خميس أسود، ذاك الذي عاشه أفراد أسرة الطفلة(ش) التي لم تتجاوز- بعد - ربيعها الخامس عشر بعد أن انتظروا طويلا عودتها من المدرسة التي لا تبعد كثيرا عن البيت. كانت (ش) مريضة وتحظى بعناية خاصة من لدن والديها، بسبب خضوعها لعدة عمليات حين كانت رضيعة، حيث تطلب علاجها استئصال إحدى كليتيها بالإضافة إلى اللوزتين، فضلا عن عمليه أخرى أجريت لها على الأنف. كانت مخاوف الأسرة تزداد دون أن يخطر ببال أحد من أفرادها أن الطفلة في تلك الساعات بين براثن ذئب بشري في مقتبل الشباب اصطاد فريسته واحتجزها بالبيت بعد أن اغتصبها بالقوة غير مبال بصراخها ولا بتوسلاتها.. وما كان له أن يفعل هو الذي اعتاد فعل الزلات التي تعقبها تدخلات والدته التي تنتشله أمه منها بنفوذها ومالها؟ حينما يتواطأ المطر مع القدر في مساء يوم الخميس ما قبل الماضي، خرجت (ش) من المدرسة في الساعة السادسة. كان المطر يهطل بقوة، ودون توقف، فتبللت ملابسها هي زميلتها التي كانت ترافقها في طريق العودة إلى البيت، مما دفعهما للبحث عن مكان للاحتماء، حيث التجأتا إلى مكان يقع بين المدرسة والمسجد، على أن تستأنف مواصلة طريقها للمنزل بعد أن تخف حدة المطر. غير أن زميلتها سرعان ما ودعتها بعدما أخبرتها أنها تركت معطفها عند زميلة ثالثة وأنها ستمضي لاسترجاعه على وجه السرعة قبل العودة إلى البيت. بقيت (ش) لوحدها، حيث بدأت «الأقدام تخف» من حولها؛ فالسماء غاضبة والمطر يهطل بغزارة، والكل يهرع إلى منزله للاحتماء من البلل. كان الظلام، حينذاك، يرخي سدوله على المنطقة برمتها في حين لم تغادر هي مكانها، ولم يدر بخلدها في أي لحظة أن الملجأ الذي اختارته سيكون هو المصيدة التي التي وضعها ذئب بشري لنهش لحمها الفتي. قصدها الذئب مدفوعا بغريزة مريضة، وطلب منها بإصرار «الصيادين» الواثقين من مخالبهم السير معه دون كلام إلى منزله. احتجت الطفلة بشدة وهددته ببراءة قائلة:»طلق مني ولا نجيب لك خوتي». غير أن السكين التي غرزها الذئب في خاصرتها ألجمتها، وأخرست فمها عن الكلام. فما كان منها سوى أن انقادت له، ورافقته بين الدروب الخالية على مسافة تبعد ب 15 دقيقة عن مدرستها، إلى أن وصل بها إلى مسكنه بإحدى الفيلات الفخمة، هناك- تقول «ش»: «صرخت وصرخت وصرخت، حتى فقدت قواي ولم يغثني أحد. دفعني بقوة وصعد بي إلى غرفة خربة بالسطح حيث جردني من ملابسي واغتصبني بقوة». وفي اليوم الموالي، وبعد أن استفاق من غيبوبته، أدرك حجم فعلته فاتصل بشقيقته كي تخرجه من الورطة، فما كان من الشقيقة إلا أن اتصلت بدورها بأمه التي تقطن إسبانيا كي تساعدهم في إيجاد حل يخرج «أ» المدلل من ورطته. هدد (أ) ضحيته دون أن ينسى أن يخبرها بأن إخوتها سيقتلونها إن علموا باغتصابها، كما أخبرها بأن والدته ستأتي من إسبانيا لتجد تسوية للمشكل، وبأن أهله هم من سيحمونها عن طريق تزويجها منه.. ولم يكن يدري أن القانون أصبح يجرم اغتصاب القاصر، حتى لو أراد الزواج منها ! تقول «ش»: «طيلة فترة احتجازي بالغرفة كان لا يكف عن التدخين ولعب «البلايستايشن»، غير مبال ببكائي وتوسلاتي، بل إنه أخذ يغتصبني بشكل يومي، حتى أثناء وجود والدته بالمنزل التي حضرت من الخارج يوم الجمعة، أي في اليوم الموالي لاغتصابي. وكانت أمه أو أخته تحملان لنا «طواجين» الطعام إلى الغرفة وقت الغداء لكني لم أكن آكل». بعد عودة الأم من إسبانيا، لم تفصل «ش» عن ابنها، بل