يستمر تصلب المواقف في الصراع بين الجيش والإخوان في مصر، غير أن مدونين يتابعون رسالتهم عبر وسائل تواصل جديدة في الكشف عن انتهاكات الطرفين للحريات وحقوق الإنسان وسط حالة الاستقطاب السائدة في البلاد. لقد لعب التدوين الالكتروني دورا كبيرا في الحياة السياسية المصرية منذ ظهوره هناك عام 2004، بدأت آنذاك مدونات كثيرة بشكل حذر، وبينما بدأ بعض المدونين بذكر أسمائهم والتعبير عن أمور شخصية وعامة كعلاء عبد الفتاح وزوجته منال، اختار كثيرون الاختفاء خلف أسماء وهمية. لكن المدونات مثلت في كل الأحوال وسيلة للتعبير، سواء عن خبرات شخصية وقصص من الحياة اليومية أو عن آراء سياسية. ونظرا لضعف قنوات التعبير الحر في مصر خلال السنوات الأولى لنشأة المدونات، كان للشأن السياسي النصيب الأكبر في المدونات المصرية، لاسيما وأن انتشارها صادف انتشار موجة من الغضب ضد نية توريث الحكم لجمال مبارك. التدوين يسد فراغ إعلامي وقد دفعت مساحة الحرية التي تقدمها المدونات بعض الصحفيين إلى ترك الصحافة التقليدية والاتجاه إلى التدوين كنوع من الصحافة البديلة الحرة. ومن بين هؤلاء وائل عباس، صاحب مدونة «الوعي» المصري وعمرو عزت صاحب مدونة «ما بدالي». ورغم الاتهامات الموجهة للمدونين بالتعبير عن وجهات نظر شخصية وضعف المصداقية والموضوعية، يرى المدون أحمد حجاب أن «المدون عادة ما يحرص على مصداقية مدونته ويعمل على تحري الدقة والموضوعية في أخباره على عكس الصحفي أو الإعلامي الذي يمكن أن تؤثر عليه سياسة أو اتجاه المؤسسة التي يعمل بها». وهو ما توضحه المدونة والباحثة في الصحافة والإعلام نهى عاطف التي تقول في هذا السياق: « كان المدونون يقومون بسد فجوة في المشهد الإعلامي، لأن الإعلام في عهد مبارك لم يكن يتمتع بحرية، وكانت هناك الكثير من المحرمات التي لم يكن من الممكن الحديث عنها سواء في الإعلام الحكومي أو الإعلام الخاص». وقد أظهر التدوين بالفعل مصداقيته في عدد من القضايا، فكان له الدور المؤثر في الكشف عن الكثير من انتهاكات نظام مبارك ضد المواطنين، حيث تمكن مدونون من نشر صور ومشاهد فيديو تظهر ما يتعرض له المتظاهرون والمحتجزون من عنف وتعذيب على أيدي رجال الأمن والشرطة. ومن بين المدونات التي برزت في هذا المجال على سبيل المثال مدونة نهى عاطف التي كانت تحمل عنوان «التعذيب في مصر» وهي ترى أنها كانت كسرا لمحرمات الحديث عن التعرض للتعذيب قائلة: «كان هناك انتهاكات كثيرة في عصر مبارك، وكان من العيب الحديث عن التعرض للتعذيب. والآن مازالت هناك انتهاكات، لكن الضحايا الآن تتحدث بحرية». مرحلة جديدة من ناحية أخرى، ترى المدونة الشابة أن التغير في المجتمع وفي الأحداث جعل هناك حاجة للخروج من التدوين الشخصي، كما كان الحال في بداية المدونات، إلى التدوين الجماعي والحملات المنظمة وتضيف: «بعد 25 يناير أخذ الأمر شكلا مؤسسيا، فأصبحنا نرى جهات مثل شبكة رصد الإعلامية لها مكتب وفريق عمل تؤدي دور صحافة المواطن عبر الشبكات الاجتماعية ولكن بشكل مؤسسي». وفي سياق متصل ترى نهى أن الحاجة للتدوين كما كان عليه الحال لدى انطلاقته لم تعد موجودة موضحة أن عدد القنوات التلفزيونية والجرائد زاد بشكل كبير وأصبح أكثر تمثيلا للتيارات المختلفة والفئات المختلفة. كما ساهمت المنافسة في ظهور قنوات أكثر مهنية من أخرى. بل أن هناك مدونين اتجهوا إلى الصحافة التقليدية كما توضح الباحثة قائلة: « لقد تطور التدوين وتطورت الصحافة