كثيرون هم الذين لا يعلمون بأنّ الفيلسوف والمفكّر الفرنسي الراحل ميشال فوكو، كان معجبا بالثورة الإيرانية إبان قيامها في نهاية السبعينيات. وبعيدا عن الأحكام المتسرعة التي صدرت عن فوكو فيما بعد، فإن السياق يومها كان هو المتحكّم في ذلك الإعجاب. لقد كان فوكو، في سنة 1978 مراسلا خاصا لصحيفتي: (كورير ديلا سيرا) و(لونوفل أوبسرفاتور). وهذا هو السبب الذي جعله يرحل إلى إيران في عمل ذي طبيعة صحافية في المقام الأوّل. وكان هذا المقال قد صدر في العدد 727 من "لونوفيل أوبسرفاتور"، 16-22 أكتوبر 1978 «لن يتركوننا وشأننا بمحض إرادتهم أبدا، كما لم يتركوا فيتنام وشأنها". كنتُ أرغب في أن أردّ قائلا: إنّهم غير مستعدّين كثيرا لترككم بقدر ما كانوا مستعدّين لترك فيتنام، وذلك بسبب النفط، بسبب الشرق الأوسط. واليوم، حيث يبدو أنها مستعدة، وبعد كامب ديفد، لتسليم لبنان إلى الهيمنة السورية، ومن ثمّ للنفوذ السوفياتي، كيف ستحرم الولاياتالمتحدة نفسها من وضعية تسمح لها بدخول المعركة أو مراقبه السلام؟ هل سيدفع الأمريكيون الشاه إلى اختبار قوّة جديد، وإلى "جمعة سوداء" ثانية؟ إنّ الدخول الجامعي، والإضرابات الأخيرة، والاضطرابات المتجددة، والمناسبات الدينية خلال الشهر القادم، قد تكون مناسبة لذلك ذلك. والرجل ذو القبضة الحديدية هو "سبهبد مقدم" وهو يتقلد حالياً منصب رئيس جهاز السافاك. هذا هو الحلّ البديل، وهو غير مرغوب فيه وغير وارد في الوقت الراهن. أما بخصوص الجيش، فهناك نوع من الشك، فبعض الجنرالات يمكن الاعتماد عليهم، لكن لا يبدو ما إذا كان الجيش كذلك. من وجهه نظر معينة، فهو أمر غير مفيد، فلا وجود "للخطر الشيوعي"، لا من الخارج، حيث بات أمراً محسوماً منذ نحو خمسة وعشرين عاماً أن الاتحاد السوفيتي لن يمد يده نحو إيران، ولا من داخل إيران، لأن الكراهية تُجاه الأمريكيين لا يوازيها سوى الخوف من السوفيات. وخلال هذه الأسابيع الأخيرة، اتفق مستشارو الشاه، من الخبراء الأمريكيين والتكنوقراط من أتباع النظام من جهة، مع مجموعات من المعارضة السياسية (سواء كانت الجبهة الوطنية أو ذوو الاتجاه الاشتراكي) من جهة أخرى، على "تسريع عملية التحرير الداخلي"، حيث يفضل القادة السياسيون حالياً النموذج الغسباني. لكن هل يمكن تطبيق هذا النموذج في إيران؟ يبدو لي أن هناك عدة مشاكل تقنية. فهناك تساؤل بخصوص التوقيت: هل الآن؟ أم فيما بعد؟ أم بعد أعمال عنف أخرى؟ كما أنّ هناك تساؤلات أيضاً حول الأشخاص: هل يحصل ذلك في ظل وجود الشاه أم بدونه؟ وربما بوجود الابن، أو الزوجة؟ ألا يعتبر رئيس الوزراء السابق "علي أميني"، الدبلوماسي العجوز الذي جيء به ليقود العملية، شخصية عفا عليها الزمن. هناك اختلافات كبيرة بين إيران وإسبانيا، وقد حال فشل التنمية الاقتصادية في إيران دون ترسيخ قاعدة ليبرالية، ونظام غربي حديث. فبدلاً من ذلك، نشأت حركة قوية في القاعدة في الأسفل، انفجرت هذا العام، لتهز الأحزاب السياسية التي كانت تعيد التشكل ببطء. ألقى هذا التحرك بنصف مليون رجل أعزل إلى شوارع طهران، في مواجهه الدبابات والرشاشات. لم