عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    طنجة : الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    حرائق لوس أنجلوس .. الأكثر تدميرا والأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا (فيديو)    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    توقيف شخصين في مراكش بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق السيارات    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    الملك محمد السادس يوجه برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنان الراحل محمد بن عبد السلام    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    أحوال الطقس يوم السبت.. أجواء باردة وصقيع بمرتفعات الريف    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    من هو جوزيف عون الرئيس الجديد للبنان؟    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    ملفات ساخنة لعام 2025    تحذير رسمي من "الإعلانات المضللة" المتعلقة بمطارات المغرب    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية الاعتقاد ودنيوية الدولة «الاسلامية» القديمة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 12 - 2013

ادراك طبيعة الدول « الاسلامية » القديمة يمر بطريقين : الحقيقة والخيال . يقدم الخيال تلك الدول باعتبارها ممثلة للدين ويقيم عليها نظريات اصلاحية كثيرة تحتل جزءا كبيرا من مساحة الحوار الديني السياسي المعاصر. حقيقة هذه الدول هي غير ذلك . كانت دينية ظاهرا وشكلا ولكنها كانت دنيوية مصلحية محايدة دينيا او معارضة للدين في جوهرها. لذلك فإن الحديث عن حرية الاعتقاد في خلال تاريخ الدول الدنيوية «الاسلامية» يصطبغ بالضرورة بصبغة احد هذين الطريقين.
حرية الاعتقاد والكيان الطائفي لغير المسلمين:
حرية الاعتقاد مرتبطة تاريخيا في المجتمعات( الاسلامية) السنية والشيعية  بمنع الاعتراف بكيانيتها الطائفية وبايجاب انبلاعها في سلطة الخلافة او السلطنة الدنيوية التي لم تكن في تصرفاتها تلتزم بصفات الدولة الدينية بل كانت ابعد شيء عن الدولة الدينية . اعترفت الدول الاسلامية بطوائف اخرى وبالطائفة النصرانية خصوصا  وبكراسيها في انطاكية وبيت المقدس والاسكندرية ثم في اسطنبول ولكنها لم تعترف ابدا بالطائفة السنية والطوائف الاسلامية الاخرى اي بكيانيتها وحريتها الاعتقادية في حدود طائفتها اي في شؤونها الدينية
التعاقد
لم يكن يربط المسلمين بسلطة الخليفة او السلطان في العصر الاموي والعباسي والممالك المتصلة به رابط اطيب من الرابط الذي كان يربط اهل الذمة بتلك السلطة. بين اهل الذمة والخلافة او السلطنة قام عقد يضمن للمخالفين في الدين حرية الاعتقاد في مقابل ضريبة شخصية سميت بالجزية وضرائب تجارية خفيفة كنصف العشر في وارداتهم في مقابل العشر على واردات النصارى واليهود الاجانب ( ادب الكتاب للصولي). اذن هي جزية في مقابل حرية اعتقاد وامن. اما التعاقد الذي كان قائما بين المسلم والسلطة الخلافية او السلطانية فهي الطاعة الجسدية والفكرية في مقابل الامن . هو تعاقد لا ينص على حرية الاعتقاد. اذن ان شئنا قضينا بان التعاقد الذي كان يقوم بين سلطة الخليفة او السلطان والذمي اي المحمي كان اطيب اثرا واقرب الى الرحمة والحكمة من التعاقد الذي كان يقوم بين تلك السلطة والمسلم. الطاعة التي كان المسلم ملزما بها تبلغ الى منطقة الاعتقاد والقلب . واقرب دليل على ذلك فتنة خلق القران الكريم في عهد المامون   وما اصيب فيها من فقهاء كبار امتحنوا واوذوا ومقتل متكلمين في العهد الاموي بامر السلطة ومقتل الحلاج  في العصر العباسي ببغداد ومقتل السهروردي ومقتل عمارة بن عقيل على يد صلاح الدين الايوبي  ومحنة البخاري في بلده ومحنة مالك بن انس والامثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى. هذه المقاتل كانت قانونية بالنظر الى التعاقد القائم بين الخليفة او السلطان وبين طائفة المسلمين . لو اقدم خليفة او سلطان من تلك العصور على قتل نصراني او يهودي لاسباب اعتقادية لكان مخالفا لعقد الذمة. لكن هذا لم يحدث فلم يسمع في تاريخ الخلافة والسلطنة العربية والعجمية او ما يدعى بتاريخ الاسلام  عن فتنة لحقت اهل الذمة في اديانهم وعقائدهم . وفي ذلك ما فيه من احترام لعقد الذمة اي الحماية الجسدية والاعتقادية الذي يبعد مجال الاعتقاد الذمي  من مراقبة الدولة . اما بالنسبة للمسلمين فان عقد الطاعة في كفاء ومقابلة الامن كان يسمح للخليفة والسلطان ولمن يمثلهما بالمساس بالسلامة الجسدية لكل من اخل ببند الطاعة العامة التي  يتسع نطاقها الى الضمير والشعور والاعتقادات. هذا معناه ان الطائفة الاسلامية عاشت ظروفا قانونية اقسى من الظروف التي تطورت خلالها الطوائف الاعتقادية الاخرى.
