يتذكر محمد الحبابي عضو المكتب السياسي سابقا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حين تم اعتقاله بسجن لعلو بالرباط بمعية أعضاء للمكتب السياسي وهم محمد اليازغي والحبيب الفرقاني ومحمد منصور وعبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، وذلك على خلفية موقف الاتحاد في قضية الاستفتاء بالصحراء المغربية، على أنهم قد قضوا شهرا كاملا بسجن لعلو إلى حين أن صدر حكم قضائي في حقهم بالسجن لمدة تصل إلى سنة، لكن هذا الحكم لم يكن يعني محمد منصور والحبيب الفرقاني اللذين تم الإفراج عنهما. إلا أن هم الثلاثة عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد الحبابي قد تم نقلهم إلى مدينة ميسور من أجل تنفيذ هذه العقوبة الصادرة في حقهم. ووصف محمد الحبابي أن مكان الاعتقال هناك بميسور كان عبارة عن منزل يتكون من ثلاثة غرف مفروشة وصالون كبير، فكان لكل واحد منهم غرفته الخاصة، وكانوا يجتمعون في الصالون، ثم كان هذا المنزل يضم حديقة يحيط بها سور كبير وفي مدخل هذه الحديقة يوجد مركز مداومة للحراسة يتناوب فيه رجال للأمن مكلفون بحراستهم. أما بخصوص التغذية، فكان رجال الأمن يقول الحبابي ، هم من يتكلفون بذلك، حيث كانت تأتي شاحنة صغيرة محملة بكل ما يخص من لوازم التغذية والأطعمة، ويسترسل الحبابي في الكلام على أن بقاءهم في ذلك السجن دام ستة أشهر . وجوابا عن سؤال آخر يهم كيفة تواصل الكاتب الأول مع الحزب وهياكله وقواعده حين كان هناك في السجن، قال الحبابي:« كانت الزيارات ممنوعة على كل الأشخاص خاصة الذين لهم انتماء لحزب الاتحاد، إلا بعض أفراد العائلة كزوجة عبد الرحيم بوعبيد، وزوجته هو الأخر وزوجة محمد اليازغي الذي كان يرافقها ابنها علي اليازغي الكاتب العام الحالي للشبيبة الاتحادية والذي كان طفلا صغيرا آنذاك»، فمن خلال» بعض أفراد عائلتنا كنا نتلقى بعض الأخبار» ويستدرك الحبابي على أنهم كانوا يتتبعون كذلك الأخبار الوطنية والسياسية من خلال الاذاعة الوطنية لأنهم كانوا يتوفرون على جهاز الراديو في السجن. آلة تسجيل في محول الكهرباء وأكد الحبابي أن ذلك السجن « كان قد هيئ وجهز من أجل أن يتم اعتقالنا فيه ونقضي العقوبة الحبسية داخله ، والملاحظ أننا كنا نعاني من شدة البرد، وكنا نحاول أن نقوم بتسخين الغرف الثلاث والصالون بواسطة مسخن كهربائي، إلا ان المنزل كان يعرف انقطاعات كهربائية، وذات يوم زارني ابني سمير بالمعتقل، وهو الذي كان له شهادة «ديبلوم» في مجال الكهرباء، لاحظنا أنه حين يتم انقطاع في الكهرباء عن المنزل يبقى التيار الكهربائي موجود في مفتاح الكهرباء بالصالون، ما أثار استغراب ابني، ولما فتحنا ذلك المفتاح وجدنا آلة تسجيل حديثة تسجل كل النقاشات السياسية التي كان يجريها معنا عبد الرحيم بوعبيد وكل ما كنا نتداول فيه حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، فضلا عن حديثنا عن الحزب وتنظيماته وقياداته كعبد الرحمان اليوسفي والمحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم مثلا». وأضاف الحبابي «حين أراد ابني أن يغادر عند انتهاء زيارته، قال لي إن هذه الآلة حديثة جدا ولا توجد في السوق، وطلب مني حين تنتهي عقوبتي أن استولي عليها من أجله، مما أثار ضحكي باقتراحه هذا الذي كان في الحقيقة مزحة كبيرة بالنسبة لي». ويتذكر الحبابي أن البيان السياسي الذي صدر عن المكتب السياسي والذي أزعج الملك الحسن الثاني بسبب موقف الاتحاد الاشتراكي من الاستفتاء في الصحراء المغربية «رفضنا أن نوافق على مثل هذا القرار السياسي، قلنا أن الاستفتاء في القضية الوطنية غير مقبول» ، ولقد كان من صياغة عبد الرحيم بوعبيد، أما أنا فقد تكلفت فقط بكتابته واليازغي كان هو الآخر من المغضوب عليهم. و أوضح الحبابي أن عبد الرحيم بوعبيد، كان مهموما وهو في السجن بالحياة السياسية المغربية والى أين يسير المغرب، كما كان كذلك مهووسا بالنقاش حول تجربتنا السياسية والتنظيم الحزبي للقوات الشعبية والضعف والنقص الحاصل لدينا آنذاك. بذلك كان دائما يفتح معنا نقاشات عديدة في هذه المجالات من أجل الوصول إلى خلاصات. ويتذكر الحبابي أن« عبد الرحيم قد امتنع على تناول وجبة العشاء ودخل غرفته وأوصد بابه وطلب منا أن لا يزعجه أحد حين استمعنا نحن الثلاثة لخطاب الملك الراحل الحسن الثاني، هذا الخطاب الذي كان قويا وتحدث عن انسحاب الفريق البرلماني لحزب الاتحاد الاشتراكي والذي يصل عددهم إلى 15 عضوا من مجلس النواب احتجاجا على اعتقال أعضاء المكتب السياسي والكاتب الأول للحزب عبد الرحيم بوعبيد». وأردف الحبابي قائلا :« حين كنا نهم بالدخول أنا ومحمد اليازغي عليه داخل غرفته، كان يقول لنا بوعبيد اتركوني أرتاح لأن ذلك الخطاب كان قد أغضبه غضبا شديدا» ويروي الحبابي «كنا قد سمعنا أن أحد البرلمانيين وعلى ما أذكر برلماني العرائش الذي كانت له بعض المشاكل مع العمالة هو البرلماني الوحيد الذي رجع لمجلس النواب تحث ضغوطات لهذه الأخيرة، وأعلن أنه لا ينتمي إلى الحزب«. وذكر الحبابي أن حين« انسحب الفريق البرلماني الاتحادي من مجلس النواب احتجاجا على اعتقال الكاتب الأول وأعضاء المكتب السياسي، ذهب أعضاؤه يومها إلى بيت عبد الواحد الراضي الذي تم تطويقه هو الآخر برجال الأمن، وكان الملك سيخطب يوم غد وتم منع كل داخل أو خارج من والى بيت الراضي». وكان عبد الرحيم بوعبيد ككاتب أول للحزب قد أعطى أهمية كبرى لهذا الخطاب، بالرغم من القلق والغضب الذي انتابه وفيما بعد تفكير وتمعن ودراسة ونقاش قررنا أن يرجع الفريق البرلماني لمجلس النواب وكان تبليغ هذا القرار عن طريق محمد الصديقي الذي كان يزورنا بالمعتقل بميسور كمحامي يتكلف بقضيتنا، وانضبط الفريق البرلماني الاتحادي لهذا القرار واستأنف عمله النيابي المعارض داخل المؤسسة التشريعية.