يعبر النسق الفحولي للثقافة العربية عن نفسه بدءا من قاعدة التذكير في اللغة وغياب جمع مفردة امرأة أو وجود مفرد لجمع كلمة نساء، وليس انتهاء بتذكير الفضاء والمخيال الديني ولا سيما في ما يتعلق منه بالجنة، حيث الحوريات وأنهر العسل والخمر والغلمان دون أي ذكر لما ستكون عليه حال المرأة في الجنة إذا لم يستدعها زوجها لكي تقيم معه. هذا التغييب للمرأة من قبل ثقافة يهيمن عليها الذكور ويتولى صياغتها وتوجيهها هو جزء من الظلم الواقع على المرأة وتعبيرا عنه، حيث المرأة هي الهامش الملحق والتابع الذي يستظل بظل المركز ويختفي تحت طبقات ظله. من هنا كانت النسوية التي بدأت حركة اجتماعية ثقافية محاولة لاستعادة مكانة المرأة في المشهد الإنساني بكل مسمياته الثقافية والسياسية والاجتماعية والحقوقية لكي يكون لها حضورها الفاعل والمؤثر في صياغة منظومة القيم والمفاهيم والعلاقات التي تنظم علاقات الأفراد داخل هذا المجتمع. ثمة تعبيرات ثقافية كثيرة يمكن الاستدلال من خلالها عن الطبيعة الذكورية لهذا النسق الفحولي لكننا بفعل التكوين العام للنمط الثقافي السائد في حياتنا ومنظومة القيم والسلوك المعتاد لا نستطيع تفحص هذه الحالات والممارسات باعتبارها جزءا من النسق الثقافي الذي نتعايش معه حتى يصعب علينا رغم نوايانا الإيجابية تجاه المرأة أن نتنبه لها وندرك مدلولاتها ومعانيها على هذا المستوى. من تلك الظواهر الثقافية التي تطالعنا وننساق فيها طوعيا لتأثيرات هذا النسق الفحولي ظاهرة التسميات التي تحملها مجلات الأطفال في عالمنا العربي حيث جرى تذكير جميع أسمائها ولم تجد المرأة أي مكان لها في تلك التسميات التي حملتها هذه المجلات، وكأن الطفولة خاصة بالأولاد دون البنات أو أن البنات اللاتي جرى استبعادهن زمنا طويلا عن مجال التعليم والثقافة يجب أن يبقين خاضعات لسلطة هذا النسق، دون أن يتجاوزن حيز الهامش الخاص بهن باعتبارهن مجرد تابعات له لا أكثر. من تلك المسميات الكثيرة التي حملتها مجلات الأطفال العربية «أسامة وسامر ومجلة الفاتح وماجد ومجلة الأولاد ومجلة أطفال ومجلة صادق والعربي الصغير» وغيرها.. خطورة هذا الاستبعاد والتمركز حول الأسماء الخاصة بالذكور تتمثل في أنها تعلم المرأة بصورة لا شعورية منذ الطفولة الخضوع لسلطة هذا النسق الفحولي والاعتياد من خلاله على موقعها داخل نسق هذه الثقافة، في حين تعزز لدى الطفل سلطة حضوره ووجوده باعتباره قيمة خاصة تبجلها هذه الثقافة وتمنحها مكانتها المتفوقة على الأنثى. وعلى خلاف ما هو شائع في التقسيمات التي تمارسها المجلات الموجهة للنساء والخاصة بكل ما يتعلق بحياتهن ووظيفتهن الاجتماعية، فليس المطلوب أن تكون هناك مجلات خاصة بالأولاد الذكور ومجلات أخرى خاصة بالبنات لأن هذا الفصل هو تكريس قائم على أساس «الجندر» أي النوع الاجتماعي وهو في معانيه تكريس لسلطة النسق الذكوري وإعادة إنتاج لمفاهيمه، ولذلك لا بدّ من استخدام أسماء مؤنثة تحملها تلك المجلات، أو أن تكون ثنائية الاسم بحيث تؤكد من خلال ذلك على وحدة الجنسين وتكاملهما، وتنفي وجود أي امتياز يمكن أن يتمتع به أحد الجنسين على حساب الجنس الآخر. هذه الجزئية يمكن لها أن تعدل في بنية هذا النسق لكنها لا يمكن أن تلغي تلك البنية وتأثيراتها، الأمر الذي يستدعي من هذه الثقافة أن تعمل على تأنيث فضائها بالقدر الذي يحقق إلغاء الطابع الذكوري المهيمن له، لكي يغدو أكثر قيمة إنسانية ويعبر عن التساوي في القيمة والوجود بين الرجل والأنثى، فليس من المعقول أن تكون المرأة نصف المجتمع أو أكثر من ذلك قليلا في بعض المجتمعات، دون أن تأخذ موقعها في الحياة.