لم تكن حرية الاعتقاد امرا منبوذا من قبل السلطة الخلافية او السلطانية وحدها ولكنها كانت امرا منبوذا من الشعب نفسه . ويكفي ان نتذكر هنا طغيان الحنابلة ببغداد كما يرويه المؤرخون كابن الاثير  وطغيان السنة في مصر بعد الاحتلال الصلاحي وطغيان الشيعة في اماكن اخرى. الطاعة العامة  هي ثمن الامن على النفس الذي كانت تدفعه الطائفة الاسلامية غير المعترف بها لحكامها.

تجريم الكيان الطائفي للمسلمين
ان منع الاعتراف في التاريخ (الاسلامي) بكيان طائفي للجماعة (الاسلامية) سنية كانت ام غير ذلك كالحال في الدولة الفاطمية جعل الاعتقادات ومدى الحرية فيها مرتهنا لاغراض دنيوية متغيره بحسب الاحوال. حين تدعو الاحوال الى اقرار درجة من الحرية الدينية فان الدولة تقرها. مثلا : في العهد الفاطمي عرفت حرية اعتقادية نسبية تمثلت في حيادية الدولة وخصوصا في عهد الامر والحافظ وقد بلغ الامر في ذلك حد الاعتراف للافراد بالتحاكم بحسب مذهبهم الديني وبالتصرف في شؤونهم الاعتقادية بكل حرية . وابرز مثال لذلك منشور الخليفة الامر الفاطمي الذي خطب به في منابر مصر وجاء فيه : ولما كانت همة امير المومنين مصروفة الى الاهتمام بكم والنظر في مصالحكم .... وتمكينكم من التصرف في اديانكم على ما يعتقده كل منكم... من غير اعتراض عليكم «اتعاظ الحنفا» للمقريزي . من دلائل ذلك ايضا ان ادارة الدولة لم تكن بمناصبها خاصة بالاسماعيلية بل تولاها النصارى واهل السنة والامامية فتولوا الوزارة والولاية ومناصب التقرير المالي وغير ذلك بل ان الامر وصل الى حد تولية يهودي على الشام في القرن الرابع بامر العزيز الفاطمي والى تولية نصراني امور الجنايات المالية في مصروهي امور جعلت المكلف بها تمتد اياديه الى انتهاء حرمات المسلمين بالتعذيب والمصادرة والتنكيل ناهيك عن الوزارة والكتابة « اتعاظ الحنفا للمقريزي» . والامثلة كثيرة لا تحصى منذ عهد معاوية الذي كان كاتبه يونانيا نصرانيا « مروج الذهب للمسعودي والكامل لابن الاثير» . والكاتب في الاصطلاح القديم يعادل وظيفة مدير الديوان في عهدنا. اذن لم تكن الدولة الفاطمية والعباسية وخصوصا في عهودها المتأخرة والدول الاخرى المشتقة منهما كدولة المماليك والايوبيين   دولة دينية خاصة بمذهب الا في العبارة واللغة . كانت دولا دنيوية تمنع قيام طائفة اسلامية ذات ملامح فارزة وكانت تتعاون مع ابناء الطوائف غير الاسلامية التي تعترف بها وكانت تحكم بالاقليات الدينية من نصرانية ويهودية وغيرهما وبالاقليات العرقية المستجلبة الحديثة المعرفة بالاسلام وشؤونه . وذلك كله يتنافى مع معنى الدولة الدينية المثالية . لكن مع ما عرف من حرية دينية مذهبية في العهد الفاطمي فإن الدولة الفاطمية التي كانت اشد الدول في الحيادية الدينية لم تعترف هي ايضا بحقوق طائفية( للمسلمين )بمذاهبهم. ولذلك فمن الصعب ان نتحدث عن حرية اعتقادية نظامية تكون قامت في الجماعة «الاسلامية» القديمة فاإن الاعتراف بالحرية الدينية والاعتقادية انما هو وجه العملة الاخرى للاعتراف بالكيان الطائفي للدين او المذهب. نعم كانت هناك مذاهب كلامية مختلفة وكانت الدولة العباسية وغيرها تتدخل او تحايد ولكن العامل الاساسي في ذلك