عاد موضوع التهريب عبر الحدود المغربية - الجزائرية من جديد إلى الواجهة ليطفو على سطح العلاقات بين البلدين الجارين التي تمر من عنق الزجاجة، في الوقت الذي قالت صحافة قصر المرادية، أن تجار الماشية بالجزائر متخوفون من إغراق أسواقهم بالماشية المغربية، «الأمر الذي من شأنه أن يخلف كسادا تجاريا لدى مربي الماشية بدولة الجوار»، في حين تكون الجزائر قد عرفت في الآونة الأخيرة جفافا حادا صاحبته مجموعة من الأمراض التي أدت إلى إصابة الماشية الجزائرية بأمراض متعددة، مما أدى إلى نقص كبير في عدد رؤوس الأغنام. أشارت مصادر مطلعة، إلى أن السلطات الجزائرية مازالت تواصل عمليات مجابهة التهريب عبر الحدود مع المغرب بطريقة موصوفة ب«الشرسة»، في حين تسمح بأسلوب ما يسمى ب«المقايضة عبر الحدود»، وذلك عن طريق تصدير السجائر المهربة، والأقراص المهلوسة، والمواد الغذائية المنتهية صلاحيتها إلى الحدود الشرقية، واستيراد الماشية المغربية من لدن المهربين. «أعطيني المازوت هاك الحولي» في الوقت الذي لا يفصلنا سوى يوم واحد عن عيد الأضحى، انتعشت أنشطة المهربين عبر الحدود المغربية الجزائرية، منتهزين في ذلك الفرصة للانتعاش داخل سوق التهريب، في الوقت الذي شنت السلطات الجزائية «حربا ضروسا» على مهربي البنزين الجزائري، وابتكرت أساليب جديدة لإيقاف سيولة المواد السائلة، مما جعل العديد من المهربين يغيرون أنشطتهم التجارية المحظورة، ويختارون تهريب الماشية عبر هذه الحدود التي تعد من بين «أغرب» النقط الحدودية في العالم. تهريب الماشية عبر الحدود المغربية الجزائرية التي تمتد على مسافة 1559 كلم، أصبح موضوعا متداولا لدى «الكسابة» والمهتمين بتجارة الماشية بالجهة الشرقية، وفي هذا الإطار، يقول عبد القادر كساب بمنطقة «بركم»، أنه تتم عمليات تهريب واسعة النطاق في نقاط مختلفة عبر الحدود، نتيجة الندرة الواضحة في رؤوس الأغنام وارتفاع أثمنتها بأسواق الجهة الشرقية، في حين تؤكد مصادر «الاتحاد الاشتراكي» أن تونس وليبيا والجزائر، في حاجة ماسة إلى الماشية، خاصة وأن «العيد الكبير» صار على الابواب، الأمر الذي يرفع من وتيرة أنشطة التهريب عبر الحدود المغاربية. سكان الشريط الحدودي المغربي الجزائري، رصدوا في أكثر من مرة، سيارات كبيرات الحجم محملات بأعداد مهمة من رؤوس الأغنام، متخذين من شساعة الحدود مكانا خصبا لممارسة أنشطة التهريب، فيما يتفننون في ابتكار أساليب جديدة لسلك المعابر الطرقية الوعرة لتجنب نقاط التفتيش الأمنية. قصة تهريب الماشية ينسج فصولها يوميا ممتهنو الظاهرة، وعلى طول الشريط الحدودي المغربي الجزائري، وعبر نقاط مختلفة التي هي مسالك وعرة، يلجأ المهربون نحو المناطق الجزائرية لاقتناء المحروقات ممن يسمون ب « الحلابة»، في حين يمدونهم برؤوس الأغنام المغربية، الأمر الذي قال عنه «يخلف» شاب في عقده الثاني انقطع مؤخرا عن نشاط تهريب الوقود، أن العملية تتم عن طريق «أعطيني المازوت هاك الحولي»، كما كانت تتم المقايضة من قبل. عملية تهريب الماشية تتم تحت جنح الليل، حيث يتم تجميع الماشية في عدد من النقاط الحدودية كي لا تلفت الأنظار إليها، ومع تغير المكان والزمان، تبقى الماشية المغربية أكثر جودة في نظر الجزائريين مما يجعلهم يتهافتون عليها، كونها تتسم بمواصفات عالية، مقارنة مع الماشية الجزائرية التي تكون مصابة بمجموعة من الأمراض وغير مرغوب فيها بالأسواق المغربية والدول المجاورة. ازدواجية جنرالات الشاي والسكر ازدواجية التعامل والتحامل، التي ابتدعها جنرالات الشاي والسكر، أدت إلى احتقان الأوضاع