مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    ربط كهربائي ومعبر جديد.. المغرب وموريتانيا يرسّخان جسور الوحدة والنماء    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التلميذ بين لغة التدريس وتدريس اللغة

لما يتبنى أي بلد نظاما تربويا وتعليميا محددا، فإن ذلك لا يتم اعتباطيا أو ارتجاليا وفق مزاجية أو مرجعيات خاصة، ترتبط بجهات دون أخرى، أو أفراد وجماعات بعينها، بل يستند إلى تشريعات ونصوص وقوانين مؤطرة تترجم قيم وهوية البلد ونظامه وفلسفة مقوماته الدينية والثقافية والاجتماعية، كما يستند إلى المرتكزات والثوابت التاريخية والحضارية التي ينهض عليها البلد ويستمد منها قوة سيرورته واستمراريته ومواصلة مشوار نموه وتقدمه ورخاء شعبه، فيتم تحديد لغة التدريس الرسمية تعبيرا وكتابة، كما تتم الدعوة إلى الانفتاح على اللغات الرسمية الأكثر انتشارا وطنيا وعالميا حفاظا على التراث الثقافي والحضاري للبلاد ضمانا لوحدته الوطنية ثقافة وهوية، وضمانا لنموه الاقتصادي والاجتماعي والبشري، وضمانا لإشعاعه وانفتاحه إقليما وعالميا من أجل مسايرة ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي واكتساب القدرة التنافسية وإقامة علاقات التعاون والتبادل في مختلف المجالات ومع مختلف الدول التي تربطه وإياها علاقات تعاون وتبادل ثقافي وغيره.
ولقد حدد الدستور المغربي الجديد في فصله الخامس اللغة العربية كلغة رسمية للدولة التي تعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما حدد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. ودعا الدستور إلى صيانة الحسانية وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، كما دعا إلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم: الفرنسية والأنجليزية والإسبانية وغيرها.
وقد نصت الإصلاحات التعليمية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين منها على الخصوص، على ضرورة تمكن المغاربة من اللغة العربية كلغة للتدريس والتواصل والتعبير والكتابة، مع إتقان لغات التدريس الأجنبية والتفتح على الأمازيغية، لعدة اعتبارات دستورية وثقافية وقومية، إقليميا ودوليا.
لكن، ومنذ مدة، علت أصوات جاهرة بضعف الكفايات اللغوية والتواصلية عند التلاميذ تحصيلا وتعبيرا وكتابة، حيث أصبحوا لا يتقنون أي لغة وطنية كانت أو أجنبية. فما هي أسباب ضعف التحصيل الدراسي عند التلاميذ في اللغة العربية، لغة تدريس أغلب المواد المقررة بالسلكين الابتدائي والثانوي؟ وما هي العوامل التي أدت إلى ضعف التحصيل الدراسي عند التلاميذ في اللغة الفرنسية تعبيرا وكتابة؟
سنحاول الإجابة على هذين السؤالين المشكلين للإشكالية المحورية التي يتناولها الموضوع الحالي والتي تكمن في ضعف التلاميذ في اللغات والأسباب المؤدية إلى مستويات متدنية في التحصيل الدراسي، خصوصا في اللغتين العربية والفرنسية، اللتين تعتبران الأكثر اعتمادا في تدريس مختلف المواد بمختلف الأسلاك الدراسية، وذلك من خلال الفقرات التالية:
I . التعليم الأولي وتعليم المبادئ الأولية:
لا يختلف اثنان حول أهمية التعليم الأولي في الحياة التربوية والتعليمية للطفل، ذلك أنه يعتبر المرتكز الأساسي لدمج الأطفال في السلك التعليمي الابتدائي وقد تسلحوا بالمبادئ الأولية من أبجديات التعلم والاستئناس بمفردات ومصطلحات أولية لبناء المعرفة وألفة المناخ المدرسي والتعليمي، وتمكنوا من اكتساب معارف ومهارات تعبيرية ولغوية، كما يمكنهم من الانفتاح على محيطهم التربوي والاجتماعي، والتشبع المبكر بمختلف القيم النبيلة السائدة، ليكبروا ويترعرعوا ضمن أحضانها وليصبحوا مواطنين صالحين مندمجين وفاعلين في المجتمع.
