التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقة : مدينة متمردة تحترق
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 10 - 2013

أي يوميات لمدينة سورية يسيطر عليها الإسلاميون و يحاصرها النظام؟ فهي بين هاجسين: تحليق طائرات الميغ النظامية ليلا، و رقابة الرجال ذوي الأقنعة السوداء
مراسلة صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، التي لم تذكر اسمها، زارت المدينة و قدمت هذا الروبورتاج المفزع.
إنهم هناك. في المدخل الشمالي لمدينة الرقة، زرعوا رايتهم السوداء فوق البوابة التي تقطع الطريق و المكتوب عليها «الدولة الإسلامية بالعراق و المشرق». أربعة ‹نينجات» (لا يُرى منهم إلا العينان من خلف قناع أسود) يحملون كالاشنيكوف في أيديهم، يوقفون الحافلة و يطلبون بطاقات التعريف، عشرة رجال من ضمنهم السائق يقدمون بطاقاتهم بينما الراكبات الأربع الباقيات لم يتحركن. فالجهاديون يتجاهلون النساء إلى درجة أنهم لا ينظرون إليهن. يكفي أن تضع منديلا محزوما بشكل جيد على الرأس، مثل ما تفعل نساء المنطقة، كي تتمتع النسوة بهذا اللاوجود.
من الأفضل ألا يتم التعرف علي كصحفية أجنبية من طرف هؤلاء الرجال المنتمين لجماعة مقربة من القاعدة، و هي الجماعة التي تابع العالم مسلسل فظاعاتها. فهي التي اختطفت الأب اليسوعي «باولو دالأوغليو» قبل ثلاثة شهور هنا في الرقة، و هنا أيضا اختفى كثير من الصحفيين الأوربيين و مئات الناشطين السوريين. و هي الجماعة نفسها التي دشن أصحابها سيطرتهم على المدينة في ماي الماضي بإعدام ثلاثة رجال في الساحة العمومية.
رجال مقنعون:
لم تدُم عملية التفتيش أكثر من ثلاث دقائق. تحركت الحافلة نحو وسط المدينة، الصاخب بالحركة في ذلك الوقت قبيل الغداء. سيارات أجرة صفراء، سيارات مغبرة، عربات ثلاثية العجلات مُحملة بصناديق البلاستيك أو الخُضر، شاحنات تنقل الآجر و أكياس الأسمنت و قضبان الحديد المجرورة على عدة أمتار خلفها، تحركات و نفير في كل الاتجاهات. رجال بجلابات أو سراويل دجين، نساء بمعاطف طويلة و مناديل تسرعن نحو المتاجر. و على طول الشوارع العريضة كان شجر النخيل هو المنظر الجذاب الوحيد في هذه المدينة ذات المنازل غير المكتملة. كانت شبيهة بغزة بدون بحر أو بعلبك بدون الأطلال الرومانية. تقول أم نبيل و هي تستقبل زوارها : «ترون جيدا أنها لا تشبه كندهار كما تروي ذلك المحطات التلفزية». أم نبيل تنتمي لعائلة كبيرة من عائلات الرقة و هي أم لثلاثة مراهقين و لا تتحمل أن ترى صورة مدينتها مشوهة من خلال الروايات «المُبالغ فيها» و سيطرة الجماعات المتطرفة. «إنهم لا يتدخلون في شؤوننا و الحياة عادية هنا، تواصل أم نبيل، و ابنتي ذات الستة عشر عاما تخرج بدون غطاء للرأس و أنا أخرج هكذا» مشيرة إلى سروالها الدجين و قميصها ذي المربعات.