كان هو التقرب من  الاغلبية الفقهية ومن العامة التابعة لها والحفاظ على مصالحها لا عقائد الدولة التي كانت ممارساتها تدل على ابتعادها الكلي عن كل عقيدة الا عقيدة الاستمرار والدوام . ان عقائد حكام هذه الدول القديمة لا تستخرج من الاوصاف التي كانوا يحلون بها انفسهم او كان يحليهم بها مؤرخوهم ولكن تستخرج من سلوكهم الخلقي واعمالهم الجنائية . السلاجقة نصروا مذهب الاشاعرة والصوفية ولكنهم كانوا في الحقيقة محايدين مذهبيا وان اختاروا مذهبا على مذهب فلأسباب سياسية دنيوية هي شيوع المذهب في العامة وفي أغلبية علماء الدين لا لأسباب اعتقادية تخصهم. لقد كانوا أتراكا ينفذون أحكام السياسة كما ورثوها عن قبائلهم البدوية في شرق بلاد الخلافة . لقد كان سلوكهم انعكاسا لشريعتهم القبلية لا لشريعة أخرى وليسوا استثناء في ذلك. ومن ذلك أيضا محنة خلق القرآن فإن ذلك من دقائق النظر الكلامي الذي لا نظن أن المعتصم العباسي او الواثق كانا محيطين به ولكنهما قادا حملة الاعتداء على المخالفين لسبب بسيط هو غلبة القول المعتزلي على المتكلمين والنظار ورغبة الخلافة في الوقوف بجنب الأغلبية. مختصر القول أن هذه الدول كانت دولا دنيوية مستولية على الطائفة الإسلامية ومانعة لظهورها النظامي ومجبرة إياها على البقاء في صورة الجماعة غير الممثلة ومتظاهرة بتأييد فريق مذهبي على فريق بحسب الضرورة الدنيوية.
أي مكان يتسع بعد هذا لحرية الاعتقاد في قلب الجماعة؟ لا تستطيع الجماعة في هذه الظروف إلا أن تمارس العمل الفكري الديني في غير حدود ورسوم الطائفة المعلنة. ونتيجة ذلك تتحول الاغلبيات المذهبية فيها من النقيض إلى النقيض. واقرب مثال لذلك اندثار الاعتزال المنتصر على عهد المامون والمعتصم وانتصار مذهب أخر مباين لذلك على عهد المتوكل ثم انتصار الحنابلة بعد ذلك. وفي مصر يتبين بوضوح انتصار المذهب الاسماعيلي في العامة ثم انتصار المذاهب السنية. اغلبيات فقهية تتتابع ودول دنيوية تعلن تأييدها للاغلبيات الدينية مع منعها من التمثيل الطائفي المأذون به للطوائف غير الاسلامية
لا يجب ان ننسى هنا أننا نتحدث عن تجارب المسلمين لا عن القرآن المجيد ، عن تجارب المسلمين القدماء الدنيوية التي يظلم فيها القرآن ان نسبت اليه. القران الكريم شيء وممارسات المسلمين السياسية والدينية شيء آخر

 الطائفة السنية والشيعية في معنى الدهماء والسوقة
 لم يعترف بتلك الطائفة  التي اصبحت سوقة تابعة لفقهاء متفرقين لا يجمعهم الا التبعية للخلافة في الفقه والفتوى( انظر على سبيل المثال في اتعاظ  الحنفا للمقريزي استتباع القادر العباسي للفقهاء في انكار نسب الخلفاء الفاطميين وفي القضاء . وانظر في مختصر الدول لابن العبري رسالة الخليفة الراضي الى الحنابلة في الربع الاول من القرن الرابع الهجري) . وترتب على ذلك ان احوالها الحقوقية اصبحت ادنى من احوال اصحاب الديانات الاخرى هؤلاء كانوا ملتزمين بالامن والطاعة السياسية للامير او الخليفة او السلطان لكن لم يكونوا ملزمين باتباع عقائد الاغلبية الفقهية وما معها من عامة ودهماء ، تلك العقائد التي يحميها الخليفة  او السلطان في مختلف عهود التاريخ (الاسلامي) القديم عند الاحتياج