إلا أنه يتم تسجيل، وعلى الصعيد الوطني، عدم تعميم طور التعليم الأولي إرساء وموارد بشرية ومقررات ومناهج، حيث يتم العمل بمقررات غير رسمية وفي مقرات غير موحدة البناية وغير موحدة تكوين المربيات والمربين الذين يشتغلون، في الغالب، دون تكوين مهني وفي وضعيات غير رسمية بحجرات تابعة لمؤسسات ابتدائية، أو برياض الأطفال أو بالمسيد أو كتاتيب قرآنية مقابل بعض المبالغ المالية.
ونتيجة لهذه الوضعيات المتباينة، من حيث المقررات والمقرات والموارد البشرية غير المتخصصة، فإن التعليم الأولي يشهد اختلالات عميقة، إن على الصعيد التربوي أو على الصعيد التعليمي، حيث أساليب التربية ومناهج التعليم ومضامين المقررات تختلف من مؤسسة إلى أخرى، فتتباين المفردات والمصطلحات وتعابير الخطاب المستعملة، إلى حد، أحيانا، عدم التقائها عند قواسم مشتركة تقارب الثقافات المحلية والجهوية والوطنية، وتوحيد السلوكات والتفاعلات والتعلمات، حتى يندمج الأطفال بالمدرسة الابتدائية بنفس الحمولة القيمية والثقافية والتربوية والتعليمية.
ولئن تم التنصيص على الاستئناس باللغات واللهجات المحلية، فإن ذلك، ونظرا لغياب التوحيد الاصطلاحي والمفرداتي لدى المربيات والمربين، يحدث اختلالات تواصلية وتربوية وتعليمية لدى الأطفال الذين يستدخلون ويستدمجون كلمات، غالبا ليست ذات ارتباط بلغة التدريس والتعليم بالمرحلة الموالية، فيألفونها، ويرسخ الاعتقاد لديهم أن تلك الكلمات أو البعض منها، تشكل اللغة التي سوف يتعلمون بها، فينصب اهتمامهم عليها ويصيرون يرددونها في البيت وفي كل مكان، ما يؤثر فيهم تربويا وسلوكا، ذلك أن بعض المفردات المحلية لا يتم استيعابها من طرف الأطفال وفهم مقاصدها التربوية بنفس الشكل، نظرا لاختلاف اللهجات على الصعيد الوطني كلمات ومفردات، إذ اللهجة أضحت محدودة ومنحصرة في المحيط الأسري وعلى مستوى الأسرة الممتدة كانت أو النووية، جراء الترحال والنزوح والهجرة وروابط الزواج على الصعيد الوطني، وعليه يمكن أن يشمل الفصل الواحد أطفالا متحدرين من مختلف المناطق والجهات، ومتشبعين أسريا بثقافة ومفردات محددة يفهمونها ويستعملونها وفق ما يروج داخل أسرهم، فيلقون صعوبات كبيرة في التأقلم والتكيف مع أوضاع جديدة، ما يحول دون اندماجهم بشكل سلس ضمن مجموعة الفصل، وما يؤثر على اندماجهم بمرحلة التعليم الابتدائي.
أما على الصعيد التلقين والتعلم، فإن المقررات المعتمدة والطرائق المتبعة تختلف من مرب إلى آخر لغياب توحيد المناهج وغياب التأطير والتتبع، ما يؤدي بالأطفال إلى التمرن على أنشطة واكتساب مهارات قرائية وكتابية تختلف على صعيد حي أو قرية أو مدشر أو منطقة معينة: فالمربي، بروض الأطفال أو بالكتاب القرآني، يعتمد مقررا وينتهج طرائق، والفقيه بالمسيد يعتمد مقررا وينتهج طرائق، ما يؤخر تعلم الأطفال لاحقا ويؤثر في مسايرتهم بمرحلة التعليم الابتدائي، وذلك من حيث التعبير والكتابة والتواصل.
