الحوار كلمة يستعملها الحريصون على تدبير ثقافة الاختلاف والمومنون بأن تدبير المشترك ضرورة لا تقبل المزايدات. الحوار دعوة لا تقف عند موضوع أو جدال دون الآخر. الدعوة إلى الحوار والنقاش لا تنكسر أمام مقدس مهما كانت طبيعته، مادام هذا المقدس جزءا من مشتركنا القابل للنقاش والاجتهاد. مناسبة الحديث لا ترتبط بالجدل الذي خلقته النساء الاتحاديات والاتحاد الاشتراكي عند الدعوة إلى فتح حوار لمراجعة بعض أحكام الإرث لصالح المساواة، ولا المطالبة بمنع واضح للتعدد ولا التشديد على أن إصدار قانون يؤطر الحق في الاجهاض ضرورة مجتمعية، بل بتسارع ردود الفعل » «الفاست»« التي اختار نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين أن يجيب على الدعوة للنقاش بطريقة -العنعنة- المعروفة لدى محترفي اختزال الدين في » عن وعن وعن ..« أن تجد هذه -العنعنة- فرصها للتدقيق والاجتهاد، ودون أن تسمح بإمكانية التأويل الصالح لكل مكان وزمان. نائب رئيس ما يسمى باتحاد علماء المسلمين، الذي يريد أن ينصب نفسه إكليروسا فوق رؤوسنا، اختار أن يطلق أحكاما على نص لم يقرأه أو على الأقل لم يستوعبه واختزل الحواس والقدرات التي يتمتع بها الانسان في حاسة السمع التي تؤمن إلى حد القداسة بالعنعنة، عندما أطلق لسانه جوابا عن سؤال شفاهي مبتور من سياقه الفكري والمفاهيماتي. وعلى طريقة المقدس.. غير القابل للنقاش ولا الحوار ولا إبداء الرأي.. يختار لسان حركة التوحيد والاصلاح أن يجيب على ذات الدعوات الخاصة بالتعدد والإرث والإجهاض، والتي اختار الاتحاد الاشتراكي أن يجعلها شأنا سياسيا لا شأنا نسائيا مقوقعا على الذات، بأسلوب الوشاية تذكرنا بمخبري سنوات الرصاص، عندما وظف الاستبداد قيادات من مرجعياتهم في هدر دم عمر بنجلون. فجريدة التجديد لسان حال حركة الاصلاح والتوحيد، حولت كل قضايا الارث، تعدد الزوجات والإجهاض من موضوعات للنقاش على قاعدة التعددية والاختلاف في الرأي، إلى صك اتهام خطير يدعي المس بثوابت الأمة وعلى رأسها إمارة المومنين ويشهر سلاح الردة والتكفير في الوجه المخالفين في الرأي كما جرت بهم العادة دائما. اختارت هذه الجريدة أن تخرج سلاح المقدس في وجه الاتحاد الاشتراكي، وقد تناست أن سنوات الرصاص وغيرها علمتنا أن معركتنا ليست موسمية ولا مقدسة ولا سالبة لعقيدتنا المشتركة، التي كتب عنها واجتهد فيها علماء الوطن المغربي عمر الساحلي المتوكل، محمد بالعربي العلوي، علال الفاسي، بل معاركنا تتطور بتطور انتظارات الشعب المغربي نساء ورجالا. ليست الصدفة أن يتوحد رأي نائب رئيس ما يسمى اتحاد علماء المسلمين الرئيس السابق لحركة التوحيد والاصلاح وموقف الحركة في افتتاحية جريدة التجريد، واختيارهما اخراج سيف المقدس، ذات السيف الذي يظهر كلما رفعت الأصوات المطالبة بسمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية، وكلما بدأ نقاش مخالف أو معارض أو جديد. وليس صدفة أيضا أن يصطف كل هؤلاء خلف المقدس، متناسين أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 التي اختارها المغاربة، منحت الفصل 19المقدس من دستور 1996 للنساء وقضايا المساواة والتكافؤ الفرص والحقوق وسمو المواثيق الدولية. ومتناسين أيضا معركة الانتقال من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة ومسطرة التحكيم الملكية آنذاك. علماء الوطن الذين ترعرعوا في كنف المغاربة والفكر المغربي الداعم للتسامح والاختلاف والتنوع الرافض باستمرار لوَهْوَبَة المجتمع، كانوا أول من دعوا إلى مراجعة أحكام الإرث والتعدد، لم يختزلوا القرآن في آيات الأحكام، ولا الدين في الفقه، وكما لم يختزلوا التراث الإسلامي في الدين والتدين، بل أدركوا منذ 1957 أن تراث الاسلامي زاخر بشتى التجارب التحررية التي يعكسها الأدب والتصوف والفلسفة، التي لا يدركها دعاة الوهابية فيما يسمى بمجلس اتحاد علماء المسلمين. ومعارك الاتحاد الاشتراكي، يوما، لم تكن خاسرة.