تركتها معه كدمية صغيرة يستمتع بها، فيكرر اغتصابها متى شاء، وكان كل همها هي وابنتها هو إيجاد مخرج يعفيه من العقاب. وفعلا، أقنعوا الطفلة بالتواصل مع صديقة لها تقطن إيطاليا، وهي في الأصل ابنة لجارتهم. مكنوها من الحاسوب، وسمحوا لها بفتح حسابها الشخصي على الموقع الاجتماعي «فايس بوك»، وما إن رآها زملاؤها في الدراسة تفتح حسابها حتى بدأوا بسؤالها وحثها على العودة الى المنزل، لأن أهلها يبحثون عنها، فكانت تجيبهم بالرفض لأنها تعرضت للاغتصاب، وقد يفعل بها الأهل ما هو أشد مما أصابها. كانت الطفلة تتحدث إلى زملائها وفقا لما يمليه عليها الشاب وأهله، بانتظار أن تفتح الصديقة المطلوبة حسابها. وبعد أن تمكنت «ش» من ربط الاتصال بصديقتها المهاجرة، طلبوا منها أخذ رقمها للاتصال بها مباشرة عبر الهاتف. وبعد أن تم لها الاتصال عبر الهاتف الذي منحه لها مغتصبها، تمكنت الصديقة من تهدئة «ش» التي كانت جد خائفة من أهلها، كما نجحت في إقناع أهل المختطف بأن يتصلوا بأختها أو خالتها اللتان تقطنان بالقرب من أسرة الضحية من أجل تسوية الأمر وديا، ودون مشاكل. سلمت الصديقة المفتاح إلى أهلها، وطلبت منهم إبلاغ أهل «ش» بمصابها حيث عمدت خالتها على «مسايستهم» حتى تستطيع سل الطفلة من بين أياديهم، دون أن تصاب بأذى مضاعف لما أصابها. عودة الطفلة إلى أحضان الأسرة المكلومة بعد خمسة أيام من البحث، طرقوا خلالها أبواب الشرطة والمستشفيات، وسألوا كل زميلاتها، حيث أخبرت إحداهن أخاها بأنها رأت أخته فاتحة حسابها على «الفيس بووك»، وفي الوقت الذي هم باختراق حساب أخته الشخصي، وهو الحاصل على الدكتوراه في الإعلاميات، فوجئ باتصال من والدته تخبره فيه أن «ش» بمنزل جارتهم رفقة أهل الشاب الذي اغتصبها، فما كان منه إلا أن استحضر عقله، فأوصى أمه بالهدوء والتروي، حتى لا يضيع حق أخته. وفي الوقت الذي كانت أم الشاب المغتصب تعد أم الطفلة بعرس لا كالأعراس، وتغريها بالفيلا والإرث الكبير، كي لا تقيم دعوة ضده وتسوي الأمر بهدوء، دخل «ع.أ» أخ الضحية رفقة شخص ادعى أنه خالها، حيث بدأ يسأل الجاني عن كيفية اقتياده للصغيرة، والطريقة التي اغتصبها بها، حينها بدأ يسرد عليه القصة كاملة معترفا بفعلته ومبديا ندمه واستعداده للاقتران بها. وما إن أتم المعتدي سرد قصته، حتى وضع الشرطي الذي ادعى أنه خالها الأصفاد بيده ثم اقتاده إلى مخفر الشرطة وسط احتجاج الأم وصياحها قائلة «أخرتها فلوس ومعارف ومحامي»، في إشارة منها لقريبها القاضي الذي سبق وحمى، قبل ذلك، ابنها من السجن بعد ان قبض عليه بتهمتي السرقة والسكر العلني حسب تصريحات شقيق الضحية. عودة الطفلة إلى حضن أهلها كانت مساء الاثنين 20 يناير حوالي الساعة العاشرة ليلا، بعد أن تم تسجيل محضر ضد الجاني «أ «. وفي صباح يوم الثلاثاء، كانت «ش» بمستشفى ابن رشد حيث تم عرضها على الطب الشرعي الذي أحالها إلى قسم الأمراض التعفنية لأنها قد أصيبت ببعض التعفنات، جراء ما مورس عليها من اغتصاب تكرر طيلة خمسة أيام، وهي المدة التي قضتها ببيت الجاني، وأيضا للتأكد من خلوها من الإصابة بأي مرض معد قد يكون المغتصب حاملا له، مؤكدا أن حالتها النفسية جد سيئة تستوجب عرضها على قسم الأمراض النفسية. كابوس مرعب عاشته الطفلة التي كانت تهيئ نفسها لاجتياز اختبارات الدور الأول من السنة الرابعة بالسلك الإعدادي، لتجد نفسها بين متاهة أقسام الشرطة