قبل الخطاب الملكي ليوم الجمعة 11 أكتوبر 2013 ، أمام مجلسي البرلمان ، كانت كل كتابة تؤشر على ما يعتري التدبير العام لشؤون «عاصمة المال والأعمال» ، تُنعت في دورات الجماعة الحضرية ، بشتى النعوت ، أقلها اتهام أصحابها بأنهم « يعاكسون التيار» ، ولا ينظرون إلى « الإنجازات العظيمة» المحققة لفائدة البيضاويين، والتي أخرجتهم حسب زعم المسؤولين والمطبّلين ل«فتوحاتهم» من دائرة العوز والتخلف وقفزت بأوضاعهم خطوات عملاقة في درب التنمية والرفاه، لكن مباشرة بعد الخطاب ، وقبل أن تبزغ شمس السبت الموالي ( 12 أكتوبر) ، تغيّرت اللغة سبحان مبدل الأحوال ! واستُبدل مداد التمجيد والنفخ بآخر مضمّخ ب«الاعتراف» بالنقائص والاختلالات البنيوية الخطيرة التي تحول دون تحقيق الإقلاع المتوخى، الذي بمقدور «ثماره» زرع الأمل في نفوس ملايين البيضاويين، الذين أضحى التشاؤم رفيق يومياتهم بعد أن فقدت مدينتهم بياضها بفعل السياسات «السوداء» المنتهجة منذ عقود! استفاقة الماسكين بزمام الشأن المحلي البيضاوي ، تمثل عنوانها الأبرز ، في البحث عن السبل القمينة بتوفير مداخيل مالية إضافية من شأنها إنقاذ «قلب» الدورة الاقتصادية من دوامة العجز اللامتناهي، ومن ثَمّ الإسهام في ترجمة الخطوط العريضة للمخطط الاستعجالي، المُشرف على تنفيذه الوالي الجديد ، خالد سفير ، على أرض الواقع في أقرب مدى ممكن، لكنه بحثٌ بقدرما أعطى مؤشرات على أنه من الممكن فعلُ شيء إيجابي ، بقدرما كشف عن «فضيحة مدوية » يجسدها تغلغل الريع في «شرايين» الهيكل الاقتصادي العام للمدينة، ريعُ أخرج شركات من دائرة العدم وبوّأها مراتب متقدمة في سلم تحقيق الأرباح الخيالية، التي عبّدت الطريق لأصحابها، وللذين أدركهم «فيضان» خيرها ، بهذا الشكل أو ذاك ، لولوج «نوادي الأغنياء» ، وذلك تكريسا للقناعة السائدة لدى أغلب المواطنين ، بأن عبارة «بّاك صاحبي» ، كانت ، ولاتزال ، هي الفيصل داخل هذه المدينة الغول! استفحال الرّيع لدرجة أضحى قاب قوسين أو أدنى من نيل طابع «المَأْسسة» ، يجعل المتتبع / المهتم ب«قضايا البيضاء والبيضاويين » ، يتساءل عن دور الجهات المنوطة بها مهام حفظ المال العام من «الهدر» ، كيفما كانت تجلياته ؟ وهل يمكن أن يحدث هذا «التغوّل » دون تواطؤ، مكشوفٍ أومستترٍ ، من طرف الجهات المسؤولة؟ إنها أسئلة من بين أخرى يحاول هذا الملف القبض على بعض «مفاتيحها» من خلال عدد من النماذج الفاضحة... 4 ملايين درهم معلّقة بين الأخضر والأحمر الرجاء والوداد .. فريقان عتيدان يتوارث حبّهما البيضاويون ، ويمتد عشقهما إلى باقي المدن والقرى عبر جغرافية الوطن الشاسعة ، كما أضحت ألوان الفريقين حاضرة في مختلف بقاع العالم المحتضنة لكل مهاجر ذي جذور بيضاوية، مكانة «تخدشها» معطيات رقمية كشف عنها الرسم البياني لمداخيل العاصمة الاقتصادية ، والتي تفيد بأن الفريقين، رغم المداخيل التي يحصدانها من خلال استقبالهما لضيوفهما ، في مختلف المناسبات الكروية بأرضية مركب محمد الخامس ، لايؤديان للخزينة المستحقات الواجبة نظير هذا الاستغلال، حيث بلغت الأموال غير المحصلة 4 ملايين درهم! عدم استخلاص مداخيل استغلال المركب