و على غرار كثير من أبناء الرقة المعارضين بتصميم لنظام بشار الأسد منذ بدء الثورة في ربيع 2011، فإن أم نبيل تتحدث بحماس عن «تحرير» المدينة. تغير مصير سكان أول عاصمة محافظة تسقط في أيدي المتمردين في نفس الوقت الذي سقط فيه التمثال الضخم لحافظ الأسد في 4 مارس. فمدينة الرقة الواقعة في شمال شرق البلاد و التي تضم حوالي 200 ألف نسمة، كان من الممكن أن تشكل تجربة و نموذجا لسوريا ما بعد الأسد. لكنها و بعد ستة شهور من ذلك التاريخ هاهي تشهد تركزا لكافة المخاطر و المفارقات التي تُراكمها الأزمة السورية. فقناصو الجيش النظامي يواصلون إطلاق قنابلهم اليومية على أحياء المدينة، بينما تتنافس مجموعات مسلحة مختلفة من أجل السيطرة على المدينة و أهلها.
عشرات القناني:
خرجت أم نبيل من مطبخها حاملة صينية من القهوة التركية و هي تشكو من انقطاع الماء و الكهرباء . لا هواء مكيف في حرارة بداية سبتمبر و لا ماء بارد مع القهوة. تقول أم نبيل و هي الموظفة السابقة التي تحولت إلى ربة بيت في الأشهر الأخيرة :»أشغل آلة التصبين في الثانية فجرا لأن ذاك هو الوقت المناسب لانسياب صبيب الماء و استمرار التيار الكهربي». و لمواجهة هذا الوضع تجمع أم نبيل عشرات القناني البلاستيكية لملئها بالماء احتياطا لفترات النقص أو النضوب. و هي تتابع تدخين سجائرها، تتحدث بأسف عن الانقلاب الذي زعزع حياتها منذ أن توقفت محكمة المدينة، التي كانت تشتغل فيها، عن العمل غداة «التحرير» . في السابق كنت أخرج في الثامنة صباحا كي أشتغل حتى الثالثة فأعود لتحضير وجبة الغداء و ترتيب البيت، و هكذا كان اليوم يمر أما الآن فلم يعد هناك أي توقيت لأي واحد منا، لا لزوجي الموظف أيضا و لا لأبنائي» .
و تبوح بألمها لمصير ابنيها العاطلين، نبيل و جميل (20 و 24 سنة) اللذين قطعا دراستهما. أحدهما بدمشق حيث اعتقل لمدة شهر لأنه من الرقة و الآخر في حلب. فهما يمضيان الوقت أمام التلفاز، حين يكون التيار ساريا، و يحلمان بمغادرة البلاد.
قمصان الساتان
بعد نزول الظلام و هبوط الحرارة، يحل وقت التجول بالنسبة للأسرة في الرقة. يذهب البعض إلى مقاهي الأنترنت، بينما يتجول البعض الآخر في الشوارع التجارية و أمام الواجهات المضيئة، التي تعرض قمصانا لامعة و أحذية ملونة لا تقل لمعانا. في أحد متاجر النسيج حيث تزدحم نساء و هن يتحدثن بلكنة حلبية، يعبر التاجر عن اعتذاره لعدم توفره على قمصان نوم من القطن لأنه لا يقدم سوى قمصان الدانتيل و الساتان. و على بعد بضعة أمتار، تقف شاحنة تحمل على ظهرها «دوشكا» و هي رشاش روسي ثقيل مشهور بالمنطقة، و إلى جانب الشاحنة يقف عدة رجال مقنعين يراقبون بينما يُخرج آخرون من أحد المتاجر صناديق كبيرة و أجهزة تدفئة، فيما يبدو. تعلق أم نبيل «برافو، إنهم ينهبون هذا الوسخ» متحدثة عن تاجر مقرب من النظام ، اغتنى في السنوات الأخيرة بسبب فساده «لقد هرب إلى اللاذقية فور سقوط الرقة».
