وهبي: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة تعزز الروح الإصلاحية واستقرار الأسرة المغربية    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا    ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    فرنسا.. الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة    الفلاح: إطلاق خدمة الأنترنت من الجيل الخامس استعدادا لكان 2025 ومونديال 2030    على سوريا المستقبل الزاهر مناديا    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة بالسجن في قضية اختلاسات مالية    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            أخبار الساحة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حفل تنصيب الرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا . .جلالة الملك يجدد إلتزام المغرب الراسخ بمواكبة إعادة بناء مالي ماديا ومعنويا

أجرى جلالة الملك محمد السادس، على هامش مشاركته كضيف شرف في حفل تنصيب الرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا،أول أمس الخميس في باماكو، أجرى مباحثات مع عدد من قادة الدول الذين حضروا هذه المراسيم ، من بينهم على الخصوص الرؤساء الفرنسي فرانسوا هولاند، والتونسي منصف المرزوقي، والغابوني علي بونغو أونديمبا، والغيني ألفا كوندي، والنيجيري محمدو إيسوفو، والتشادي إدريس ديبي ، والإيفواري الحسن واتارا.
وتناولت المباحثات مع قادة هذه الدول بالأساس نوعية العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها . وتم خلال هذه المباحثات التركيز بالخصوص على أهمية التعاون جنوب/ جنوب بين الدول الإفريقية. 
كما تطرق جلالته مع كل رئيس من هؤلاء الرؤساء إلى تطور الوضع الإقليمي خاصة في إفريقيا الغربية على ضوء عودة الشرعية والوضع إلى طبيعته بدولة مالي الشقيقة . 
وقد انتهز هؤلاء الرؤساء هذه المناسبة ليعبروا لجلالة الملك عن عرفانهم وامتنانهم على الدور الذي يلعبه المغرب من أجل استتباب السلم وتحقيق التقدم بإفريقيا.  وأكدوا مشاطرتهم التامة الرؤية الملكية المتمثلة في كون إعادة البناء بمالي مسألة تهم جميع الأفارقة. كما أشادوا بأهمية البعد الثقافي والديني في هذا البناء من أجل أن تستعيد دولة مالي شعائرها وممارساتها الدينية العريقة القائمة على الاعتدال والانفتاح على الآخر. 
وقد تم تأكيد هذا الالتزام التام، وهذا التوجه الذي يؤسس لتحرك المغرب على الصعيد الدولي، أول أمس بباماكو من طرف جلالة الملك محمد السادس، في خطابه خلال حفل تنصيب فخامة الرئيس المالي الجديد إبراهيم بوباكار كيتا.
فقد أوضح جلالة الملك أن الشراكة التي تعتزم المملكة المغربية عرضها، من أجل إعادة بناء مالي، ماديا ومعنويا، تندرج تماما ضمن هذا التوجه، مؤكدا أمام قادة الدول الحاضرين في هذا الحفل، أن المغرب، المتشبث بالتعاون جنوب-جنوب، لن يدخر أي جهد لمواكبة ودعم مالي، البلد الجار الشقيق، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية التي تعتبر ذات أسبقية.
وستقدم الشراكة بين المغرب ومالي، والتي ستشكل نموذجا لتعاون واعد جنوب-جنوب، دعما كبيرا لبرامج التنمية البشرية في مالي وخصوصا في مجالات تكوين الأطر والبنيات التحتية الأساسية والصحة.
فبتنصيب الرئيس الجديد إبراهيم بوباكار كيتا تطوي مالي اليوم صفحة من تاريخها، وتخطو الخطوة الأولى على درب السلام والطمأنينة والمصالحة، طريق التنمية الاقتصادية والنهوض الاجتماعي.
ويأمل الماليون في تجسيد هذه الآمال بعد أزمة عميقة كادت أن تقود البلاد إلى الهاوية، غير أن تحقيق هذه الأهداف المستقبلية وتجسيد مشاريع إعادة البناء المادي يتطلبان انخراط البلدان الصديقة والمجتمع الدولي.
وقد أكد جلالة الملك، مخاطبا قادة الدول الأجنبية الحاضرين بباماكو، والذين جددوا بدورهم التزام المجتمع الدولي بمواكبة مالي في مشروعها للتنمية والمصالحة، أن «كل البلدان الإفريقية الشقيقة يجب أن تلعب دورا جوهريا في عملية إعادة البناء الهامة».
