توفر المغرب على برنامج وطني لمكافحة داء السل منذ نهاية سنوات السبعينات، واعتماد استراتيجيات متجددة في محاربة هذا الداء وفقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية والتي كانت آخرها في 2006 والتي حملت اسم " السل قف " وقبلها " كفى من السل " و استراتيجية العلاج القصير الأمد تحت الإشراف المباشر لمهنيي الصحة " الدودس"، لم تنجح في التقليص من نسب الإصابة بهذا الداء الفتاك وبلوغ النسبة التي أعلن عنها غير ما مرة والمتمثلة في ستة في المئة من معدل الانخفاض السنوي والذي لم يتجاوز ثلاثة في المئة !؟ عجز/خلل مرده عدة عوامل مرتبطة بالأساس بتداخل العوامل المساعدة على انتشار الداء، ومنها ظروف السكن وارتباطها بحضور تهوية جيدة، وتوفر أشعة الشمس من عدمه، ونظام التغذية ... بالإضافة إلى ضعف وتيرة الكشف والتشخيص المبكرين، والانقطاع عن اتمام العلاج، مما يجعل من هذه العوامل الصحية منها والاقتصادية والاجتماعية أسبابا رئيسية في استمرار تسجيل معدلات مرتفعة من السل، سيما بالمدن الكبرى والأحياء الهامشية التي تعرف نسبة كثافة عالية من المواطنين، والتي ترتفع فيها معدلات الهشاشة والإقصاء الاجتماعي والعوز، حيث وعلى الرغم من تخصيص ميزانية مهمة سنويا تفوق 30 مليون درهم توجه للعلاج المجاني فانه تسجل سنويا نسب تفوق 80 في المئة من الحالات الجديدة لكل مئة ألف نسمة، وهي النسب التي ترتفع بشكل أكبر في أحياء بمدينة كالدار البيضاء، والتي يشكل فيها الشباب رقما مهما بحيث تتراوح اعمار المصابين ما بين 15 و 45 سنة، 58 في المئة منهم هم من الذكور. وتظل المعدلات الوطنية المتعلقة بالإصابة بمرض السل ومستوى انتشاره ونسبة الوفيات الناجمة عنه بالمغرب مرتفعة جدا مقارنة مع عدد كبير من الدول ذات نفس المستوى الاقتصادي منها على سبيل المثال لا الحصر تونس واليمن ومصر والأردن. ففي المملكة الأردنية يبلغ معدل الاصابة نحو 5 اصابات لكل 100 الف نسمة ومعدل انتشار السل الرئوي يصل نحو 6 اصابات لكل 100 ألف نسمة سنويا ونحو 7.7 حالة مرضية لكل 100 ألف نسمة. وفي هذا الإطار أوضحت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة أن أسباب تراجع وتخلف بلادنا في مجال الوقاية ومحاربة داء السل، تتجلى في تخلي وزارة الصحة عن جعل هذا المرض من الاشكالات الصحية والمجتمعية الحقيقية وذات الأولوية، بحكم ارتباطها بالفقراء والمهمشين واختيارها لسياسة صحية ذات سرعتين: صحة للفقراء وصحة للأغنياء كما تتجلى هذه الاخفاقات في تعثر البرنامج الوطني لمكافحة داء السل من خلال ضعف وفشل الاستراتيجية الوطنية 2008- 2012، وسلبية نتائجها السنوية وخاصة فيما يتعلق بتحسين مردودية عمليات الاكتشاف المبكر لحالات الاصابة بهذا المرض الفتاك ، والتقليص من نسبة الاصابة والوفيات رغم ما تخصصه الدولة من اعتمادات مالية سنوية ودعم دولي مستمر من المنظمة العالمية للصحة للبرنامج الوطني للوقاية، وللحد من انتشار داء السل. واعتبرت الشبكة أن مكافحة هذه المرض والقضاء عليه لم تعد مسؤولية وزارة الصحة وحدها من خلال البرنامج الوطني لمكافحة داء السل فقط ، بل هي اساسا ووجوبا مسؤولية مشتركة بين جميع القطاعات الوزارية وبين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات وبين المجتمع والأسر والفرد ، فضلا عن الدور الذي يجب ان يضطلع به الاعلام في توعية المجتمع بمخاطر هذا المرض الفتاك عبر توعية المرضى وتحسيسهم، ونشر ثقافة متابعة نصائح الطبيب والممرض بخصوص خطة العلاج وتجنب توقيفه. وكانت وزارة الصحة وبناء على توصيات منظمة الصحة العالمية باتباع مقاربة تشاركية بين مختلف القطاعات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، أعلنت صباح امس الأربعاء بالدار البيضاء عن خطة عمل جديدة لتسريع خفض نسبة الإصابة بداء السل ما بين 2013 و 2016، وذلك عن طريق دعم دور المختبرات الوطنية والمحلية في الكشف عن المرض، وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية، ومنظومة الأرصدة، مع تعبئة وتحديد دور القطاعات الحكومية وغير الحكومية .