عرفت مدينة الدار البيضاء خلال العقود الثلاثة الماضية طفرة عمرانية، وكان من المفروض أن تستغل تلك الطفرة، لتقديم مدينة ميتروبولية تضاهي كبريات المدن العالمية. لكن قدرها ساق لها مسؤولين، غير واعين لا بتاريخ المدينة أو مستقبلها أو حتى مكانتها في قلب الاقتصاد الوطني، فحولوا المدينة إلى كتلة إسمنتية هائلة، تفتقد لمقومات العيش الحضري من فضاءات خضراء ووسائل نقل في المستوى وسائر الخدمات الأساسية، ناهيك عن الفوضى العارمة التي ضربت بأطنابها جميع المجالات...، وذلك لأن التخطيط لتمديد المدينة، كان دافعه البحث عن توفير مساكن فقط وليس عبر تخطيط عمراني منسجم مع تصاميمها السابقة وروعة معمارها العصري.. إن تدهور جودة الحياة داخل مدينة الدار البيضاء، جاء كمسلسل متراكم من السياسات الفاشلة التي تعاقبت على المدينة منذ السبعينيات، حين تم تسييرها بنظام المجموعة الحضرية، قبل تحوله إلى نظام "وحدة المدينة"، وهو النظام القانوني الذي أوصلها إلى الحالة التي نراها عليها اليوم، فهو، كما وصفه أحد المنتخبين نظام "وحلة المدينة" وليس "وحدة المدينة". هذا النظام المعتمد منذ سنة 2003 تزامن مع الزمن النيوليبيرالي، الذي أصبح فيه كل شيء سلعة قابلة للمناولة، حتى عيش سكان البيضاء اليوم ارتهن بدوره داخل هذا الزمن، مما جعل بعض المنتخبين يتسللون إلى مجلس المدينة دون أي اكتراث أو إلمام بأولويات التدبير الجماعي، أو مقتضيات الحكامة الترابية، التي أشار إليها الخطاب الملكي الأخير، وقبله دستور 2011. إن ظهور هذه الفئة من "المنتخبين" على مسرح تدبير المدينة، وذلك عبر "تحويلات انتخابية" عقب نجاحهم في انتخابات محلية وعيونهم على مواقع القرار داخل المدينة، أدى إلى سلسلة من الاختلالات في التدبير تشوبها الكثير من علامات الاستفهام... إن المشاكل التي يتطرق لها هذا الخاص عن مدينة الدار البيضاء لا تشكل إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، الذي يخفي أضعاف ما يرى منه، كما أن مجلس المدينة ليس المتدخل الوحيد في شؤون المدينة، إذ يقع إلى جانبه كل من مجلس الجهة والوكالة الحضرية والمسؤولون الترابيون الذين يراقبون التدبير العام عبر مصلحة الشؤون العامة، التي تتدخل في عملية إفراز النخبة المحلية من ألفها إلى يائها..وتنضاف كذلك، مسؤولية المجتمع المدني الدائر في فلك هؤلاء الفاعلين، إذ أصبح الكل مسؤولا عن الصورة المشمئزة والمثيرة للشفقة، التي باتت تظهر عليها المدينة. فما هي أوجه الاختلالات التي تعرفها المدينة؟ وأين مداخيل المدينة الميتروبولية التي لا تستخلص مصالحها الجبائية إلا النزر القليل من مستحقاتها؟، ومن يدير ممتلكاتها التي لم يحصر مجلس المدينة إلا 12 % منها. ي.منصف - ع.الزعلي لم تكن تجربة نظام وحدة المدينة هي الأولى من نوعها في تدبير المجال العمراني لمدينة الدار البيضاء، فقد تم اعتماد تجربة المجموعة الحضرية بمدينة الدار البيضاء طيلة أزيد من ثلاثة عقود، وذلك بمقتضى ظهير شريف رقم 1.76.584 بتاريخ 5 شوال 1396 (30 شتنبر 1976)، وهو بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وهيئاتها، إذ نص الفصل 17 منه على موارد المجموعة الحضرية، التي حصرها في «مختلف الدفعات التي تنجزها الجماعات الحضرية للمجموعة العمرانية للدار البيضاء والإعانات التي تمنحها الدولة أو أشخاص معنويون آخرون يجري عليهم القانون العام ومحصول الاقتراضات المأذون فيها والأداءات والمساهمات المأذون للمجموعة في استخلاصها وأموال المساعدة والمداخيل المختلفة والهبات والوصايا.» كما تطرق الظهير نفسه في الفصل 21 إلى تحملات المجموعة الحضرية التي حددها في نفقات التسيير ونفقات الاستثمار، وهي الأشغال الجديدة والطرق والتجهيزات ذات المصلحة المشتركة بين الجماعات المحلية والمساهمات في المنجزات ذات الفائدة الوطنية التي تهم المجموعة الحضرية للدار البيضاء. لكن أمام التطور العمراني والديموغرافي للمدينة الميتروبولية، بات لزاما البحث عن هياكل ترابية أكثر ملائمة للتدبير الأمثل للمدينة، فوقع الاختيار على نموذج «وحدة المدينة»، ومن جملة الأهداف التي دفعت إلى تبني هذا النموذج الإداري هو إحداث نظام جديد لإدارة المدن، يكرس مبدأ وحدة المدينة المسيرة من قبل مجلس المدينة، الذي يمارس كافة المسؤوليات البلدية، وإلى جانبه تتموقع مجالس للمقاطعات بمثابة وحدات فرعية غير متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، مكلفة بتدبير «خدمات القرب» التي تخص المواطنين. وتم تطبيق نظام وحدة المدينة على المدن التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، وحددت في ست، وهي الدار البيضاء وفاس وطنجة والرباط. قبل أن تضاف مدينتان أخريتان. وتخضع، كما سلفت الإشارة، في تنظيمها وعملها للنظام العام المطبق على الجماعات الحضرية بالإضافة إلى المقاطعات. وكان الإصلاح الذي جسده (القانون رقم 00,78) قد اقتصر في تطبيق نظام وحدة المدينة في البداية على مدينتين فقط، يفوق عدد سكانهما 750 ألف نسمة، أي خاصا بالبيضاء وفاس، إلا أن الرغبة في توسيع التجربة لتشمل مدنا أخرى قادرة على تعبئة إمكانياتها والمؤهلات التي تتوفر لديها في أفق تدبير أحسن للشأن العام المحلي، يتجاوز سلبيات نظام المدن المقسمة إلى عدة جماعات، والخاضعة لنظام المجموعة الحضرية المطبق سابقا في 14 من كبريات المراكز الحضرية للمملكة، والتي أبانت تجربة العمل بها، عن تضارب وتداخل الاختصاص بين المجموعة الحضرية من جهة، والجماعات المكونة لها من جهة أخرى، وتزايد الفوارق الاقتصادية والمالية داخل المدينة نفسها، وضعف التناسق الحضري، وغياب تصور شمولي ومنسجم للتسيير والتدبير، وكذا تفتيت الموارد العمومية وهيمنة المشاريع الصغرى على حساب التجهيزات الهيكلية، ولهاته الأسباب جميعها، قبلت الحكومة مقترح إضافة مدن أخرى على أساس تخفيض عدد السكان المطلوب من 750 ألفا إلى500 ألف نسمة، وهو ما تمت المصادقة عليه في الدورة التشريعية الاستثنائية لمجلس النواب بمقتضى قانون رقم 03,01، الذي قضى بتغيير القانون 00,78 المتعلق بالميثاق الجماعي، ليشمل نظام وحدة المدينة