يهمني قبل أي شيء، أن أزجي التحية والتقدير، لمن كان وراء هذه المبادرة التاريخية النبيلة التي تأخرت كثيرا. مثل هذه المبادرات لا تعني تخليد الأسماء والأشخاص والأحداث، بقدر ما تعني تخليد الوطن، وبناء مواطن الغد، وترسيخ المجتمع والأجيال في هويتهم وشخصيتهم وكيانهم ومواطنتهم. عندما تهب الأعاصير، تقتلع الأبنية والأشجار والكائنات الهشة، وتجرفها وتطوح بها وتقودها نحو حتوف ومآلات، لكن الدوحات الكبيرة تستعصي على الأعاصير والزوابع والأنواء، تظل صامدة في الأرض والتربة بقوة تجذرها في الأعماق، فلا تزحزحها الرياح العابرة، ولا الأعاصير والأنواء الجارفة. كذلك الأمم التي تمرر ثقافتها وتاريخها لأجيالها المتلاحقة وتعرفهم على التضحيات التي قدمها أجدادهم لبناء الوطن، وعلى المكتسبات التي راكموها، والحضارة التي أبدعوها، والأمجاد التي شادوها. هذه الأمم تغرس جذور أبنائها عميقا في تربة الوطن، وتملأ وجدانهم بأمجادهم، فتصنع منهم المواطن الصلب الصامد، القوي المنافح عن بلده، لا يفكر في التفريط فيها أو بيعها. والوطن يعول دائما على بنيه، ويبنى بإنجازاتهم وابداعاتهم وتضحياتهم. هكذا الشعوب العريقة في التاريخ، لاتزعزعها النكبات والهزات والمؤمرات. صمود وسط الإعصار عنوان واحد من الإصدار الأولى للأستاذ عبد الله إبراهيم، وهذا المعنى العظيم، لم يكن فحسب عنوان كتاب، ولكن منظومة قيم ثقافية أخلاقية. شعارا. بل ناموسا لحياة مثقف ومناضل كبير، تمثل تلك المعاني جميعا في تفاصيل حياته الحافلة، ومارسها في علاقاته المتشابكة والتزم بها في سلوكه اليومي. يفترض أن يكون هذا المعنى خلاصة الدرس الذي خلفه الفقيد الأستاذ ودعانا للتمسك به. كتبت مؤخرا قصيدة خاصة. ولأنها تشبه قيمة المغرب الكبيرة، أستاذنا عبد الله إبراهيم فقد اعتبرتها قصيدته، وأهديتها إليه: قصيدة (صمود وسط الإعصار». هو الألم المتساقط من فجوة الجرح ملتهبا صاخبا لا يؤججه غير هذا المحيط الخراب تبعثر في قلبه قلبُه ندبة نكأتها الأهِلّة عبر تداولها سابح في قرارته سادر في ضِرام من الحسرات يقايضه الحلم بالوهم أن تتآكل في رأسه غصته لن يراجع، لن يتوارى لن تعصف النكبات بخيله لن يترك الغم يلهو بأترابه هاهنا سيظل أمينا يراقب طورا وحينا يصوب شمس الحقيقة للجرح توأم للحقيقة تحدج ضوءا خلال العجاج الكثيف تصب على النار من زيتها لتضيء هنا سيظل أمينا يقاوم ما يترصده من قفاه ومن وجهه ويعالج ما فعلته السنون به كيف له أن يمالئ مقتله أو يبدّل أنواءه عسس يفتكون بأقدامه وعقارب تلسع جبهته ونواظره أوسعته مرارته كدمات طفحن على صدغه وبحافره أيها الألم / الجرح أقصر عصاك تطيب عساك عساك عسى