وسط اهتمام إعلامي كبير للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية، وتتبع للرأي العام الوطني، انطلقت فعاليات المهرجان الخطابي الذي نظمه حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشكل مشترك بمناسبة الذكرى السبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. محطة متميزة ستنضاف إلى سجل تاريخ العمل المشترك ما بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاستقلال، تلك التي نظمها الحزبان لتخليد الذكرى السبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال المتمثلة في هذا المهرجان الخطابي الذي استقطب عدد كبيرا لمكونات الشعب المغربي من مثقفين وفنانين ورياضيين وجمعويين وسياسيين يوم السبت 11 يناير الجاري بقاعة زينيت بالرباط. فلم تكد تصل الساعة الرابعة بعد الزوال حتى بدأت تتقاطر قيادات النقابات وبعض الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، والثقافية والفعاليات الرياضية والفنية، وحشود كبيرة من الجماهير المتنوعة والمناضلات والمناضلين المنتمين للحزبين الوطنيين، وفي جو من الانضباط والمسؤولية والتنظيم المحكم الذي كانت تسهر عليه لجنة التنظيم ولجنة الاستقبال المشتركة ما بين الحزبين، كان التحاق الضيوف والمدعوين إلى قاعة المهرجان. وما ميز هذا المهرجان الكبير، الذي سيبقى راسخا في الذاكرة النضالية للتاريخ المشترك ما بين الحزبين، والذي تم افتتاحه كذلك بآيات من الذكر الحكيم، هو طبيعة الشخصيات الحاضرة فيه، وفي مقدمتها عبد الحق لمريني، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي ومؤرخ المملكة، عبد الكريم غلاب، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ورئيس البرلمان عبد الواحد الراضي الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي ورئيس اتحاد البرلمان الدولي، وإسماعيل العلوي الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، وخالد الناصري وزير الاتصال السابق، كما كانت حاضرة كذلك في هذا المهرجان الخطابي وجوه من رجال المقاومة، وفي مقدمتهم مصطفى الكثيري المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير. وقبل بداية فقرات المهرجان الخطابي، الذي حضره أيضا كل من الحبيب المالكي رئيس اللجن الادارية الوطنية وأعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وتوفيق حجيرة رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيدية لحزب الاستقلال، بالإضافة إلى النقابة الوطنية للتجار والمهنيين في شخص كاتبها العام أحمد أبوه والمنظمة الديمقراطية للشغل الممثلة بكاتبها العام على لطفي، ثم اتحاد كتاب المغرب ممثلا بكاتبه العام عبد الرحيم العلام، والداعية محمد الفيزازي، فقامت فرقة نحاسية من مدينة أزرو وفرقة أخرى تابعة للكشفية بعزف النشيد الوطني الذي صدحت به أصوات المناضلين والمناضلات وجميع الحاضرين في جو وطني وحماس كبير مفعم بالوطنية الصادقة وحب هذه البلاد الأبية. وفي مستهل فقرات المهرجان كان للحضور موعد مع عرض شريط حول الكفاح الوطني ورجال المقاومة والمسار النضالي الذي خاضته المقاومة المغربية وجيش التحرير من أجل الحرية والاستقلال والكرامة ثم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وما كان مثيرا للانتباه هو التجاوب الكبير للحضور مع هذا الشريط، حيث صفق الحضور كثيرا على رموز المقاومة وفي مقدمتهم جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، محمد بن عبد الكبير الخطابي بطل الريف الشامخ، والبطل الاستثنائي، كما سماه المعلق على الشريط، محمد الزرقطوني، ثم المجاهد علال الفاسي الذي نفي في الغابون وأحمد بلافريج الذي نفي هو الآخر في جزيرة كورسيكا والمهدي بنبركة عريس الشهداء، وعبد الرحيم بوعبيد الذي فاوض من أجل استقلال المغرب، لقد تطرق هذا الشريط إلى المحطات المشرقة في الكفاح الوطني ونقط الضوء في مسار المقاومة الوطنية وجيش التحرير من أجل الحرية والاستقلال وكرامة الشعب المغربي. كما كان مثيرا للغاية أيضا حضور عدد كبير من الوجوه الفنية المغربية في هذا المهرجان، وأبرزهم الفنانة القديرة فاطمة بنمزيان، وصفية الزياني، ونعمية إلياس، ثم الفنان القدير عبد القادر مطاع، والمخرج المسرحي أنور الجندي، والكوميدي عبد القادر مكيات، والفنان الكبير محمد الناجي، والفنان المقتدر المحجوب الراجي، هذا بالإضافة إلى بعض الشخصيات البارزة في مجالات أخرى كمحمد مجيد، الرئيس السابق للجامعة المغربية للتنس، وكمال لحلو رئيس فيدرالية الإعلام، ثم البطلة الدولية في ألعاب القوى نزهة بيدوان والمدرب المتميز في كرة القدم حمادي حميدوش، فضلا عن المطرب اللامع محمد الغاوي. لقد شكل هذا المهرجان الخطابي للقطبين الوطنيين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي مناسبة للتأكيد على أن هذين الإطارين استمرار للحركة الوطنية، وامتداد لحركة التحرير الشعبية من أجل البناء الديمقراطي والتنمية الشاملة وإنهاء مهام الجهاد الأكبر بعد الاستقلال، ثم تنبيه بعض الجهات التي يحلو لها أن تتناسى