أربعة مدن أخرى، وهي مراكش الرباط وسلا وطنجة، فضلا عن البيضاء وفاس. وبناء عليه، تم إدماج الجماعات التابعة للمجموعات الحضرية 14 السابقة (منها مكناس والقنيطرة ووجدة أكادير وتازة وتطوان...) في جماعة حضرية واحدة تخضع للنظام العام المطبق على الجماعات الحضرية والقروية، في حين تم تسيير كل مدينة من المدن الكبرى الست، وهي مدن مراكش الرباط وسلا وطنجة والبيضاء وفاس. ويذكر أن المشرع المغربي اقتبس نظام وحدة المدينة من فرنسا، الذي لا يطبقه إلا على ثلاث مدن، رغبة في تجاوز سلبيات نظام المجموعات الحضرية الذي تم العمل به في بعض المدن المغربية. هاجس الضبط على حساب التنمية كان للحركات الاحتجاجية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء منذ الاستقلال، وبالضبط من خلال إضرابات 1965 و1981 بالغ الأثر على طبيعة السياسات الإدارية والعمرانية التي تم اعتمادها. إذ تبقى تلك الاحتجاجات مؤشرا صادقا على التحولات البنيوية التي اخترقت المجتمع الحضري سواء في بنيته الديمغرافية وكذا طبيعة التجمعات السكانية التي تحتضنه. وبالعودة إلى الطريقة التي تم بها تنزيل خيار 'الديمقراطية المحلية' بالدار البيضاء، نلاحظ أن تطور التدبير الجماعي أتى دائما بشكل متجاوب مع المتغيرات الحاصلة على مستوى التركيبة السكانية أساسا، ففي الدار البيضاء انتقل عدد الجماعات من جماعة واحدة قبل اعتماد الميثاق الجماعي لسنة 1976 إلى 33 جماعة اليوم، وذلك عبر تدخل السلطة الوصية بطريقة دورية عبر آليتي التقطيع الترابي والتخطيط الحضري، وفي هذا الإطار جاء تدخل الدولة إثر أحداث 1981، إذ عمدت السلطات العمومية آنذاك إلى إعادة هيكلة المدينة وباقي المدن المغربية الكبرى بإنشاء هيأة إدارية جديدة هي الولاية المتكونة من عدة وحدات ترابية أصغر، هي العمالات التي تزايد عددها ليصل اليوم إلى 11 عمالة على مستوى جهة الدار البيضاء الكبرى، ووتيرة التزايد نفسها عرفتها الوحدات الترابية الأصغر حجما أي الجماعات التي انتقل عددها من خمس سنة 1976 إلى 23 سنة 1981 لتتجاوز، بعد ذلك، عتبة الثلاثين جماعة، هذا بالإضافة إلى التقسيم الإداري الناتج عن اعتماد نظام وحدة المدينة وما واكبه من ظهور وحدات ترابية جديدة من قبيل عمالات المقاطعات، كل ذلك المسلسل كان الهدف منه الوصول إلى تأطير ترابي يتوخى الضبط المجالي للمدن الكبرى من أجل التحكم في كل مناحيه، خاصة تلك المتعلقة بالجانب التنموي بغية التوصل إلى آليات وميكانيزمات تساعد الفاعلين على الصعيد المحلي للعمل بأكبر قدر ممكن من مقومات الحكامة الترابية الناجعة التي سنبقى دائما نبحث عنها، كما هو الحال في كل التجارب الدولية في هذا المجال. فالبعد الأمني كان حاضرا في كل مراحل تأطير المدن الكبرى، ويجب أن يكون كذلك لأنه لا يمكن أن نسقطه من الحسابات المتحكمة في معادلة التدبير المجالي، شريطة أن يتم التعامل معه في جانبه الإيجابي مع عدم التقيد بمفهومه الضيق، ولكن باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الإقلاع الاقتصادي، أي أن التعامل مع البعد الأمني في مجال إعداد التراب يجب أن يكون ضمن رؤية شمولية تدمج كل الأبعاد الأخرى الاقتصادية والثقافية وكذلك السياسية، على اعتبار أن الضمانة الحقيقية لوجود الأمن من عدمة هي الاستجابة لأكبر قدر من المطالب الاجتماعية التي ينتظر أن تتعاظم وتتشعب مع مرور الوقت، وذلك بالنظر إلى وتيرة تزايد الحجم الديموغرافي وطبيعة التحولات المتسارعة التي شهدتها الحواضر الكبرى. تحكم سلطات الوصاية في التدبير الجماعي يعمل المستشارون الجماعيون على تفعيل بنود الميثاق الجماعي، كما تم تتميمه وتعديله سنة 2009، تحت وصاية وزارة الداخلية وأطرها (ولاة وعمال وقواد وباشوات)، إذ خصصت وثيقة الميثاق الجماعي بابا للوصاية عبر الفصل 1 والفصل 2 منه. تنص المادة 68 من الميثاق على أن: «صلاحيات الوصاية المخولة للسلطة الإدارية بمقتضى هذا القانون تهدف إلى السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الإدارة»، كما تبرز المواد اللاحقة إلى حدود الفصل 77 تدخل سلطات الوصاية في جميع أنشطة ومقررات المجلس الجماعي، التي تتطلب تأشير هذه السلطة بغية نفاذها تحت طائلة البطلان، فسومة الجبايات المحلية والقروض وضماناتها وكذا اتفاقيات التعاون والتوأم، كلها صلاحيات تستدعي توقيع السلطات الوصية. وتنقسم أعمال الوصاية إلى نوعين: وهما وصاية على أعمال المجلس ووصاية على مقررات رئيس المجلس. وأمام حالة «البلوكاج» التي عرفها مجلس مدينة الدار البيضاء سنة 2010 بمناسبة التصويت على الحساب الإداري، قامت السلطة الوصية في شخص الوالي بتفعيل مقتضيات الميثاق الجماعي، وسيما الفصل 71 منه، الذي يقضي بإحالة الحساب الإداري على المجلس الجهوي للحسابات، الذي كشف في تقرير له صادر في السنة نفسها عن وجود جملة من الاختلالات في تدبير مجلس المدينة، والأمر نفسه تكرر عندما أشر الوالي على المشاريع الكبرى التي تخص مدينة الدار البيضاء، وكان أبرزها مشروع «الترامواي» الذي أشر عليه الوالي ممثلا لسلطات الوصاية. وبالرغم من اللقاءات الماراطونية التي أجراها والي الدار البيضاء محمد حلب، من أجل إقناع مكونات مجلس المدينة بأهمية المصادقة على المشاريع الكبرى من خلال عقد دورة استثنائية، والخروج من حالة الشلل التي شهدها المجلس، لم تتمكن مكونات المجلس من تجاوز هذه الحالة، خاصة أن المعارضة طالبت-آنذاك- بتحريك المادة 25 من الميثاق الجماعي القاضية بحل المجلس وتولي سلطة الوصاية تدبير شؤونه... وذلك عقب اتهام العمدة ساجد للسلطة، بعدم تحمل مسؤوليتها لضمان الأمن خلال جولات دورة فبراير سنة 2011واتهامه لبعض أعضاء المعارضة بالتشويش على أجواء الأشغال، الذين نعتهم العمدة ب«الفاشيستية»، لتتخذ سلطات الوصاية قرار ترخيص تمديد دورة فبراير مع إجرائها بشكل غير علني حتى يحضرها المستشارون وحدهم، ورغم كل هذا لم يتمكن العمدة من إنجاح الدورة وتمرير الحساب الإداري، بالرغم من تواجد ممثل السلطة المحلية خلال أشغال الدورة. خريطة سياسية مبلقنة ومنتخبون دون المستوى «هو عبارة عن صراع ديكة، ما إن تنتهي من نفش بعضها البعض حتى تعود للكواليس وتتوافق فيما بينها..»