التقليدية والتفاعل بينهما أصبح يأخذ أشكالا مختلفة، فبعد أن كان علاء عبد الفتاح على سبيل المثال يؤكد أن الجرائد ستختفي، أصبح هو نفسه يكتب في جرائد تقليدية». وتضيف أن الصحافة والإعلام التقليدي أيضا هو من أعطى المدونين الناشطين شهرتهم، من خلال كتابته عنهم واستضافتهم. اختلافات بعد الثورة يمثل المدونون تيارات متنوعة، منهم الليبرالي واليساري والإسلامي والإخواني وغير التابع لأي أيديولوجية. وقد برزت هذه الاختلافات بشكل أكبر بعد الثورة، لأنهم قبلها كان لديهم هم واحد وهدف واحد وهو التخلص من نظام مبارك، كما توضح نهى عاطف، مستشهدة بحملات التضامن للدفاع عن المدونين المعتقلين من تيارات أخرى، مثلما حدث خلال حملة الدفاع عن عبد المنعم محمود عند اعتقاله عندما كان من الإخوان وكان معظم المدافعين عنه من اليساريين والتيارات الأخرى، لكنها تضيف: «بعد يناير 2011، بدأت تلك الأرضية المشتركة بالتقلص، وبدأت الاختلافات الفكرية في الظهور بشكل أبرز.» ولم يكن هذا هو الاختلاف الوحيد بعد الثورة، كما ترى الباحثة في مجال الإعلام، مضيفة أن «السلوك الإعلامي للمتلقي تغير، وأن الأحداث تسارعت، ما جعل القراء يبحثون عن سرعة الوصول إلى المعلومة، مثل شريط الأخبار، وليس عن الآراء الشخصية والتحليلات». هو ما ساهم في تفضيل المتلقي لمتابعة ما يكتبه الناشطون على ال«فيسبوك» و«تويتر»، خاصة وأن هذه الوسيلة تتيح قراءة ما يكتبه أكثر من شخص في آن واحد. وتضيف نهى في هذا السياق: «لا يلجأ القراء الآن للتدوين الطويل إلا في حال الرغبة في الفهم المتعمق لقضية ما، مثلما حدث قبل التصويت على التعديلات الدستورية». ويتفق معها المدون أحمد حجاب، الذي يرى أن «التدوين لم يتراجع بعد الثورة، لكنه طور نفسه» مشيراً إلى أن ««فيسبوك» و«تويتر» يعتبران فقط أشكال جديدة للتدوين» وإلى أن تويتر يطلق عليه اسم «التدوين المصغر (مايكروبلوغين)»، كما أن «عددا من المدونين أصبحوا أكثر شهرة وأصبحوا شخصيات عامة» . فوق الصراعات والاستقطاب وإذا ما رأينا كم متابع لبعض المدونين المشهورين مثل علاء عبد الفتاح (أكثر من 480 ألف متابع)، ووائل عباس (حوالي 250 ألف متابع)، سنعرف أن شعبية هؤلاء النشطاء قد زاد باتجاههم للوسائل الأوسع انتشارا. وإذا ما تابعنا المناقشات على ما ينشرونه على صفحاتهم الاجتماعية سنعرف أن تأثيرهم قد زاد بشكل ملحوظ. كما نرى من متابعة تعليقاتهم، أن معظمهم بعيدا عن حالة الاستقطاب التي تسود البلاد، فهم مازالوا يدافعون عن حقوق الإنسان بشكل عام. لهذا فأحمد حجاب يعتبرهم «صوت العقل وسط حالة الاستقطاب بين من يشجع موقف الجيش ومن يشجع موقف الإخوان»، فهم ما زالوا يحاولون كشف انتهاكات الجانبين، ويشير حجاب إلى أن هذا هو الدور الذي اتخذوه دائما، «وهو نفس الدور الذي لعبوه أثناء حكم المجلس العسكري، عندما دعوا ليوم «التدوين ضد المجلس العسكري» لتشجيع الناس على كسر «المحرمات» وتحدي فكرة أنه من غير الممكن انتقاد المجلس العسكري. ويشير المدون الشاب في هذا السياق إلى أن التحديات أمام المدونين لم تتغير، فلا توجد مؤسسات تحميهم: «الخطر الواقع على المدونين لم يتوقف ثانية، لا في عهد حسني مبارك، ولا في عهد المجلس العسكري، ولا في عهد محمد مرسي ولا الآن، لكن الفارق الكبير هو أن الناس الآن أصبحت تشعر بحرية أكبر، وأصبح هناك عدد أكبر ممن يتحدثون في السياسة. هناك موجة انفتاح بعد 25 يناير، ولم يعد هناك خوف لدى الناس».