خوفا من التجاوزات، و عقب سقوط المدينة بأيدي المتمردين، عمد الآلاف من رجال الأعمال و الموظفين، علويين كانوا أم لا، إلى اللجوء مع عائلاتهم في المنطقة الساحلية، معقل قوات الأسد. عملية الكوماندو التي قام بها «النينجا» في مركز المدينة أظهرت رجال «الدولة الإسلامية للعراق و المشرق» مثل الرجال العادلين في نظر بعض السكان، بينما قال أبو عبود: «ربما كانوا من رجال التاجر استأجرهم كي يأتوه بسلعه». و يقول شاب ينتمي لحركة شبابية دمقراطية :» إنهم من نفس طينة النظام، فهم يحاربون الحريات و الدمقراطية و المجتمع المدني تماما مثل نظام الأسد، و أول ما يستهدفون هم النشطاء العلمانيون».
ما أن شرع المتطرفون في محاولة تطبيق مبادئ الإمارة الإسلامية، حتى تعبأ سكان الرقة بشكل قوي. «فنحن - يقول أحد سكان الرقة - لا نريد استبدال طغيان بطغيان آخر» بل هناك من يقول أنهم يعملون لصالح النظام و دليلهم على ذلك أن الدولة الإسلامية لم تطلق رصاصة واحدة ضد قوات النظام، كما أن مواقعهم لا يهاجمها الجيش بطيرانه و لا مدفعيته، بينما مواقعهم معروفة و مكشوفة فهم يسيطرون على كل مداخل الرقة.
ينبغي شراء الخبز لدى العودة من الجولة المسائية. أمام الفرن، توجهت أم نبيل نحو الصف المخصص للنساء، بينما الصف المخصص للرجال في الرصيف المقابل كان أكثر طولا. يقف رجلان مسلحان و مقنعان بين الصفين، توضح أم نبيل : « لا هذان لا علاقة لهما برجال الدولة الإسلامية، فهما يخفيان وجهيهما لأنهما من شباب الحي و لا يريدان أن يكونا معروفين من طرف أهلهما أو جيرانهما فيحرجانهما بطلب التزود بالخبز دون الوقوف بالطابور»، فشبكة الخبز تسيطر عليها منظمة «أحرار الشام» و هي تشكيل سلفي مسلح يبدو معتدلا في السياق الحالي.
وصل هذا التشكيل من إدلب خلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الرقة في مارس المنصرم، فنهب أفراده كل الأموال و الموارد التي كانت موجودة بالمدينة. هاجموا البنوك و الإدارات جامعين حوالي 17 مليار ليرة سورية (حوالي 6 ملايين أورو). و نهبوا الإدارات و المصانع حاملين جميع محتوياتها بدءا من الآلات الثقيلة حتى النوافذ، ليعيدوا بيعها و بذلك اشتروا السلاح و النفوذ و فرضوا سيطرتهم و احتكارهم على الطحين الذي يوزعونه على الأفران و يشرفون على بيعه مما أعطاهم شهادة حسن التدبير لدى السكان البسطاء، كما تولوا بعض الخدمات العمومية مثل جمع النفايات و المطافئ ، كما أن «شرطتهم الإسلامية» تشرف على السير و الجولان و كذا على الجنح و الانحرافات اليومية.