، هكذا وصف أحد المستشارين الجماعيين في حديثه ل«المساء» المكونات السياسية لمجلس المدينة و«مناوشاتها السجالية»، بمناسبة انعقاد دورات المجلس، هي صراعات لا تخرج في الغالب، إلا بتوافقات وتنازلات متبادلة تبحث عن هدنة مؤقتة، تخبو أثناءها جذوة الصراعات الناتجة عن «سياسة» الولائم «وضربو على كرشو» و»هاك وأرا» «كول ووكل» وغيرها من الأمثلة التي تؤطر ممارسة أغلب منتخبي المدينة السياسية، أكثر من خدمة التكليف الذي وضع في أعناقهم بانتخاب السكان المحليين لهم، كما تجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن طبيعة الخريطة السياسية داخل المجالس المحلية عموما لا تعكس التوافقات الماكروسياسية عبر أدوار مساندة الّأغلبية أو معارضة الأقلية...، إذ أن الرهانات السياسية على المستوى المحلي تعكس نفوذ شبكة الزبونيات وامتداداتها داخل المدينة، وهو ما يفسر تسلل جزء من رجال الأعمال والمقاولين لمجلس المدينة، سعوا أساسا إلى حماية ورعاية مشاريعهم عبر القرب من دوائر السلطة والقرار في المدينة. البلقنة السياسية في الدار البيضاء هي جزء من مشكل البلقنة بصفة عامة في المغرب ككل، فالنظام الانتخابي اللائحي لا يسمح بوجود أغلبية منسجمة، ولا يعطي لأي حزب الأغلبية التي تخوله التسيير بأريحية، وتحمل مسؤولية قرارات استراتيجية على مستوى التدبير. في مرحلة من مراحل مغرب الحسن الثاني، شكلت البلقنة السياسية التي كان يسهر عليها الملك الراحل شخصيا رفقة رجله القوي إدريس البصري سلاحا في وجه الطامعين في إزاحة الحضور الملكي من تسيير الشأن العام، كان ذلك إحدى سمات المشهد السياسي العام بالمغرب...، إلا أنه أصبح اليوم بدون معنى على المستوى المحلي، لأنه أصبح يعرقل عمل المجلس في الدار البيضاء. اليوم يقول المدافعون عن عمدة المدينة، هل يمكن أن نعلق ساجد ونحمله كامل المسؤولية وهو رهينة أغلبية غير منسجمة، تقضي جل وقتها في عقد توافقات وتقديم تنازلات، ثم لا تلبث أن تخرج للصحافة للحديث عن انتصارات حزبية ومواثيق شرف في غياب تام للمشاكل الحقيقية للمدينة، عمدة المدينة لا يستطيع عقد اجتماع في الوقت الذي يمكن أن تعرقل الفئات الصغرى والتمثيليات الحزبية الصغيرة الاجتماع وتوقفه. تشكل البلقنة السياسية في مجلس المدينة عائقا حقيقيا، ساهم فيها بشكل كبير الترحال السياسي الذي يمارسه المنتخبون بتنقلهم من حزب إلى آخر سعيا وراء امتيازات ومصالح شخصية ضيقة... كل هذه عوامل جعلت المنتخبين يدخلون في صراعات سياسية هامشية بدل الإنكباب على معالجة المشاكل الحقيقية للمدينة. وقد عرفت الفترة الممتدة بين سنة 2010 وسنة 2011 مثالا صارخا على هذه الصراعات العقيمة بين مختلف المكونات السياسية الممثلة في المجلس، انتهت بتوافقات وتقديم تنازلات على حساب مصلحة المدينة ككل، تؤكد مصادر «المساء». أما المنتخبون الذين يمثلون الأحزاب فغالبيتهم دون المستوى التعليمي والأكاديمي الذي يخولهم أن يكونوا على إطلاع وفهم للكثير من الأمور المرتبطة بالمجلس، خاصة على مستوى مالية المجلس والحسابات الإدارية التي تتطلب تكوينا وإلماما ولو يسيرا، وهو ما يغيب عن جل هذه الأطر، ويرجعه بعض المراقبين في أن الأحزاب تتنافس على التمثيل في المكتب عبر اختيار أشخاص يجلبون الأصوات بدل التنافس على اختيار وتقديم كفاءات قادرة، لها من التكوين ما يخولها النهوض بشؤون المدينة، وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي الذي انتقد بصراحة واضحة غياب الكفاءات عن الأحزاب، ولمح بطريقة ضمنية إلى أن الأحزاب السياسية دخلت في لعبة التنافس على الأصوات والمقاعد بدل التنافس على برامج وكفاءات تخدم المصلحة العليا للمدينة. منتخبون دون المتوسط في التعليم، وآخرون يلجؤون لتزوير شواهدهم التعليمية، فكيف لمدينة أن تتقدم وأمورها يسهر عليها أشخاص يزورون شواهد تثبت أنهم جلسوا على مقاعد الدراسة الابتدائية ؟ مداخيل بمليارات السنتيمات رفضت وزارة الداخلية في سابقة من نوعها، التأشير على ميزانية العاصمة الاقتصادية بعد محاولة منتخبي مدينة البيضاء الرفع من حصة المدينة من القيمة المضافة، إذ كانت هذه الحصة لا تتجاوز 37 مليار سنيتم، ورغب مسيرو الجماعة الحضرية للمدينة في رفعه إلى 50 مليار سنتيم بعد أن بدأت مصاريف المدينة تتزايد سنة بعد أخرى، متعللين بضعف المداخيل وارتفاع المصاريف، مما ساهم في رفع عجز الميزانية، لكن هل الأمر كما تم الترويج له آنذاك؟ وهل ميزانية المدينة بذلك السوء؟ أشار الملك في خطابه الأخير، إلى أن هناك مدنا لا تعاني من المشاكل ذاتها التي تعاني منها عاصمة البلد الاقتصادية رغم أنها لا تتمتع بالموارد المالية نفسها، ويجب القول في البداية إن محاولة مجلس المدينة الرفع من حصة الجماعة من الضريبة على القيمة المضافة لتصل إلى 50 مليار سنتيم، في الوقت الذي لا تتجاوز في الوقت الحالي 37 مليار سنتيم، هو أمر مشروع وطموح للرفع من جودة الخدمات المقدمة لسكان أغنى مدينة بالمغرب، لكن كيف تأتي مداخيل المدينة الأخرى وكيف يتم صرفها؟ تجدر الإشارة إلى أن الغلاف المالي المقترح لميزانية مدينة الدار البيضاء المحتملة، بلغ سنة 2013، حوالي 318 مليار سنتيم. المبلغ هو ميزانية بلدان إفريقية بأكملها، تفوقنا ترتيبا عالميا في الكثير من الأمور وعلى رأسها النظافة. إلى ذلك، كان أعضاء لجنة المالية بمجلس البيضاء قد طالبوا في وقت سابق، بالرفع من القيمة المالية المخصصة لحصة الجماعة من الضريبة على القيمة المضافة، لكن من أين تأتي مداخيل البيضاء الأخرى؟ سجلت مداخيل الجماعة الحضرية لمدينة الدار البيضاء زيادة بنسبة معدل سنوي بلغ 241، 27 مليون درهم بين سنتي 2008 وسنة 2012، إذ انتقلت المداخيل من 2.033،38 مليون درهم سنة 2008 إلى 2.699،91 مليون درهم السنة الماضية. ويلقي تقرير مجلس المدينة اللوم على القانون الجبائي الذي تم اعتماده منذ سنة 2008 في التقليص من المداخيل، لكونه ضيع على الجماعة موارد إضافية مهمة بعد أن ألغى بعض الرسوم والمستحقات، ويسجل التقرير انخفاضا في المداخيل المحصلة سنة 2012 مقارنة بالمداخيل المحصلة سنة 2011 بمقدار 95،61 مليون درهم، وهو ما يجعل نسبة الانخفاض في المداخيل سنة 2012 تصل إلى 3،42 في المائة، وذلك بسبب النقص في المداخيل المرصودة للجماعة من منتوج حصة الضريبة على القيمة المضافة التي تقلصت من 604، 49 إلى 351،45 مليون درهم. أما المداخيل المحولة وأبرز أنواعها هي الضريبة الحضرية، ضريبة الصيانة، رسم السكن، الرسم على الخدمات الجماعية، ضريبة «الباتانتا»، والرسم المهني فقد عرفت ارتفاعا بنسبة 5.24 في المائة من سنة 2011 إلى سنة 2012، وإذا كانت سنة 2008 قد سجلت مداخيل محولة بلغت 1.224،51 مليون درهم، فإنها بلغت سنة 2012 ما يناهز 1.458،72 مليون درهم، بزيادة وصلت 234،21 مليون درهم، مما يجعل المعدل السنوي للزيادة يصل إلى 1347،14 مليون درهم. الضريبة على القيمة المضافة بدورها بلغت سنة 2012 ما قيمته 351،04 مليون درهم، في الوقت الذي كانت سجلت سنة 2008 ما قيمته 310،93 مليون درهم، مسجلة معدلا سنويا يبلغ 40،11 مليون درهم. أما مداخيل الموارد الذاتية فقد سجلت ارتفاعا ملحوظا بين سنتي 2008 و 2012، إذ بلغت الزيادة 392،21 مليون درهم، ففي سنة 2008 سجلت 497،94 مليون درهم، بينما بلغت سنة 2012 ما قيمته 890،15 مليون درهم. وقد عرفت هذه المداخيل ارتفاعا بفضل الارتفاع في مداخيل الرسم المفروض على الإقامة في المؤسسات السياحية، منتوج استغلال الشواطئ، الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، الرسم على عمليات تجزئة الأراضي، رسم رفع نفايات الحدائق، بالإضافة إلى الرسم على محال بيع المشروبات. من جهة أخرى سجلت مداخيل سوق الجملة مبلغا وصل إلى 133.360.783،60 درهم مسجلا ارتفاعا عن السنة الماضية ب810.011،19 درهم وتنقسم مصادر هذه المداخيل إلى المتحصل من الدعيرة الجبائية، الرسم المفروض على مداخيل الوكلاء والتجار بسوق الجملة، منتوج كراء المحلات التجارية أو تلك المخصصة لمزاولة نشاط مهني، ومنتوج الموازين العمومية وضريبة الوزن والكيل، إضافة إلى مداخيل محلات أخرى، خاصة المراحيض التي وصلت مداخيلها 138.775،11 ، إذ ارتفعت مقارنة مع السنة الماضية بما قيمته 4.041،96 درهم. تشكل الأرقام المدرجة في الحسابات الإدارية أرقاما عامة بخصوص المداخيل المالية للمدينة، وهي أرقام لمداخيل تشكل عصب ميزانية المدينة، في الوقت الذي تلعب مداخيل أخرى دورا مهما في الموارد المالية، كالضرائب على الرخص التي تمنحها مصالح المدينة المختصة، الضرائب على الحانات والبارات، ضريبة النظافة، الضريبة على الأراضي العارية، ضرائب البناء، ضرائب التعمير، إلى غير ذلك من الضرائب التي تلعب دورا هاما في تغذية خزينة المدينة من الأموال. تفوق مداخيل الإشهار 150 مليون و290 ألف درهم، في الوقت الذي يقر فيه مستشارون بالمجلس أن السومة الحقيقية والمداخيل التي من المفروض أن يوفرها مدخول الإشهار أكثر بكثير، تصل إلى ما يقدر بسبعة ملايير. بالمقابل يجد المجلس صعوبة في تحصيل موارد مالية أخرى، وهو ما يسمى الباقي استخلاصه، ومنذ سنة 2003 يتراكم الباقي استخلاصه سنة بعد أخرى، وعجزت المصالح المختصة عن استخلاص أكثر من مليارين و693 مليون درهم من مداخليها الجبائية سنة 2011. في الوقت الذي يسجل فيه الباقي استخلاصه من الموارد الذاتية ارتفاعا بمعدل سنوي، ففي سنة 2008 مثلا عجزت المصالح المختصة على استخلاص 3.060،70 مليون درهم كمداخيل جبائية من الموارد الذاتية، في الوقت الذي وصل المبلغ سنة 2012 إلى 1371،73 مليون درهم، بينما ارتفع بنسبة 15،87 في المائة في بداية السنة الحالية. في المقابل تعاني هذه المداخيل المهمة سوء التسيير والحكامة، إذ تلتهم مصاريف تسيير الموظفين نسبة 49 في المائة من الميزانية كمصاريف إجبارية، في الوقت الذي يخصص فيه لشركات النظافة نسبة 18 في المائة، بينما لا تتجاوز نسبة تسديد الديون 3 في المائة، أما المنح المخصصة للقطاعات فتصل إلى 4 في المائة، بينما يلتهم أداء الأحكام نسبة 3 في المائة، أما مستحقات الماء والكهرباء والاتصال فتصل إلى نسبة 9 في المائة، في الوقت الذي تبلغ فيه النسبة المخصصة لمصاريف أخرى متفرقة 14 في المائة، وتعد هذه نفقات إجبارية. وترتفع النفقات الإجبارية بشكل سنوى على ميزانية الجماعة الحضرية لمدينة الدار البيضاء، لتصل إلى نسبة مقدرة ب 86 في المائة من مجموع نفقات التسيير. صفقات التدبير المفوض شهدت مدينة الدار البيضاء أول تجربة تمت بالمغرب في إطار التدبير المفوض، وذلك سنة 1997، عبر التعاقد مع «ليديك»، لتتوالى بعد ذلك صفقات التدبير المفوض بالمدينة في إطار التطهير والنظافة ثم الإنارة، ويعزو مستشارون بمجلس المدينة هذا الاختيار إلى إفلاس وكالة الماء والكهرباء بالمدينة، والشيء نفسه ينسحب على الوكالة الحضرية للنقل بالبيضاء، التي كانت في وضعية عجز متفاقم، نظرا لعدم قدرتها على أداء أجور أزيد من 2000 مستخدم، إضافة إلى تهالك أسطولها من الحافلات. فضيحة المجازر البلدية أما بالنسبة للمجازر البلدية، فقد قامت الجماعة الحضرية للمدينة بالدعوة إلى صفقة عمومية لتدبير المجازر بتاريخ ماي 2008، التي فازت بها شركة تركية، وكان من ضمن الشروط المنصوص عليها في طلب العروض أن الشركة الفائزة بالصفقة هي التي ستتحمل مصاريف الماء والكهرباء، إضافة إلى مصاريف كل ما يتعلق بغاز التبريد والاستثمارات المتعلقة بإضافة قاعة لبيع اللحوم وقاعة لبيع السقط، وكذلك الاستثمارات المتعلقة بتجديد التجهيزات والمرافق داخل المجازر وإصلاحها. لكن عند نهاية الفترة المتعلقة بتمديد عقد التسيير المفوض للمجازر البلدية لمدينة البيضاء المنتهية صلاحيته، لاحظ الاتحاد العام للمقاولات والمهن بأن جماعة الدار البيضاء قد صادقت على قانون جبائي، تنازلت من خلاله هذه الأخيرة عن مجموعة من مداخيلها، حتى تتمكن الشركة التركية صاحبة الامتياز، والتي آلت إليها الصفقة «بعد تدخل أحد المستشارين السابقين بمجلس المدينة»، من تغطية مصاريف الماء والكهرباء والغاز وكذلك الاستثمارات إلى غير ذلك من المصاريف. فمجلس مدينة البيضاء عند إعلانه عن صفقة تسيير وتدبير المجازر، اعتبر