جملة أخرى تنضاف إلى القاموس الذي دأب وزراء الحزب الأغلبي ينهلون منه للتغطية على قرارات اتخذوها دون أن تكون لديهم مبررات شعبية لمواجهة تساؤلات المواطن العادي كما الفاعل السياسي. لكنها عبارة لا تثير الضحك ولا تدعو إلى السخرية على غرار استبدال تسمية اللوبيات الناقدة بالعفاريت والتماسيح، في جبن سياسي حقيقي، وفي زمن اختفى فيه زوار آخر الليل. كان حريا بوزير الحكامة أن يكون حكيما، وأن يتحلى بالشجاعة السياسية لقول الحقيقة، وأن يبتعد عن الملاسنات والهمز والغمز. كان حريا به أن يتقدم باعتذار لناخبيه ولعموم الشعب المغربي فور الإعلان عن الزيادة في المحروقات. أليس من الجبن السياسي أن نعد الناس جميعا بالزيادة في الحد الأدنى للأجر، ومحاربة البطالة وتوفير السكن و تعميم التغطية الصحية ورفع الحصار عن الأرياف وإصلاح التعليم و تحقيق نسبة سبعة بالمئة من النمو للحصول على الأصوات، والتنكر لذلك بمجرد الجلوس على المقاعد الوثيرة. أليس من الجبن السياسي أن ينبري أحد قياديي الحزب الأغلبي لكل من يختلف مع هيئته ويصفه بالساعي للتحكم والحنين للعهد البائد؟ ولأن لكل كائن أصل، فلابأس بالتذكير بالأصول، لعل ذلك يدفع بعضهم إلى الحشمة ولعنة الشيطان الرجيم. فبعد التآمر على حكومة الرئيس عبد الله إبراهيم و الاستعدادات للانتخابات التشريعية لسنة 1963، تفتقت عبقرية رضى اجديرة وعبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان لتأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ضدا على حزب القوات الشعبية. ومنذ ذلك الحين، عاش المغرب تدهورا في التحكم والاستبداد والتسلط والقمع. ولأن ذلك لم يكن كافيا لإبادة شرفاء الوطن، الحاملين والمؤمنين بشعار الإرهاب لا يرهبنا والقتل لا يخيفنا وقافلة التحرير تشق طريقها بإصرار، استقدم الجنرال الدليمي خبراء التنظيم الإخواني من مصر لجامعة محمد الخامس لاستئصال الفكر التقدمي وتكوين طوابير من أبناء وأحفاد الفديك المشؤوم في صفوف المدرجات البديلة عن دروس الفلسفة. ولما هييء الإخوان لخوض غمار السياسة وولوج المؤسسات المنتخبة، لم يخجلوا من أنفسهم وإدريس البصري يقدمهم للمواطنين بالورقة الحجرية عليها خط أسود رقيق لخلط الأوراق وتضليل الناس، لأن ذلك اللون كان مخصصا لحزب القوات الشعبية، ومع ذلك، لم يستشط الاتحاد غضبا من صنائع إدريس البصري، لأنه تعود على ملاقاة الكائنات الإدارية في كل مناسبة سياسية. ولتمكين عبد الإله بنكيران من مقعد في البرلمان سنة 1998، نتذكر جميعا المبررات التي استدل بها المجلس الدستوري لإعادة الانتخابات بدائرة تابريكت بعد المؤتمر الوطني الخامس للشبيبة الاتحادية. وليتوفر الإخوان على فريق نيابي في اثني عشر فردا، أعارهم وزير الدولة في الداخلية لنائب عن دائرة يعقوب المنصور بالرباط، والذي ترشح باسم الحركة الشعبية، فاستفاد الإخوان من الترحال السياسي، بل كان لهم السبق ليؤسسوا له، حتى أضحى وصمة عار في الحياة السياسية ببلادنا. أما نحن، فإن تعاقداتنا كانت ماتزال مع الشرائح المسحوقة داخل مجتمعاتنا، ولدينا، كيساريين، التزام وقناعة بذلك حتى عندما كنا نتحمل المسؤولية كصناع القرار، واشتغلنا جاهدين، وجنبنا وطننا سكتة قلبية لم تكن من تشخيصنا، بل من أعلى هرم الدولة، ولم نتخذ أبدا الدولة والمجتمع رهائن لضمان بقائنا على رأس الحكومة حتى و قد حصلنا على المراتب الأولى سنة 2002 . واليوم، إذ نقرر تحمل مسؤولياتنا في قول الكلمة الحق دون خوف، والنزول إلى الشارع للاحتجاج، فإننا نستحضر ماضينا وتاريخنا الذي كتب بدماء شهداء الجزار أوفقير في 23 مارس 1965 والجنرال الدليمي في 21 يونيو 1981 وادريس البصري في 14 دجنبر 1990، وهذا نابع من شجاعتنا السياسية وليس من الجبن، لأنه ببساطة لا يوجد بين صفوفنا الجبناء. الجبن السياسي يسري في عروق العاجز عن تسمية القط باسمه، لا يوجد تمساح ولا عفريت، بل بلغة السياسة متنفذون في كل أجهزة وبنية الدولة. و لرئيس الحكومة وجهازه التنفيذي ما يكفي من الصلاحيات الدستورية لتحمل مسؤولية الإصلاح، لكن ذلك يحتاج إلى الشجاعة. الجبن السياسي هو الانقلاب على ذلك، المواطن البسيط الذي آمن بالأوهام التي روج لها الحزب الاغلبي. الجبن السياسي هو عدم الشعور والإحساس بالانتماء للمغرب والتخلي عن الوطن لحظات الشدة والانزواء إلى الصمت. الجبن السياسي هو الغباء في الانحياز للتيار العالمي للإخوان المسلمين ضدا على مصالح البلاد والعباد. الجبن السياسي هو قطع أرزاق المواطنين المأجورين المضربين عن العمل بدل الانكباب على حل المشاكل التي تتخبط فيها جل القطاعات العمومية والشبه عمومية. الجبن السياسي هو السعي إلى تعيين ذوي القربى من القبيلة السياسية في المناصب السامية بدلا عن ذوي الكفاءات من أبناء شعبنا. هذه مجرد إشارات صغيرة لكن بمدلول عميق نذكر بها فقط، ونضعها بين يدي كل وافد جديد على الحقل السياسي وكل جاهل بالماضي القريب وكل متوهم بصفاء ونقاء أصوله السياسية وكل مقدم نفسه بدلا عن الوطنيين والتقدميين وكل مهدد بنسف استقرار الوطن حتى يفكر مليا قبل أن يرشق الآخرين بالحجارة وبيته من زجاج.