وأبرز جلالته التقاليد المغربية العريقة والمشهود بها في مجال التعاون مع الدول الشقيقة جنوب الصحراء، مؤكدا حرصه الشخصي على تعزيز هذا المحور الرئيسي في العلاقات الخارجية للمغرب.
وتحتاج دولة مالي، التي نجحت في تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات مصداقية، إلى مواكبة ملتزمة وفعلية لجهودها من أجل إعادة البناء المادي وانخراط ومساهمة المجتمع الدولي سيكونان أفضل دعامة لعملية بناء مستقبل يقوم بها بلد يوجد في قلب القارة.
وسيعزز دعم المجهود الجبار الذي تتطلبه إعادة بناء هذا البلد، الخيار الحكيم والناجع الذي تبناه الماليون الذين ينظرون في اتجاه المصالحة والسلام. ويعول المغرب، المنفتح دائما على التعاون جنوب-جنوب، على انخراط ديناميكي للمجتمع الدولي إلى جانب مالي والماليين في مسعاهم لبناء مستقبل مزدهر.
لقدأصبح واضحا أن إعادة البناء المادي والمعنوي لمالي، التي استعادت طبيعتها المؤسسية وشرعيتها الديمقراطية، كما أكدت ذلك بشكل جلي مراسيم تنصيب الرئيس المنتخب السيد إبراهيم بوباكار كيتا، بحضور حوالي 20 من رؤساء الدول، تفرض نفسها كأهم ورش للمرحلة الديمقراطية الجديدة بهذا البلد.
وقد احتلت هذه المهمة الكبيرة التي تعبأت لها البلاد كلها، بدعم من جميع شركائها، حيزا كبيرا من الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، خلال حفل التنصيب ، إذ ربط جلالته مصالحة مالي بهويتها المتعددة ومحيطها الإقليمي الذي تشكل داخله مكونا أساسيا.
ومن هذا المنظور، كان الخطاب الملكي واضحا، من حيث التزام المملكة بدعم جمهورية مالي في جهودها لإعادة البناء سواء تعلق الأمر بالجانب المادي أو المعنوي.
وعلاوة على «مصالحة هادئة بين جميع أبناء مالي، ومنفتحة على كل الحساسيات»، وهو ما شرع فيه من خلال مبادرات ترمي لتنمية مناطق الشمال، و أيضا عبر توطيد المؤسسات السياسية والتمثيلية والأمنية، شدد جلالة الملك بالخصوص على «أهمية البعد الثقافي والعقائدي»، الذي يعد علامة بارزة على تفرد مالي الثقافي.
وفي هذا الصدد أكد جلالته أن «التفرد الثقافي الذي تتميز به مالي كان دائما وما يزال يشكل أحد المكونات الأساسية للتراث الإسلامي وللهوية الإفريقية»، مشيرا إلى أن « أي مبادرة دولية يتم التنسيق بشأنها دون إيلاء البعد الثقافي والعقائدي الأهمية التي يستحقها، سيكون مصيرها الفشل».
وشدد جلالته على أن «الشراكة التي تعتزم المملكة المغربية عرضها، من أجل إعادة بناء مالي، ماديا ومعنويا، تندرج تماما ضمن هذا التوجه».
وجسامة المهمة التي تنتظر مالي لضمان إعادة بنائها المعنوي هي بحجم التحديات المطروحة في هذا المجال، خصوصا بالنظر لعمليات التخريب الجسيمة التي لحقت التراث، طوال مرحلة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد بسبب الممارسات المنحرفة للجماعات المتطرفة التي سيطرت خلال هذه الفترة.
وقد كان المغرب في طليعة البلدان التي نبهت المجتمع الدولي إلى خطورة المساس بالتراث المعنوي لمالي من طرف الجماعات المتطرفة، خاصة تخريب الأضرحة والمخطوطات القيمة التي تحفظ معارف عريقة في مجال العلوم الدينية.
وكان المغرب قد دعا، في أوج المحنة التي اجتازتها مالي، إلى عمل دولي منسق لمواجهة تخريب البنايات الدينية والثقافية، التي تشهد على الثراء الروحي وعمق المبادلات الثقافية والروحية التي تمت طوال قرون بين الفضاء الصحراوي ومحيطه بالشمال وخصوصا المغرب.