تكتف الجموع بترديد شعارات "الموت للشاه"، بل أضافوا عبارة "الإسلام، الإسلام، يا خميني، نحن وراءك"، وأيضاً "الخميني إلى العرش". ويمكن أن تُفهم الحالة في إيران كمواجهة كبيرة ما بين شعارات تقليدية بين جماعة الملك أو جماعة (القديس)، الحاكم المسلح أو المنفي المسكين، المستبد في مواجهة رجل أعزل تؤازره هتافات الشعب. فلهذه الصورة سلطتها الخاصة، لكنها تتحدث أيضاً عن واقع ساهم فيه ملايين الموتى. إن فكرة الليبرالية العاجلة، دون أن تتشظى بنية السلطة تعني أن تلك الحركة الآتية من الأسفل يجب أن تندمج مع النظام، أو أن يتم تحييدها. هنا، يجب على المرء أولاً أن يعرف إلى أين وكيف تعتزم هذه الحركة أن تذهب. ومهما يكن من أمر، فقد قام آية الله الخميني أمس من منفاه في باريس، "بإفساد الأمر برمته، على الرغم من ضغوط عديدة أحاطت به. لقد أصدر نداء إلى الطلاب، لكنه كان يخاطب المجتمع الإسلامي والجيش أيضاً، لقد طلب منهم أن يعارضوا التسويات المتعلقة بالانتخابات والدستور وما سواها، باسم "القرآن" وفي سبيل القومية. هل هناكَ انشقاق ينتظر وقوعه في المعارضة التي تواجه الشاه؟ " إن السياسيين" في المعارضة يحاولون أن يكونوا واثقين فيقولون: "الوضع جيد، فالخميني وهو يصعّد الأمور، إنما يقوي مواقفنا ضد الشاه وضد أمريكا. إنه لا يزيد عن هتافات جماعية، وليس لديه برنامج ليقدمه. لا تنسوا أنه منذ 1963 تم تكميم أفواه الأحزاب السياسية. في هذه اللحظة، نحن نلتف حول الخميني، وبعد إسقاط الدكتاتورية، سينقشع كل هذا الضباب. ستأتي السياسة الحقيقية إلى السلطة، وسرعان ما سننسى أمر الواعظ العجوز. لكن كل هذا الحراك مع نهاية الأسبوع حول مقر آية الله في ضواحي باريس، إضافة إلى الذهاب والإياب المستمر من قبل "شخصيات إيرانية" مهمة، كل هذا يتناقض مع ذلك التفاؤل المتسرع إلى حد ما. لقد ثبت أن الناس آمنوا بقوة التيار الغامض الذي يصل بين الرجل المنفي منذ 15 عاماً وبين شعبه الذي يهتف باسمه. وقد أثارت طبيعة هذا التيار استغرابي منذ أن علمت بها، وشعرت بقليل من السأم، وهو أمر يجب أن أعترف به، وأنا أسمع عدداً من الخبراء الفطنين يكررون أمامي: "إننا نعرف ما يرفضونه، لكنهم لا يعرفون ما يريدونه". "ماذا تريدون؟"، لقد جُبْتُ شوارع كلّ من طهران وقمْ في الأيام التي أعقبت الاضطرابات مباشرة، وأنا أحمل هذا السؤال في عقلي. وكنت أحرص على أن أتجنب طرح هذا السؤال على سياسيين محترفين. بدلاً من ذلك اخترت في بعض الأحيان أن أخوض في حوارات طويلة مع قادة دينيين، طلاب، مثقفين مهتمين بالشأن الإيراني، وكذلك مع مقاتلين سابقين في جماعات تخلت عن الكفاح المسلح عام 1976 وقررت تبني أسلوب مختلف كلياً، داخل المجتمع التقليدي. وجواباً على سؤال "ماذا تريدون؟ " لم أسمع خلال إقامتي في إيران، ولو مر, واحدة، كلمة "ثورة"، لكن أربع من كل خمس إجابات كانت تقول: "حكومة إسلامية". وليس في هذا ما يثير أي استغراب. فقد سبق أن قدم آية الله الخميني هذا الرد البليغ على أجوبة الصحفيين، وبقيت الإجابة عند هذه النقطة. ما الذي يعنيه هذا بالضبط في دولة مثل إيران، لديها غالبية عظمى من المسلمين، لكنهم ليسوا عرباً ولا هم من السنة وهي لذلك أقل عرضة للتيارين الإسلامي والعُروبي من حال دول أخرى؟ الواقع أنّ الإسلام الشيعي يتمتع بعدد من الخصائص التي من شأنها أن تحيط الرغبة في إقامة "حكومة إسلامية" بصبغه خاصة. ففيما يخص التنظيم، هناك غياب في التراتبية التسلسلية لرجال الدين، مع تمتع الزعماء الدينيين بنوع من الاستقلال عن بعضهم، لكن هناك اعتماداً (بعضه مالي) على الأتباع، وهناك أهمية تحاط بها السلطة الروحية الطاهرة. والدور الذي على رجال الدين أن يلعبوه يتضمن الإتّباع والتوجيه، من أجل الحفاظ على دور هذا التنظيم. و هناك مسلمة، حسب المذهب الشيعي، تشير إلى أنّ الحقيقة لم تكتمل أو تختم مع آخر الأنبياء. فبعد النبيّ محمد، تبدأ حلقة جديدة من "الوحي"، إنها السلسلة غير المكتملة من الأئمة الذين يحملون النور الدائم والمتغير في نفس الوقت، وينشرونه من خلال كلماتهم وأعمالهم، وكذلك عبر استشهادهم. هذا هو النور الذي يمكن أن يوضح القانون من الداخل. وهذا ما يجب أن يتم الحفاظ عليه، ويجب أن يطلق ما فيه من معنى روحي مع الزمن. والإمام الثاني عشر المنتظر والذي رغم اختفاءه، يبدو حاضراً بشكل ما. الناس هم من سيعيدونه، بقدر ما توسع الحقيقية التي يفهمونها مداركهم. كثيراً ما يتردد بأن الشيعة ينظرون إلى كل سلطة خارج سلطة الإمام بأنها سلطة فاسدة. وكما نرى، فالأمور باتت أعقد بكثير. هذا ما أخبرني به آية الله شريعتمداري، خلال الدقائق الخمس الأولى من لقائنا: "نحن ننتظر عودة الإمام، لكن هذا لا يعني أننا نتخلى عن فكرة إقامة حكومة صالحة، وهذا ما تحاولون أنتم المسيحيون القيام به، رغم انتظاركم ليوم القيامة". وكما لو أنه يسعى لإضفاء مزيد من المصداقية على كلماته، كان آية الله محاطاً بعدد من أعضاء لجنة حقوق الإنسان في إيران عندما استقبلني. هناك أمر لا بد من توضيحه، فما من أحد في إيران يقصد بقوله "حكومة إسلامية" نظاماً سياسياً يمتلك فيه رجال الدين التحكم والسيطرة. بالنسبة لي، تشير عبارة "حكومة إسلامية" إلى نظامين من الأشياء. البعض قالو بأنه "عالم طوباوي". "مثالي" بحسب تعبير الغالبية. وعلى أي حال فإنه أمر قديم جداً وبعيد جداً في المستقبل، إنها فكرة العودة إلى ما كان عليه الإسلام في عصر النبي، ولكن في نفس الوقت مع التقدم نحو نقطة بعيدة ومضيئة يمكن عندها تجديد الإيمان أكثر من المحافظة على الطاعات. ولتحقيق هذا الهدف، بالتوافق مع دين خلاق كالإسلام، يبدو لي أن التشكيك في مسألة الفهم الحرفي للشرع أمر جوهري. وقد شرح لي مرجع ديني أنه لا بد من جهود طويلة من قبل الخبراء المدنيين والدينيين والعلماء والمؤمنين من أجل تسليط الضوء علي كل المشاكل التي لم يدّع القرآن بأنه يقدم موقفاً محدداً منها. ولكن يمكن إيجاد بعض التوجيهات العامة: فالإسلام يقدر العمل، لا يمكن حرمان أحد من ثمار العمل، الأشياء التي تعود ملكيتها للجميع، (كالمياه، والأرض) لا يجوز لأحد الاستيلاء عليها، الحريات ستظل محل احترام، مادامت ممارستها لا تؤذي الآخرين. ستحظى الأقليات بالحماية والحرية