إن معاناة ساكنة المغرب العميق معاناة مضاعفة ومؤلمة. فالساكنة تعاني من التهميش، والإقصاء الاجتماعي، وندرة في جودة وفاعلية الخدمات المقدمة، فالخدمات الاجتماعية من: تطبيب، وتعليم، وسكن، ضعيفة إن لم نقل منعدمة. وهذه المناطق النائية والمنسية تشكل تربة خصبة للاحتجاج، والتذمر والاحتقان، والإحساس بالظلم والقهر الاجتماعيين، وتعبر بشكل صارخ عن محنة حقوق الإنسان، وعن غياب قيم المواطنة، مما يطرح ملحاحية مساءلة واضعي السياسات العمومية الحاليين، عن مقاربتهم لكيفية الحفاظ على السلم الاجتماعي كأولوية لضمان الاستقرار والتماسك المجتمعي، وإن كان مشروع القانون المالي لسنة 2014 يعفينا عن طرح السؤال، وينذر بدخول سياسي واجتماعي ساخن. وفي عمق المغرب المنسي تقع قرية كرامة، التابعة ترابيا لإقليم ميدلت، والقريبة جغرافيا من معتقل تازمامارت، وغير البعيدة عن قرية»انفكو» ، والتي بدأت تحظى باهتمام الرأي العام الوطني، والفاعلين السياسيين والمدنيين المهتمين بنصرة قضايا حقوق الإنسان، نتيجة ماتشهده مؤخرا من حركة احتجاجية واسعة، بمشاركة مختلف دواويرها و«قصورها»، وتلاميذ مدارسها واعدادياتها. هذه الحركة الاحتجاجية المطلبية، والتي انطلقت شرارتها الأولى يوم الخميس 24 أكتوبر 2013، باعتصام قاطني دوار المو أبوري، الذين نصبوا خيمتهم أمام مقر الجماعة القروية بكرامة. وقد رافق هذا الاعتصام ، كالعادة، حضور أمني مكثف ، تحت إمرة ضابطين من الدرك الملكي، والقوات المساعدة، مما كان سببا ، حسب مصادر الاتحاد الاشتراكي ، في تضامن المئات من ساكنة الدواوير الأخرى، والتحاقهم بصفوف الغاضبين، رافعين شعارات تندد بما آلت إليه الأوضاع ببلدة كرامة، ومطالبين بفك العزلة عن بلدتهم ، وتزويد دورهم بشبكة الماء والكهرباء وتعبيد الطرق «فخمس دقائق من الأمطار تكفي لفضح بؤس البنية التحتية بكرامة»، حسب تعليق رئيس إحدى الجمعيات المدنية بالمنطقة. إلى ذلك، وفي تطور لافت وغير منتظر لمجريات الأحداث، سجل أصحاب المحلات التجارية وأرباب المقاهي، انضمامهم إلى صفوف المعتصمين ابتداء من يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013 . أما تلاميذ المؤسسات التعليمية ، فلم يخلفوا بدورهم الموعد استجابة لنداء واستغاثة قريتهم، وشاركوا مع المئات في الفعل الاحتجاجي، ابتداء من صبيحة يوم الاثنين 28 أكتوبر 2013 ، هذا اليوم الذي عرف كذلك عزوف الباعة، ومرتادي السوق الأسبوعي عن طرح بضاعتهم، معلنين تضامنهم بطريقتهم الخاصة مع المتظاهرين، لتعيش جماعة كرامة يوما استثنائيا حرمت فيه من سوقها الأسبوعي. فيوم الاثنين لم يكن يوما عاديا في تاريخ كرامة، يوم تضامن وتآزر فيه أبناء المنطقة في وقفة احتجاجية، شاركت فيها مختلف الأعمار والفئات ، تحت شعار رفع التهميش والمطالبة بالإنصاف، ودفاعا عن بلدة طالها الإهمال والنسيان. أما يوم الثلاثاء فقد عرفت ساعاته الأولى وتحديدا حوالي الساعة الواحدة والنصف ليلا مناوشات، وتدخلا أمنيا في صفوف المعتصمين ، سجلت على إثره سبعة اعتقالات في صفوف المحتجين، ومصادرة أمتعتهم ولافتاتهم وانتشار قوات التدخل السريع في جميع أنحاء القرية تحسبا لتجمهر الساكنة وبداية احتجاجات جديدة ،مما يزيد من حدة التوتر والاحتقان والترقب، وينبئ بتطورات للوضع وسط الحديث عن تعزيزات أمنية إضافية، حيث شهد نفس اليوم قدوم أزيد من عشرين سيارة خاصة بفرق التدخل السريع، حسب تأكيدات مصادر عليمة، ومتابعة بشكل مباشر للمستجدات الميدانية.