وقد أكد جلالة الملك بقوة في خطابه على أن «ترميم مخلفات التخريب المادي، ومعالجة الجروح المعنوية، يتطلب إعادة بناء الأضرحة وإصلاح وترميم المخطوطات وحفظها وإنعاش الحياة الاجتماعية والثقافية»، دون أن ينسى التذكير بالتشابه الثقافي والعقائدي بين المغرب ومالي، البلدان اللذان يتشبع فيهما الإسلام، ممارسة وتقاليد، «بنفس القيم المبنية على الوسطية والاعتدال، وبنفس تعاليم التسامح والانفتاح على الآخر، كما أنه يظل عماد الوشائج الروحية التي تجمع على الدوام بين بلدينا».
إن التركيز على ضرورة إعادة تأهيل وحفظ التراث المعنوي يندرج ضمن الجهود التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، التي تبنت في فبراير 2013 بباريس «مخطط عمل لترميم التراث الثقافي وحماية المخطوطات القديمة في مالي».
وقد حدد المخطط ثلاث أولويات، هي ترميم التراث الثقافي المتضرر خلال النزاع مع دعم المجموعات المحلية واتخاذ تدابير لحماية المخطوطات القديمة المحفوظة بالمنطقة، والنهوض بالتكوين لإعادة خلق الظروف الملائمة لحماية وتدبير التراث الثقافي وخصوصا المخطوطات.
وتضمن المخطط عمليات تستهدف مواقع التراث العالمي والممتلكات الثقافية التي تحظى بحماية وطنية، خصوصا تمبوكتو ومقابر أسكيا في غاو، والمدن العتيقة لجيني وحافات باندياغارا.
وقد تمت الإشادة بهذه الرؤية لإعادة بناء مالي التي تستمد وجاهتها من الربط بين البعد الثقافي والديني، من طرف مختلف رؤساء الدول الذين أجرى معهم صاحب الجلالة مباحثات، على هامش مراسم تنصيب الرئيس المالي.
كما تجسدت هذه الرؤية من خلال استقبال جلالته لممثلي الطريقة التجانية والطريقة القادرية في مالي، الذين أبرزوا العلاقات التاريخية التي جمعت دائما المغرب ومالي، خصوصا على المستوى الروحي، ونوهوا بالدور الريادي الذي يضطلع به أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، من أجل إقرار السلم ودعم الاستقرار في هذا البلد.
وتشكل هذه الزيارة تجسيدا حيا لعمق وديمومة ومتانة الصلات التاريخية التي تجمع بين البلدين، وذلك اعتبارا لكونها قائمة على قاعدة مشتركة للقيم تنهل من تمسك البلدين ،منذ قرون ، بالإسلام السني كما يعكسه المذهب المالكي المطبوع بالمرونة واليسر، والمنفتح على بعض العادات المحلية التي لا تتنافى مع العقائد الدينية الأساسية.
ولطالما طبعت العلاقات الخصبة التاريخ المشترك للبلدين، والتي تتجلى بصماتها الحية في متحهما من منابع المعرفة الأصيلة ذاتها، والتي انتشرت في البيئة الصحراوية، من تخوم الصحراء المغربية ووادي درعة، حتى أعماق الساحل، مرورا بتمبوكتو وغاو وشنقيط.
من جانبه أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بنفس المناسبة إن فرنسا دفعت ثمنا باهظا من أجل تحرير مالي، مشيرا إلى أن « وحدتنا وتضامننا مكنا من تكبيد الجهاديين خسائر فادحة واستعادة وحدة مالي الترابية».
وأكد هولاند في خطابه «لقد انتصرنا في هذه الحرب، ودحرناالإرهابيين وأمنا الشمال». وقال «إن لم تكن هناك سلطة شرعية للمناداة على فرنسا باسم الأمم المتحدة وبمساعدة الأفارقة فسيكون الإرهابيون هم من يحكم اليوم باماكو»، مضيفا « لقد تم اليوم تحرير كافة التراب المالي الذي أضحى تحت سيادتها الكاملة » وهو ما يشكل انتصارا كبيرا لهذا البلد الذي «نجح في تنظيم انتخابات سليمة» .
وأضاف أن فرنسا التي استجابت لنداء مالي وجاءت لمساعدة بلد صديق «فخورة بمساهمتها في هذا الانتصار»، مؤكدا أنه «علينا أن نبقى يقظين وستظل فرنسا إلى جانب مالي ما دامت مهددة».
