغائب المفقود والمفتقد، ما يجعل الرغبة في الآخر تتحول إلى تجربة فقدٍ، هل نقولُ يتمٍ؟، تعيشها الذاتُ باستمرار. لكن تبقى الكتابة هي ذلك الفضاء الحميمي السريّ الذي تُجري فيه الأنا حوارًا مع آخرها، ترسمُ وللرسم حضورٌ قويّ في حياة شخوص القصص غيابَه ليتحولَ إلى حلولٍ وحضور، فلا يمكن للأنا أن تحيى إلا إذا استعاد آخرُها حياتَه، ولو على مستوى الكتابة والتخييل.
الهوامش:
1- Philippe Gasparini, Est ? il je ?, Seuil, Paris, 2004, p20.
2- Philippe Lejeune, Je est un autre, Seuil, Paris, 1980.
3- Paul Ric?ur, Finitude et culpabilité, Aubier, Paris, 1988, p 11.
4- Philippe Lejeune, Le pacte autobiographique, ed.Seuil, 1975, p 33.
5- Laurent Demanze, Encres orphelines, José Corti, 2008, p43.
6- Laurent Demanze, Ibid, p43.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.