دون ان يكون في تصرفاته العامة والخاصة ملتزما به من العسير على متتبع احوال وسير السلاطين السلاجقة الذين كانوا يقربون الاشاعرة ان يغفل عن ان حكمهم كان قائما على العصبية التركية كالمماليك في مصر والشام ولم يكن له اي صلة بالمذاهب الكلامية او بالاعتبارات الاسلامية وان يصرف النظر عن ان الصلة بينهم وبين الفقهاء والمتكلمين وممثلي الديانة انما كانت تمليها سياسة العامة من المسلمين لا حماية العقيدة او ما شابهها . اذن  وضعية حرية الاعتقاد ونسبيتها اصلهما فقدان الهوية الطائفية للجماعات الاسلامية في العهود الماضية التي تمثل اساس التفكير الديني عند بعضنا. اضف الى ذلك ان فقدان الحقوق الطائفية وما جره من فقدان لحرية الاعتقاد كان مصاحبا بفقدان للتساوي مع اهل الذمة في الفرائض المالية. اهل الذمة يؤدون الجزية التي كانت حملا اخف من الحمل الذي كان يتكهله او يتحمله اهل الطائفة السنية او الشيعية اي السوقة( المسلمون )  من خراج وضرائب اخرى . وبالنظر الى مصطلح اهل الذمة نلاحظ ان معنى ذلك انهم اهل الحماية فالذمة هي الحماية فهم الجماعات المحمية . اما السوقة المسلمون او الرعية اي الاطار الذي تقيم فيه الطائفة السنية والشيعية  فليسوا اهل ذمة اي ليسوا محميين بقانون دولة الخلافة او السلطنة . كانوا بخلاف اهل الذمة مطالبين بالاموال وبالعمل التسخيري  لحساب السلطان وذلك ما كان اهل الذمة ناجين منه بحكم الحماية المكفولة لهم  . كان من الافضل لكل عاقل ان يكون من اهل الذمة في العصر العباسي وغيره . ذلك كان خيرا له من ان يكون عضوا في طائفة سنية  او شيعية مطالبة بالاموال وبالعمل ومحرومة من الحقوق الطائفية  التي هي اساس الحرية الدينية - اذ لا حرية في العقائد بغير حرية في المؤسسات الدينية - ولا تتمتع باي حق من الحقوق السياسية بحكم المذهب الكلامي السائد الذي لا يجعل للعامة حقا في الدولة وتصريفها.
المختصر ان  حرية الاعتقاد في قلب  الانظومة الفكرية السياسية الدينية( الاسلامية) القديمة  تحدد  بمجرد ان رفضت الدولة  منذ العهد الاموي الاعتراف بهوية الطوائف
الاسلامية  وبكياناتها اسوة  بحال الطوائف الاخرى التي اعترفت بها في معاهدات الفتح
الطائفة والرهبانية
لا رهبانية في الاسلام حديث نسبه المحدثون الى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ادري درجته من الصحة ولكن استدل به المستدلون على سبب غياب جهاز يمثل الطائفة السنية او غيرها . اولا هذا الحديث لا يعني تحريم اقامة المؤسسة الدينية الممثلة وانما يعني تحريم الامتناع عن النساء. الرهبانية هي تحريم العلاقات الهنوية( الجنسية في الاصطلاح المرتبك الشائع) . الحقيقة ان منع تاسيس جهاز يمثل الطوائف الاسلامية طيلة التاريخ (الاسلامي)  قرار اداري  حمت به الدول ( الاسلامية) نفسها من قيام سلطة( اسلامية) اخرى بجانبها تقاسمها الامر والنهي. هو قرار اداري غير ديني حول الى قرار ديني من اجل تمكين الدولة من تشتيت مجتمع الفقهاء والمتكلمين  وتحويلهم الى اتباع للسلطة الادارية الممثلة في الخليفة او السلطان . وقد افلح اصحاب ذلك القرار في اهدافهم