وقال «سنحتفظ هنا بالقوات اللازمة وخصوصا حول مالي لمساعدة القوات الإفريقية في التصدي لأي تهديد لأن على الأفارقة خصوصا وقبل كل شيء ضمان أمنهم الخاص».
وقال «إن مالي أخذت مصيرها بيدها»، مشيرا إلى أن انتخاب رئيس جديد يفسح المجال أمام إعادة الإعمار والمرحلة الانتقالية. وأكد في هذا الصدد دعم فرنسا للماليين ومصاحبتهم من أجل تحقيق التنمية والديمقراطية والمصالحة.
وأضاف أن معركة اليوم تهدف إلى تحقيق السلم وضمان الأمن الغذائي ومساعدة ضحايا الفيضانات وتمكين الجميع من الولوج إلى الصحة والتربية واستقبال اللاجئين والمبعدين. معتبرا أن تنصيب الرئيس المالي الجديد ابراهيم بوبكار كيتا «يعتبر إيذانا بعودة البلاد إلى وضعها الطبيعي بعد أن عصفت بها الصراعات المسلحة والتوتر لفترة دامت قرابة سنة ونصف».
ويؤشر حضور العديد من قادة الدول حفل تنصيب ابراهيم بوبكار كيتا الذي أدى اليمين في الرابع من شتنبر الجاري أمام المحكمة العليا، على دعم المجتمع الدولي للرئيس المالي الجديد الذي يتعين عليه اليوم رفع تحدي إعادة الإعمار بعد نجاحه في تحقيق المصالحة. 
الرئيس المالي الجديد إبراهيم بوباكار كيتا تعهد ببناء مالي قوية ومؤهلة ومنظمة من جديد، «لا تشكل تهديدا لنفسها ولا لجيرانها، مالي خالية من الجريمة المنظمة والتهريب وسرطانات اجتماعية أخرى».
وجدد الرئيس بوباكار كيتا، في خطاب تنصيبه الرسمي بباماكو، التأكيد على عزمه بذل قصارى جهده لمكافحة «سوء الحكامة، وسرقة مواردنا، والفساد الإجرامي، وذلك قصد تحسين الولوج للمدرسة والمراكز الصحية والطرق بالنسبة لجميع الماليين والماليات الذين لا يرجون شيئا سوى العيش في سلام، والعمل في سلام، والتنقل في سلام في محيط آمن».
وقال «إن الحكامة الجديدة التي أرنو إليها ليست يوتوبيا (..)، إن السبيل التي تقود إلى السعادة هي سبيلي، وسأمضي فيها قدما مهما كانت التحديات، نحن نؤمن بشكل صريح وعميق بالاندماج الإقليمي»، مؤكدا أن «الأمر يشكل ضمانة للدفاع عن وحدتنا الترابية والحفاظ مؤسساتنا».
وقال الرئيس بوباكار كيتا مخاطبا مواطنيه «إلى اللواتي والذين عاشوا كوابيس مرعبة من تاريخنا القريب، أريد أن أتعهد بالتالي : إن هذا لن يعود أبدا. أتعهد لجيراننا الذين تأثروا بالمشكل المالي والذين طالتهم الآثار الجانبية لأزمتنا، بأن هذا لن يعود أبدا. وأتعهد للقوات المالية والأجنبية التي حاربت قوى الشر ليحيى الشعب المالي في سلام بأن هذا لن يعود أبدا». غير أنه أقر بأن الطريق طويل وصعب.
وأبرز أن مكافحة الفساد تشكل أمرا ضروريا لتعزيز انسجام الأمة، وأن مشاركة الجميع وتعزيز المؤسسات الديمقراطية وكذا اعتماد لاتمركز حقيقي للسلطات تعد بدورها أمورا ضرورية.
وفي معرض حديثه عن أولوياته، أكد الرئيس المالي استعجالية «إعادة اللحمة للنسيج الوطني» وإعادة بناء الجيش، وإرساء بيئة ملائمة مع الفاعلين الاقتصاديين من أجل بروز فرص جديدة ضرورية للجميع».
وأعرب الرئيس المالي عن تشكراته لجميع من ضحوا بحياتهم وساهموا، بشكل أو بآخر، في «تقليص فترة الرعب والتخفيف من معاناة الشعب المالي الذي يعبر عن امتنانه».
