«هذه السياسة التي تشجع الحركات الإسلامية السياسية وضعت مصر في دوامة, وهي الدوامة التي كلفت أنور السادات حياته و أدت 40 سنة بعد ذلك إلى وصول الإسلاميين إلى الحكم بمصر ، هذا الوصول ،انتهى بالإطاحة بالحركة الاخوانية وهو ما يجعل مصر تعيش حالة اضطراب حتى الساعة..»هل هي لعنة السادات وسياسته التي تطارد مصر حتى اليوم ،اتفاق الصلح مع اسرائيل،وفتح الباب للحركات الاسلامية للدخول الى الحقل السياسي؟ طبعا الكتاب يضم فقرات مهمة حول العلاقات التي كانت تجمع المغرب ومصر ودور الملك الراحل الحسن الثاني في أهم قرارات مصر آنذاك. من هو الرئيس أنور السادات؟ هل هو رجل دولة كبير،شجاع ،له بعد نظر ، مكن مصر من استرجاع سيناء والدخول في اتفاق سلام مع اسرائيل؟ او سياسي ذو نظرة ضيقة ومحدودة ادت ببلده الى الباب المسدود الذي تعيشه اليوم وفتحت الباب واسعا أمام الاسلاميين للوصول الى السلطة ؟ طبعا ،الرئيس المصري السابق الذي تم اغتياله اثناء استعراض عسكري ترك وراءه مسارا مثيرا للجدل ،وقرارات تحصد نتائجها مصر اليوم ، كل هذه الاسئلة يطرحها احد المختصين الفرنسيين في القضايا المصرية ،روبير صالي الذي اصدر كتاب « السادات» في منشورات بيران 2013. هذا المسار الاستثنائي للرئيس المصري السابق بدأ عند ميلاده في أسرة فقيرة في دلتا النيل ،ليتابع دراسته في الاكاديمية الملكية العسكرية بالقاهرة ، وبعد ان اصبح ضابطا انخرط في النضال ضد الاستعمار البريطاني، مما سيؤدي الى اعتقاله قبل ان يتمكن من الهروب والعيش في سرية تامة.وشارك الى جانب الضباط الاحرار في الانقلاب على الملك فاروق الاول سنة 1952.وظل لمدة طويلة في ظل جمال عبد الناصر قبل ان يخلفه في سنة 1970 في حكم مصر ،وهي خلافة سوف تثير الكثير من الجدل, وحصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1978 وتم اغتياله من طرف الإسلاميين المتطرفين سنة 1981 اثناء استعراض عسكري, وهو ما انهى مسارا مثيرا للجدل ومليء بالتناقضات لشخصية السادات سواء بالداخل او الخارج. وفترة حكم السادات, حسب روبير صالي, هي سنوات تركت تأثيرا عميقا في مصر, وهي ضرورية لفهم ما يجري من تحولات اليوم بمصر ،وكذلك التحولات الجيوستراتيجية بالمنطقة. لم يكن احد يعتقد ان السادات سيكون خليفة جمال عبد الناصر كان دائما في ظل الزعيم،بل اكثر من ذلك، الجميع كان يعتقد انه «مجرد بهلوان ومهرج « وكان هذا هو حكم وزير الخارجية الامريكي هنري كسينجير.وهذه الصورة كانت ايضا لدى المخابرات الاسرائيلية. وحسب روبير صالي «فقد كانت للسادات العديد من الميزات التي تسهل هذه الصورة، كان ينتمي الى وسط قروي فقير،كما كانت له عقدة من بشرته السوداء،ولم يكن له مسار دراسي جيد او ثقافة واسعة مثل دوغول او تشرتشيل وعلى عكس جمال عبد الناصر لم يكن مهووسا بالعمل او خطيبا متميزا. كان يعتبر نفسه نابليون مصر, لكن دون ان تقنع قدراته العسكرية احد, وعوض هذه النقائص بالجرأة ومثابرة مثيرة للإعجاب،والعالم بأكمله يتذكرها.الانتصار على اسرائيل في حرب اكتوبر 1973 وسفره الى تل ابيب من اجل توقيع السلم مع العدو الصهيوني.واسترجاع مصر لسيناء، لكن السادات سوف يؤدي الثمن بحياته . علاقة أنور السادات بالراحل الحسن الثاني الكتاب يتطرق أيضا الى التقارب بين اسرائيل ومصر واتفاقية السلام واللقاءات السرية التي تمت بين مسؤولي البلدين بالمغرب وهي متعددة: لقاء 16 شتنبر 1977 تحت اشراف الملك الراحل والتي لم تجمع بيغين والسادات بل الجنرال ديان ونائب رئيس الحكومة الحسن التوهامي،وقبلها تم لقاء اخر في مدينة ايفران بين التوهامي نفسه الذي كان مرفقا بالجنرال كمال حسن علي, رئيس الاستخبارات المصرية العامة والجنرال اسحاق هوفي رئيس الموساد ،مصلحة الاستخبارات الاسرائلية.