بدون طبول ولا شعرات صدرت مجلة «النهضة». ومن وجوه تواضعها أنها أعلنت عن نفسها «مجلة فكرية». وشاركت فيها أسماء خبرت الإصدارات الفكرية والسياسية، وعرفت مآزق الشعارات والطبول وأصوات النفير العالية. مديرها هو رجل الاقتصاد المعروف: نور الدين العوفي. وهيئة تحريرها أسماء عرفناها وأحببناها في الكلمة والواقع. وهي مازالت كما بدأت؛ تقرأ واقعها المأزوم، وحال بلادها/بلدانها، في انتماء وجداني بشعوب وجغرافيات بعيدة، مراهن عليها وعلى واقعها ومستقبلها رهانا غير مسبوق. أقلام مازالت، كما بدأت، لا تهاجم الديني أو العقدي، رغم ما قد تتهم به غريزتها اليسارية، فهي تخاطب قارئا يعيش ويرى ويسمع ويفكر. وهذا ما تطلب منها منهجية تفاعلية تراعي الاختلاف في اللغة والهوية والعقيدة والإيديولوجيا. مجلة «النهضة»، رغم ما في الاسم من رنين تاريخي وعتاقة ومخزون فكري، تذكر قارئها بالزمن المغربي المعقول، زمن المجلات: الثقافة الجديدة، البديل، الجسور، الزمن المغربي... التي كانت تقض مضجع السلطة المتعالية التي خاضت حربا ضارية ضد منتجي المعارف. لكن كل شيء يعود كما كان، أو أحسن. ها قد صدرت مجلة بعد أن اشتد عود الإصدارات المغربية، وظهرت نخب جديدة، حديثة، مبتكرة، كأنها تنوب عن الاختفاء الجنائزي السابق للمجلات المغربية التي كانت تؤسس لفكر سياسي، وثقافي، حديث. أما موضوعاتها، فهي شبيهة بالأوقيانوس الممتد، بالموج الذي يخلق إيقاعا تدميريا للدوغمائيات. دراسات تقف عند «النواة والوايايات الفكرية لليسار» (م.سبيلا). عند تصويبات العقل وتقويماته (ن. العوفي). عند الثورات العربية التي وحدت العالم العربي من جديد بعد تفككه وتفكيك المنهجي القاتل (ف. شلق). عند نقد الدوغمائيات (ع. بلقزيز). عند اليسار المغربي وتحدياته الماضية والمستقبلية (م. الاخصاصي). عند ضرورة المرونة في الوحدة والعقلانية (م. المصباحي). عند أطروحات وحدة اليسار (م. الروسي). عند اليسار الذي يستأنف النظر (ن. فازيو). عند الانتهازية والوصولية والسياسة والأخلاق (ع. مفضال). عند الديمقراطية والنزعة الشعبوية (م. الشيخ). عند الحاجة المتجددة إلى الأنوار (م.ن.أفاية). عند الأسس الفلسفية للحداثة (م.ص.جنجار). عند بعض الظواهر الكاريزمية المغربية (إ.كثير). عند بنية القبيلة في مغرب ا قبل الاستعمار(ط. بياض). عند ثورة 20 غشت 1953 (م. لهبوب). عند قوة الانتماء الى مصر أو كلنا مصر(يون) (م.ح. طالب، بلقزيز، العوفي). وقبل غلافها الأخير، قبل أن تقول للقارئ:» اغلق الباب خلفك»، وقفت عند ابن رشد، ضمن قسم ثابت «مقابسات ونقول»، مستعملة ألفاظا من التصوف والعقل، في دلالة إلى وحدتهما وتوحدهما. مجلة «النهضة» كتاب مرتب، كتباها يعثرون على موضوعهم المناسب، في اللحظة التاريخية المناسبة. ولم تدع الفرصة تمر دون الإعلان عن ميثاق للنشر أجملته في خمس نقاط يمكن تلخيصها في: التأصيل، الأخلاقيات، التفاعل. «النهضة»، مجلة الأنفاس الأخيرة في جسم كاد يلقي نظرة الختم على كيان ثقافي على تخوم النهاية.