وكان الرئيس المالي أشاد، في بداية خطابه، بمواقف جلالة الملك محمد السادس، وخاصة في جانبها الإنساني، معربا عن شكره العميق لجلالة الملك الذي شكل حضوره هذا الحفل «شرفا كبيرا للشعب المالي ... وعربون تقدير وصداقة سنظل ممتنين لكم عليها إلى الأبد».
نص الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك خلال حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد بباماكو
فخامة السيد إبراهيم بوبكر كيتا:
«الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة السيد إبراهيم بوباكار كيتا رئيس جمهورية مالي
أصحاب الفخامة السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات
السيدات والسادة رؤساء وممثلي مؤسسات جمهورية مالي
أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة
إن حضوري معكم، في هذا اليوم الحافل بالدلالات، هو خير تعبير عن مشاعر الصداقة التي يكنها الشعب المغربي لشعب مالي، ودليل على تشبثه بالعلاقات المتميزة التي تربطهما.
ويطيب لي في هذه اللحظة التاريخية، أن أجدد التعبير لكم ، فخامة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، عن أحر تهانئي بمناسبة انتخابكم لرئاسة بلادكم، وعن أصدق متمنياتي لكم بالتوفيق في مساعيكم الرامية لتحقيق التطلعات المشروعة للشعب المالي لتوطيد دعائم السلم والوئام والتقدم.
ولا يفوتني بهذه المناسبة، أن أتوجه بعبارات التقدير للرئيس بالنيابة، السيد ديونكوندا تراوري، لما تحلى به من حكمة، خلال تدبير المرحلة الانتقالية الدقيقة التي عاشتها البلاد.
كما أود الإشادة بالجهود التي بذلها رؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا وتشاد ووقوفهم إلى جانب دولة مالي الشقيقة، من أجل تجاوز الفترة العصيبة التي مرت منها.
وفي نفس السياق، أجدد عبارات الشكر لرئيس الجمهورية الفرنسية، السيد فرانسوا هولاند، على الدعم الصريح والحاسم الذي قدمه بلده الصديق، ولدينامية وشجاعة ديبلوماسيته في سبيل تحقيق السلم والاستقرار في مالي.
السيد الرئيس
رغم كل الصعوبات التي قيل إنه لا يمكن تجاوزها، فقد نجحت دولة مالي في تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات مصداقية، في إطار ممارسة سيادتها، وفي ظل استقرارها ووحدتها.
فهذا النجاح يعد، دون شك، خير رد على ما تعرفه العديد من مناطق عبر العالم، من ضياع وضلال، بسبب جماعات التعصب والتطرف بمختلف أنواعها.
وإننا بقدر ما نهنئ أنفسنا جميعا على هذا الانتصار الجماعي، على قوى الظلامية والانفصال في مالي، فإننا ندرك أيضا حجم التحديات التي تنتظر هذا البلد، خلال مرحلة المصالحة الوطنية وإعادة البناء، التي هو مقبل عليها :
- مصالحة هادئة بين جميع أبناء مالي، ومنفتحة على كل الحساسيات. ويعد إحداث «وزارة مكلفة بالمصالحة الوطنية وتنمية مناطق الشمال» من بوادر التعبئة في سبيل هذه المصالحة.
- إعادة بناء مستديمة، من خلال توطيد المؤسسات السياسية والتمثيلية والأمنية، وتأهيل البنيات التحتية الكفيلة بتحقيق التقدم، وأخيرا إعادة هيكلة الحقل الديني.
وهو ما يجب القيام به، في احترام تام لسيادة مالي الكاملة وللاختيار الحر لأبنائه.
السيد الرئيس
إن الحضور القوي لأصدقاء مالي اليوم في باماكو، لخير دليل على التزامهم المشترك بالاستمرار في دعمهم الوفي لكم في مهمتكم الدقيقة والمثيرة في نفس الوقت.
ومن هنا، فإن المجتمع الدولي سيظل واقفا إلى جانبكم من أجل تحقيق حكامة سياسية وترابية جديدة تتلاءم مع الخصوصيات الجغرافية والاقتصادية والثقافية لبلدكم.
السيد الرئيس
إن التفرد الثقافي الذي يتميز به مالي كان دائما ولا يزال يشكل أحد المكونات الأساسية للتراث الإسلامي وللهوية الإفريقية.