ويبدو ان ذلك من نتائج اتخاذ لقب الخليفة , الذي كان معناه طيلة تاريخ المسلمين يتراوح بين خلافة الله وبين خلافة رسول الله بحسب الاحوال. لقد جر ذلك القدماء الى القول بخلافة الخليفة عن النبي في وظائفه الدينية فالنائب من شانه ان ينوب عن المنوب عنه في وظائفه كلها. السيرة السنية تؤكد ان النبي كان يبعث عاملين عاملا للصلاة وعاملا اداريا. معنى ذلك انه كان مشرفا على الشؤون الدنيوية والدينية . لم يكن غريبا اذن ان يتولى خليفته بعده تلك الوظائف وان لم يكن مستخلفا بامر منه اواستخلفه عن رسول الله او عن الله جنوده.اشرنا الى السيرة النبوية السنية لنميزها عن سير اخرى له كتبها منتمون الى مذاهب اسلامية اخرى كسيرته عند الاسماعيلية « كتاب النطقاء لابي الوليد اليمني مثال عن ذلك»
تركت وظيفة عامل الصلاة في العصر العباسي بل تركت قبل ذلك في العهد الاموي ايضا وفقد مجتمع الفقهاء ما يصح ان يدعى ببذرة الكيان الطائفي الذي رسمته الممارسة النبوية والراشدية كما تحكى في السيرة السنية وكتب التاريخ.استمر الحال على ذلك في العهود الاخرى . لكن لابد ان نشير الى بروز الوظيفة الدينية في منصب الخلافة بروزا لم يتقدم من قبل في العصر العباسي بعد سقوط بغداد تحت حكم البويهيين سنة 329.ذلك البروز لم يكن سببه قوة الخلافة الدينية وانما كان سببه سلب السلطة الدنيوية من يد الخليفة وانتقالها الى ايدي البويهيين «تجارب الامم لابن مسكويه » . صار الخليفة بعد ذلك رئيسا للطائفة السنية الاسلامية وصارت اعماله كلها منحصرة في المساجد والقضاء والعلماء والاعتراف الديمني بالسلاطين والامراء ونزعت عنه كل قوة عسكرية واستمر الامر كذلك الى نهاية الدولة السلجوقية. وزاد من بروز الوظيفة الدينية المذهبية للخلافة نشوء الدولة الفاطمية واطلالها على العراق مقر الخلافة العباسية. مع ذلك فان الاعتراف بكيانية الطائفة السنية الاسلامية لم يتحقق بالوضعية الجديدة للخليفة. لم يكن الخليفة في حقيقة الامر الا اميرا مستوليا على الحقوق الطائفية برضى الامير البويهي او السلطان السلجوقي او برضاه هو نفسه قبل الاحتلال البويهي لبغداد ولم يكن ممثلا حقيقيا للطائفة في الحالين اذ لم تكن شروط الامامة المذهبية متوفرة في احد من الخلفاء العباسيين ولم يكن من شروط تولية احد الخلافة توفر شروط الامامة المذهبية فيه.
ان من الطف ما ترتب في زمننا  على انكار كيانية الطائفة الاسلامية المستمر في الشعور والوجدان ان بعض الدول (الاسلامية) المعاصرة التي عقدت هيئات لوضع الدستور اصطدمت بغياب بنيات تمثيلية للاسلام. لم تجد امامها من حل الا ان يمثل (الاسلام) في لجنة وضع الدستور شيخ جامعة متخصصة في الدراسات الاسلامية. اما( المسيحية ) ففازت بعدد لا باس به من الممثلين الذين ينوبون عن كنائسهم وطوائفهم . وبذلك اصبح ( الاسلام ) في بلده اقلية في لجنة الفت لوضع دستور لذلك البلد.
ومن اكره ما ترتب على ذلك ايضا ضياع الممتلكات المسجدية في البلدان التي طرد منها (المسلمون) كالاندلس بخلاف ما تحول اليه الامر بعد الانتشار (الاسلامي ) فقد حفظت الممتلكات الكنسية في كل البلاد التي فتحت صلحا ولم يكن من سبب لذلك الا ان المسيحية الكنسية قبل ظهور الدولة (الاسلامية) كانت تتمتع بكيان طائفي قائم بجنب كيان الدولة .
