صدرت الترجمات الأولى للكيخوطي إلى الإنكليزية والفرنسية في حياة ثيربانطيس ذاته، فكانت الإنكليزية عام 1612، والفرنسية سنة 1614 وتلتها اللغات الأخرى مبكرا حيث صدرت الترجمة الألمانية سنة 1621، والإيطالية 1622، والهولندية 1657 والروسية 1769، بينما تأخرت الترجمات العربية الى النصف الزول من القرن العشرين، حيث وردت أول رشارة إلي الكيخوطه عربيا حوالي سنة 1860 ضمن الكتابات الصحفية لأحمد فارس الشدياق في صحيفته (الجوائب) التي اهتمت بالشرق والغرب وكانت ناجحة في كليهما. وهناك إشارات، لم نتحقق منها، تتحدث عن ظهور ترجمة جزئية عن الفرنسية في الجزائر سنة 1898. وفي سنة 1923 صدرت عن المطبعة السلفية في القاهر ترجمة موجزة منقولة عن الكتب المدرسية الفرنسية قام بها العراقي عبد القادر رشيد، وطبعها على نفقته الخاصة، جاءت في 150 صفحة تخللتها الكثير من الصور والرسومات المنقولة، دون أن تحظي بانتشار واسع. ثم تلتها في المغرب جهود ومحاولات التهامي الوزاني حيث عرب الفصول الثمانية الأولى من الجزء الزول سنة 1946، ثم أعاد النظر فيها بالكامل سنة 1950، ونشر أجزاء من ترجمته على صفحات جريدتي (الريف) و(بريد الصباح) في أوائل الخمسينات، و طبع منها (مكتب النشر) ملازم الجزء الأول في أواخر سنة 1953، ثم توقفت عملية طبع هذه الأجزاء دون أ يتوقف هو عن الترجمة الى لم تنشر كاملة حت اليوم بعد أن اشتغل عليها على مدى 18 سنة متقطعة، وربما يكون الوزاني هو أول من ترجم لفظة الكيخوطه ب (الخاء) وليس ب (الشين) لأنه كان يترجم عن الإسبانية وليس عن الفرنسية، حيث عنون ترجمته ب (النابغة المغوار ضون كيخوطي دي لامانشا. وفي سنة 1957 صدرت ترجمة الجزء الأول ب 352 صفحة، عن مكتبة الأنجلو المصرية، قام بها الدكتور عبد العزيز الأهواني وقدم لها واجعها الدكتور حسين مؤنس، وحالت الاعتراضات الدينية دون ظهور ترجمة الجزء الثاني. وعن المطبعة الكاثوليكيةج في بيروت سنة 1958، ظهرت منتخبات بتصرف من اقتباس ميشال أبي صعب، ضمن (السلسلة الحمراء) وتحت الأرقام واحد واثنان، الأول بعنوان (الفارس المجنون) والثاني بعنوان (عودة الي الصواب). وثمة إشارة إلى نسخة موجزة ربما معدة للصغار مع صور ظهرت طبعتها الرابعة عن دار المعارف في القاهرة سنة 1960م. أما أول ترجمة كاملة للكيخوطه وأشهر الترجمات الي العربية فهي ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي التي صدرت في القاهرة سنة 1965م، وأعادت (دار المدى) في دمشق بالتعاون مع المجمع الثقافي في الإمارات طبعها سنة 1998م، ويؤرخ بدوي مقدمته التي وضعها لها بالأعوان 1956-1955م. ثم تلتها ترجمتان كاملتان لكل من: د. سليمان العطار سنة 2002 في القاهرة ود. رفعت عطفة سنة 2004 في دمشق. وستكون لنا وقفة مستقبلا عند طبيعة كل من هذه الترجمات. وبالطبع ظهرت أيضا العديد من الترجمات الموجزة والتلخيصات للزطفال والفتيان أو الأغراض المناهج الدراسية، نذكر منها: لجبرا ابراهيم جبرا عن داغر ثقافة الأطفال في بغداد الثمانينات، وتعريب وتلخيص لأكرم الرافعي (للفتيان) عن دار العلم للملايين الطبعة الألوى سنة 1994 والثانية سنة 2000م، و،طبعة أخرى في تونس سنة 2004م، صياح الهجم - موجز عن الفرنسية - عن دار الفكر اللبناني في بيروت 1999م، نسخة من اقتباس ومراجع للكدتور جوزيف إلياس عن دار العلم للماليين، الطبعة الثانية سنة 2000 معدة لمناهج الدراسة الثانوية، (ضون كيخوطي) عربها ويسرها للشباب عبد الواحد براهم، أعد تمارين المطالعة الميسرة شهاب بن يوسف وروم دروتي ورهاني صدرت عن الشركة التونسية للنشر وتوزيع (عالم الكتب) سنة 2001م. (حكايات ضون كيشوت) جزءان للفتيان الجرجس ناصيف عن دار سماحة في بيروت سنة 2002م... وغيرها، وتجدر الإشارة هنا إلى