وفي هذا اللقاء كان التهامي مفوضا بأن يقول للاسرائيليين ان السادات لن يصافح بيغين بدون ان تقدم اسرائيل وعدا بإخلاء الأراضي العربية المحتلة بعد 1967 وهو ما لم تلتزم به اسرائيل, مما جعل الحسن الثاني يلاحظ التباعد الكبير في المواقف بين البلدين. لكن السادات الذي كان لا يثق بالسوريين والفلسطينيين سوف يبحث بعد ذلك عن حل ثنائي مع إسرائيل. الكتاب ينقل أيضا تصلب الموقف الإسرائيلي الى نداء الملك الحسن الثاني الذي نظم لقاء سريا آخر يومي 2و3 ديسمبر بمراكش بين التهامي وديان, حيث قال الملك الراحل في رسالته الى وزير خارجية اسرائيل « انتم مجبرون على مساعدة السادات،لقد خاطر بحياته عندما ذهب الى القدس» في 18 من شتنبر 1978 عند عودته من الولاياتالمتحدة وتوقيع اتفاقية كامبد ديفد سوف يتوقف بالرباط, حيث استقبله الملك الراحل الحسن الثاني, لكن دون ان يتم توقيع اي بيان مشترك بين البلدين ،وهو ما يعكس تحفظ الملك الراحل على بعض الخطوات في هذا المسار حسب صاحب الكتاب .وحتى الملك الراحل الحسين لم يحضر هذا اللقاء كما كان مرتقبا.وهو ما أحبط الراحل أنور السادات.خاصة ان روسيا هاجمت الاتفاق والعديد من البلدان العربية بما فيها الاردن, التي كانت تجري لقاءات سرية ايضا للتفاوض مع اسرائيل.وهو ما جعل الرئيس المصري انو السادات في عزلة. أهم بيوغرافية كتبت عن السادات حتى اليوم ما يميز هذه البيوغرافية عن الرئيس المصري الراحل انور السادات هي انها تحكي ما هو معروف او غير معروف عن السادات «السادات الشاب الذي سعى الى التحالف مع النازية من اجل التخلص من الاستعمار البريطاني» ، السادات الذي كان يحب فتاة من الأسر الميسورة ماديا،السادات رب الأسرة الصارم،السادات القائد العسكري، السادات النجم ، السادات المستبد... ومن اجل كتابة هذه البيوغرافية فقد قام روبير صالي بقراءة كل الكتب عن مصر في تلك الفترة من اجل الاحاطة بشخصية السادات. وهو ما جعل الكتاب يضم العديد من النوادر عن مسار رجل حكم مصر في أحلك الظروف . طبعا السادات الذي كان يعطي الانطباع انه غير جدي ولا يحب العمل, بل ان اعداء مصر كانوا يعتبرونه مجرد بهلوان قام حسب الكتاب بثلاث ثورات اساسية في تاريخ مصر المعاصر: فقد اخرج مصر من القطب السوفياتي ليتحول الى حليف للولايات المتحدةالامريكية، بعدها تخلص من النظام الاشتراكي بمصر من خلال سياسة ليبيرالية على المستوى الاقتصادي ومن خلال سياسة للخصخصة، وأصبح الاقتصاد ديناميا, لكن الفوارق انفجرت بين الذين لهم مداخيل ومصاريف بالدولار والذين ظلوا يستعملون الجنيه, أي الذين استعادوا من الانفتاح على العالم وبين الذين ادوا ثمن ذلك . اقام السلم مع اسرائيل وهو ما جعله منعزلا بالعالم العربي ليرتمي في حضن الولاياتالمتحدةالامريكية. وتفاقمت الفوراق الاجتماعية بمصر وانتشرت الرشوة وهو ما خدم الاسلاميين الذين لعبوا دورا اجتماعيا , وبعد ذلك سوف يغتال الاسلاميون السادات لأنه اتفق مع العدو الاسرائيلي. «لكن السادات هو من ادخل الشريعة الى الدستور المصري فترة قصيرة بعد وصوله الى السلطة ،وحسب الكاتب فإن هذه السياسة الدينية كانت من اجل التخلص من الارث الناصري واخرج الاخوان المسلمين من السجن ليعوضهم بمناضلي اقصى اليسار، لكن بهذه السياسة التي تشجع الحركات الإسلامية السياسية وضع مصر في دوامة وهي الدوامة التي كلفته حياته والتي ادت 40 سنة بعد ذلك الى وصول الاسلاميين الى الحكم بمصر التي اصبحت اليوم على ابواب الحرب الأهلية.» «لكن 40 سنة بعد ذلك، لا احد يعرف دوافع السادات وراء كل اختياراته التي تعيش مصر على نتائجها حتى اليوم . هل ما قام بفرضه من تحول سياسي بمصر, هل هو لاعتبارات تكتيكية لإيجاد حلفاء في الحكم والتخلص من الناصرية؟ ام هي ارادة سياسية لرجل مؤمن ،كان يبدأ دائما خطاباته بمضمون ديني بعد ان كان عبد الناصر قبله يتوجه الى المواطنين؟ لكن الكاتب يعطي تفسيرات لهذا التوجه ،بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل ،كل المجتمع المصري أحس بها كأنها عقاب الهي وجماعي للمصريين بسبب خطيئتهم والتي تمت باسم الوطنية ،الاشتراكية والشيوعية التي كانت بفعل التبعية والتقليد الفاسد للغرب؟». طبعا كاتب بيوغرافية السادات لم يعط اجوبة بقدر ما طرح الاسئلة حول هذا المسار الاستثنائي في تاريخ مصر، والذي قاده انور السادات, وعن الدوافع التي كانت وراء اختياراته السياسية الجريئة . الكتاب حتى وان اختلفنا معه في بعض التفسيرات والفرضيات والتحليلات, الا انه كتاب مهم يساعد على فهم ما تعيشه مصر اليوم من تحولات وصاحبه له تجربة وخبرة كبيرة في متابعة تاريخ مصر منذ الثورة الناصرية حتى اليوم.