تعتبر الخطب والرسائل الملكية نظيمة فكرية ليست سياسية في شموليتها بالضرورة، كونها بنيات دلالية تمتح من منابع شتى تحمل في طياتها شحنات موضوعاتية مكثفة ،فهي نطق ملكي مباشر أو نص يتم إلقاؤه بشكل تفويضي . وتأخذ الخطب الملكية أنماطا متعددة ،فالخطب الملكية المنصوص عليها في الفصل 52 من دستور29 يوليوز 2011 تندرج في إطار الحق الملكي المحفوظ ،الذي يمكن للملك أن يستعمله في أي وقت تفرضه المناسبة أو يستوجب إخبار الأمة أو ممثليها بحقائق الأمور دون وساطات عمودية تذكر، أو توجيه مؤسسات دستورية أو فاعل من الفاعلين إلى اتخاذ تدابير في مجال من المجالات ،علاوة على الخطب الملكية المرتبطة بالأحداث الدستورية والأعياد الوطنية ،و الخطب الاستثنائيةالاستراتيجية التي تفرضها الظرفية ،وأخرى موجهة الى المحافل الدولية ،ناهيك عن الرسائل الملكية الموضوعاتية والأوامر اليومية التي يوجهها جلالة الملك للقوات المسلحة الملكية بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية. إن الحديث عن الخطب الملكية كبنيات لها قواعدها الشكلية والموضوعية الخاصة، هو حديث عن فكر وقيم وخطط وتفسيرات ومفاهيم ومن يصدرها هو ملك ،ورئيس دولة، وحكم، وأمير المؤمنين، وقائد أعلى للقوات المسلحة الملكية، وبالتالي فكل كلمة ينطق بها الملك وهو يمارس صلاحياته الدينية والسيادية و الضمانية و التحكيمية وحتى التي تنضوي في الحالة المدنية له، هي كلام جدي ،ومرجعي ، وتوفيقي يجب التقاطه والاسترشاد به. سلطة الخطب الملكية لسنة 2013 إن السؤال النوعي والجديد في سنة 2013، هو ما الذي ميز الخطب الملكية هذه السنة؟ ثمة فكرة عامة يستنتجها المتتبع للخطب الملكية في هذه السنة مفادها،قوة معاني ومباني الخطب الملكية الموجهة إلى الشعب وممثلي الأمة ،ورحابة الخطب الملكيةالملقاة في حفلات العشاء التي أقيمت على شرف جلالته في دول السنغال وساحل العاج والغابون علاوة على الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك أمام الرئيس الفرنسي في حفل العشاء الذي نظم على شرف هذا الأخير، ومركزية الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد. تميزت الخطب الملكية لسنة 2013 وخصوصا الموجهة إلى الشعب وممثلي الأمة ،في المناسبات الدستورية والوطنية التالية: عيد العرش، ذكرى المسيرة الخضراء، ذكرى ثورة الملك والشعب، افتتاح الدورة التشريعية الأولى من السنة التشريعية الثالثة، بالصراحة والمكاشفة ،وتشخيص الاعتلالات وتثمين المكتسبات ،فالصراحة في تناول المواضيع هي جزء لا يتجزأ من الإصلاح كهدف منشود . إن ما يسترعي الانتباه في الخطب الملكية السالفة الذكر على اختلاف المناسبة والسياق الزمني ومدة الخطاب ومواضيعه المحورية ،هو مظهرها الخطابي ولغتها وعناصر التجديد فيها،حيث أصبحت الخطب الملكية تبوح بمواضيع جديدة، فضلا عن كونها خطب بحكامة لفظية وزمنية ،و بخط مساير للتطورات الحاصلة في المجتمع ،وملامس للإنتظارات ،ومفاجئ وغير معتاد أحيانا. باتت الخطب الملكية ذات مضامين تقدم تقييما للسياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومة،ففي تقييمه لموضوع التعليم والتكوين, عبر جلالةالملك في خطاب 20 غشت 2013 بصفة صريحةعن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها قطاع التعليم والتكوين بالمغرب وتضمن الخطاب إشارات قوية موجهة للفاعلين في هذاالميدان من أجل وقفة حقيقية لرصد