لم يعد الدخول المدرسي بالنسبة للأسرة المغربية، المحدودة الدخل، ذلك الدخول المبهج، الذي تستعد له الأسرة مادياً ومعنوياً، لما يحتاجه من تكاليف، خصوصاً أنه يأتي وقد استنزفت الأسرة ما لديها من نقود جراء مصاريف شهر رمضان المبارك، عيد الفطر ثم العطلة الصيفية. إذ تلجأ بعض الأسر إلى الاقتراض من الأبناك والأقارب لمسايرة ركب هذا الدخول وما يفرضه من إكراهات. ففي ظل وطأة محدودية الدخل، يضطر بعض الآباء والأمهات إلى بيع أغراضهم الشخصية، كما فعلت فاطمة، أم تعيل طفلين وبنتاً بعد وفاة زوجها ، التي تقول: "اضطررت لأن أبيع تلفازي وبعضاً من أثاث منزلي، لكي أتمكن من تسجيل أطفالي، وأقتني لهم اللوازم المدرسية، خاصة وأنه دخول تزامن مع شهر رمضان والعيد والعطلة الصيفية. وهذه كلها مناسبات تحتاج الكثير من المال، ناهيك عن عيد الأضحى الذي لا تفصلنا عنه سوى أيام قليلة»". أما بالنسبة لنجاة أم لبنتين، تقوم بمهام النظافة بإحدى العمارات السكنية، فلم تر في بيع أغراضها حلا لمشاكلها، كما فعلت فاطمة، فرضخت للأمر الواقع، حارمة ابنتيها من الدراسة... فكما جاء على لسانها: "لا فائدة من تعليم الفتاة، مادامت ستتزوج، كما أن ما يلزمني من نقود لتعليمهما لا يحفزني على تركهما تستمران في المدرسة»". بدوره يشتكي عبد الهادي من نفس الضغوط، حيث يقول: "أنا بائع خضر متجول، وأب لتوأم، ليس بحوزتي من المال ما يكفيني لتحمل تكاليف دخولهما المدرسي، عانيت كثيرا لأدبر مصاريف المناسبات التي سبقته، دون إغفال هاجس التفكير في عيد الأضحى الذي صار على الأبواب. لهذا أصبحت أفكر في أن أستعين بأحدهما للعمل معي، فتحمل النفقات المدرسية لولدين أمر مكلف، علما بأن الحكومة لا تقدم لنا أي مساعدات، بل تزيد الطين بلة، برفعها أسعار المواد الغذائية». إنها صعوبات لا يواجهها فقط ذوو الدخل المحدود، بل حتى من هم في وضع مادي أفضل، بدأوا يعانون الأمرين كلما توالت المناسبات ذات التكاليف الباهظة". فهذا مصطفى، موظف بأحد الأبناك وأب لثلاثة أطفال، يقول: "«أصبح الوضع صعباً بعد أن تزامنت المناسبات التي تحتاج الكثير من المصاريف. في السابق، لم يكن الدخول المدرسي بالأمر المقلق، أما الآن فهو يشكل هماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فأبنائي يدرسون بمدارس خاصة ويحتاجون دروساً إضافية، مما يجعلني أفكر في البحث عن منفذ جديد لمدخول آخر يعينني على مواجهة هذه الضغوط». وبتزايد حدة الإكراهات اليومية، فإن العديد من الآباء وأبنائهم التلاميذ بحثون عن أية وسيلة قد تخفف من الوطأة التي يعيشون تحت قساوتها، إذ يتجه الكثيرون إلى شراء الكتب والمقررات المستعملة، كما يفعل أيوب، وهو تلميذ بالسنة الثانية إعدادي: «"إن كتبي للسنة الماضية وكذلك ما قبلها، كلها سبق استعمالها، فأنا أستبدل كتبي بكتب أخرى، وإن لم أجد بعض المقررات عند من أتبادل معهم، أتجه إلى من يبيع كتباً مستعملة، لأنها الأرخص». هذا الأمر يثير حفيظة أصحاب المكتبات الذين يرى بعضهم أن في هذه العملية خسارة لهم، فالحسن، وهو صاحب مكتبة بأحد أحياء درب السلطان بالدارالبيضاء، يشتكي من حجم الزبائن «الذين أصبحوا يفضلون المقررات المستعملة، يقول: "مما يخفض الربح بالنسبة لمن يبيعون الكتب الجديدة ويشكل منافسة غير عادلة لنا»". محمد، وهو صاحب مكتبة أيضاً لا يرى في انتشار هذه الظاهرة أي ضرر، فهو يعي مدى صعوبة الأمر بالنسبة لأولياء الأمور، ويزيد على ذلك «من له نصيب في شيء سيأتيه، فكما توجد أسر تفضل شراء الكتب والمقررات المستعملة لأولادها، هناك أيضاً أسر لا تشتري لهم إلا ماهو جديد، وكل حسب مقدرته». ومن جانبهم، يرى بعض بائعي الكتب والمقررات المستعملة أن في هذه العملية ربحاً للبائع والمشتري، كما جاء على لسان هشام، يمتهن بيع الكتب المستعملة: "«نحن نفيد ونستفيد، إذ نبحث عن المقررات والكتب ونشتريها بأثمنة رخيصة من أصحابها ونبيعها للتلاميذ بأثمنة مناسبة. فمثلا هنالك بعض الآباء لا يتقاضون سوى ألفي درهم كأجر شهري أو أقل، من ثمَّ يصعب عليهم شراء المقررات المرتفعة الثمن... إذ قد تصل كلفة بعضها إلى ألف درهم وما يزيد، حسب المستويات الدراسية، هنا يصعب على الآباء تدارك الوضع. لهذا يلجأ إلينا العديد منهم، والتلاميذ أنفسهم أصبح العديد منهم يفضلون هذه المقررات التي تكون في حالة جيدة من حيث الشكل والمضمون»". هي، إذن، شهادات وارتسامات لمُرتبطين مباشرة ومعنيين بمحطة الدخول المدرسي "آباء وأمهات وأصحاب مكتبات، بائعو كتب مستعملة..."، تؤشر على معاناة كبيرة تتجدد أوجهها مع مطلع كل موسم دراسي جديد، في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية عنوانها البارز: "الغلاء الشامل".