من قبل جماعة البيضاء ، سواء في ما يخص التذاكر أو اللوحات الإشهارية المؤثثة لجنبات الملعب ، يوازيه «إهمال» كبير لمجموعة من المنشآت الرياضية ، كالمسبح وملاعب أخرى، تتم صيانتها على حساب جماعة الدارالبيضاء ، التي تتكفل أيضا بأداء فواتير استهلاكها للماء والكهرباء! أكثر من ذلك ، بعض هذه المرافق الرياضية ، المُستغَلّة ب«بلاش» حسب تعبير الإخوة في أرض الكنانة أضحت في وضعية متهالكة ، وتستفيد منها ، بالأساس ، جهات معينة، «الأمر الذي سينقص من قيمتها ويؤدي حتما إلى خرابها » تقول مصادر قريبة من هذا الملف . أموال تُهدر في قارعة الطريق بالمعاريف تصنّف المعاريف ضمن أرقى المناطق ب«التربة البيضاوية» ، تضم مجموعة من الممتلكات التابعة لمجلس المدينة، منها فيلات، شقق ، أسواق ، محلات تجارية وملاعب رياضية وغيرها. .. «ثراء» جماعي يصاب المرء بصدمة كبيرة حين يعلم بأنّ أثَرَه في خزينة المدينة لا يتعدى «ملاليم » قد تفوق الصفر بقليل في أحسن الأحوال، علما بأن ثمن المتر المربع في أجزاء من المنطقة يناهز 30 ألف درهم! «الفيلات الجماعية» المتوزعة على أهم شوارع و«نُقط» المنطقة، كالزرقطوني و«راسينغ » ، والتي تفوف مساحة أصغرها ، 300 متر مربع ، لا تتعدى سومتها الكرائية 250 درهما للشهر الواحد، ونادرا ما «يتكرّم» المستغلون بتأديتها إلى الجهات المعنية بتحصيلها داخل مصالح الجماعة الحضرية. 5 فيلات بشارع الزرقطوني، تصل مساحة كل واحدة إلى 1149 مترا مربعا ، حصادها السنوي من الأكرية لفائدة خزينة المدينة، لا يتعدى 15 ألف درهم ، وبشارع ابن مالك تتواجد 10 فيلات بمساحة 1915 مترا مربعا لا يتجاوز مردودها المالي 30 ألف درهم ، وأخرى بطريق الجديدة بمساحة 475 مترا مربعا ، يقف مدخولها السنوي عند سقف 3000 درهم ، كذلك الشأن بالنسبة لفيلا تتموقع بشارع جلال الدين السيوطي ، على مساحة 288 مترا مربعا ، في وقت ينحصر مدخول أكرية أربع فيلات بمساحة 766 مترا مربعا ، بشارع 4 شتنبر ، في 12 ألف درهم ! في المنطقة ذاتها المعاريف تنتشر مجموعة من الأكشاك المُنضوي نشاطها في إطار استغلال الملك العمومي لأغراض تجارية من خلال قرارات فردية ، كما هي العادة! يبلغ عددها 41 كشكا، تحتل مواقع «استراتيجية» ، في ما يخص مستوى الرواج التجاري ، ضمنها 17 كشكا مكتراة بسومة 250 درهما، و18 ب 200 درهم، و6 بمقابل شهري يساوي 120 درهما . الحكاية ذاتها ، تتكرر مع «الشقق الجماعية»، مع بعض «التميّز» في ما يخص سومة الكراء المحددة في 150 درهما ! أي نعم : ثلاثة آلاف ريال، وفق ما كشفته وثائق رسمية مؤخرا. في الحي عيْنِه، المُشتمل على محلات تجارية تضاهي ما يتواجد في أرقى الحواضر الدولية ، والتي صارت محجا لمئات الزوار من خارج البيضاء ، تميط الوثائق المشار إليها أعلاه، «الستار» عن فضائح كبرى ، ذلك أن أكشاكا تجارية، وبقعا أرضية مستغلة لأغراض مختلفة مساحتها تتراوح ما بين 500 و1600 متر مربع، مدخولها السنوي لفائدة الجماعة الحضرية لا يتجاوز 3000 درهم ، وإذا «كانْ العامْ زين » بلغ 8000 درهم ! نعم ، هذه هي المداخيل التي تدرها عملية استغلال أكشاك/ محلات وأراض تتواجد في مواقع ممتازة ومردوديتها التجارية مرتفعة جدا، والأخطر مافي الحكاية أن هذه الممتلكات غير محفظة!؟ في سياق المفاجآت، دائما ، نعرّج على المركب التجاري أسامة بن زيد، الذي يضم 53 محلا تجاريا ، فُوتت بقرارات رئاسية فردية ، تبين أن ثلاثة محلات منها لا تتعدى سومتها الكرائية 600 درهم، و25 لا تتجاوز 500 درهم، و15 محلا بسومة تقف عند سقف 350 درهما، لتبقى أغلى سومة كرائية تؤديها ثمانية محلات محددة في 750 درهما للشهر! «سوق الورود» ، المعروف لدى الجميع ، فُوتت محلاته أيضا، بنفس الطريقة ، أي بقرارات فردية ذات توقيع رئاسي، يضم 16 محلا لبيع الورود بسومة كرائية لاتتعدى 200 درهم في الشهر ! الوضع ذاته يعيش في ظله «سوق الواحة» المشتمل على 40 محلا تجاريا ، تم الترخيص باستغلالها عبر قرارات صادرة عن رئاسة المقاطعة الحضرية ، إذ أن أغلى سومة كرائية بهذا المرفق لا تتجاوز « أربعة آلاف ريال» تؤديها خمسة محلات فقط، تليها 19 محلا مكتراة ب 170 درهما، وأربعة مقابل 140 درهما ، و 10 محلات ب 120 درهما، فيما تبلغ قيمة سومة محلين اثنين 95 درهما! وبخصوص سوق المعاريف الشهير ، والذي يضم «بين أسواره»، 86 محلا تجاريا مرجعية استغلالها تعود لقرارات فردية ، فإن السومة الكرائية ل 69 رواقا تقف عند سقف 150 درهما في الشهر، في حين لاتتخطى سومة 17 رواقا عتبة 200 درهم ! إلى جانب الممتلكات الجماعية السالف ذكرها ، هناك أراض تتراوح مساحاتها ما بين 500 و1600 متر مربع ، أكرية استغلالها تنحصر بين 250 و 700 درهم . هذا ، ويجدر التذكير ، أنه بالرغم من هزالة السومة المحددة لاستغلال هذه الأسواق والمرافق التجارية عموما فإن الجماعة الحضرية للدارالبيضاء هي التي تؤدي ، بدل مُستغليها، الظاهر منهم والمتواري عن الأنظار ، واجبات الماء والكهرباء والنظافة...! عين السبع : شركات بتسهيلات الأحلام تتمتع معظم الشركات المنتشرة بالأحياء الصناعية لمنطقة عين السبع ، بأريحية كراء ولا في الخيال، كما يظهر من خلال نماذج فاضحة توضح كيف أن شركات تجني مبالغ يعجز اللسان عن ترديدها ، لاتزال جاثمة على الأرض الجماعية بدون مقابل، علما بأن مدة عُقد الاستغلال انتهت منذ سنوات! ففي الحي الصناعي الجنوبي ، نجد ، على سبيل التمثيل لا الحصر، شركة ( م.ص ) تستغل أرضا بمساحة 1600 متر مربع مكتراة منذ سنة 1988 ، وانتهت مدة عقد استغلالها في عام 1993 ، لا يتعدى مبلغ الكراء 850 درهما في الشهر ، ومنذ ذلك التاريخ تحولت السومة الكرائية إلى صفر ريال ! شركة أخرى بذات الحي ، وهي ( م ) الصناعية، تستوطن أرضا جماعية ، على مساحة 3200 متر مربع ، اكترتها في سنة 1996 ، بسومة لا تتجاوز 1800 درهم شهريا ، انقضت مدة الاستغلال في عام 2001 . شركة ثالثة (م.ن.ب .ت) من الوزن الثقيل تستقر فوق مساحة أرضية «جماعية» تبلغ 2000 متر مربع منذ سنة 1988 ، مقابل سومة كرائية لا تتعدى 900 درهم في الشهر، انتهت مدة الاستغلال في عام 1993 . شركة رابعة ( ت.س ) تمارس نشاطها الصناعي منذ 1988 على أرض «جماعية» بمساحة 4000 متر مربع ، بسومة كرائية تقف عند سقف 2000 درهم، علما بأن مدة الاستغلال استُنِزفت سنة 1993 . شركة خامسة ( م.ا .