حصيلة ماتحقق من إنجازات الإصلاح الذي انطلق قبل 13 سنةوعدم تبخيسها،داعياإلى ردالاعتبار مجددا للمنظومةالتربوية،وبنفس الروح قدم الخطاب الملكي أمام ممثلي الأمة يوم 11 أكتوبر 2013تقييما للسياسات التدبيريةالمحلية،الدارالبيضاءنموذجا،علاوة على أنّ الخطاب الملكي بات مقرونابالمعاينةالميدانيةالمستتبعة بزيارات لتقييم طريقة تعامل الفاعلين السياسيين والحكوميين مع التوجيهات الواردة في الخطاب، ومدى التقاطهم للإشارات،كماأنها خطب معتمدة على تقارير هيئات دستورية حكماتية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان أوالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،وخطب تخبر الشعب بحقائق جديدة من قبيل ما قاله صاحب الجلالة في خطاب الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء, حيث قال «إن بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعةالأوضاع في المغرب. غيرأن من بينهم،من له توجهات معادية لبلادنا،أومتأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحيانا،مع الأسف،على إعدادالملفات والتقاريرالمغلوطة،التي على أساسهايتخذالمسؤولون بعض مواقفهم. هذاكلام أقوله لك،شعبي العزيز،لأول مرة،ولكني أقوله دائما،وبصفة خاصة لمسؤولي الدول الكبرى،وللأمين العام لمنظمةالأمم المتحدةومساعديه»،وهي خطب من المتوقع أن تستمر في نسج معادلة قائمة على التقييم والتثمين والإعلان عن مشاريع استراتيجية مرتبطة بالدولة والإخبار والتوجيه والدعوة إلى التعبئة واليقظة. تميزت الخطب الملكية لسنة 2013 في محتواها بجملة من الخصائص وهي: خطب مذكرةبأسس التعاقد،وخطب بروافد ثقافية تعكس التنوع المغربي،وخطب غير متسامحة مع من يحاول النيل من ثوابت المغرب ومقدساته،وخطب استشرافيةللتحديات،وخطب بخطط تنموية للمستقبل وحصيلةلأوراش الماضي،وتقييم مرحلي للحاضر،وخطب تعكس السمات المواطناتيةوالنفسيةوالعاطفيةوالشخصيةللملك،وخطب مستحضرةللأبعادالإقليميةوالقاريةوالعالمية،وخطب ذكية تستحضر ماكان وماهو كائن ومايجب أن يكون(خطاب العرش 30 يوليوز 2013 )،وخطب تصنع الحدث وتجني ثماره ميدانيا،وخطب تركزعلى الفعل بذل ردالفعل، وخطب تستجيب لمنطق الدولة. سنة 2013 ... 12 خطابا ملكيا و17 رسالة ملكية يبلغ عدد الخطب الثابتة في الرزنامة الملكية كل سنة بحكم المناسبة 4 خطب حاضرة بشكل معتاد ،منها ثلاث خطب تتضمن العبارة الملكية المتميزة والمطبوعة بالاستمرارية شعبي العزيز، أي أنها خطب موجهة للأمة، وهي :خطاب العرش ،وخطاب بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء ،وخطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بينما يوجه خطاب ملكي اخر إلى ممثلي الأمة بمناسبة افتتاح الدورات التشريعية الأولى من السنة التشريعية، بصرف النظر عن الخطب الاستثنائية والاستراتيجية التي لا ترتبط بعيد وطني أو حدث دستوري والتي خلت منها سنة 2013 ( خطاب أجدير17 أكتوبر2001 حول الأمازيغية ،خطاب 18 ماي 2005 المؤسس للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،خطاب 03 يناير 2010 حول الجهوية، خطاب 09 مارس 2011،وخطاب 17 يونيو 2011 المحددللفاتح من يوليوز2011 كتاريخ للاستفتاء ،على ضوءانتهاءأشغال اللجنةالاستشارية لتعديل الدستور). أما الخطب الملقاة في المحافل الدولية أو الموجهة إلى القمم الدولية والقارية والإقليمية فبلغ عددها خلال سنة 2013 أربع خطب من بينها الخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالة الملك خلال تنصيب الرئيس المالي الجديد، علاوة على توجيه الملك لثلاث خطب إلى الدورة الثانية عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي التي انعقدت بالقاهرة ،فضلا عن خطاب موجه إلى القمة العربية بالدوحة ،وخطاب وجهه الملك إلى القمة العربية الإفريقية الثالثة التي انعقدت بالكويت ،بينما بلغ عدد الخطب الملقاة من قبل الملك في حفلات العشاء المقامة على شرفه (في السنغال وساحل العاج والغابون ) أو أقامها على شرف أحد ضيوف المملكة (الرئيس الفرنسي في زيارته للمغرب) أربع خطب وتندرج هذه الخطب في نمط خطب الود والمجاملة . إلى جانب الخطب الملكية تميزت سنة 2013 بالتوظيف البارز للرسائل الملكية كبنيات تواصلية ،بحيث تغطي موضوعاتها كل القضايا الوطنية والدولية، ويسند إلقاء الرسائل الملكية إما للأمراء وأصحاب السمو الملكي لما لهم من منزلة في النظام السياسي المغربي ،أو إلى أحد مستشاري الملك ،أو رئيس الحكومة ،أو الوزير المعني بالقطاع، و جدير بالإشارة إلى أن سنة 2013 شهدت زخما مهما من الرسائل الملكية بلغت 17 رسالة شملت جملة من المجالات، حيث بلغت عدد الرسائل ذات الطابع الخارجي 3 رسائل ملكية، أما عدد الرسائل الموجهة إلى المشاركين في اللقاءات والندوات والجموع العامة الدولية المنظمة في المغرب فبلغ عددها 8 رسائل ،وفيما يخص الرسائل ذات الطابع الداخلي فبلغ عددها 5 رسائل، ناهيك عن رسالة ذات طبيعة خاصة وجهها جلالة الملك إلى أفراد التجريدة المغربية التي توجهت إلى إفريقيا الوسطى والمطبوعة بالطابع الأممي. إلى جانب الخطب والرسائل الملكية وجه جلالة الملك في هذه السنة أمرا يوميا للقوات المسلحة الملكية بمناسبة ذكرى تأسيسها وكلمة في حفل أداء القسم من طرف الضباط المتخرجين من المدارس العليا العسكرية وشبه العسكرية ،وكذا الضباط الذين ترقوا في رتبهم. التقاليد المرعية في الخطب الملكية لسنة 2013 حافظت الخطب الملكية المؤسسة لسنة 2013 على جملة من الجوانب الشكلية ،فالخطب المسايرة لتطورات المجتمع كرست النهل من صميم الواقع المغربي والإرث التشريفي المغربي ،حيث تستهل وتختتم الخطب الملكية بالاستماع للنشيد الوطني دون ترديده علانية ،فضلا عن حضور كرسي العرش خلف جلالة الملك ،ومستحقي العرش بالتراتب إلى جانبه ،في إشارة إلى ديمومة واستمرارية العرش المغربي. كما أبقت الخطب الملكية لسنة 2013 على الإحالة إلى المرجعية الدينية عبر مظاهر متعددة من بينها العبارة الافتتاحية « الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه «وإنهاء الخطب الملكية في أغلبها بآيات قرآنية وبعدها السلام ،وهذا التوجه بارز منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش . يختلف المخاطب حسب سياق وموضوع الخطاب الملكي بين اصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي والحضرة والمعشر والسيدات والسادة، لكن الثابت في الخطب الملكية المؤسسة ،هو العبارة الملكية الشهيرة «شعبي العزيز» التي تعتبر عبارة مغربية مغربية لها وقعها وحمولتها. وتحتفظ الخطب الملكية بقيم إنسانية متميزة ،ويجد هذا الأمر صداه في تقاسم الملك من خلال خطبه للأفراح والأتراح مع الشعب وتقديم الشكر لكل الفاعلين في الذود عن سيادة هذا الوطن والتنويه بهم. * باحث في القانون العام والعلوم السياسية ومتخصص في تحليل الخطاب.