تقاسم المجال القانوني وعلاقته بحرية الاعتقاد
تقاسم المجال القانوني بين السلطان الذي يحكم بمقتضى احكام السياسة اي بمقتضى منطق الدولة وشرعها الصادر عن ارادات قوادها لا منطق شرع الفقهاء، وبين الفقهاء الذين يتدخلون في الشؤون الفردية الشخصية اسهم كذلك في تلوين وضعية  حرية الاعتقاد. لقد استبدت السلطنة او الخلافة بالمجال السياسي والعسكري والمالي وقوانينه اي بالمجال العام  وتركت للفقهاء المجال الخاص كالمواريث والزواج والطلاق والقانون المدني وان كانت تبقي للخليفة او السلطان الكلمة الاخيرة فيه نظريا لا عمليا الا حين تحركه الدواعي السياسية والاغلبية الفقهائية كحال الخليفة الراضي مع الحنابلة وقد تقدم. لم يكن الحكم السلطاني او الخلافي يعترف للفقهاء بحق الافتاء والاملاء في مجال الدولة وقوانينها التي لا مصدر لها الا رجال الدولة الذين لم يكن لاغلبهم المام بالدين ودرجة فيه وليس مصدرها ما يفهم من الكتاب او السنة الخ والقياس والاجماع الخ.. اما كتابات ابن الازرق وابن خلدون والسرخسي وابن القيم وغيرهم ممن انشاوا اقوالا في قوانين الدولة والحرب الخ فكلها اعمال نظرية لم يكن يخطر ببال الحاكم ان يقراها. صلاح الدين الايوبي الذي قتل السهروردي بتهمة الزندقة وقتل عمارة اليمني بتهمة ظنية مستخرجة من قراءة بيت من شعره قال فيه :
وكان مبدا هذا الامر من رجل.  سعى فاصبح يدعى سيد الامم
لم يفعل ذلك بغير منطق شرع السياسة واحكامها الدنيوية كما كان يتصورها . وسيف الدولة الذي قتل في ليلة واحدة اكثر من مائة من غلمانه لم يكن يفعل ذلك بحكم الشريعة ولكن بحكم منطق دولته . والناظر في كتاب سير الملوك للمقريزي الذي جمع فيه ابرز احوال واخبار المماليك يكتشف فنونا من الممارسات السياسية ومن الاعمال الجنائية الاجرامية المذمومة شرعا ومنطقا . لم تخطر تلك الاعمال ولا عقوباتها ولا الجهر بها ببال الفقهاء لانها ليست من انتاجهم ولا فكرهم ولانها تنتمي الى المجال الخاص بالسلطنة المملوكية لا الى مجال الشرع الفقهي. ولنكتف هنا بمثال  هو كتاب احكام اهل الذمة لابن القيم. لقد ملاه كاتبه بذكر اختيارات الفقهاء وانظارهم ولم يذكر من ممارسات الحكام الا القليل ، ممارسات الحكام الذين كانت لهم احكام اخرى نابعة من اختصاصهم بمجال السياسة العامة  ومن اصول غير اصول الفقهاء اي من اصول حفظ الامن والامرة . ولعل اكبر دليل على سريان تلك الاصول السياسية الدنيوية المنافية لشكل وشرعة الدولة الدينية المكانة الراقية التي احتلها اهل الذمة في دول المماليك والايوبيين والعباسيين وغير ذلك من الدول ( الاسلامية) حتى تولى بعض النصارى الارمن للفاطميين الوزارة وسمي سيف الاسلام وتاج الدولة وحتى سعى خليفة الاسلام الفاطمي الحافظ في جنازته وحولة المباخر والرهبان ومقارئ الانجيل الكنسي على اليمين وعلى الشمال وبكى على قبره0لم يحتكر الفاطمي ذلك المذهب فقد سبقه اليه خليفة الاسلام ايضا المعتصم العباسي الذي نظم في قصره جنازة طبيبه النصراني سلمويه طبقا للطقوس الكنسية النصرانية وحضرها بنفسه وشاهد فصولها المخالفة شكلا ومعنى للاسلام بمذاهبه كلها « مختصر الدول لابن العبري» . المضحك المبكي ان هذا الرجل الذي نعت بالخلافة الاسلامية ورضي لبعض رعاياه بالنصرانية وما فيها من بعد ونفي وتناقض مع الاسلام , عملا بعقد الذمة , كان طبقا لعقد البيعة المطلقة بينه وبين رعاياه المسلمين يستطيع ان يقتحم حريتهم الدينية الاعتقادية وان يمتحنهم وان يشردهم ويعذبهم ويسلب حقوقهم ان خالفوه في اعتقاده واعتقاد الاغلبية الاعتقادية الغالبة على العامة. وفي محنة ابن حنبل وابن نوح وغيرهما على عهده وعهد الواثق بعده ما يدل على ذلك دلالة بينة . كانت تلك المكانة تغضب الفقهاء الذين كانت اقلية منهم تؤلف في مجال غير مجال الفقهاء اي في مجال تسيير الدولة او المجال العام . القاضي ابو يعلى الحنبلي من هؤلاء. انظر الى قوله عن ممارسات حكام عصره في خصوص اهل الذمة. قال : «وفي هذا دلالة على ان هؤلاء النصارى الذين يتولون اعمال السلطان ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين واخذ الضرائب لاذمة لهم وان دماءهم مباحة لان الله وصفهم باعطاء الجزية على وجه الصغار والذل ». في قول ابي يعلى ما فيه من بيان للفرق بين احكام الفقهاء النظرية وبين الممارسات السلطانية الدنيوية . وفيه ما فيه من بيان للتباين الذي كان قائما بين اوضاع اهل الذمة واوضاع غيرهم في الدولة ( الاسلامية) القديمة.
