لا يكاد يمر يوم في حياتنا دون أن تهتز مشاعرنا لوقوع جريمة يكون ضحية لها طفل أو أطفال أبرياء ممن لا يفقهون في المكر و الخداع و لا يميزون بين المتوحش و الإنساني من بني البشر ، جرائم موجعة بين الاغتصاب و القتل و أحيانا كثيرة هما معا ،الأمر الذي يجعل أطفالنا يساءلوننا جميعا كمسؤولين و كمجتمع مدني في صيانة حقوقهم ، و حمايتها من بطش من لا ضمير لهم ، يساءلوننا فيما أعددناه من ترسانة قانونية للقضاء على مثل هذه الجرائم النكراء و الحد منها داخل مدننا المغربية ، يساءلوننا فيما انجزناه من مشاريع لفائدتهم تقيهم المكر و الاعتداء وتجعلهم يعيشون حياتهم الطفولية دون خوف أو فزع ، يساءلوننا عن ...؟ و عن ...؟ و عن...؟ في صمت تعلوه البراءة المرسومة على محياهم . بالأمس اهتزت مشاعر ساكنة الوالدية بسيدي بنور اثر مشاهدتها لشريط فيديو نشر على نطاق واسع على موقع اليوتوب يظهر فيه شخص يمارس الجنس على طفل لا يتجاوز عمره العشرة سنوات ، و بكل من أربعاء العونات و أولاد عمران و خميس الزمامرة و غيرها من الأماكن بإقليم سيدي بنور، الأيادي القذرة تطاولت على البراعم لتحويل أجسادها إلى لعبة للعبث والسادية القاسية، ومرغت كرامة الطفل في الوحل، وحولت مستقبله، في غياب أي دعم نفسي أو اجتماعي إلى جحيم . فالاعتداءات الجنسية على الأطفال كلها تدل على خطورة ما يتهدد الأطفال في المنطقة و ما يحاك ضد هذه الطفولة المغتصبة، التي لازالت تتخبط بين تقاليد بالية تتستر بشكل أو بآخر على الجرائم الجنسية على الأطفال، وتساعد على إفلات مرتكبيها من العقاب، وبين مجتمع مدني عاجز على التوعية بخطورة الظاهرة التي تتفشى إلى درجة وصولها إلى أماكن العمل ورعاية الأطفال. إنها نتيجة مباشرة للسياسات المحلية التي يكون الطفل آخر من تفكر فيه ، فعلى امتداد الإقليم الحديث النشأة تنعدم مرافق الترفيه واللعب والتربية والتكوين، بل حتى المؤسسات التعليمية في العالم القروي تفتقر للماء نفسه، والمرافق الصحية، والملاعب... فكم من طفل حمل إلى المستشفى قصد تلقي العلاج ليفاجأ الجميع أن مستشفى بكامله لا يتوفر على أبسط شروط الوقاية و العلاج ( كالأكسيجين ، و الطبيب الجراح ... ) ليغادر الحياة مكرها و هو على الطريق في اتجاه مدينة أخرى لأنه لم يجد من يمنحه فرصة للحياة. عدد كبير من الطفلات تم الاعتداء عليهن من طرف مشغلهن أو مشغلتهن مرة بالتعذيب و مرة بالاغتصاب و مرات بالتهديد و الرهيب و التخويف ، لدرجة أصبحن يحملن معها شعار « الجهل نور « و أطفال يموتون أمام أعين الجميع بسبب الإهمال الذي طالهم في حياتهم ، فداخل ورشة للخياطة قتل أحد الأطفال، وفي محل للبقالة تعرض صغار للحريق.. والجراح لاتندمل، فكلما نسينا حدثا أليما، ولد آخر، حتى صار جرح الطفولة في سيدي بنور معرضا لجمع قصاصات الحوادث في الجرائد الوطنية. و ليس بهذا الإقليم فحسب بل بأقاليم أخرى بوطننا العزيز ، فمن منا لا يتذكر سفاح تارودانت المدعو عبد العالي الحاضي، الذي استباح لنفسه الاعتداء على تسعة أطفال جنسيا و حرمانهم من حقهم في الحياة و ذلك بقتلهم وقد كان الجاني يزرع الرعب في نفوس ضحاياه حيث كان يهددهم بسكين ويقوم بتكميم أفواههم بواسطة شريط لاصق، و يكبل أيديهم وأرجلهم ليمارس عليهم الجنس، وبعد ذلك يخنقهم ويدفنهم في حفرة بداخل الكوخ ؟ من منا لا يتذكر مجموعة من الجرائم في حق أطفال أبرياء فطومة بتارودانت، سليمة بأكادير، أسامة بتزنيت، وئام بسيدي قاسم، عبد الكبير بشيشاوة ، فاطمة الزهراء بالبيضاء ، و الطفلة خديجة ذات السبع سنوات بالمحمدية نفس الحدث شهدته مدن مكناسالقنيطرة و سلا و الجديدة و سيدي بنور ... و اللائحة طويلة تكاد تشهدها معظم المدن المغربية ، ما يطرح علينا اليوم قبل الغد العديد من الأسئلة في هذا الجانب ، و يدعونا إلى التصدي الحازم لهؤلاء الذئاب المتنكرة في صفة البشر المنتمية لمختلف الأعمار ، كما تستوجب منا هذه الظاهرة الخطيرة و التي تباينت معطياتها و تختلف دواعيها و تتعدد أساليبها ، تستوجب منا فتح نقاش واسع بمشاركة هيئات المجتمع المدني و السياسي و النقابي و الحقوقي ... نقاش يمثل تشريحا عميقا للظاهرة ، يعطي حلولا و لو نسبية من شأنها تقوية الترسانة القانونية في ردع مقترفي هذه الجرائم البشعة و النكراء و وضع حد لخوف و فزع الأسر على فلذات أكبادها ( إناثا و ذكورا ) و إجلاء العقد النفسية و ما يترتب عن ذلك لدى الطفلة و الطفل الضحية نظرا لتقاطع الأضرار النفسية و الجسدية لديه ما يجعل معالجتها أمرا صعبا ... كثيرة و متعددة هي المحاضر التي تحررها الضابطة القضائية ومحاضر الشرطة، وكذا القضايا التي تعرض يوميا على المحاكم المغربية بخصوص جرائم الاغتصاب تنذر بكارثة مهولة، وتكشف عن جرح غائر في بنية المجتمع وخطر يتهدد سلامة الأفراد والأسر والمجتمع برمته. فمعظم المدن المغربية باتت تعاني من ارتفاع نسبة الاغتصاب بشتى أنواعه وأشكاله، من اغتصاب الأطفال والتلاميذ والتلميذات، مرورا بالقاصرين والقاصرات، وأصبحت المدارس والمصطافات، والمستشفيات والإدارات، والشواطئ والحدائق والمنتزهات، ساحات لاقتراف أفظع الجرائم وأبشعها من طرف بشر تحولوا للأسف الشديد إلى وحوش ضارية، ومخلوقات عدوانية. القانون الجاري به العمل بالمغرب ينص بصريح العبارة على معاقبة مرتكبي جرائم الاغتصاب . فالفصل 465 من القانون الجنائي يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكر أو أنثى مع استعمال العنف. وإذا كان المجني عليه قاصرا يقل عمره عن خمس عشرة سنة يعاقب الجاني بالحبس من عشر إلى عشرين سنة. أما الفصل 484 فيعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات من هتك بدون عنف أو حاول هتك عرض قاصر يقل عمره عن خمس عشرة سنة ذكرا كان أم أنثى. في حين ينص الفصل 471 على أن من استعمل العنف أو التهديد أو التدليس لاختطاف قاصر دون الثانية عشر عاما أو استدراجه أو إغرائه أو نقله من الأماكن التي وضع فيها من طرف من له سلطة عليه أو إشراف عليه سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة غيره ، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات . وينص الفصل 436 على عقاب يتراوح بين خمس وعشر سنوات لكل من يختطف شخصا أو يقبض عليه أو يحبسه أو يجلده دون أمر من السلطات المختصة ، ومن غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص ، وإذا استغرق الحجز ثلاثين يوما أو أكثر كانت العقوبة بالسجن من عشر إلى عشرين سنة ، وإذا ارتكب القبض أو الخطف إما عن طريق ارتداء بذلة أو حمل شارة نظامة أو مماثلة لما هو منصوص عليه. إذن الإطار القانوني الذي يتابع من خلاله الشخص الذي تسول له نفسه اغتصاب طفل هو نص القانون الجنائي، لاسيما باب إفساد الشباب والبغاء. والفصول 436، 471، 484 و 485تجرم اغتصاب الأطفال باعتباره فعل جرمي شنيع يستهدف فئة اجتماعية ضعيفة مجردة من وسائل الدفاع عن نفسها. وإذا كانت الجريمة في حالة تلبس ، أي لحظة القيام بالاغتصاب تتدخل الضابطة القضائية فلقاء القبض على الجاني لتقديمه للعدالة. أما في الحالات الأخرى تقدم الشكاية بعد يوم الطفل المغتصب بما جرى له إما للنيابة العامة أو الضابطة القضائية أو قاضي التحقيق أو رئيس المحكمة. إلا أنه يبدو أن العقوبات الحبسية كرادع ليست كافية لوحدها للتصدي إلى ظاهرة اغتصاب الأطفال ببلادنا، وبالتالي وجب الاهتمام بالظاهرة من طرف الجميع (الدولة والمجتمع المدني ،الإعلام) للتقليل من ما تسببه من تعقيدات نفسية واجتماعية سواء بالنسبة للضحايا أو الجناة وعائلاتهم. فالوضع خطير ومخيف جدا، مادامت هذه الجرائم ترتكب في حق البراءة من بنات و أبناء هم مستقبل هذا البلد العزيز ، بلابل حولها الزمان القدر إلى غربان و أضحى ربيعها خريفا فإلى متى سيظل الإهمال و الاغتصاب و القتل يلاحق طفولتنا ؟