II . موقع اللغتين العربية والفرنسية بالسلكين الابتدائي والثانوي:
يعتبر سلك التعليم الابتدائي امتدادا لطور التعليم الأولي، كما يعتبر سلك التعليم الثانوي امتدادا لسلك التعليم الابتدائي. ويلتحق بالتعليم الابتدائي الأطفال الوافدون من التعليم الأولي بمختلف أشكاله، والأطفال الذين لم يسبق لهم أن استفادوا من خدمات التعليم الأولي، ما يطرح إشكالات معقدة وعويصة على صعيد الخطاب التربوي والتواصلي والطرائق البيداغوجية، تواصلا وتلقينا وتعبيرا وكتابة.
فالأستاذ(ة)، على امتداد السنوات المشكلة للسلك الابتدائي، وخصوصا خلال السنوات الأولى منه، لا يفتأ يخاطب التلاميذ باعتماد اللهجات المحلية، ما يكرس، من جهة، الاختلالات المشار إليها بإسهاب في الفقرة أعلاه، وما يمكن أن يعمق الثغرات التربوية المسجلة في صفوف التلاميذ، من جهة أخرى، نظرا لاختلاف مشارب التلاميذ واختلاف أساليب تربيتهم الأسرية القبلية، خصوصا، تباين الخطابات التربوية والثقافية على صعيد التعليم الأولي برياض الأطفال والكتاتيب القرآنية، حيث الطرائق تشهد فوارق شاسعة، إذ لا تستند إلى مرجعيات رسمية.
ومن أجل تحقيق تواصل أفضل، وتحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص، يحاول الأستاذ(ة) انتقاء مفردات الخطاب التربوي، معتمدا التفسير والتكرار والصياغة بكلمات وأشكال مختلفة حسب، إلى حد ما، اختلاف مشارب التلاميذ من حيث أوساطهم الاجتماعية والثقافية، ومبادئ التربية التي تلقوها سابقا.
وبخصوص التلقين وتعليم القراءة قبل الانتقال إلى الكتابة، يتيه المدرسون بين الطرائق البيداغوجية، فيحتارون، حسب تكويناتهم وكفاءاتهم وقناعاتهم، وخصوصا، أقدميتهم، في اعتماد واختيار وتطبيق الطريقة الأكثر نجاعة. فقد يهتدي الأستاذ(ة) إلى الطريقة الكلية أو الطريقة الجملية التي تعتمد الكل ثم الانتقال إلى الجزء، حيث يقرأ المدرس جملة كاملة ويرددها التلاميذ، ليطلب منهم تحليلها والتعرف على عناصرها ومكوناتها ثم العود إلى تركيبها، الأمر الذي، يجزم المدرسون، يتطلب من التلاميذ أفقا معرفية واسعة وتحصيلا معرفيا سالفا يجري استعماله واستثماره، ما يشكل جوهر الانتقاد الموجه إلى هذه الطريقة ووصفها بعدم الفعالية والنجاعة، رغم أهميتها في إغناء المرجع الفكري للتلاميذ، حيث تكمن الصعوبة في مدى قدرة التلاميذ على حفظ الجملة وتصورها أو رسمها فكريا وبصريا وترديدها وتفكيك عناصرها التي يذوب داخلها الهدف المنشود. وعليه يتعثر التحصيل الدراسي قراءة وكتابة عند أغلب التلاميذ، نظرا لافتقارهم، داخل أوساطهم الاجتماعية، إلى مرجعيات ثقافية سابقة.