ب )، تتمركز على أرض «جماعية » تبلغ مساحتها 624 مترا مربعا، منذ1990 ، مقابل سومة تتحدد في 700 درهم، انقضت مدة الاستغلال سنة 1995 . بالحي الصناعي نفسه ، يتواجد كشك وسطه على مساحة تفوق 77 مترا مربعا بسومة كرائية محددة في250 درهما . المعطيات والوثائق المتوفرة لدينا ، تكشف، أيضا ، أن شركة مشهورة ( ش.إ .أ ) ، تتربع على مساحة 1500 متر مربع مكتراة منذ 2003 ، بمبلغ 850 درهما في الشهر ، انتهت المدة القانونية للاستغلال عام 2008. أما شركة ( م.ن ) فتستغل أرضا جماعية ( 2000 متر مربع ) منذ بداية الألفية الجديدة ، بسومة كرائية لا تتجاوز 900 درهم، وقدانقضت مدة الاستغلال سنة 2005 . وفي «عكاشة» بعين السبع، دائما ، إطلالة خاطفة على نماذج من استغلال الملك الجماعي، تبرز مدى عدم اكتراث مسؤولي هذه المدينة بتحصيل وتقوية مداخيل ممتلكاتها عبر مراجعة الأكرية وجعلها تتلاءم مع الأسعار الراهنة للوعاءات العقارية في مختلف أرجاء الجغرافية البيضاوية. منذ 1990 ، يستغل ( ب.ح) ، أرضا جماعية بالمنطقة المومأ لها أعلاه ، تصل مساحتها إلى 400 متر مربع مقابل سومة كرائية لا تتعدى 400 درهم، في وقت بلغت المدة المحددة للكراء نهايتها سنة 1995 ، دون أن يوضع حد للاستغلال. شركة عقارية ( و)، تستوطن مساحة 2000 متر مربع منذ عام 1989 بسومة كرائية لا تتجاوز 900 درهم ، انتهت المدة القانونية للاستغلال سنة 1994. وهناك ، أيضا ، أرض يستغلها ( م.ك ) تقع بمحج الشاطئ ، على مساحة 500 متر مربع ، مقابل مبلغ لا يتجاوز 500 درهم، وذلك منذ سنة 1988 . شذرات من «المال السايب» بالحي الحسني بقراءة للمعطيات الرقمية الخاصة بهذه المنطقة ، المُراهن عليها مستقبلا لتحقيق قفزات تنموية عملاقة، يتضح مدى تقاعس الإدارة الجماعية ل«العاصمة الاقتصادية» ، في استخلاص مستحقاتها المالية . ومن النماذج الفاضحة ، التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الإطار ، نموذج شركة معروفة تستغل أرضا تابعة للجماعة منذ سنوات ، تبلغ مساحتها 482300 متر مربع، ولا تؤدي فلسا واحدا للخزينة العامة ، وقد بلغت مستحقاتها الجبائية الآن 30 مليونا و867200 درهم ! أما الرسوم المفروضة على أصحاب الأراضي غير المبنية، فلم تُستخلص قط ، مما جعل مجموع واجبات هذه الرسوم يبلغ 30 مليون درهم. بالنسبة للأسواق الجماعية المنتشرة عبر أحياء هذه المنطقة، فبذمتها لفائدة الجماعة الحضرية للدارالبيضاء ثلاثة ملايير سنتيم لم يدخل منها للخزينة ولو درهم واحد! في ما يخص «التمتع بالريع الجماعي» ، تكشف الوثائق أن هناك منبتا ب «طريق الجديدة »، تنتشر أغراسه على مساحة 4471 مترا مربعا بسومة كرائية لا تتجاوز 12 ألف درهم سنويا !؟ وهناك مقهى داخل شارع أفغانستان، بها قبو وطابق سفلي ، مازالت تستغل الفضاء رغم أن عقد الكراء استُنزف مفعوله القانوني سنة 2001 ، علما بأن السومة الكرائية المحددة للاستغلال تقف عند سقف 1000 درهم. مقهى أخرى ومخبزة ، تتكون من طابق سفلي وطابق أول ، تتواجد على مساحة 399 مترا مربعا ، لاتؤدي للجماعة سوى 12 ألف درهم سنويا، انتهت مدة الاستغلال سنة 2001 . عين الشق: أثمنة جماعية تسبب الدّوار في زمن اشتعال النار في العقار حين نعرّج على منطقة عين الشق ، وتحديدا سيدي معروف ، يجد المرء نفسه مدعوا لتناول حبة «أسبرين» تفاديا لوقع الدوار الذي يداهمه وهو يتفحص قيمة السومات الكرائية المخصصة لاستغلال «ممتلكات جماعية»، في وقت يتحمل آلاف المواطنين الويلات للظفر ب«قبر الحياة» أو محل بسيط لممارسة تجارة معيشية، تحميهم من مذلة السؤال! ففي هذه المنطقة توجد 50 شقة تابعة للجماعة الحضرية للدارالبيضاء ، 8 منها مكتراة ب 50 درهما للشهر ، و8 أخرى بسومة 40 درهما ، فيما لايتعدى المبلغ المحدد لكراء الشقق ال 34 المتبقية 30 درهما للواحدة منها! وفي ما يتعلق بالمحلات التجارية، نجد أربعة منها مكتراة بسومة 50 درهما، و5 بسومة 300 درهم، و15 محلا مقابل مبلغ لا يتجاوز 30 درهما . أي نعم ستمائة ريال! وأربعة بسومة 350 درهما ، و60 درهما بالنسبة لسومة محلّين ، وآخريْن ب 35 و40 درهما، في وقت حُددت سومة كراء 13 محلا تجاريا ب 20 درهما ( أربعمائة ريال!) . أما سومة حمّام وفُرن تابعين للجماعة فلا تتجارز 2750 درهما في السنة! «الباقي استخلاصه» .. مسلسلٌ بحلقات لاتنتهي كانت جماعة سيدي بليوط ، في زمن تمتّعها ب«الاستقلال الذاتي»، قبل أن تُفرض عليها «العضوية» في « نظام وحدة المدينة»، تعد من أغنى الجماعات على الإطلاق ، كيف لا وقد كانت تحِّصل ، على الأقل، 11 مليارا كفائض كل سنة ، لكن مع التجربة الجديدة ، وتمركز أهم القرارات بمجلس المدينة ، أضحت النتائج ترتدي لبوس العبث! فمنطقة سيدي بليوط تحتضن 11 سوقا بلديا منها : سوق الشاوية، كوميرسي، السوق المركزي، سوق البحيرة، سوق التازي، سوق لوبيلا ، سوق الجوطية و سوق بين الويدان، الباقي استخلاصه من هذه المرافق ، في هذه الفترة، بلغ 375640000 درهم ، لم يحصل منها مجلس المدينة أي درهم. في المنطقة عينها تنتشر محلات سكنية وتجارية تابعة للجماعة الحضرية ، كتلك المتواجدة ب : شكيب أرسلان ، لارديكو، الحنصالي، المركب التجاري سيدي بليوط ، المركب التجاري الحاج العربي بن امبارك ومحلات النسيم، بلغ الباقي استخلاصه من هذه المحلات الآن، 30 مليونا و342531 درهما ! وللمرء أن يحصي حجم الأموال التي تضيعها خزينة المدينة بسبب «تقاعس» مصالحها المختصة! بالنفوذ الترابي ل«الصخور السوداء» ، بمقدور المتتبع للشأن البيضاوي ، أن يقف على نموذج لهدر المال العام من جهة ، والكسب الذي يحققه المستغلون من جهة ثانية . ففي «الحزام الكبير»، تتواجد 6 شركات كبرى، الأولى تستغل مساحة 2000 مترمربع دون أداء أي ريال الآن ، الثانية تتربع على أرض ذات مساحة تقدر ب 1580 مترا مربعا، الثالثة تستوطن 1000 متر مربع ، الرابعة تتمركز فوق 1900 متر مربع ، الخامسة تمتد بناياتها على مساحة 2506 أمتار مربعة، والسادسة تستغل 1000 متر مربع، لا تؤدي لمجلس المدينة درهما واحدا ، ولها مشاكل مع الجماعة منذ تطبيق نظام وحدة المدينة ، هي شركات تجني الملايير حسب بعض العارفين بخفايا المال والأعمال دون أن يستخلص منها المؤتمنون على أموال المدينة ما بذمتها من مستحقات متراكمة! بالعودة إلى موضوع «الباقي استخلاصه» ، نتوقف ، هذه المرة، بمنطقة الفداء، حيث «يرفض» تجار