أضحت الشعوب عاملاً حاسماً في رسم السياسات وتقرير مصير حكامها، فسجلات التاريخ المعاصر رصدت سيرة حكام فقدوا السلطة وحوكموا على أيدي شعوبهم التي انتفضت في مواجهة سياسات رؤسائهم. وتباين مصير الحكام الذين أطيح بهم من سدة الحكم، فمنهم من زج به إلى غياهب السجون ومنهم من أعدم أو نفي إلى خارج بلاده . وقد شهدت دول الربيع العربي مصر وتونس وليبيا، خلال الأعوام الأخيرة ، انتقال ثلاثة من الرؤساء من قصور الحكم إلى خلف قضبان السجون، منهم الرئيسان المصريان حسني مبارك ومحمد مرسي، أما الثالث فهو الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي صدر بحقه حكماً بالسجن، لكنه هرب إلى خارج البلاد ولم ينفذ عليه. أما على المستويين الإقليمي والدولي، فقد صدرت أحكام بالسجن على حكام بارزين بعد تركهم لمناصبهم، منهم رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، والرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف، ورئيس الوزراء الباكستاني الحالي نواز شريف، وآخر رؤساء ألمانيا الشرقية إيريك هونيكر. مصر شهدت مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، اعتقالاً للرئيسين الأسبق محمد حسني مبارك والسابق محمد مرسي، فبعد ما يقرب من أربعين عاماً قضاها مبارك في مناصب قيادية منها نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ورئيس الجمهورية لمدة تقارب الثلاثين عاماً، قامت السلطات المصرية باعتقاله بعد أسابيع قليلة من نجاح الثورة الشعبية، التي أطاحت به من منصبه في شباط/فبراير 2011، ووجهت إليه اتهامات ب»الفساد وقتل المتظاهرين». وصدر بحق مبارك حكماً بالسجن المؤبد في منتصف عام 2012 في محاكمة عرفت بإسم «محاكمة القرن»، غير أن الدفاع عن مبارك طعن على الحكم، فأفرجت عنه السلطات المصرية على ذمة القضية، بعد استنفاذه لفترة الحبس الاحتياطي في آب/أغسطس 2013. أما الرئيس السابق محمد مرسي، الذي عزلته القوات المسلحة من منصبه، بعد رفضه التنحي في أعقاب ثورة شعبية قامت ضده في الثلاثين من حزيران/يونيو الماضي، مثل أمام المحكمة في أكاديمية الشرطة أمس الاثنين بتهم تتعلق ب»التحريض على قتل المتظاهرين والتخابر». وسيواجه مرسي، الذي مازال يصر على كونه الرئيس الشرعي لمصر، عقوبة تصل إلى الإعدام في حال أدين بالاتهامات الموجهة إليه . ثورة الياسمين في تونس، فر الرئيس السابق زين العابدين بن علي من البلاد متجهاً إلى السعودية في كانون الثاني/يناير 2011، عقب ثورة الياسمين التي أطاحت بنظامه، بعد ذلك وجهت السلطات التونسية في النظام الجديد اتهامات لبن علي ب»الفساد والقتل العمد والتحريض عليه»، وأصدرت محكمة تونسية أحكاماً غيابية بحقه، وطالبت السعودية بتسليمه إليها، غير أن أنباء تواردت عن تدهور حالته الصحية بعد إصابته بجلطة دماغية حالت دون تسليمه. على الصعيد الإقليمي، وجهت السلطات في تركيا لرئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان اتهامات بالتربح من منصبه كرئيس لحزب الرفاه وذلك عام 2003 ، أي بعد نحو خمس سنوات من تركه لمنصبه، وعملت الأحزاب والقوى العلمانية في تركيا على التضييق على أربكان، الذي يعد أول من أنشأ تنظيماً سياسياً في تركيا ذا توجه إسلامي، منذ سقوط الخلافة العثمانية في منتصف عشرينيات القرن الماضي. ونتيجة لتلك الاتهامات حكم على أربكان بالسجن لمدة عامين، وحتى بعد خروجه من السجن ظل محظوراً عليه العمل في مجال السياسة، إلى أن أصدر الرئيس التركي عبد الله غل عفواً رئاسياً عنه عام 2008. وقد توفي نجم الدين أربكان في شباط/فبراير 2011. الرئيس المتحرش جنسياً وفي إسرائيل، قضت محكمة على الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف بالسجن سبع سنوات، بتهمة اغتصاب مساعدة له أثناء عمله كوزير في فترة التسعينيات، والتحرش الجنسي بامرأتين أخريين أثناء توليه منصب رئيس الدولة، وذلك في آذار/مارس 2011. وكان كاتساف قد تسلم منصب رئيس إسرائيل في الأول من آب/أغسطس عام 2000، بعد انتخابه من قبل الكنيست الإسرائيلي خلفاً لعيزرا فايتسمان، الذي قرر الاستقالة من منصبه، متغلباً على منافسه آنذاك والرئيس الحالي شيمون بيريز. وقبل عام من نهاية فترة ولايته، بدأت الشرطة الإسرائيلية التحقيق في اتهامات وجهت لكاتساف بالتحرش الجنسي بمساعدات له كرئيس للدولة، وطالبته النيابة العامة ب»الاستقالة لبدء محاكمته»، إذ يمنع القانون الإسرائيلي محاكمة رئيس الدولة أثناء وجوده في منصبه، إلا أن كاتساف رفض الاستقالة واستمر في أداء وظيفته، إلى أن شعر بعدم قدرته على الوفاء بذلك، فأعلن العجز الموقت عن أداء مهام منصبه. ومع استمرار الضغوط الرسمية والشعبية على كاتساف اضطر في نيسان/أبريل 2007 إلى نقل جميع صلاحياته إلى رئيسة الكنيست داليا إيتسك، على أن يستمر في منصبه حتى نهاية فترته الرئاسية في يوليو من العام نفسه. وبعد هذا الموعد، بدأت محاكمة كاتساف في الاتهامات الموجهة إليه، واستمرت سنوات عدة إلى أن قضت المحكمة عليه بالسجن لمدة سبع سنوات في آذار/مارس 2011.