كما يمكن أن يهتدي الأستاذ(ة)، حسب تقديراته المنهجية وتشكيلة الفصل، إلى الطريقة التركيبية لتعليم القراءة التي تنطلق من الجزء إلى الكل، وذلك بتعليم الحروف الأبجدية شكلا ونطقا، لينتهي التلميذ إلى تركيبها في كلمة، ثم في جملة. وقد استحسن المدرسون هذه الطريقة، كونها بسيطة ولا ترهق لا الأستاذ(ة) ولا التلاميذ، حيث يرسم التلميذ فكريا الحرف مستقلا، وينطق به وفق مختلف حركات الإعراب، سواء منفصلا أو مركبا في كلمة تتشكل من الحروف التي سبق وأن درسها، وتعرف عليها نطقا وقراءة.
ومعلوم أن مختلف العمليات التربوية والبيداغوجية تتم باعتماد الدارجة واللهجات المحلية التي بينا تباينها واختلافها أسريا ومحليا، كما بينا انعكاساتها على التلاميذ، ليتم تكريس نفس الوضع التربوي والتعليمي بسلك التعليم الابتدائي، ويتم تسجيل عدم التوافق بين الخطاب الشفوي والمطلوب الكتابي من التلاميذ، الذين يصعب عليهم قراءة وفهم واستيعاب المطلوب منهم كتابة من طرف مدرسيهم، حيث الخطاب الشفوي يبقى بعيدا كل البعد عن الخطاب المكتوب سواء على الكتاب المدرسي، أو على السبورة، ما يشكل عوائق منهجية في العملية التربوية والتعليمية، وما يؤخر التحصيل الدراسي عند التلاميذ، وتباطؤ اكتساب مهارات القراءة والكتابة والفهم والتعبير والمهارات اللغوية للغة التدريس، الأمر الذي يؤدى إلى ضعف التحصيل الدراسي عند التلاميذ.
ويضاف بالنسبة للغة الفرنسية الخاضع تدريسها إلى نفس الطريقة البيداغوجية، التي تدهور تعلمها عند التلاميذ بشكل فظيع، يضاف الخطاب التعليمي الشفوي الممزوج والمختلط دارجة وعربية وفرنسية، كما تضاف عزلتها وفصلها عن باقي المواد المقررة سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي، الأمر الذي أدى إلى عدم إيلاء التلاميذ اللغة الفرنسية الاهتمام اللازم، وأدى بالتالي إلى ضعف تحصيلهم في هذه المادة لغويا وتعبيرا وكتابة، ما يستوجب معه إعادة النظر في طرائق تدريس اللغات المعتمدة، عموما، وذلك على امتداد جميع الأسلاك الدراسية.
III . خلاصات ومقترحات:
يجمع الفاعلون التربويون والمتتبعون للعملية التربوية والتعليمية عبر الأسلاك الدراسية، على أن تدهور مستوى التحصيل المعرفي للتلاميذ في اللغتين العربية والفرنسية، باعتبارهما لغتي التدريس الأكثر اعتمادا، يبدأ منذ التعليم الأولي والابتدائي لما يشوبهما من اختلالات وثغرات تتصل بشكل مباشر بالمقررات الدراسية والطرائق البيداغوجية، يمكن إجمالها في ما يلي:
* أغلب مضامين المقررات الدراسية لا تترجم واقع التلميذ، وليست ذات صلة بمحيطه القريب منه، ما يؤدي إلى عدم استجابتها لحاجات المتعلمين ثقافيا واجتماعيا، وعدم قدرتهم على فهم واستيعاب محتوياتها وبالتالي عدم القدرة على استعمالها واستثمارها، وفق الأهداف المسطرة مرحليا ونهائيا؛
* عدم اعتماد لغات تدريس رسمية وموحدة منذ السنوات الأولى من الحياة المدرسية والتعليمية للأطفال، حيث يتيهون بين مفردات وكلمات دارجة ولهجات تختلف، ثقافة وتداولا وقصدا محليا وجهويا ووطنيا، ما يؤثر على التلاميذ سلوكيا وتربويا وتعليميا؛
* عدم فعالية الطرائق البيداغوجية المنتهجة لتدريس اللغات نظرا لعدم ملاءمتها للقدرات العقلية للتلاميذ وعدم تكاملها وتسلسلها واستمراريتها، ونظرا لاختلاف وتباين ممارستها وتطبيقها، ما يؤدي بالتلاميذ إلى عدم التمكن من المهارات اللغوية قراءة وتعبيرا وكتابة؛