ما لهذه التخيصات والتعريبات المتصرفة من محاذير قد تؤثر سلبا على كيفية فهم وتلقي الكيخوطه، ومثال ذلك ما يشير إليه زكي العليلة فيما يتعلق بورودها في مناهج الدراسة الفسطينية، فقد »أثر البتر والتصرف المتعسف علي النص المترجم المستل من رواية ضون كيشوت، فبدا السياق مشوشا، مفككا ومتقطعا غير مترابط منذ اللحظة الأولى، وكأنه مبني علي اللاشيء، حيث يفتتح الدرس هكذا: »وبعد أن يحدث هذا وأصبح أنا وتصبح زوجتي آن غيتير ملكة. ضون كيشوت: ومن الذي يشك في ذلك؟. سانشو: أنا أشك، لأنين أعرف زوجتي تمام المعرفة!..« بحيث يصعب علي الدارس أن يعرف من هو ضون كيشوت هذا، ومن هي غيتير أو سانشو، بل من هي (دولسينا) التي استجار باسمها و هو يصارع مراوح الهواء وما لذي يريدونه؟ ولماذا؟ فالشخصيات ناجزة والأحداث مشوشة، تطأ الذهن دون أي تمهيد، وكان من الأجدى لو اشتمل النص على إضاءات أو أنشطة تتابع النص الروائي وتوضح مساراته و صولا إلى لحظة الدخول في الصفحات المجزئة من النص (...) كما يبرز تساؤل مشروع عن السبب في عدم إدراج أية نبذة من سير الأدباء المترجم لهم...« وفي كل الأحوال لا يمكننا أن نحسب هذا العدد من الترجمات رلى العربية كثيرا و خاصة إذا ما عرفنا بأن عدد ترجمات الكيخوطي إلى الفرنسية قد بلغ الثمانين ترجمة حتى الآن، وبأن الترجمات الي الانكليزية قد تجاوزت المائة. النص المضاعف: عبد الرحمان بدوي مترجما للكيخوطي آثرت أن يكون هذا الحديث عن المرحوم عبد الرحمان بدوي في ترجمته للكيخوطي مناسبة لاستحضار وتكريم أحد أعمدة الترجمة في الوطن العربي. فهو لم يقتصر فقط على نقل نصوص أدبية لها قيمتها العالمية، بل ترجم نصوصا فلسفية ونظرية ما فتئت تعتبر مراجع هامة في الجامعات العربية ولدى الباحثين العرب. ومن ثم، فإن مناسبة هذه اللقاء تعتبر حافزا على هذا الاستحضار الاحتفائي. إن موضوع هذه المداخلة هو الانطلاق من ترجمة بدوي، ليس للمقارنة والتقييم، وإنما لطرح بعض الأفكار المتصلة بسياقها وقيمتها من منظور نظرية الترجمة. تكمن أهمية ترجمة بدوي في كونها الترجمة الأولى الكاملة لهذا النص، وفي كونها سعت إلى تقديم المناخ العام لطبيعة التخييل والسرد في الكيخوطي. صدرت ترجمة بدوي عن دار النهضة العربية بالقاهرة سنة 1965 في جزأين، وأعيد إصدارها عن دار المدى بسوريا سنة 1998. كما صدرت ترجمة أخرى لسليمان العطار عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر سنة 2002 بعنوان : ميجيل ثيربانطيس سابيدرا »الشريف العبقري ضون كيخوطي دي لامانشا، الشهير بين العرب باسم ضون كيشوت« وتلتها ثالثة هي »ميغل دثيربانطيس سابدرا، »النبيل الألمعي ضون كيخوت دلامنتشا« ترجمة جودت عطية عن دار ورد بدمشق سنة 2004. ناهيك عن ترجمات جزئية عديدة أهمها ترجمة عبد العزيز الأهواني بعنوان السيد العبقري ضون كيخوطي دي لامانشا« مكتبة الأنجلو المصرية ضمن سلسلة الألف كتاب سنة 1957. ومنذ هذه الترجمات اهتم الباحثون بعقد المقارنات بين ترجمة بدوي وباقي الترجمات، أو بينهما وبين إحداها، وذلك في أفق رصد عناصر الاختلاف والحذف والاضافة وخيانة الأصل. ولعل أبرز هذه الدراسات تلك التي أنجزها حامد أبو أحمد بعنوان: »قراءة في ثلاث ترجمات عربية لرواية دون كيخوته (صحيفة القاهرة، العدد 260 - 2005). ما يمكن ملاحظته، أولا، هو أن النقاش المثار حول ترجمة بدوي هو نقاش الترجمة ذاتها الذي يصب حول درجات القرب أو البعد من النفس الأدبي للنص المترجم أو الالتصاق به أو إعادة إبداعه في اللغة المترجم إليها. تعرضت هذه الترجمة، إذن للعديد من الانتقادات لما يفترض أن يكون قد شابه من النقائص، إلا أن ذلك في رأيي راجع إلى المناخ العام في المنطقة العربية حيث الذهنية والرقابات المتنوعة لا تسمح بنقل