في الغرب الجزائري، وساهمت بتأجيجها في صفوف «الحلابة» الذين أقدموا في الآونة الأخيرة على إضرام النار في محطات البنزين الجزائرية، ضدا على سياسة التقشف التي تنهجها دولة الجزائر لمحاربة ما أسمته ب«مجابهة تهريب الوقود عبر الحدود». وعند النقطة الحدودية «زوج بغال»، ترتسم لكل زائر غريب، صورة تعكس الوضع الذي تتواجد عليه الحدود الشرقية، حيث الشمس محرقة والصمت يلف المكان، والحواجز الحديدية الصدئة التي نال منها الزمان وحدها من تحرص الحدود، في حين تبقى الأعلام المغربية -الجزائرية ترفرف في السماء وترسم في الأفق رسالة عنوانها «السلام»، وتعبر بشكل مباشر عن العلاقات المتينة التي تجمع بين أبناء البلدين الشقيقين، اللذين تجمع بينهما روابط الاخوة والمصاهرة وتفرقهما السياسة. مدينة وجدة، التي لا تبعد عن المركز الحدودي «زوج بغال» إلا بحوالي 14 كلم، ظلت منذ شهر غشت من سنة 1994، مسرحا حقيقيا لجميع أنواع التهريب، بفعل السياسة التي انتهجها جنرالات الجزائر، الذين عمدو إلى تصدير الأقراص المهلوسة «القرقوبي» عن طريق شبكات التهريب إلى المغرب، بغرض تدمير عقول الشباب المغاربة، فضلا عن رفع الحصار عن العائلات المغربية الجزائرية التي جرى تشريدها منتصف السبعينات ، ضدا على المسيرة الخضراء التي قادها الراحل الحسن الثاني، الأمر الذي يبين أن جنرالات الشاي والسكر يكنون «الحقد والعداوة» للدولة وللشعب المغربي. وبمدينة مغنية الواقعة غرب الجزائر، تنشط هناك جميع أنواع شبكات التهريب التي وجدت في المسالك الحدودية ضالتها لتتاجر في كل شيء ...حتى البشر، تحت رعاية «الاجهزة الامنية الجزائرية»، مما جعل الجهة الشرقية تعرف تدفق المئات من المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء الذين يتم تهريبهم عن طريق الحدود المغربية الجزائرية إلى التراب الوطني، بغرض خلق متاعب للمغرب على مستويات متعددة. وفي الوقت الذي شددت المصالح الأمنية المغربية من حملاتها ضد المواد الجزائرية المهربة، بدأت حركة «المقاتلات» تعرف نقصا ملحوظا على مستوى الجهة الشرقية، فيما شهد الغرب الجزائري حالة احتقان أدت ب»الحلابة» كما يجري نعتهم في الجزائر، إلى إضرام النار في محطات البنزين الواقعة ب»مغنية « و»تلمسان» المجاورتين للحدود الشرقية للمغرب، ضدا على سياسة التقشف التي تنهجها الجزائر لاحتواء الأزمة التي باتت تعرفها مؤخرا في المحروقات السائلة. هل فعلا الحدود مغلقة؟ بات من المؤكد أن عملية غلق الحدود بين المغرب والجزائر حبر على ورق لم تعد تتعدى أسوار السلطة الجزائرية، إذ هناك العديد من المدن الجزائرية تستقبل المئات من المغاربة الذين يعبرون الحدود يوميا بطرق غير شرعية لكسب لقمة العيش، حيث يمتهنون حرفة الزخرفة بالبلاط، فضلا عن التجارة أو التهريب. فمدينة مغنية ووجدة، من المناطق الأكثر عبورا و توافدا من قبل الشباب، بارونات تعيش في الخفاء المصطنع و ما خفي كان أعظم، فلم تتوقف المبادلات التجارية في الحدود بين الجزائر والمغرب إلى حد الساعة، فإن أغلقت الحدود رسميا فهو إغلاق على أوراق بالية، قضية تفتح بابا للعديد من التساؤلات: ما جدوى فتح الحدود إن لم تغلق أصلا؟. وزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان العمامرة، في أول خروج إعلامي له، اعتبر «أن استمرار إغلاق الحدود بين البلدين الجارين قائم بسبب عدم حل الأسباب التي أدت إلى ذلك»، الأمر الذي يبين أن تصريحاته ترسخ للخطاب الجزائري التقليدي بخصوص الخلافات مع المغرب، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الحدود البرية