والمستشفيات. صرخة أم الضحية ما إن رأتنا أم الضحية وهي تخرج من قسم الأمراض التعفنية حتى صرخت بنا: «أريد حقي وحق ابنتي، أسرتي دمرت بالكامل، ربيت أولادي التسعة تربية محافظة، فكيف لهذا الوحش أن يفجعني بأصغرهم وأعزهم. أختها عندما علمت بخبر اغتصاب (ش) أغمي عليها لعدة ساعات، لأنها لم تتحمل الخبر. لا بد أن أغير مسكني. لا يمكنني تحمل ألسنة الجيران، ولهب نظراتهم. طفلتي مريضة ولها ملف طبي ضخم بسبب كم الهائل من العمليات التي أجرتها. عند كنت حبلى بها، كنت أتابع علاجي من مرض السل. وللأسف الأدوية التي كنت أحارب بها مرضي هي نفسها التي أثرت على صحة ابنتي وهي جنين. لهذا ولدت مريضة ومناعتها ضعيفة.كنت لا أغفل عنها لحظة واحدة، وأراقب صحتها مخافة أن تتأذى الكلية المتبقية التي هي الأخرى لم تكن تؤدي وظيفتها بانتظام،إلى أن جاء ذلك الجاني واغتصب براءة ابنتي». من يحمي طفولتنا؟ عندما سألنا صديقة «ش» التي تصغرها بأعوام قالت إنها ترافقها أحيانا للمدرسة عندما يتوافق توقيت دخولهما أو خروجهما، حيث أكدت أنها لم يسبق لها أن رأت «ش» مع أي شاب، لأنها «معقدة» كما يطلق عليها زملاؤها بالمدرسة ومنطوية على نفسها. وأضافت أن زميلتها لا تتحدث كثيرا ولا تلعب إلا مع من هم أصغر منها سنا. تضامن بانتظار كلمة العدالة أحيل «أ» أول يوم الأربعاء 22 يناير الجاري على السيد الوكيل العام، ثم على قاضي التحقيق حيث وضع بعدها رهن الاعتقال ريثما يتم الاستماع إلى الضحية «ش «في جلسة 06 فبراير 2013 في الوقت الذي نظمت عدة جهات حقوقية وفعاليات من المجتمع المدني وقفة تضامنية مع أهل الضحية أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء،كما نظم أطر التعليم و التلاميذ على الساعة 12.30 زوالا وقفة أخرى بمشاركة أولياء التلاميذ و الجيران وساكنة حي الألفة الذين استنكروا الاعتداء الجرمي الذي تعرضت له ابنة حيهم القاصر. ماذا يقول القانون؟ استجابةً لمطالب مجموعة من المنظمات النسائية والحقوقية على خلفية قضية أمينة الفيلالي التي انتحرت بعد زواجها من مغتصبها، تمت مصادقة البرلمان المغربي على المشروع الذي تقدم به الفريق الاشتراكي القاضي بإلغاء الفقرة الثانية من القانون الجنائي 475 الذي يجيز للمغتصب الإعفاء من المتابعة القانونية بعد زواجه من ضحيته القاصر، ولا تتم مساءلته قانونيا إلا بعد تقدم شخص له الحق في إبطال هذا الزواج بشكوى، وصدور حكم فعلي بهذا البطلان. العار والفضيحة! لم تكن «ش « هي الطفلة الوحيدة التي وقعت ضحية الاغتصاب، فبلدنا باتت مرتعا للبيدوفيليين الذين يجدون في أجساد أطفالنا متنفسا لتفريغ مكبوتاتهم مغتصبين براءتهم في غفلة من أيادي العدالة التي تغض الطرف عن بعضهم، إما لنفوذ ذويهم أو لأنهم يتخذون من الزواج حلا للتنصل من العقاب. هنا نفتح باب التساؤلات على مصراعيه من يحمي فلذات أكبادنا ونحن نودعهم وهم يرتادون المدارس لطلب العلم؟ ومن يحميهم إن غفلت أعيننا وتركناهم يلعبون رفقة أترابهم بالقرب من منازلنا؟ قضية «ش» تعيد إلى الأذهان عدة قضايا مشابهة تمتلئ بها ردهات المحاكم، منها قضية القاصر أمينة الفيلالي التي حركت المجتمع المدني والهيئات الحقوقية قاطبة.. فكم من أمينة و«ش» أخرى ستغتصب وأي عقوبة هاته التي ستجعل جرح الاغتصاب يندمل؟ ربما كانت أسرة «ش» شجاعة لفضحها الجاني، لكن مئات الفتيات يغتصبن ويصمتن خوفا من العار والفضيحة..