الاختلاف في الرأي والتصور والتحليل وفي مقاربة القضايا التنظيمية والسياسية أمر مشروع، بل هو من مقومات دمقرطة الحياة السياسية وأحد مستلزمات تطورها، لكن دون أن يتحول الحق في الاختلاف وحرية التعبير إلى معول للهدم من خلال تبخيس الرأي الآخر والحط من قيمة من يخالفنا الرأي وجعل التعيير السياسي ممارسة يومية على صفحات جرائد بئيسة لا هم لها إلا اللعب على الحبال ولا وظيفة تبتغيها سوى النفخ في الخلافات والتشهير بالزعامات السياسية بحثا عن مزيد من الزبناء الذين تستهويهم صحافة الإشاعة والإثارة في زمن انحطاط القيم السياسية وتنفيذا لأجندة من سعوا إلى تبخيس العمل السياسي وتأييس عامة الناس في أي مشروع سياسي ينقل بلدنا إلى مصاف الدول الديموقراطية الحديثة ولعل مادهى الحقل السياسي الوطني منذ إجهاض تجربة التناوب والتداعيات السلبية لذلك على المناخ السياسي العام لبلادنا نتيجة الإحباط الذي أصاب المواطن العادي المتطلع إلى التغيير،شيوع خطاب سياسي يزرع الشك والريبة في كل مبادرة، في الأحزاب والنقابات، في الأغلبية والمعارضة، في الصديق والأخ والرفيق لدرجة أن البعض لم يعد قادرا على إنتاج ولو جملة مفيدة تسهم في البناء وزرع الأمل..فالآخر وإن كان حليف الأمس القريب يتحول في رمشة عين إلى خائن وجاهل ومستبد ولا يستحق الموقع الذي هو فيه..إنه شيطان رجيم وجب رجمه وبداية الرجم كلام لا يحكمه منطق داخلي ولا تزكيه حقائق موضوعية. نماذج هذا الخطاب العدواني كثيرة لايستثنى منها لا اليسار ولا اليمين لا العلماني ولا الإسلاموي، مما يؤشر على ضحالة فهم كثير من زاعمي الزعامة لرسالة السياسي ولدور من يتوهم الريادة. فهذا رئيس حكومة يوزع اتهامات خطيرة على معارضيه كان بعضهم بالأمس القريب حليفه الأساسي وشريكه الأبرز في مشروع الإصلاح ومحاربة الفساد، بينما كان حريا به، احتراما لاختصاصاته الدستورية أن يحيل ملف تهريب الأموال ونهب المال العام على النيابة العامة وحين ذاك سيكون موضع تقدير واحترام. ومرة يصرح وزير الحكامة، والحكمة منه براء، أن كل معطيات المندوبية السامية للتخطيط مجرد لغو وافتراء ولا صدقية لها، متناسيا غفر الله له أنه مجرد وزير لقيط لا لون له ولا طعم وقصصه الطريفة والسخيفة مع المغاربة تنبأ عن تفاهته. وعلى الضفة الأخرى يختار محسوب على قيادة حزب تقدمي أسوأ الأوصاف وأحط الألفاظ لهجاء من كان يقاسمه قبل شهور نفس الاقتناعات الفكرية والخط السياسي،ويؤازره في التدافع من أجل قيادة حزب جمع بينهما عقودا من النضال. إنها لعمري علامات على الانحطاط الفكري وبؤس الممارسة السياسية وأنه لشيء محزن أن يختار كل هؤلاء الحطيئة مثالا يقتدى به في مواجهة من يخالفه الرأي أو الموقف. والأنكى من ذلك أن تعلق الأمر بمن يعتبر نفسه تقدميا حداثيا ديموقراطيا متشبعا بفلسفة الأنوار يتقن كل لغات العالم الحر ويرمي غيره بالجهل والاستبداد والعمالة. في الواقع لا أجد تفسيرا موضوعيا مقنعا لكل هذا العنف اللفظي مما يحيلنا على علم النفس المرضي لعله يقدم لنا بعض عناصر فهم سيكولوجية منتجي هكذا خطاب. هناك فرضية مفادها أن العنف رمزيا كان أم ماديا هو نتاج الشعور بالدونية والمعاناة من مأزق وجودي عنوانه العجز عن تحقيق الذات على نحو سليم، ومن ثمة العمل على تحطيم الأخر ولو على مستوى التوهم والتخيل. وحينما تسود العدوانية تتعذر السياسة البناءة الهادفة إلى تغيير الواقع بدل خوض حروب دنكشوطية فمن يزرع الريح يحصد العواصف