والعيش بالشكل الذي ترغب به، بشرط عدم إيذاء الأكثرية، سيكون هناك مساواة بين الرجال والنساء، وسيكون هناك اختلاف أيضاً، نظراً لوجود فروق طبيعية بينهما. في الشؤون السياسية، تؤخذ القرارات وفق رأي الأغلبية، القادة مسؤولون عن الشعب، وكما هو مبين في القرآن، فالحاكم عرضة للمحاسبة أمام أي فرد في المجتمع. يقال بأن تعريفات ال "حكومة الإسلامية" غير دقيقة المعالم. لكن يبدو لي أن هناك وضوحاً معيناً، ولو أنني أعتقد أيضاً بأنه غير مطمئن كما يجب. ولما قلت لهم: "إن هذه من المبادئ الأساسية للديمقراطية، سواء البرجوازية أو الثورية، وها نحن نكررها منذ القرن الثامن عشر، وأنتم تعرفون إلى أين أوصلتنا!"، تلقيت جواباً فورياً: "لقد أعلن القرآن هذه المبادئ قبل فلاسفتكم بزمن طويل، وإذا كانت المسيحية والغرب الصناعي قد فقدوا معانيها، فإن الإسلام سيعرف كيف يحتفظ بقيمتها وفعاليتها". عندما يتكلم الإيرانيون عن الحكومة الإسلامية، وعندما يخرجون بشعارها إلى الشوارع، تحت تهديد الرصاص، وعندما يعبّرون باسمها وتحت شبح حمّام من الدماء عن رفضهم، وبينما ترتب الصفقات بين الأحزاب والسياسيين، فإن في عقول هؤلاء الإيرانيين أشياء أخرى غير تلك الصيغ. كما أن في قلوبهم أشياء أخرى أيضاً. وأعتقد بأنهم يفكرون في واقع قريب جداً منهم، بما أنهم هم أنفسهم القائمون على تنفيذه. والأمر أولاً وأخيراً هو عن حركة تهدف إلى إعطاء البنى التقليدية للمجمع الإسلامي دوراً دائماً في الحياة السياسية. الحكومة الإسلامية هي التي ستتيح لآلاف المراكز السياسية، التي نثرت في المساجد والمجتمعات المتدينة من أجل مقاومة نظام الشاه، أن تستمر في ممارسة نشاطها. وقد ضُرب لي مثل عن ذلك، فقبل سنوات عشر خلت، ضرب زلزال مدينة فردوس. وكان من الواجب إعادة بناء المدينة بأكملها، ولكنهم انسحبوا باعتبار أن الخطة التي تم اعتمادها لم تحز على قبول الفلاحين والحرفيين. وبتوجيه من قائد ديني انطلقوا ليبنوا مدينتهم في مكان أبعد قليلاً. لقد جمعوا التبرعات من مختلف المناطق المحيطة، واختاروا بشكل جماعي مناطق للاستقرار، وأمنوا مصادر للمياه، وأسسوا جمعيات تعاونية. لقد أطلقوا على مدينتهم اسم "إسلامية". لم يكن الزلزال فرصة لاستخدام البنيات الدينية كمراكز للمقاومة فقط بل استخدم كمصدر للإبداع السياسي أيضاً. هذا هو ما يحلم به المرء عندما يتحدث عن حكومة إسلامية. لكنّ المرء قد يحلم أيضاً بحركة أخرى، حركة معاكسة للأولى. إنها حركة تريد إدخال بعد روحاني في الحياة السياسية، حتى لا تصبح السياسة، كما العادة، عقبة في طريق الروحانية، بل وعاء لها، وفرصة أمامها، وخميرة لها. عند هذه النقطة نلتقي بشبح يتصيد كل الحياة السياسية والدينية في إيران اليوم، إنه شبح "علي شريعتي"، الرجل الذي منحه موته قبل عامين هذا المنصب الرفيع في الإسلامي الشيعي، منصب الحاضر الغائب. أثناء فترة تواجده في أوربا للدراسة، كان علي شريعتي على اتصال مع قادة الثورة الجزائرية، ومع حركات مسيحية يسارية عديدة، ومع تيار من الاجتماعيين اللا_ماركسيين. وقد حضر محاضرات عند جورج غورفيتش، كما قرأ على أعمال فرانز فانون، إضافة إلى لوي ماسينيون. ثمّ عاد شريعتي بعد ذلك إلى مدينة مشهد، حيث ألقى محاضراته هناك ليبين أن المعنى الحقيقي للتشيع لا يجوز أن يطلب في دين تحول إلى مؤسسة منذ القرن السابع عشر، بل في تعاليم العدالة الاجتماعية والمساواة التي حض عليها الإمام الأول. وشاءت "الصدف" أن أجبره الاضطهاد الذي مورس عليه أن ينتقل إلى طهران، حيث كان عليه أن يدرّس خارج الجامعة، في غرفة أعدت له تحت حماية مسجد. وهناك خاطب جمهوراً خاصاً به، أصبحتْ أعداده تتزايد حتى بلغت الآلاف من بين طلبة وفقهاء ومثقفين وعوام من المواطنين وعابرين. لقد مات شريعتي كشهيد، تم اصطياده، ومنعت كتبه. لقد سلم نفسه بعد أن اعتقل والده بدلاً منه. وبعد عام قضاه في السجن، وبعيد انتقاله إلى المنفى، توفي علي شريعتي، قليلون جداً من اقتنعوا بأن وفاته كانت نتيجة أسباب طبيعية. قبل أيام، وفي مظاهرة كبيرة في طهران، كان اسم "علي شريعتي" هو الاسم الوحيد الذي رددته الجماهير، إلى جانب إلى اسم "الخميني". لا أشعر بالارتياح وأنا أتكلم عن حكومة إسلامية سواء كفكرة، أو كمثال. لكنها أثرت فيّ كشكل من أشكال "الإرادة السياسية". لقد أثرت في في جهدها نحو تسييس البنيات الاجتماعية والدينية في مواجهة المشاكل الراهنة. لقد أثرت في في محاولتها لفتح بعد روحي للسياسة. وعلى المدى القصير تثير هذه الإرادة السياسية سؤالين: 1. هل لهذه الإرادة السياسية ما يكفي من الكثافة، وما يكفي من التصميم لتمنع حلاً ينفذ من خلال رئيس الوزراء السابق "علي أميني"، وهو الحل الذي يدعمه (أو يعرقله، إذا شئت) كونه مقبولاً من الشاه، ومستحسناً من القوى الغربية، وكونه يهدف إلى نظام برلماني غربي، وأنه سيمنح بلا شك أفضلية وامتيازاً للدين الإسلامي؟ 2. هل لهذه الإرادة السياسية جذور عميقة بما يكفي لتصبح عاملاً فاعلاً دائماً في الحياة السياسية الإيرانية، أم أنها ستنقشع كغيمة عندما تصحو سماء الواقعية السياسية، حينما نبدأ بالحديث عن البرامج، الأحزاب، الدستور، الخطط.. وما إلى ذلك؟ يمكن أن يعلق السياسيون بأن الإجابة على هذين السؤالين تحدد كثيراً من تكتيكاتهم اليوم. ومع التقدير للإرادة السياسية، إلا أن لدي سؤالين آخرين يثيران قلقي على نحو أعمق. أولهما يتجه إلى إيران، إلى قدرها الغريب. ففي فجر التاريخ، اخترع الفرس مفهوم الدولة، ومنحوا نموذجها للإسلام، فصار مدراؤها موظفين عند الخليفة. لكن من هذا الإسلام نفسه، اشتقوا ديناً أعطاهم مصادر لا تنتهي لمقاومة استبداد الدولة. فهل يمكن للمرء أن يعثر في هذه الإرادة الراغبة في"حكومة إسلامية" على مصالحة، على تناقض، أم على عتبة شيء جديد؟ أما السؤال الثاني، فإنه يتعلق بهذا الركن الصغير من أركان العالم، الركن الذي تحظى أرضه بأهمية استراتيجية عالمية لما يوجد فوق سطحها وفي باطنها. ما هو المغزى، بالنسبة لسكان هذه الأرض، من وراء البحث، الذي قد يكلفهم حياتهم، عن شيء نسينا إمكانية إيجاده منذ عصر النهضة والأزمة الكبرى للمسيحية، أقصد الروحانية السياسية. أكاد أسمع الفرنسيين يضحكون، غير أنني أعرف بأنهم مخطئون.