ولتجاوز هذه الاختلالات في البرامج والمناهج من أجل الاستعمال الأمثل للغات التدريس والارتقاء بتدريس اللغات وتطوير وظائفها على صعيد التلقين والتعليم والتعلم ورفع مستويات التحصيل الدراسي عند التلاميذ وتقوية معارفهم تواصلا وتعبيرا وكتابة، فإن المقترحات التالية، تبدو في اعتقادنا ذات أهمية:
* وضع برامج ومقررات دراسية تحفيزية ترتبط بالطفل/التلميذ ووسط نشأته، وتوسيع مجالاتها ومجزوءاتها تدريجيا وفق نضجه ونموه الفكري، ودرجة انفتاحه وتعرفه على محيطه الثقافي والاجتماعي وتمكنه من مختلف الكفايات الفنية والتقنية في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية؛
* توحيد الخطاب التربوي، منذ طور التعليم الأولي، وعلى امتداد مختلف الأسلاك الدراسية، باعتماد لغات التدريس الرسمية وباعتماد كلمات ومفردات ومصطلحات وجمل وتعابير موحدة، تتجاوب ومختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية للتلاميذ، يجري تدريب المربين والأساتذة عليها والتمكن منها تعبيرا وتواصلا، والتوافق حولها بناء على دراسات ميدانية وبرامج محددة في شكل قاموس مشترك وتعليمات رسمية، وذلك على الصعيد المحلي والجهوي والوطني، سواء تعلق الأمر بالمواد الأدبية أو العلمية أو التقنية؛
* اعتماد طرائق بيداغوجية فعالة تتجاوب عبر المراحل العمرية للأطفال/التلاميذ وقدراتهم العقلية، وتتجاوب عبر المراحل الدراسية ونضجهم وقدراتهم المعرفية، وتجعل منهم المحور الأساسي للعملية التربوية والتعليمية، فاعلين في بلورة الدروس، مكتشفين ومنتجين المعرفة، مؤهلين وقادرين على استثمارها واعتمادها مدرسيا ومهنيا؛
خاتمة:
إن وضع برامج محفزة واعتماد مناهج ناجعة، وتوحيد لغة التدريس والارتقاء بتدريس اللغات، تمكن التلاميذ على امتداد الأسلاك الدراسية من تحسين مستوياتهم الدراسية لغويا وتعبيرا وكتابة وإنتاجا، مكتسبين قدرات ومؤهلات تمكنهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، منتجين ومواطنين صالحين.
ويكتسي توحيد لغة التدريس أهمية بالغة، مفردات ومصطلحات وتعبيرا وكتابة حيث يؤدي بشكل فطري وتلقائي إلى توحيد البلد محليا وجهويا ووطنيا، والتفاف مواطنيه ووقوفهم وقفة رجل واحد من أجل إنجاز مخططات البلد وفق الإستراتيجية والأساليب التي ينتهجها.
وحيث إن أي بلد لا يمكن أن يتواجد منعزلا ومنطويا على نفسه، فإن ضرورة التواصل وإقامة علاقات تبادل ثقافي وتجاري وغيره، تحتم اعتماده اللغة الأكثر تداولا وانتشارا إقليميا ودوليا، من أجل تسهيل التنقلات البشرية وتبادل الخبرات في مختلف المجالات، حتى يتقدم البلد ويزدهر اجتماعيا واقتصاديا وتكنولوجيا.
المراجع:
* الدستور المغربي، الجريدة الرسمية عدد 5946 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011، الرباط، المغرب؛
* الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛
* أ. عبد الكريم غريب، المنهل التربوي، الطبعة الأولى، 2006، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
* أ. محمد مصطفى القباج، دفاتر في التربية، العدد 03، مارس 1997، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
* مجموعة مؤلفين، الدراسات النفسية والتربوية، العدد 08، شتنبر 1988، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
*، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.