سوق القريعة، ذي الشهرة العالمية، أداء ما بذمتهم لفائدة الجماعة الحضرية للدارالبيضاء، احتجاجا على الزيادة التي اعتبروها «مجحفة» في حقهم سنة 2001، والتي طالت رسوم الأداء، ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن، وصل مجموع الباقي استخلاصه لفائدة الجماعة الحضرية 53 مليون درهم ، منها 48 مليونا و428055 درهما تخص سوق القريعة فقط ، 4026380 درهما تهم سوق العيون، في وقت بلغ ما بذمة سوق الفحم 371 ألفا و80 درهما . تقاعس مقصود يحرم مرس السلطان من أموالها بإطلالة على الأوضاع المستشرية بمنطقة مرس السلطان ، في ما يهم استخلاص المستحق المالي الناتج عن استغلال «الأملاك العمومية»، لا يحتاج المتتبع لبذل مجهود كبير للقبض على عناوين شتى للتقاعس أو «التمياك» باللغة غير الفصيحة الذي يطبع ، مثلا، التعامل مع الأسواق الجماعية الأربعة الكبرى التي تنضوي تحت النفوذ الترابي لهذه المقاطعة ، لدرجة أضحى العزوف عن أداء ما بذمة المُستغِل تجاه خزينة الجماعة الحضرية ، السمة الأبرز، ينضاف لها التماطل في حالة ما اختار البعض الأداء ، مبررين مواقفهم هذه ب«مضايقة الباعة الجائلين لتجارتهم، وعدم حماية السلطة لهم من المنافسين غير الشرعيين، لدرجة صاروا معها مهددين بالإفلاس». الدافع الثاني الذي يبرر به هؤلاء التجار إحجامهم عن أداء ما بذمتهم لفائدة الجماعة الحضرية للدارالبيضاء ، يتمثل في«إشكالية» تفويت المحلات عن طريق التنازل من مستفيد إلى آخر وتغيير أسماء المستفيدين الأصليين، الأمر الذي ينتج عنه امتناع المستفيدين الجدد عن الأداء ما لم تُلب وكالة المداخيل طلبهم القاضي بتقييد الأسماء الجديدة وتسوية الوضعية المالية للمستفيد السابق . إشكالٌ يضيّع على المدينة ملايين الدراهم، دون احتساب تراكم السنوات السالفة، لم تقم إدارة جماعة الدارالبيضاء إزاءه بأي إجراء أو خطوة جدية لمعالجته طبقا للقانون طبعا ومن ثم استرداد الأموال العامة المتخلّى عنها! مشكل آخر يرخي بظلاله السلبية على هذه الأسواق ، يجسده عدم وجود تطابق بين عدد المحلات التجارية المقيدة بسجلات الأداء والعدد المقيد بالقرار الجبائي، وكذا عدد المحلات المتواجدة واقعيا داخل الأسواق، وهو ما يؤشر على ضياع ملايين الدراهم ، في الوقت الذي يكتفي المسؤولون بموقف «المتفرج»، كما تثبت ذلك تقارير مالية كشفت أن هذه المرافق التجارية ينبغي أن تدر على خزينة العاصمة الاقتصادية ما لا يقل عن 600 مليون سنتيم في السنة، لكن عدم تسوية ملفات عدد من تجارها جعل هؤلاء لا يؤدون منذ 15 سنة، ومنهم من تصل مدة عدم أدائه لما بذمته إلى 20 عاما. ووفقا لخلاصات التقارير ذاتها ، فإن الخزينة «حُرمت»، إلى حد الآن ، من 12 مليارا ، كان من الممكن أن تعفي المدينة من اللجوء إلى صندوق التجهيز الجماعي لاقتراض 15 مليارا كل سنة لصيانة الشوارع، كما أن هذه المداخيل، والأخرى التي سنأتي على ذكرها، بمقدورها، على حد تعبير مهتمين بشؤون هذه المنطقة ، جعل «مرس السلطان في مرتبة تنموية أرقى تجعلها تضاهي ما توجد عليه مناطق حضرية بكبريات العواصم العالمية، من جمالية وحسن تدبير»! «بروسبيير» و«كونيفا».. نموذجان