اضف الى ما تقدم ان عدم الاعتراف بكيانية الطائفة الاسلامية وما ترتب على ذلك من تشتيت لجماعة الفقهاء حرم هؤلاء من كل مركز قانوني يمكنهم من النطق في قلب الدولة او بجانبها او يمكنهم من تمثيل طائفتهم كما كانت تمثل الطوائف غير الاسلامية برؤسائها . لذلك كانت احكام بعضهم ممن تدخل في المجال العام مجرد تداريب نظرية لا صلة لها بالقوانين النافذة في مجال السياسة السلطانية 
هل يمكن لحرية الاعتقاد ان تنمو في مثل هذا السياق ؟ انها لا تنمو الا في دولة مدنية اي دولة لا تقوم على تقاسم المجال القانوني بين الفقيه والامير ، دولة  قائمة على الذمم الشخصية لا على النيابة عن الذمة الالاهية او النبوية ، دولة تتحقق فيها المعاني الواردة في حديث بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( .. واذا حاصرت اهل حصن فارادوك ان تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة اصحابك فانكم ان تخفروا ذممكم وذمم اصحابكم اهون من ان تخفروا ذمة الله وذمة رسوله واذا حاصرت اهل حصن فارادوك ان تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن انزلهم على حكمك فانك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم ام لا .)
لو كانت الدول ( الاسلامية) المتتابعة كما جاء في هذا الحديث قائمة على ذمم الحكام لا على ذمة الله ورسوله في الشكل والعبارة والادعاء  ولو كانت قوانين الفقهاء قائمة على ذممهم وتمثل رايهم ولا تدعي تمثيل حكم الله لكانت قامت الدولة المدنية التي يتحقق فيها حرية الاعتقاد . لكن .. لكن حدث ان احوال التاريخ الاسلامي سارت من بعد النبي صلى الله عليه وسلم  في خط مخالف تماما لحديث بريدة.
 لم  يتلبث للشخص او للفرد في هذا السياق نصيب من القانون يتصرف فيه فلم يعد من الممكن له الا ان يفقد شخصيته والا ان يتحول الى شيء من الاشياء. والشيء لا يملك من امر اعتقاده شيئا ولا يصح ان يحكم عليه بحرية الاعتقاد. الشيء والحرية متباينان. 