أن جميع المصاريف ستتحمل مسؤوليتها الشركة التي ستفوز بالصفقة، وفق ما ينص عليه دفتر التحملات المخصص للإعلان عن طلب العروض، وكذلك ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، والتزامات مجلس المدينة بتوصيات التقرير السنوي لسنة 2007 للمجلس الأعلى للحسابات. بالمقابل، تنازل مجلس المدينة على ما يقارب 0.69 درهم عن كل كيلوغرام تم إنتاجه داخل المجازر لصالح الشركة التركية، مع العلم أن إنتاج المجازر البلدية خلال سنة 2008 قد بلغ ما يقارب 24 ألف طن، وبالتالي فإن قيمة ما فقدته ميزانية مدينة البيضاء تم تقديره بما يقارب مليار وستمائة وثلاثين مليون سنتيم، في حين أن مجلس المدينة يؤدي قروضا تتعلق بإنجاز المجازر البلدية لبنوك أجنبية تفوق ستة مليارات من السنتيمات سنويا، في الوقت الذي يؤدي فيه مهنيو القطاع أكبر رسم عن الذبح بالمغرب يصل إلى 2.70 درهم عن كل كيلوغرام تم تهييئه داخل المجازر. ينضاف تجاوز خطير، وهو أن الشركة التركية التي حصلت على الصفقة الجديدة، لم تقم بوضع الضمانات الواجب إيداعها بالخزينة الجماعية قبل بداية العمل، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد إلى مراسلة وزارة الداخلية في هذا الأمر. امتياز شركة «ليديك» صادق مجلس مدينة الدار البيضاء سنة 2008 على النسخة المعدلة لعقدة التدبير المفوض لمصالح توزيع الماء والكهرباء والتطهير المعروفة، التي آلت لشركة ليديك، وذلك حين صوت قرابة 43 مستشارا لصالح العقدة مقابل 7 مستشارين رفضوا تجديدها، حين عارض مستشارو العدالة والتنمية تجديد العقدة مع الشركة نفسها، قبل يرضخوا بعد «ضغوطات كبيرة» مورست عليهم. وكانت العقدة الأصلية التي منحت لشركة «ليديك» امتياز تدبير مصالح توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل في البيضاء قد وقعت سنة 1997، ورغم تنصيصها على مراجعة مقتضيات اتفاقية التدبير المفوض كل خمسة أعوام، فإن تلك المراجعة لم تتم إلا سنة 2008، بعد المظاهرات والاحتجاجات التي عرفتها البيضاء العام سنة 2007، بسبب إقدام الشركة على الزيادة في تسعيرة الخدمات. قام مجلس المدينة، قبيل تجديد العقدة مع شركة «ليديك» بتشكيل لجنة مكونة من كل الأحزاب السياسية الممثلة داخل المجلس لمتابعة التفاوض مع الشركة، ورفعت اللجنة تقريرها إلى وزارة الداخلية في شهر نونبر 2008، كاشفة عن عدد من التجاوزات من طرف الشركة، وعدم احترامها لما هو متضمن في اتفاق الامتياز، ومن جملة تلك الخروقات التي وقفت عليها اللجنة، نجد قيام شركة «ليديك» بتوزيع الأرباح على المساهمين قبل انتهاء مدة عشر سنوات المنصوص عليها في العقدة، ناهيك عن التماطل في إنجاز الاستثمارات التي التزمت القيام بها. قطاع النظافة بمجرد انتخاب مجلس مدينة البيضاء في منتصف أكتوبر 2003، تم الإعلان عن طلبات عروض دولية لتدبير قطاع النظافة بالمدينة يوم 28 نونبر 2003. ودخلت حلبة المنافسة لتدبير القطاع ست شركات، وتم اعتماد تقنية التنقيط على سلم 70 نقطة، الذي يعني أن كل شركة لا تتوفق في جمع 70 نقطة يكون مصير ملفها هو الإبعاد عن المنافسة، وبالفعل تم إقصاء ثلاث شركات، فيما تجاوزت سقف السبعين نقطة ثلاث شركات هي «سيجيدما»، و»تيكميد»، و»سمارت كولكت» أو» سيتا البيضا» التابعة لشركة «ليديك»، وتم تقسيم مدينة البيضاء إلى خمس مناطق، المنطقة الأولى تشمل أحياء سيدي بليوط، أنفا، مولاي يوسف، لمعاريف، بسكان يقدرون ب536 نسمة، وينتجون ما يفوق 976 ألف طن من النفايات، وقد فازت بتدبيرها شركة «سيتا البيضاء». أما المنطقة الثانية فتضم أحياء بوشنتوف، ومرس السلطان، والفداء الإدريسية، والصخور السوداء والمشور، بسكان يصل تعدادهم إلى 479 نسمة وينتجون 195 ألف طن من النفايات. وفازت بصفقة تدبيرها شركة «تيكميد». أما المنطقة الثالثة فتضم أحياء عين الشق، سيدي معروف، وليساسفة، وقد حازت على تدبير نفاياتها شركة «سيجيديما». وتضم المنطقة الرابعة أحياء الحي المحمدي، عين السبع، البرنوصي، بسكان يصلون إلى 517 ألف نسمة، وينتجون ما مجموعه 151 ألف طن من الأزبال، وقد فازت بتدبيرها شركة «تيكميد»إضافة إلى المنطقة الثانية، فيما المنطقة الخامسة والتي تضم أهم الأحياء الشعبية بالمدينة مثل ابن امسيك، وسيدي عثمان، السالمية، مولاي رشيد، سباتة، سيدي مومن، أهل لغلام بسكان يتجاوزون 828 نسمة وينتجون أزبالا تتعدى 227 ألف طن، لم تقدم فيها أي شركة من الشركات الثلاث عرضها، فكان لزاما الوصول إلى حل، وبعد مفاوضات وتسويات تم التوصل إلى حل يقضي باقتسام المنطقة بين الشركات الثلاث. محمد بورحيم*: تسلحنا بالخطاب الملكي لاتخاذ قرارات كان هناك من يرفضها في السابق - بعد الخطاب الملكي، عقد المجلس عدة اجتماعات واتخذ مجموعة من القرارات، هل كنتم تنتظرون الخطاب الملكي للإنكباب على معالجة مشاكل المدينة؟ في كل مجال، هناك أناس يشتغلون بصدق ونية وأناس لا يشتغلون، نحن اعتبرنا أن الخطاب الملكي الأخير وتناوله لمدينة الدار البيضاء تشخيصا دقيقا لأوضاع المدينة، جاء في وقته وكان ضروريا كي يتحرك المجلس ويتخذ قرارا ت جريئة، واليوم، جاء وقت للقرارات الجريئة والعملية للخروج بالمدينة من الوضعية الراهنة. كما جاء الخطاب الملكي حاسما وموجها لأناس يعرقلون عمل المجلس، يقول في حقهم المثل الدارج إنهم يضعون «العصا فالرويضة»، لذلك كان الخطاب فرصة ليستيقظ هؤلاء من سباتهم والإنكباب على العمل، كما تجدر الإشارة إلى اهتمام الملك بالمدينة، وهو اهتمام يهدف إلى جعل الدار البيضاء قطبا ماليا بتنافسية عالمية، لكن لإنجاز ذلك، يجب توفر مجموعة من الأمور، على رأسها الحكامة الجيدة المناطة بالمنتخبين، والسلطات المحلية، والمصالح الخارجية القطاعية أيضا. فالملك محمد السادس أشار في خطابه إلى تدخل هذه الأخيرة، إذ يجب على الجميع التدخل، كي تصل مدينة الدار البيضاء إلى تحقيق هذا الهدف. وهو أن تصبح قطبا ماليا بتنافسية عالمية ودولية. - ما الذي أوصل المدينة إلى هذه الحالة حتى ينتقد تسييرها الخطاب الملكي؟ مشكل الدار البيضاء كما يعرفه الجميع، هو أن المدينة كانت تعيش مرحلة «بلوكاج» لمدة سنتين، وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي بوضوح، وتتجلى أساسا في الصراعات العقيمة بين مكونات المجلس السياسية، لذلك فمشكل المدينة الأبرز هو هذه الصراعات السياسية العقيمة، التي تحد من فرص الانشغال والإنكباب على مشروع واضح، استجابة لمضامين الخطاب الملكي حول خلق مدينة متكاملة ذات تنافسية عالمية وقطب مالي عالمي، وبالتالي هي دعوة لكل المكونات السياسية الممثلة بمجلس المدينة لنبذ الصراع العقيم، ووضع خريطة طريق للاشتغال عليها. - بعيدا عن الصراعات السياسية، ألا تتوفر المدينة على مداخيل قادرة على تنميتها؟ مداخيل مدينة الدار البيضاء الحالية لا تكفيها، إذ لا تغطي مصاريف التجهيز والتسيير، المدينة هي قاطرة للمغرب، بمعنى أن الدولة يجب أن تساهم في مداخليها، وأعطي مثالا على تكاليف المشاريع الباهظة، فمخطط التنقل الحضري يضم أربعة خطوط «ترامواي» وخط مترو وخط قطار معلق، بتكلفة إجمالية تصل إلى ميزانية 54 مليار درهم، وهي تكلفة تمثل 25 في المائة من ميزانية المغرب ككل، إضافة إلى الطرقات، والأنفاق، إلى غير ذلك من المخططات التي تتطلب أمولا طائلة، إذ تعجز ميزانية الدار البيضاء وحدها عن إنجاز كل تلك المشاريع العملاقة. لكن هذا لا يمنع كون المدينة يلزمها أن تشتغل على تطوير مداخيلها، التي يجب أن تفوق أربعة أو خمسة ملايير درهم كي تتمكن من تنفيذ المخططات والمشاريع، كما أن ميزانية الدار البيضاء تنفق من 44 حتى 50 في المائة على الموظفين، فهل توجد مؤسسة في العالم تسير بخمسين في المائة من ميزانيتها. وقد أشرنا في العديد من المناسبات إلى ذلك، لكن، من دون نتيجة وهذا، ناتج عن تراكمات مند سنوات، وقد قمنا بتقديم مقترحات في هذا الباب للوزارات الوصية (المالية والداخلية)، لكن للأسف، لم يكن هناك تفاعل إيجابي مع مقترحاتنا، وهم مطالبون بتقديم المساعدة والتخفيف عن ميزانية المدينة من الضغوطات التي تعاني منها. - لكن هناك مداخيل تحرم منها مدينة البيضاء بسبب غياب قرار سياسي قوي، عقود كراء بسومة غير عادية في الوقت الحالي، ما العائق أمام تجديدها؟ كما أن المدينة لديها أملاك خارج المغرب يجهلها المجلس نفسه؟ كان هناك من يرفض أن تتخذ مثل هذه القرارات، لكن اليوم اتخذ مباشرة بعد الخطاب الملكي، قرار مراجعة جميع الاتفاقيات وعقود الكراء والاستغلال القديمة، وكانت هناك لجنة للمرافق العمومية التي اشتغلت لمدة سنة على ذلك، والآن صبحت هذه الملفات جاهزة، وتم اتخاذ قرار داخل المكتب بالتسلح بالخطاب الملكي، وأصبح الجميع مستعد، يتخذ مثل هذه القرارات، أما من يرفض تنفيذ القرار فيجب أن يتحمل مسؤوليته، وبخصوص ما يقال عن أن المدينة تتوفر على ممتلكات خارج المغرب فهذا الأمر غير صحيح، إذ لا توجد أملاك لمدينة الدار البيضاء خارج المغرب. - تستنزف منح الجمعيات ميزانية المدينة، هل يشكل ذلك نوعا من «الريع الجمعوي»؟ طبعا، هناك مشكل «الريع الجمعوي»، وتم اشتراط دفتر التحملات للحصول على المنح، كي تتم مراقبة أين تصرف أموال الدعم المقدم. فاليوم تغيرت الأمور، وعلى أساس دفتر التحملات سوف يتم تقديم منح الدعم للجمعيات مستقبلا، وكل جمعية امتثلت لشرط دفتر التحملات، والتزمت به ستستفيد من الدعم، وكل جمعية لم تستجب لشرط دفتر التحملات لن تستفيد من الدعم. * نائب عمدة مدينة الدار البيضاء فيلات فاخرة بأثمان رمزية طالما نددت الفرق السياسية بمجلس المدينة بالتفويت «غير المقنع» لعدد من الفيلات الفاخرة بأثمنة لا تعكس قيمتها الحقيقية. إذ كشفت وثيقة أعدها الفريق الحركي بمجلس المدينة عن وجود 48 فيلا بالدار البيضاء، في كل من شوارع (المسيرة، راسين ، الزرقطوني، عبد المومن، ابن تاشفين ..)، 21 فيلا منها مكتراة ب 250 درهم شهريا، في الوقت التي تتراوح مساحتها ما بين 250 و300 متر مربع، علما أن المتر المربع الواحد بتلك المناطق، يصل إلى 30 ألف درهم ، والأمر نفسه ينسحب على 15 فيلا جماعية تقع بزنقة كولميمة، إضافة إلى فيلات بشارع الزرقطوني وشارع عبد المومن وشارع ابن تاشفين وفيلات أخرى يستغلها أطر شركة «ليدك» منها الفيلات الموجودة وراء محطة الضخ بشارع مكة. تنضاف 12 فيلا بزنقة «ماسكارا» تبلغ مساحة كل واحدة منها 507 متر مربع، يستغلها موظفون سابقون متقاعدون، يجهل لحد الآن نوعية العقود التي تربط هؤلاء بالجماعة، وكشفت الوثيقة المذكورة وجود مختبر للتحليلات الطبية بحي بلاطو يشغل مساحة تقدر بحوالي 13 ألف متر مربع، يجهل لحد الآن المستفيد منه وطريقة استفادته0 محطات بنزين على عقارات جماعية ظل عقار شاسع، يقع قبالة سوق الجملة للخضر والفواكه على شارع إدريس الحارثي، الذي تعود ملكيته للمجلس الجماعي، عبارة عن أرض خلاء لسنوات، إلى أن قرر عبد السلام قويدر الرئيس الراحل والسابق لجماعة سيدي عثمان التوقيع على عقد بيع العقار (مساحته 2646 متر مربع) لشركة خاصة بهدف إنشاء مركب تجاري فندقي، وتم البيع فعلا، على أساس مبلغ 264 مليون سنتيم. وكشفت مصادر من داخل مجلس المقاطعة ل «المساء» أن المستفيد قام من جانبه بمنح شركة معروفة لتوزيع المحروقات، الحق في استغلال القطعة الأرضية، وتغيير معالمها إلى محطة وقود ومقهى ومطعم وقاعة للأفراح . وقع المتعاقدان نفسهما مرة أخرى، على عقد كراء قطعة أرضية أخرى لصالح شركة ثانية مساحتها 3 آلاف متر مربع، بجوار المجزرة البلدية، الذي نص على سريانه لمدة ثلاثين سنة قابلة للتجديد، وحدد ثمن الكراء في مليوني سنتيم شهريا، كما نصت فصول العقد أيضا، على أن العقار لن يضم سوى محطة وقود ومطعم وقاعة للصلاة. لكن، في سنة 2008 انتقلت إلى محطة الوقود، لجنة معاينة سجلت عدة خروقات وتجاوزات، عند حلولها بالمشاريع المشيدة فوق العقارين، وهو الأمر الذي دفع بالرئيس الحالي لمقاطعة سيدي عثمان إلى مراسلة رئيس المجلس الجماعي للمدينة محمد ساجد، أخبره عبرها بتجاوزات مستغل المحطة للمساحة المرخصة، وتراميه على أجزاء أخرى تناهز 3000 متر إضافية، دون ترخيص ولا سند قانوني، وكذا تماطله في أداء واجبات اللوحات الإشهارية والواجبات الجماعية، لكن بالرغم من الوقائع التي تضمنها محضر المعاينة، فإن العقدين مازالا ساريين