المغلقة منذ شهر غشت من سنة 1994، على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق آسني بمراكش والتي كان أبطالها عملاء وعناصر من المخابرات الجزائرية. وقال «رمطان العمامرة» الذي خلف منذ شهر تقريبا رئيس الدبلوماسية الجزائري السابق «مراد مدلسي»، في تصريح للإذاعة الجزائرية: « إن العلاقات الجزائرية المغربية لا هي عادية ولا هي متوترة، مشيرا في ذات الوقت إلى مشكل الحدود المغلقة بين البلدين، وقال في تعليق على ذلك «إن الأسباب التي أدت إلى إغلاق الحدود مع المغرب لم يتم حلها». واتهم رئيس الدبلوماسية الجزائري، وسائل إعلام مغربية وتصريحات رسمية مغربية كذلك بوقوفها وراء تكريس الأزمة، قائلا «إن هناك حمى زائدة لدى بعض وسائل الإعلام وللأسف في بعض التصريحات الرسمية» المغربية . ودعا العمامرة إلى ضرورة «إلتزام الحكمة والتعقل خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة شقيقة وجارة تاريخها لم يكن نهرا هادئا»! على حد تعبيره. وكان مدلسي بدوره يعتبر أن مشلكة فتح الحدود بين البلدين رهينة بحل أسبابها. ويبرز ذلك أن رئيس الدبلوماسية الجزائري الجديد لا يحمل أي تغيير في الموقف الجزائري بخصوص الحلول لتجاوز بعض الخلافات مع جاره المغرب، وفي مقدمتها مشكلة الحدود البرية المغلقة بين الجارين. تصريحات وزير الخارجية الجزائري الجديد، لا تعكس استمرار إغلاق الحدود البرية المغربية الجزائرية لمدة تقارب 20 سنة، التي ظلت ثغرة مفتوحة لتتغذى أنشطة شبكات التهريب وتشجع القطاع غير المهيكل، فضلا عن كونه يحرم اقتصاديات البلاد المغاربية عموما من نقطتين من معدل النمو سنويا. وأمام الصمت الطويل المطبق الذي يلف النقطة الحدودية المغربية الجزائرية الوحيدة «زوج بغال» وفي الجوار وعلى طول 510 كلم من «السعيدية» شمالا إلى «لخنادق» ضواحي «فكيك» جنوبا تنشط عصابات التهريب بين الجانبين مستغلين هذا الوضع غير المقبول مع بلدين جارين، في حين تبقى الحدود المغربية الجزائرية ، رغم القرار الرسمي بإغلاقها، «قائمة على مصراعيها في وجه شبكات التهريب». تعتزم الحكومة الجزائرية إصدار قانون يردع مهربي الوقود إلى الخارج، خاصة في اتجاه الحدود مع المغرب وتونس، ويشمل مشروع القانون الجديد، الذي ينتظر المصادقة عليه من طرف البرلمان خلال الدورة الخريفية لهذا العام، أنه «يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات، وبغرامة تساوي عشر مرات مجموع قيمتي البضاعة، ووسيلة النقل المصادرة، كل شخص يحوز داخل النطاق الجمركي مخزنا معدا ليستعمل في التهريب، أو وسيلة نقل مهيأة خصيصا لغرض التهريب». وتضيف المادة 11 من مشروع القانون الجديد «إذا تعلق الأمر بتهريب الوقود تساوي الغرامة مائة مرة قيمة الوقود في السوق الوطنية في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا الأمر». ونص مشروع القانون أيضا على أنه «يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات، وبغرامة من 200 ألف دينار جزائري إلى مليون دينار، كل من يقوم بتهيئة وسيلة النقل برفع سعة تخزينها للوقود بغرض التهريب، مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها». ويجرم القانون الجديد جميع الأعمال ذات الصلة بتهريب الوقود، ومنها عمليات الدعم والإسناد المقدمة للشبكات التهريب، سواء تعلقت بإدخال تعديلات على السيارات والعربات المستعملة في التهريب، أو تسهيل التهريب، أو تزويد المهربين بالوقود على مستوى محطات التوزيع الحكومية والخاصة، أو المساعدة على تخزين الكميات المعدة للتهريب ونقلها من مكان إلى آخر».