مرور الميغ:
هل هو هدير طائرة؟ بالفعل فقد مرت طائرة ميغ حوالي التاسعة صباحا. استهدفت «الثكنة»، و هو حي سكني قريب من ثكنة قديمة تعود إلى عهد الانتداب الفرنسي. أدى «البرميل» و هو عبارة عن كرة من الماء الساخن و المتفجرات، الذي سقط بين عمارتين، إلى بعض الإصابات الخفيفة لا غير. تقول أم نبيل: « هذه الغارات رسالة من بشار تقول لنا أنه لم ينسانا، فمرة كل يوم لا أكثر، و في ساعات مختلفة يبعث لنا بشار طائراته للقصف. في البداية، كنا ما أن نرى طائرة في الجو حتى تسرع العائلة جميعها للاختباء في الطابق الأرضي لدى الجيران، أما الآن فقد أصبح ذلك روتينيا، فنلاحظ مرور الميغ ثم نواصل شرب قهوتنا داعين الله ألا تحدث أضرارا كثيرة»
في الرقة، لا تسقط القنابل من السماء فقط أو في النهار لا غير. ففي الليل، تقصف المدافع ثلاث أو أربع مرات و ربما أكثر. يعرف ابنا أم نبيل تحديد موقع و هدف كل واحدة منها. على بعد 5 كيلومترات شمال الرقة، لا تزال الكتيبة 17 للجيش السوري تحتل موقعا جيد التحصين لكنه مطوق بقوات المتمردين. في هذا الجيب يتحصن حوالي 200 جندي سوري حيث يأتيهم المدد و العتاد كل يوم بواسطة طائرات عمودية، ترمي مظلات صغيرة محملة يسقط بعضها في أيدي المتمردين.
دخول مدرسي:
جاء خبر اتفاق وزير الخارجية الأمريكي و نظيره الروسي حول الأسلحة الكيماوية السورية، ليُغضب جميع أفراد عائلة أم نبيل : « هذه هي مشكلتنا؟ يصيح أبو نبيل. كل المجازر الأخرى لا تُحسب؟ المائة ألف قتيل و الغارات الجوية و القذائف و المجازر... عامان و نصف من تخريب البلاد و يذهب النظام هكذا؟ « و يواصل كل واحد تعليقه « هذا نفاق الغرب» «جُبن أوباما» أو المؤامرة الروسية -الأمريكية.
تقول نُهى الأخت الصغرى لأم نبيل و التي تعمل مُدرسة : «نحن نريد العكس تماما، نريد ذهاب بشار و الحفاظ على السلاح»، لكن هذا الخبر لم يعكر المزاج الرائق للمعلمة، التي حققت انتصارا أهم هذا الصباح. فخامس عشر سبتمبر كان يوم الدخول المدرسي. جاء حوالي مائة تلميذ من الألف الذين تحتضنهم عادة مدرستها الابتدائية، لكن عشرات الأسر الأخرى تنتظر مرور هذا اليوم بهدوء كي تبعث بأطفالها إلى المدرسة، تقول نُهى باسمة : «غدا سيكونون أكثر في الالتحاق، و لتشجيعنا بعث لنا بعض التجار عُلبا مليئة بالطباشير و الدفاتر و الأقلام» فالحياة تستمر بالنسبة لهذه العزباء ذات الخمس و الثلاثين عاما - و هي عانس حسب المعايير و الأعراف المحلية - التي تهتم بأطفال مدينتها. منذ الأسبوع السابق شرعت المُدرسات في تحضير أقسامهن، المغلقة منذ مارس الماضي. فيما قام بعض المدرسين بتعليق لافتات صغيرة في جدران المدينة تحض على الذهاب للمدرسة.
بينما كانت تمر في متجر للنسخ، تسلمت نهى بلاغا بحبر باهت باسم «المدرسون الأحرار» يدعو إلى «احترام تعاليم الإسلام، بالفصل بين الذكور و الإناث، لدى الأساتذة كما لدى التلاميذ، و بارتداء الزي الإسلامي» تقول نهى معلقة :» لا أحد سينصت لهم»، و المهم بالنسبة لها أنها ستتقاضى أجر أربعة شهور المتأخرة، فقد تطوع أحد المدرسين و توجه إلى الجزء الخاضع للدولة في محافظة دير الزور، مصحوبا بتوكيلات حوالي مائة مدرس كي يتسلم كافة الأجور، هذا الأمر أيقظ اهتمام أم نبيل التي قالت أنهم قاموا بالأمر نفسه في إدارتهم مقابل نسبة يتلقاها من يقوم بالمهمة نظرا للمخاطر التي يواجهها في رحلته.
تحديد الأهداف:
جولة في نهاية المساء على ضفاف الفرات. الحرارة خانقة تحت الحجاب و نحن نعبر جسر المنصور أو الجسر القديم، تتحسر أم نبيل على الأيام الخوالي حين كانت الخضرة على امتداد البصر، و هي المساحات التي احتلتها هذه العمارات الشاهقة المطلة على النهر. أطفال يسبحون بكامل ثيابهم. تقول أم نبيل : «في الماضي كانت هنا مقاه و مطاعم تحت الأشجار على مقربة من مياه النهر، لكنها أغلقت إما لأن الناس لم تعد ترتادها أو خوفا من القصف أو لقلة المال. بعضها أقفل لأنه كان يقدم مشروبات كحولية».
في نهاية الجسر، نصب حجري يحمل إسم المنصور، و تحته بخط اليد «الدولة الإسلامية للعراق و المشرق» و قد لطخت و كُتب تحتها مباشرة إسم منافسها الأقوى «جبهة النصرة» المرتبطة بأحد فروع القاعدة. فجأة طلع علينا من النهر ثلاثة أطفال مغمورة سراويلهم بالماء و هم يتعاركون بواسطة أغصان طويلة التقطوها، و حين أردنا أخذ صور لهم اختفوا هاربين. استمر تجوالنا على طول الكورنيش، و بعد عشرين دقيقة من السير، توقفت أمامنا سيارة «بيك آب» و على متنها «دوشكا»، نزل منها خمسة رجال مسلحين و ملتحين لكن بوجوه مكشوفة، بعد أن تأملنا طويلا قال أكبرهم سنا و هو في الأربعينات أنه بُلغ بأننا نلتقط صورا لمواقعهم. باسمة أجابته أم نبيل أنها كانت تمزح مع الأطفال الذين خرجوا من النهر وقد غمرت المياه ثيابهم. اعتذر لها و طلب منها بطاقتها للتأكد من أنها فعلا من مواليد و سكان الرقة. حيانا المسلحون باحترام و انصرفوا بعد أن أبلغونا أنهم ينتمون لجبهة النصرة. شعرنا بالارتياح.
و سنفهم فيما بعد هذا الحذر الجديد من النساء اللواتي قد يعملن مُخبرات للنظام، بما في ذلك وضع علامات في مواقع معينة كي يقصفها طيارو الجيش. هذه إحدى التهم التي يتم تناقلها بالنسبة للشابة إيمان التي قتلت قبل بضعة أيام لدى خروجها من مقهى أنترنيت. أمضت الشابة الجميلة ذات التسع عشرة سنة عدة شهور في الرقة باعتبارها مناضلة كردية بالنسبة للبعض أو لاجئة فقدت كافة أسرتها في حمص. امتزجت بمجموعات الشباب المعارض كما بمختلف الكتائب المحلية للجيش السوري الحر، و لم تكن تحرم أحدا من أفراده من جسدها. و تقول الإشاعات أن عدة مواقع زارتها تم قصفها بعد زيارتها لها. قصة إيمان و مقتلها شكلت موضوع أحاديث الأسر، يقول نبيل لوالده: « كيفما كانت الجريمة التي اقترفتها، كان ينبغي محاكمتها أو على الأقل الإعلان عن التهمة الموجهة لها» أما الوالد:»لماذا الاهتمام بفتاة لا أخلاق لها بشهادة الجميع في حين يلقى الأبرياء مصرعهم كل يوم تحت القصف» و يواصل أبو نبيل حديثه: «ليس للإسلاميين أية حظوظ في الرقة، فالمجتمع برمته يرفضهم، بل إن الناس أصبحوا يذهبون للمسجد بشكل أقل منذ أن حلوا بالمدينة.لا ينبغي الخطأ في تحديد العدو. إذا سقط النظام، سيتم طردهم في بضعة أيام أو أسابيع لا غير»
«ليبراسيون» الفرنسية
عدد 28 و 29 سبتمبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.