ولم يتعرضا لأدنى مراجعة. ميزانية تضاهي ميزانيات بلدان إفريقية أغلب سكان المدينة يشربون مياها صدئة، يتزاحمون كل صباح على شاحنات نقل عمومية لشركات تعهدت عند توقيعها للعقود مع مجلس المدينة على احترام كرامة المواطن البيضاوي، وتوفير حافلات كافية وظروف نقل ملائمة، والتزام باستثمارات في مجال النقل بملايين الدارهم، يعانون من أكوام قمامة تزكم الأنفس وتنافسهم في الطرقات وأمام بيوتهم، يدفعون فاتورات خيالية ل«ليدك»، إذ احتج الكثيرون منهم على غلائها لكن دون جدوى، وكأنها صيحة في وادي.. تلجأ أغلب المنظمات التي تهتم بتصنيف البلدان في مؤشر السعادة أو الرفاه الاجتماعي عند إعداد تقاريرها، إلى الدار البيضاء كمقياس لباقي المدن المغربية، مؤشر السعادة العالمي، الرخاء الإجتماعي، مؤشر التنمية البشرية، كلها تقارير تعتمد الدار البيضاء بإعتبارها أغنى وأكبر مدينة في المغرب، وكل الرتب التي يحصل عليها المغرب تلعب وضعية البيضاء دورا حاسما فيها. لكن للأسف، تراجعت جودة الحياة في البيضاء منذ أزيد من ثلاثة عقود، بشكل ملموس نتيجة للتزايد الديمغرافي الناتج أساسا عن الهجرة، وغياب التخطيط المصاحب للحاجيات المتزايدة، إضافة إلى «قلة يد» المنتخبين المحليين، كلها عوامل جعلت البيضاء تدق ناقوس الخطر، سواء عبر مؤشرات التلوث في الهواء الذي يفوق المعدل المتعارف عليه بأربع مرات، كما كشفت ذلك محطات مراقبة جودة الهواء التي وضعت بقلب المدينة سنة 2004. «ذهب» ممتلكات المجلس الجماعي تتنوع الممتلكات الجماعية لمدينة الدار البيضاء، من حمامات وفيلات ونوادي سياحية وترفيهية، وحلبات للفروسية والكولف، إضافة إلى قاعات أفراح ومحلات تجارية أوسكنية، لكن يبقى المشترك بين تلك الممتلكات هو طريقة استغلالها التي يطبعها التسيب وغياب أي إشراف من لدن المصالح الجماعية المختصة، سواء على مستوى المقاطعات التي تحتضن تلك الممتلكات أو على مستوى مجلس المدينة الذي آل إليه الإشراف على تلك الممتلكات. حاولت لجنة مختصة داخل مجلس المدينة حصر ودراسة الوضعيات القانونية لتلك الممتلكات، فاصطدمت بجدار قوي، يمثله النافذون و»المحظوظون» الذين يستغلون تلك الممتلكات، لكن يبقى عملها مهما، إذ حاولت جرد وحصر تلك الممتلكات في دراسة، يؤكد لنا المستشار الجماعي عبد الحق مبشور أن الممتلكات التي تتضمنها تلك الدراسة لا تشمل إلا 12% من الممتلكات، وذلك نظرا لعدم توصل اللجنة من رؤساء المقاطعات والمصالح التابعة لها بلائحة الممتلكات في كل مقاطعة على حدا وكذا عقود استغلالها، التي انتهت صلاحية معظمها ومازال الاستغلال غير الشرعي قائما لمرافقها. اللجنة المكلفة بالممتلكات والعقود حددت تاريخ 16 شتنبر القادم للبت في جميع القرارات المتعلقة باستغلال الملك العمومي. «جنة» عين الذئاب هو عبارة عن مركب سياحي وترفيهي يسمى «ليدو» المعروف باسم (برادايز)، ففي يونيو من سنة 2001، تم توقيع عقد كراء هذه المنشأة السياحية الضخمة التي تقع المساحة الإجمالية لمرافقها في 29 ألف متر مربع مع الشركة المسيرة «بلان سييل» التي مثلها عبد الإله أكرم رئيس نادي الوداد البيضاوي. نصت بنود العقدة على استغلال الشركة لهذا المركب لمدة عشر سنوات، مقابل التزام الشركة باستثمارات تصل إلى 3 ملايير درهم، من أجل تجديد وإضافة تجهيزات عصرية بالمركب، أما السومة الكرائية للعقد فتحددت في 135 مليون سنتيم سنويا. وفي سنة 2003تقدمت شركة «بلان سييل» بعرض لبناء فندق من خمس نجوم، على مساحة 2270 متر مربع بداخل المركب، وكذا بناء موقف للسيارات من طابقين تحت الأرض، مع تهييء سطحه بمنطقة خضراء، وبالمقابل طالبت الشركة تمديد عقد الكراء ليصبح 45 سنة، وبالفعل تمت المصادقة على القرار على أساس سومة كرائية تقدر ب 136 مليون سنتيم سنويا إلى غاية 2011 و 180 مليون سنتيم سنويا حتى 2016 ، فيما ستنتقل إلى 225 مليون سنتيم سنويا إلى غاية 2021 . إلا أن المثير هو المصادقة الاستعجالية على مطلب الشركة بتمديد مدة الاستغلال إلى 45 سنة، بالرغم من عدم التزامها بتنفيذ الاستثمارات والمتعلقة ببناء فندق من خمس نجوم أو تطوير مرافق الفضاء السياحي، وهو الأمر الذي حدا باللجنة الإقليمية للتقييم بتاريخ 14 فبراير 2013إلى مراجعة العقد وتحديد سومة كرائية جديدة للمركب الاصطيافي والسياحي «الليدو»، وقررت لجنة التقييم الإقليمية رفع مبلغ السومة الكرائية إلى 50 مليون شهريا، بعدما كانت لا تتجاوز 135 مليون سنتيم في السنة. مقهى تاريخي ب750 درهما شهريا هي عبارة عن بناية، تضم مقهى ومطعم شهير يحمل اسم «السقالة» يعانق أمواج المحيط تعود إلى عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وتم تحديد سومتها الكرائية في 750 درهما شهريا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، بمقتضى عقد مبرم بين المجموعة الحضرية وشركة «ريسطو برو» وقعه كل من والي الدار البيضاء الأسبق إدريس بنهيمة ورئيس جماعة سيدي بليوط سابقا سعد العباسي، وذلك في دجنبر من سنة 2001. وفي سنة 2010، انتهى مفعول العقد، لكن استغلال الشركة المذكورة مازال ساريا، ولكراء هذا المرفق وفق شروط كناش تحملات جديد، اجتمعت اللجنة الإقليمية بتاريخ 14 فبراير 2013، وحددت سومة كرائية جديدة قيمتها 10 آلاف درهم شهريا عوض مبلغ 750 درهم شهريا، لكن تفعيل تلك المقتضيات مازال عالقا إلى اليوم لأسباب غير معلومة. سرطان الريع الجمعوي ترسم الأرقام الصادرة بخصوص عدد الجمعيات الناشطة بالدار البيضاء وأيضا مبالغ الدعم المالي المخصص لها، صورة وردية عن العمل الجمعوي بالمدينة، في الوقت الذي يكذب واقع المدينة ذلك. مئات الجمعيات تستفيد من ملايين الدراهم في الوقت الذي يبقى تأثيرها على حياة سكان المدينة محدودا، فكيف تشتغل هذه الجمعيات؟ جمعيات تابعة لشخصيات نافذة في المدينة، جمعيات غالبية أعضاء مكاتبها من العائلة الواحدة نفسها، جمعيات يرأسها مستشارون ومنتخبون بالمجلس ذاته، في الوقت الذي تعتبر الجمعيات التي تشتغل بمهنية قليلة في وسط هذا الكم الهائل من الجمعيات. وتكشف مصادر «المساء» أن عددا كبيرا من هذه الجمعيات لا تقدم أي تقارير ملموسة حول سبل صرف الدعم الذي توصلت به، ورغم ذلك لا ينقطع صنبور الدعم عنها، في الوقت الذي تكتفي جمعيات أخرى بإرسال بضعة صور لتبرير صرف ما توصلت به من دعم. إضافة إلى جمعيات مكاتبها تتشكل من أفراد العائلة الوحيدة هناك جمعيات يقف وراءها مستشارون جماعيون في ظل فراغ قانوني يمنع ذلك، وشخصيات بارزة بالمدينة اسمها فقط هو من يحدد كمية الأموال التي تستفيد منها في إطار الدعم، في الوقت الذي لا تستفيد جمعيات تشتغل في محاربة الأمراض من الدعم نفسه رغم أن نشاطها فعال. كما يشهد المجال الجمعوي بالمدينة موجة كبيرة من تجارب الاستنساخ، إذ يلجأ بعض النافذين وأصحاب المشاريع الاقتصادية إلى تأسيس وإنشاء جمعيات مشابهة لجمعيات أخرى، فقط إرضاء لنزوات شخصية في تضييق الخناق. وتكشف الأرقام الرسمية بخصوص الأموال المقدمة في إطار الدعم المقدم للجمعيات عن «سرطان» حقيقي ينخر مالية المدينة في الوقت الذي تغيب فيه آليات المراقبة. ففي سنة 2010 تم تخصيص 4 مليارات و 200 مليون سنتيم لدعم الجمعيات بمختلف أنشطتها. بلغ ما قدم للجمعيات الاجتماعية للموظفين من الدعم 2400000،00، في حين وصلت إعانات المؤسسات الخيرية العمومية 1600000 درهم، فيما جمعيات أخرى توصلت ب 7000000 درهم، والجمعيات الثقافية ب 12000000 درهم وفي الوقت الذي توجد فيه جمعيات لم تتوصل بالدعم لأكثر من سنتين رغم تقاريرها الموثقة عن أنشطتها في مجالات حيوية تخص بالأساس صحة البيضاويين، تكشف مصادر «المساء أن هناك جمعيات تستفيد من الدعم المالي بملايين الدراهم لشراء صمتها وتجنب غضب الساهرين عليها. يذكر أن والي المدينة رفض المصادقة على طلبات الدعم التي تقدمت بها العديد من الجمعيات، بسبب تواجد أكثر من عضو من العائلة نفسها في مكتبها الإداري، إذ تهيمن العائلة على الإدارة وتحتكرها فيما بين أعضائها دون السماح بتداول ديمقراطي بين باقي الأعضاء في الجمعية. وأمام تصاعد أصوات الاحتجاج المنددة بالريع الجمعوي في المدينة فرضت الجهات المختصة على كل جمعية ترغب في الحصول على الدعم السنوي أن تتقدم بدفتر تحملات، تلتزم فيه بمشاريع تنوي إنجازها وأنشطة ترغب في القيام بها، كما اشترطت الجهات التي تشرف على تقديم الدعم أن تكون المشاريع التي تتقدم بها هذه الجمعيات موجهة لمعالجة مشاكل اجتماعية، ثقافية أو اقتصادية، وأن تساهم في تحسين حياة سكان الدار البيضاء. لكن في غياب آليات مراقبة جادة من الجهات المختصة وشروط دعم ملزمة، تبقى هذه الإجراءات شكلية ولن توقف نزيف الريع الجمعوي. احتلال الملك العمومي يضيع احتلال الملك العمومي للمدينة من طرف الباعة المتجولين والمقاهي المنتشرة في جل أحياء المدينة وشوارعها الرئيسية مبالغ مالية مهمة تقدر بملايير السنتيمات، إذ تغيب مثل هذه الأموال عن مدا خيل الجماعة الحضرية للدار البيضاء، مع غياب استراتجيات جادة لإيجاد حلول للظاهرة، والاكتفاء دائما بحلول ترقيعية موسمية تقوم بها السلطات بمناسبة الزيارات الملكية، وتوسل الباعة بعدم احتلال الشوارع الكبرى التي يمر منها عادة الموكب الملكي... من الحلول التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة كحل لمشكل الباعة المتجولين هي الأسواق النموذجية الصغيرة، لكنها سرعان ما طالتها يد المحسوبية والزبونية لتبقى محدودة النتائج، كما وقع في جماعة سيدي مومن حيث يداوم حاليا عشرات من أبناء المنطقة من الباعة المتجولين على الاحتجاج بشكل مستمر ضدا تمتيع أبناء مناطق أخرى وأشخاص لم يكونوا يوما باعة متجولين بدكاكين في السوق النموذجي وإقصاء الباعة المتجولين من أبناء المنطقة. وأصبح معتادا في جل شوارع المدينة منظر عشرات «الفراشة» والباعة المتجولين الذين أصبحت أعدادهم تقدر حسب مصادر على إطلاع بالملف بأكثر من 90 ألف في المدينة ينتشرون في الأحياء الرئيسية، كما لا تخلو الأحياء السكنية منهم، يتراوح رأسمالهم المالي بين 1000 و 3500 درهم، وهي مبالغ ضعيفة لا تخلق فارقا حقييقا ولا تشكل عنصرا حيويا قد يتطور مستقبلا لنقل صاحبه من بائع متجول إلى تاجر قار، قادر على دفع ضرائب قارة وهي تجربة معتمدة في مجموعة من البلدان. وتشهد أحياء سكنية كالبرنوصي وسيدي مومن، ومناطق أخرى أبرزها كراج علال ومرس السلطان احتلالا للطرقات الرئيسية، لدرجة تشل معها حركة السير في نهاية الأسبوع كما في المناسبات والأعياد، إذ يعمد الباعة المتجولون والفراشة إلى نشر وعرض بضائعهم وسط الطريق، وهو مايدفع مستعملي الطريق إلى تغيير الإتجاه بحثا عن منفد لم يحتله بعد الباعة المتجولون. فوضى احتلال الملك العمومي والترامي عليه لم تقتصر فقط على الباعة المتجولين ومن يعرفون ب»الفراشة» بل امتد الأمر إلى المقاهي والمحلات التجارية التي جعلت من المساحات التي تتواجد أمامها امتدادا لمقاهيها، ولم يتردد الكثير من أصحاب هذه المقاهي في جعل هذه المساحات ملحقات لمقاهيهم، حيث ينشرون كراسي وطاولات لجلوس زبنائهم. وتقدر نسبة المقاهي التي تتطاول على الملك العمومي في المدينة إلى أكثر من 40 في المائة من مجموع المقاهي المتجاوز لأكثر من 13 ألف مقهى منتشرة على مختلف أحياء ومناطق المدينة. في الوقت الذي تؤكد مصادرل»المساء» أن النسبة أكبر بكثير من 40 في المائة. وسبق للوالي السابق للمدينة إدريس بن هيمة سنة 2002 أن شن حملة على المحتلين للملك العام، لكنه اصطدم بشخصيات نافذة في المدينة التي استاءت من تضرر مصالحها. بعد رحيل بن هيمة اتخذت حملات تحرير الملك العمومي طابعا موسميا تقوم بها السلطات المختصة لتحرير الملك العمومي، بالرغم من أن القانون يلزم السلطات المختصة القيام بمراقبة دائمة لمدى احترام بنود هذه العقود، وفي كل حملات المراقبة التي تقوم بها، غالبا ما تصادر كراسي وطاولات المقاهي المترامية على الرصيف أو الطريق العام ونقلها إلى المحجز البلدي. وسبق لتقرير المجلس الأعلى للحسابات أن وقف على العديد من الخروقات التي تطال رخص استغلال الملك العمومي بالمدينة كما رصد بعض المبالغ المالية الطائلة التي تحرم منها المدينة بسبب سوء التسيير وضعف الحكامة، وأيضا غياب المراقبة والحيطة فيما يخص تلك الاتفاقيات.