كما تضاربت الأنباء عن وساطات وتدخلات لمسؤولين إقليميين، في محاولة منهم لإجراء حوار أو لقاء أولي مع ممثلي القبائل المنتفضة تحتضنه عمالة إقليم ميدلت. وفي ذات السياق وفي اتصال مع بعض الفاعلين المدنيين المحليين، استقصاء لآرائهم حول بواعث وخلفيات هذا التحرك الاحتجاجي، شددوا في تصريحهم لجريدة الاتحاد الاشتراكي،على أن الساكنة قد بعثت برسائل سابقة لعلها تثير انتباه المسؤولين إلى فظاعة واقعها المعيش، تمثلت في: الوقفة الاحتجاجية لأرباب سيارات الأجرة، والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية الانذارية المنظمة طيلة السنة الماضية، من طرف الساكنة، ومكونات المجتمع المدني،كما لخصوا إجابتهم عن عرض الساكنة المطلبي في أسئلة موجهة إلى من يهمهم الأمر: 1 ) ألا تعتبر الطريق رقم 708، الرابطة بين الريش وكرامة كارثية، وحجة دامغة على ان المنطقة تنتمي للمغرب العميق المنسي؟ ألا يشكل المقطع الرابط بين كرامة وتوزاكين عارا على جبين وزارة التجهيز ؟ 2) عن أي ولوج للخدمات الصحية يمكننا ان نتحدث، ببلدة لاتتوفر إلا على مستوصف واحد،وطبيب واحد، مطالب بالكشف عن أكثر من 14 ألف نسمة؟ ألا يستحق السكان أكثر من طبيبين على الأقل ؟ ألا يجدر بالمندوب الإقليمي لوزارة الصحة تعويض الطبيب الأوحد أثناء غيابه ؟ هل بلغ إلى علم المندوب الإقليمي أن الفئات الهشة من سكان كرامة لم تستفد من بطائق رميد، وتعامل بطريقة لاإنسانية بالمستشفى الإقليمي بالرشيدية ؟ 3) ما مصير مشروع تهيئة المركز الممول من طرف مجلس الجهة والمجلس الإقليمي ؟ ومتى ستنعم الساكنة ببداية أشغاله ؟ إذا علمنا أن المنتخبين بالمجلسين يؤكدون ان المشروع شبه تام. 4) متى سيتم الإفراج عن المشروع الخاص بتزفيت وتزيين مدخل البلدة والممول من حصة الجماعة القروية، والمقدر مبلغه ب 218 مليون سنتيم. 5) متى سيفرج عن مشروع بناء ملعب القرب ، والذي برمج سنة 2011 بمناسبة الزيارة الملكية لإقليم ميدلت؟ 6) ما هي الإجراءات الملموسة التي باشرتها سلطات الوصاية لحل المشاكل والنزاعات المرتبطة بأراضي الجموع ، وللحفاظ على حقوق ساكنة تتجرع مرارة العجز وقلة ذات اليد؟ وهذا ، وقد عملت جريدة الاتحاد الاشتراكي على ربط الاتصال بسعيد اشباعتو رئيس جهة مكناس تافيلالت، وبرلماني عن دائرة ميدلت الانتخابية، والذي أعرب للجريدة عن عزمه القيام بزيارة لمنطقة كرامة بحر الأسبوع الجاري، ولقاء ساكنتها تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وللاستماع إلى مطالب المحتجين، والتفاعل مع اقتراحاتهم في حدود دائرة اختصاصاته ومجالات اشتغاله.