قدم اليوم بالمكتبة الوطنية الأستاذ عبد الغني أبو العزم عمله المعجمي الضخم «الزاهر» الصادر عن مؤسسة الغني للنشر. ومن سيرى أو يقرأ أو يستعين في أبحاثه بهذا المعجم سيعرف لماذا كان عبد الغني أبو العزم معتكفا في مكتبه طيلة السنين الماضية. لماذا أوقف(مؤقتا) كتاباته الإبداعية، خصوصا بعدما أصدر سيرته الذاتية «الضريح» التي بقي القراء ينتظرون أجزاءها الأخرى. فالكتابة و البحث تضحية بشيء(أو أشياء) من أجل شيء آخر. و قد اختار الأستاذ أبو العزم، لتقديم «الزاهر»، ثلة طيبة من الباحثين المتخصصين في المعجمية و المصطلحية و النقد الأدبي و البحث اللغوي و اللساني. و هو أمر يؤشر على نجاح حفل التقديم، أو ندوة التقديم بأصح التعبير. يجيء هذا المعجم في وقته و لحظته. فعدد المشتغلين في قضايا المعجمية يزداد، بل إن هذه القضايا أصبحت تدرس في مختلف مستويات الجامعة، خصوصا في تخصصات الأدب العربي و النقد و النقد المقارن. فالباحث يجد نفسه مضطرا إلى ضرورة دراسة هذا القضايا بتدرج وعمق، فالمصطلح يقع في قلب قضايا النقد الأدبي. و من خلال تجربة متواضعة في تدريس هذه المادة، تبيّنت أنها تزيل العديد من أشكال الغموض و الاضطراب المصطلحي لدى الباحث. و المغرب لا يفتقر إلى دارسين و معجميين و مصطلحيين. فمنذ الثمانينات صدرت معاجم في النقد الأدبي و اللسانيات، نذكر منها على سبيل المثال «معجم المصطلحات الأدبية» لسعيد علوش، و»معجم اللسانيات» رلعبد القادر الفاسي الفهري. و في المحيط المغاربي نجد معجم عبد السلام المسدي المزدوج اللغة. هذا طبعا مع وجود معاجم من وضع مصريين: مجدي وهبة. و عراقيين: علي القاسمي، ولبنانيين، عملت على خلق وعي موسع بالمعجم في مختلف المجالات المعرفية. و في الآونة الأخيرة نجد توالي صدور معاجم في السيميائيات، و اللسانيات و النقد الأدبي و اللغوي. لكن مع ذلك لابد من الاعتراف بفقر هذا المجال على المستوى العربي، إذا اطلعنا على معاجم فرنسية كتلك التي أشرف عليها «جورج مونان»، أو معاجم تحليل الخطاب، كالمعجم الذي وضعه «باتريك شارودو»و «دومينيك منغنو»، أو «المعجم الموسوعي الجديد في علوم اللغة» الذي وضعه «أوزوالد ديكرو»و « جان ماري شيفر». إنها معاجم ضخمة يعمل فيها فريق بحث مختلف قضايا العمل و البحث، أو ينجزه باحث أو عالم واحد. إن المجال الذي يعمل فيه الأستاذ أبو العزم اليوم، هو مجال متنوع، متعدد، واسع، عميق، يتطلب الرجوع إلى نصوص أدبية و فكرية. لذلك فهو عمل يستحق عليه كل تحية. فقد كان و ما يزال شديد الوعي بضرورة التحديد المصطلحي و المعجمي للكلمات و الألفاظ و المفاهيم. لابد من التدليل على أن العلم يكتمل حين يضع لحقله مصطلحات تغني و تختصر مفاهيمه.