وتتجاهل هذا التاريخ المجيد والحافل بالعطاء والنضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال والكرامة والديمقراطية وتحرير الأرض والإنسان، بأن نعمة الاستقلال والبناء الديمقراطي وحقوق الإنسان كانت نتيجة تضحيات جسام وعدد من الشهداء لأعضاء الحركة الوطنية الذين ينتمون أغلبهم إلى حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ووجهت كلمتا كل من إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال رسائل قوية إلى كل من يهمهم الأمر في قضايا حيوية تهم الاستقرار والأمن واحترام الثوابت الأربعة للبلاد المتمثلة في الدين الإسلامي والوطن، والمؤسسة الملكية ثم الخيار الديمقراطي حسب ما نص عليهما دستور 2011 . وفي هذا السياق ندد شباط ولشكر بتوظيف الدين من أجل غايات انتخابية وأهداف سياسيوية من قبل الحزب الذي يقود الحكومة، باعتبار أن الدين الإسلامي دين للمغاربة جميعا، كما استنكرا استغلال الدين في الريع الخيري والاحساني الذي يدر على هؤلاء دعما ماليا كبيرا يتم استغلاله لأهداف حزبية وانتخابية ضيقة. كما رفضوا رفضا مطلقا، بنفس المناسبة، منطق تكميم الأفواه و إخراس الأصوات المدافعة عن الشعب المغربي وقضاياه الحيوية عبر مؤسساته المنتخبة والمؤسسات الدستورية، باعتبار أن الخيار الديمقراطي ثابت من ثوابت الأمة المغربية ومسار لا رجعة فيه، ولا يمكن السماح بأي تراجع أو نكوص في هذا المجال الذي يروم وقف التقدم الديمقراطي والمسار التنموي للبلاد، معلنين في نفس السياق أن الحزبين عازمان، كما كانا في السابق واليوم، على تحصين المكتسبات والحفاظ عليها والوقوف سدا منيعا في وجه كل تطرف وتيار رجعي محافظ يسعى للعصف بهذه المكتسبات التي ضحى من أجلها كل مكونات الشعب المغربي وفئاته من قبل الحركة الوطنية وجيش التحرير ... وأكدت قيادة حزب الميزان وقيادة حزب الوردة، بهذه المناسبة المجيدة لتقديم وثيقة الاستقلال في ذكراها السبعين، على أن تاريخ المغرب يشهد على أن كلما كان تقارب بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية إلا وكان كان التقدم والخير لهذه البلاد، ثم كلما كان عمل مشترك لحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي إلا وكانت نتائجه إيجابية على المغرب والتاريخ السياسي المغربي المعاصر يشهد بهذا، وفي المقابل كلما تعثر هذا التقارب أو العمل المشترك بين هذه المؤسسات وإلا كانت نتائجه السياسية سلبية على مستقبل البلاد، وتنعكس نتائج ذلك بشكل ملموس على عدد من المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستدلين، على ذلك بالوضع السياسي المأزوم الذي تعيشه البلاد اليوم والوضع الاقتصادي الخانق الناتج عن التدبير غير الرشيد والمعقلن للحكومة الحالية والوضع الاجتماعي المحتقن الذي ينذر بالانفلاتات الاجتماعية المهددة للاستقرار والأمن. وتجلت هذه المحطات التاريخية، التي كان فيها التحام كبير بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية والأحزاب الديمقراطية والوطنية في ثورة الملك والشعب ثم المسيرة الخضراء، بالإضافة إلى حكومة التناوب التي دشنت الإصلاحات الكبرى بالمغرب بالإضافة إلى الإصلاحات السياسية والدستورية الأخيرة بعد الحراك الاجتماعي الذي عرفته المنطقة العربية والمغرب. وفي هذا الصدد، تساءل لشكر الكاتب الأول للاتحاد، خلال كلمة له (انظر نصها الكامل في نفس العدد) أين نحن اليوم من روح وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهل يمكن للشعب المغربي أن يحقق ما نطقت به هذه الوثيقة حين دعت إلى تحقيق الدولة الوطنية الديمقراطية وهو يعيش تحت وطأة حكومة لايعرف رئيسها سوى لغة الابتزاز السياسي والتهجم على المعارضة وتهديدها وتوجيه التهم، متناسيا أنه يمثل الدولة ومسؤوليته تحتم عليه الحفاظ على مصداقيتها لأنها ليست ملكا له أول لحزبه. ومن جهته انتقد حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال تجار الدين، وحماة الفساد والمفسدين، ودعاهم أن يتذكروا، أن مسار الإصلاح بدأ في هذه البلاد منذ عقود مع الحركة الوطنية، ودفعت في سبيله نساء ورجال أحزاب الحركة الوطنية التضحيات الجسام؛ من المنافي، والسجون، والاعتقالات والمتابعات، مؤكدا في السياق ذاته أن النضال مستمر من أجل تحرير الإنسان المغربي من كل أشكال المعاناة التي يئن تحت وطأتها في ظل هذه الحكومة الفاشلة. كما كان هذا اللقاء فرصة سانحة لتكريم عدد من رجالات المقاومة المغربية كعربون وفاء وتقدير على عطاءاتهم وتضحياتهم الجسام في سبيل عزة هذا الوطن وأبنائه وفي مقدمة هؤلاء محمد منصور، سعيد أوجار بونعيلات، المجاهد ادريس بن بوبكر، المجاهد محمد المسطاسي العيساوي الموقع على وثيقة المطالبة بالاستقلال والذي لازال حيا، المقاومين محمد العراقي، وعبد الله الزجلي. وختم المهرجان الخطابي بصعود عدد من الفنانين والفنانات المغربيات المنصة الى جانب كل من ادريس لشكر وحميد شباط في عرس نضالي واحتفالي يرددون الأغاني الوطنية الهاتفة بمغربية الصحراء وعزة هذا الوطن ونمائه الاقتصادي والاجتماعي.