فاضحان ل«الإدارة غيرالرشيدة» صمت رهيب يحيط بهذا الملف من قبل جل المسؤولين الجماعيين بالدارالبيضاء، سكوت خطير يحمل في طياته تساؤلات عديدة، خصوصا وأنه عرف ملامحَ تحريكٍ في عهد جماعة بوشنتوف السابقة، إذ عُقدت جلسات ماراطونية أطرافها: المحكمة، الجماعة والشركة المسيرة لهذه الأراضي الجماعية و تم قطع مراحل متقدمة في اتجاه إيجاد حل نهائي ، لكن مع إحداث نظام وحدة المدينة، عادت عقارب الساعة إلى الصفر، وفُرض حصار من الصمت المريب على هذا الملف ، علما بأن هناك، من لايزال يستخلص واجبات استغلال هذه الأراضي دون أن تكلف الجماعة نفسها حتى عناء الاتصال بالشرطة للتبليغ عمّن ينصب عليها ! وتضم أراضي «بروسبيير» الجماعية 250 مسكنا، وعشرات المحلات التجارية ، بالإضافة إلى معلمة سينما موريطانيا، التي ارتدت لبوس الخراب تحت وطأة الإهمال، وعدم اهتمام مسؤولي البيضاء بكل ما يمت ب«الثقافة» بمفهومها النبيل والراقي بصلة، وقد تكفلت شركة باستخلاص مستحقات هذه المساكن والمحلات التجارية دون أن ترى الجماعة من مداخيلها شيئا . هذا ، ويجدر التذكير ، أن جماعة بوشنتوف ، سابقا ، كانت قد اهتدت إلى حل يهم هذا الملف الضخم ، يقضي بتفويت هذه المحلات بسومة قوامها 1000 درهم للمتر ، وهم ما كان سيكسب الجماعة الحضرية للدارالبيضاء، في سنة 2001 ، أكثر من أربعة ملايير سنتيم ، لكن كل المجهودات تبخرت «بفضل» النهج التدبيري «غير الرشيد» للإدارة الحالية! ملف آخر لا يخرج تعاطي المسؤولين معه عن دائرة الصمت غير المستساغ ، خاصة وأن الشركة المعنية ( كونيفا) ، أبلغت الجهات المسؤولة عن الشأن المحلي البيضاوي، بضرورة تكليف من يقوم بمهام استخلاص المستحقات الجماعية بسوق «اليوسفية» ، وكان رد المعنيين.. لاشيء! في سنة 2003، مُنحت للشركة المعنية رخصة إقامة أسواق نموذجية في أفق وضع حد لظاهرة البيع بالتجوال، فتم إنجاز ذلك على مساحة 6400 متر مربع، وقامت الشركة ببيع المحلات بأكملها دون أن تتوصل خزينة الجماعة بريال واحد ، في وقت درّت عملية البيع على الشركة أكثر من مليار سنتيم، كما ظلت مستحقات استغلال الملك العمومي، البالغة آنذاك 80 مليون سنتيم ، بعيدة عن «المُحصِّلين الجماعيين»، علما بأن العقدة المبرمة مع هذه الشركة انتهت «صلاحيتها» سنة 2010، والمحلات اليوم مقفلة. قطرات من نهر جارف إنها عيّنة فقط من تمظهرات «اقتصاد الريع» المتغلغل، بشكل عميق، في أوصال «الجسم البيضاوي العام» ،الذي أنهكته «ضربات» تدبيرٍ حطّم أكثر من رقم قياسي في ما يخص تعريض الممتلكات الجماعية لكافة أصناف العبث والاستغلال، التي أفقرت خزينة المدينة وقادتها إلى حافة «الإفلاس»، وحكمت، في الآن ذاته، على غالبية سكانها بتجرّع مرارة العوز والعُسر، في مقابل تعبيد الطريق أمام البعض لاستنشاق نسائم «الترفاح الفاحش»، الذي يفتح مختلف الأبواب الموصدة بمكالمة هاتفية، ويتيح إمكانية مجاورة «كبار القوم»، المالكين لأسباب سطوع «نجم» هذا وأفول ذاك، بعد أن أفلحوا في إحكام قبضتهم على كل ما يمت بصلة ل«القانون» وما يتفرع عنه من مقومات الأنشطة الاقتصادية السليمة المتعارف عليها في الحواضر العصرية حقيقة لا تبجّحا!