لذا، فإن أي مبادرة دولية يتم التنسيق بشأنها دون إيلاء البعد الثقافي والعقائدي الأهمية التي يستحقها، سيكون مصيرها الفشل. فالشراكة التي تعتزم المملكة المغربية عرضها، من أجل إعادة بناء مالي، ماديا ومعنويا، تندرج تماما ضمن هذا التوجه.
ذلك أن ترميم مخلفات التخريب المادي، ومعالجة الجروح المعنوية، يتطلب إعادة بناء الأضرحة وإصلاح وترميم المخطوطات وحفظها وإنعاش الحياة الاجتماعية والثقافية.
إن الإسلام في المغرب وفي مالي واحد، ممارسة وتقاليدا. إنه إسلام متشبع بنفس القيم المبنية على الوسطية والاعتدال، وبنفس تعاليم التسامح والانفتاح على الأخر. كما أنه يظل عماد الوشائج الروحية التي تجمع على الدوام بين بلدينا.
وانطلاقا من هذا الرباط العقائدي المشترك، ووعيا منا بالرهانات المرتبطة بحمايته من كل الانحرافات، يطيب لي أن أعبر عن ترحيبي بالاتفاق الذي سيتم توقيعه والمتعلق بتكوين 500 إمام مالي في المغرب خلال السنوات المقبلة.
وسيخصص هذا التكوين، الذي يمتد على مدى سنتين، بالأساس ، لدراسة المذهب المالكي والتعاليم الفقهية والأخلاقية التي تنبذ كل أنواع الغلو والتكفير.
السيد الرئيس
إن المغرب، المتشبث بالتعاون جنوب-جنوب، لن يدخر أي جهد لمواكبة ودعم مالي ، البلد الجار الشقيق، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية التي تعتبرونها ذات أسبقية.
ومن ثم، سيقدم المغرب الدعم اللازم لبرامج بلدكم في مجال التنمية البشرية، خاصة في ما يتعلق بتكوين الأطر والبنيات التحتية الأساسية والصحية.
وفي هذا الإطار، بادرت المملكة المغربية، خلال الأيام القليلة الماضية، لإقامة مستشفى عسكري ميداني متعدد التخصصات بباماكو. كما تم تعزيز ذلك بتقديم مساعدة طبية وإنسانية مستعجلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون القائم بيننا سيحفز رجال الأعمال على تعزيز انخراطهم في تطوير المبادلات والاستثمارات بين بلدينا، بما يترتب عن هذه الدينامية من توفير فرص التشغيل ومن انتقال للكفاءات ولرؤوس الأموال.
السيد الرئيس
إن كل البلدان الافريقية الشقيقة يجب أن تلعب دورا جوهريا في عملية إعادة البناء الهامة التي أنتم مقبلون عليها.
وأمام كل الرهانات المطروحة، فإن بعض الدول والأطراف، مع كامل الأسف ، لا تعمل إلا على الهدم والتخريب، في الوقت الذي تختار فيه دول أخرى نهج البناء وإعادة الإعمار.
أما المغرب، ووفاء منه لتقاليده العريقة والمشهود بها في مجال التعاون مع الدول الشقيقة جنوب الصحراء، فإنه سيتحمل ، بكل فعالية وعزم، نصيبه من هذه المسؤولية التاريخية.
لذا، ما فتئت أولي اهتماما خاصا لهذا المحور الرئيسي في العلاقات الخارجية للمغرب، حريصا شخصيا على تعزيزه.
وإن المغرب، العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الافريقية، لا يحظى بمقعد في الاتحاد الافريقي. غير أنه ما فتئ، منذ ذلك الوقت، وأكثر من أي وقت مضى، يقوم ، بكل حرية، بإطلاق العديد من المبادرات الملموسة وإنجاز مجموعة من المشاريع الناجحة، بمزيد من النجاعة.
وإن المغرب لعاقد العزم على تعزيز النتائج الهامة التي تم تحقيقها، من خلال مواصلة جهوده التضامنية الحثيثة مع هذه البلدان الشقيقة.
السيد الرئيس
إن حلم مالي كبلد ينعم بالسلم قد أصبح اليوم حقيقة. وفي هذه الصفحة الجديدة التي تكتب من تاريخ مالي، فإن المغرب سيظل الشريك الملتزم والوفي لبلدكم.
أشكركم على حسن إصغائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.