الكثير من التفاصيل والصور والتعابير إلى العربية. إن الانتقادات التي واجهت بدوي تعبر، في الحقيقة عن مشكل متمثل في غياب التسامح مع الاختلافات في الترجمات وفي نظر أخلاقية لمفهوم الأصل. فترجمة بدوي ليست استنساخا لنص أصلي بل هي إنتاج لنص جديد، وهذا يقتضي أن تتحقق مجموعة من الشروط في إطار ترتيب للأولويات وهي: أن اللغة - االهدف تتقدم على اللغة - المصدر والأدبي يتقدم على المفهومي والملامح العامة تتقدم على جزئية التعبير. فوحدة الترجمة لم تعد هي الكلمة أو المركب أو الجملة، بل النص برمته. وضمن هذا المنظور، فإن دقة المعلومة أقل أهمية من خلق مفعول كفيل بإثارة رد فعل عاطفي وانفعال جمالي قريبين من المفعول والانفعال اللذين يولدهما الاتصال بالأصل1. وبهذا يمكن أن تتعدد الترجمات للنص الواحد دون أن تتشابه وهو مصدر غني للنص الأصلي، ذلك أن النصوص الكبرى هي النصوص التي تحيا مع ذلك بإعادة ترجمتها. وبالرغم من كل الانتقادات التي نالت من الترجمة التي قدمها بدوي، فإن أغلب الكتاب العرب، اعتمدوا عليها سواء في الابداع أو في الدراسة. النص المضاعف هو الذي يحيا في لغة أخرى حياة متعددة، تماما كما هو شأن الترجمات الفرنسية للكيخوطي التي كانت آخرها ترجمة أليس شولمان. لنذكر، مع فورطوناطو، أنه ليس من الضروري أن يحتفظ الكيخوطي بوضعه الأولي، وبطابعه الأصلي حرفيا، بقدر ما يكون الأثر، باعتباره oeuvre وeffet الناتج عن وحدة الشكل والمعنى، قبل أي اعتبار آخر، هو الهدف النهائي للتحويل. وينبغي كذلك ألا يتم المساس بالقضايا الكبرى كالحبكة والفكرة والموضوعة أو البنية، وذلك حتى لا يضر غياب الشكل كثيرا بتكافؤ المعنى. من المستحب، عندما يتعلق الأمر بترجمة بالمعنى المألوف، ان يتم الحفاظ، قدر المستطاع، على التربة الاصلية للنص، على اصله الغريب حتى يتمكن من توسيع الافق الثقافي للبلد المضيف، هذا الافق الذي يشكل سبب و علة تحويله. لذلك تكون الترجمة المقترحة ترجمة مفتوحة تاركة للنص اكبر عدد ممكن من احتمالات معانيه. ينبغي على المترجم، خلافا للناقد او للمؤول اللذين بامكانهما اختيار هذه الوجهة في القراءة او تلك، ان يحترس من الانحياز، و من اعطا ء نظرة اختزالية من شأنها ان تحد، فيما بعد، حقل الابحاث الممكنة. ان المرحوم بدوي مثال قوي وبارز، ونموذج لكل هذه الخطوات التي تروم تملك وامتلاك نص كبير في حجم الكيخوطي. تملك النص، عندما تفرضه قوانين الجنس الادبي، يبقى اذن في ملك الترجمة الادبية، ذلك لان المترجم ينهمك، خوفا من تعطيل النص المصدر، الى ضرب من إعادة الكتابة، ضرب من اعادة ابداع شكلية يمكنع الدلفع بهما ابعد، دون شك، منه في كل انواع التحويل الاخرى.لكن، اذا كان صحيحا كون النص المنتج ليس هو الاصل، فان هذا الاخير يبقى دائما حاضرا، ويستمر، بشكل او باخر، في تحديد الاهداف و املاء الاختيارات.ي و هكذا تظل الترجمة الادبية، وخلافا للكتابة العضوية، خطابا اكراهيا وفنيا للتراضي بالاساس، على حد تعبير فورطوناطو2. فتحية، مرة أخرى، لذكرى المرحوم عبد الرحمان بدوي مترجما كبيرا للاعمال الكبيرة. هوامش 1 - ان نترجم معناه ان نتكلم بكلمات مخالفة لا طفولة لها فينا، هو ان نشعر بكوننا مكانا للاختلاف.. هو ان نواصل شيئا ما، وان نمسي بشكل اخر، هو ان نحب قراء اضافيين، ان نتطابق مع كلمات اخرى، وان نضاعف الكلام. ان نترجم معناه كذلك ان نفقد التحكم في دلالاتنا ونقول اشياء لم نقلها، هو ان نعدد الاتجاهات ولا نكون الكاتب الوحيد للنص، بل نكتبه صحبة آخر سيختار الكلمات وفق و جوده الخاص، ووفق حياته وتجربته في العالم. معناه ان نعبر بكلماته وبعالمه هو (...) هو ان نكون في وضعية تواطؤ. وايضا الا نتعرف على أنفسنا (...) ان نترجم معناه، اذن، اكتشاف المجهول فينا.