نظرية النيابة عن الله وحرية الاعتقاد
اصبح الخليفة منذ العهد الاموي نائبا عن الله في الارض لا عن رسول الله  وقد اشار الى ذلك الجاحظ في رسائله وكثرت الاخبار عن ذلك كمقالة الحجاج عن الذين يفضلون رسولا على نائب. لكن في العهد العباسي ازدادت نظرية نيابة الخليفة عن الله بروزا بسبب قيام الامارات والسلطنات بجانب الخليفة. صار الاستحقاق الدستوري - ان شئنا استعمال ادوات عصرنا الاصطلاحية - مرتبطا باعتراف الخليفة . اعتراف الخليفة كان يحمل للسلطان او الامير في الاطراف  كمصر والشام وشرق العراق  والاندلس (المرابطون وبعدهم بنو غانية وبنو هود بالاندلس) وبلاد الروم التركية السلجوقية الخ اعتراف ( نائب ) الله بهم . يصبحون باعتراف الخليفة نائب الله نوابا عن نائب الله متمتعين بكل امتيازات النيابة واولها الاستقلال الاداري عن الخليفة الذي هم ينوبون عنه وليسوا عمالا له كالحال في العهد الاموي والعباسي الاول. لم يخرج عن هذه القاعدة الدستورية الا اباضية عمان لاسباب مذهبية والموحدون في المغرب لاسباب هي قيامهم على  المرابطين اتباع الخلافة العباسية وعمالها « دستوريا او نظريا» التي لم يكن رايها فيهم جميلا فلم تعترف بهم ولم يسعوا الى اعتراف منها بهم لعلمهم بحالهم منها ، وخرجوا بذلك عن القواعد الكلامية المذهبية النافذة في اتباع المذهب السني بمعناه الواسع ، وكانوا بحكم المذاهب الكلامية وفي مقدمتها المذهب الاشعري خوارج على الامام. هل يمكن ممارسة حرية الاعتقاد مع نظرية النيابة عن الله ؟ ان كانت حرية الاعتقاد متعسرة مع رسول الله الحامل للحقائق المؤسسة لتلك الحرية وغيرها من الحريات فانها اشد تعذرا مع مدعي النيابة لاسباب اخرى. وواضح ان دعوى النيابة اعظم من دعوى الرسالة. الرسول بشر حامل للحقائق لا يدعي النيابة . اما النائب فلا يدعي الرسالة لان نيابته تغنيه عن التحمل بها وينفصل في خيال اتباعه عن ردائه وجوهره البشري ويتحول الى اله او نصف اله.
اول الشعوب في التاريخ (الاسلامي) الذين دمروا نظرية النيابة عن الله في المجال السياسي هم  المغول الذين رفضوا الدخول في اللعبة ودمروا الدولة العباسية  وقتلوا اخر( نواب) الله المستعصم العباسي. حاول المماليك في مصر اعادة نظام النيابة الالاهية فاقاموا خلافة عباسية مصرية  وفشلوا في ابرازها في المنظر اللائق بسبب عجزهم عن تمتيع الخليفة بارض مستقلة يمارس فيها نيابته الاولى . ولم يعد المجتمع (الاسلامي) الى نظرية النيابة الالاهية في العهد العثماني الذي كان سلطنة غير مرتبطة بخليفة او نائب عن الله  ولم يتغير الامر الا في عهد عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  ، الذي حول نفسه ،  لاسباب وقتية مرتبطة باهداف دفاعية مواجهة للغرب ، من سلطان الى خليفة ونائب اسوة بالقدماء وخلافا للمذاهب الكلامية الاسلامية التي تجعل (النيابة) عن الله  من حق القرشيين وحدهم ولا تجعل للاتراك فيها حظا. تلك النظرية التي احترمها اباء عبد الحميد  الاتراك فاكتفوا بالقاب عظيمة اولها السلطان والخان ولم يمدوا اعينهم لمقام الخلافة . ويظهر ان الضربة المغولية التي وجهت لنظرية النيابة  بتدمير الخلافة العباسية العراقية ابقت اثرا عظيما في الوجدان (الاسلامي) منعه من العودة الى تلك النظرية.  
المسلمون الذين كانوا في الاصل مسلمين لله اصبحوا مسلمين لنائبه ولنائب نائبه بواسطة الفقهاء الذين كانوا لا يتمتعون بالصفة الطائفية  . لا ينبغي ان ننسى ان نظرية النيابة الالاهية كانت من جملة عقائد العامة اي جملة (المسلمين) فلم يكن من الممكن ان تستمر الدولة العباسية قرابة خمسة قرون لو لم تكن عقيدة او نظرية النيابة الخلافية منغرسة في اعماق الشعب ( المسلم) او في اغلبيته وان كان هو المتضرر الاول منها.
هذا الامر يحتاط له في الشهادة الاسلامية التي تنص على ان محمدا رسول الله لا نائب الله. ولكن حدث بعد رسول الله انتصار نظرية النيابة عن الله في الجماعة ( الاسلامية) خلال قرون متتابعة وصارت الرسالة اعلانا فوق الماذن لا غير.
باختصار: حرية الاعتقاد تعرضت لاعطاب مع نظرية النيابة ولو ظلت عقيدة الرسالة قائمة في النفوس وادرك معناها البعيد عن معنى النيابة لاتجه التاريخ وجهة اخرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.